الخميس - الموافق 25 أبريل 2024م

(8) الاحتلال الروماني.. “إقالة العسكرية المصرية 1-2” بقلم الكاتب والباحث: محمد السني.  

Spread the love

 

ألقينا الضوء سابقًا على المفهوم التقدمي للاستقلال الوطني في مقالتنا الأولى بعنوان “الثورة والاستقلال الوطني”، ثم تطرقنا إلى نشأة الأمة المصرية قبل التاريخ في مقالة بعنوان “أهل مصر.. أمة قبل التاريخ”، وعصر الأسر الفرعونية في ثلاث مقالات بعنوان “الدولة الفرعونية القديمة”، و”الدولة الفرعونية الوسطى”، و”الدولة الفرعونية الحديثة”، ومقالتين عن “مصر البطلمية”، ومقالتنا هذه عن “الاحتلال الروماني”.

كما أوضحنا سابقًا، رغم أن الإسكندر دخل مصر غازيًا، إلا أنه بعد تنصيب بطليموس واليًا على مصر قام بفصلها عن الإمبراطورية اليونانية، وأعلن نفسه ملكًا عليها باسم بطليموس الأول ابن لاجوس (سوتير) المنقذ، وحكم بوصفه ساترابي، أى حاكم ولاية مصر من عام 323 إلى 305 ق.م، ثم بصفته ملكًا عندما استقل بمصر تمامًا عن خلفاء الإسكندر إلى عام 284 ق.م، وبذلك أصبحت مصر دولة مستقلة تمامًا، بل وأضحت الإسكندرية عاصمة مصر منارة العالم آنذاك، وتطورت مصر وتمددت في عصر خلفاء بطليموس حتى أصبحت شبه إمبراطورية، وأدرك البطالمة كما الإسكندر الأكبر مكانة مصر وعظمة تاريخها وتراثها الحضاري والإنساني، فعملوا على مزج الحضارة المصرية العريقة والحضارة الإغريقية الناشئة، بما سمي بالحضارة الهيلنستية، التي كانت الإسكندرية قبلتها ومركز إشعاعها الأول في العالم القديم، ولكن منذ منتصف عصر البطالمة شهد العالم القديم نشأة قوة عالمية جديدة وفتية وهي الإمبراطورية الرومانية التي تطورت قوتها حتى سيطرت على البحر المتوسط، ثم استولت على المقاطعات اليونانية الواحدة تلو الأخرى، إلا أنها ظلت تحتفظ بعلاقاتها مع مصر، التي تطورت من الصداقة والتعاون إلى الحماية ثم التبعية في أغلب الحالات، تبعًا لتطور ونمو قوة الإمبراطورية الرومانية، ثم جاء الغزو والاحتلال الروماني لمصر في نهاية المطاف، بعد هزيمة كليوباترا السابعة على يد “أوفتكانوس” في معركة أكتوم عام 30 قبل الميلاد.

عرفت الجزر الإيطالية الاستيطان البشري منذ أكثر من 1500 عام، ثم نمت وتطورت فيها بلاد عرفت باسم “لاسيوم” مؤلفة من ثلاثين مدينة مستقلة في إدارتها وشؤونها الداخلية، ولكنها متحدة مع بعضها في دفع الأعداء عنها، وكانت أهم تلك المدن هي روما التي أُنشأت عام 753 ق.م، واشتق اسمها من اسم مشيدها “الأمير روميليوس” ، وكانت الحكومة الرومانية ملكية مطلقة، تمكن ملوكها تدريجيًا من إخضاع كل مدن “لاسيوم” وتوحيدها في دولة واحدة، وأسس بذلك سلسلة من سبعة ملوك حكموا روما. وفي عام 509 ق.م أسقطت ثورة الشعب الروماني الملك الطاغية “تارلينيوس”، واعتبر الرومان هذا العام مفترقًا أساسيًا في حياتهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية وأطلقوا عليه اسم “عام المجد”، وتوصل الشعب الروماني إلى تنظيم جديد للسلطة في روما بدء بإقرار حق المواطنة بالولادة، وابتداءً من ذلك التاريخ بدأت العملية الفعلية لبناء الإمبرطورية الرومانية، فعملوا على التوسع الجغرافي حيث وضعوا نصب أعينهم هدفًا أساسيًا ينحصر في التوسع الجغرافي باستخدام القوة العسكرية والسياسية والاقتصادية، ورأوا بأن هذه الطريقة هي الأفضل لتحقيق طموحات هذه الدولة الفتية، فبدأوا بحروب شبيهة بالغزوات القبلية المحدودة تستهدف إخضاع العشائر والعائلات المحيطة بروما وكان ذلك خلال مراحل قيام الجمهورية الأولى التي قامت بتأسيس الإمبراطورية الرومانية، ثم بدأت مرحلة قيام الجمهورية الثانية التي شهدت تحول الدولة الصاعدة من قوة لاتينية داخل شبه الجزيرة الإيطالية إلى قوة عسكرية عالمية تتأثر بما يجري وتؤثر على ما يجري في مركز العالم القديم (حوض البحر الأبيض المتوسط)، وفي هذه المرحلة انتهت حروب روما داخل شبه الجزيرة الإيطالية، وبدأت حروب الرومان مع الفينيقيين (القرطاجيين) التي كانت مدينة قرطاجة الكائنة في شمال أفريقيا عاصمة لهم، وقد سميت هذه الحروب (بالحروب البونيقية). وقد استمرت الحرب البونيقية من عام 264 ق.م إلى عام 241 ق.م، انتهت بهزيمة الفينيقيين على يد الرومان وسقوط عاصمتهم “قرطاجة” على ساحل البحر المتوسط. وهذا الانتصار الروماني كان من نتائجه السيطرة الرومانية على الساحل الأسباني الشرقي والجنوبي وتم تقسيم أسبانيا إلى مقاطعتين تحت اسم أسبانيا القريبة وأسبانيا البعيدة. إثر الانتهاء من درء الخطر القرطاجي اتجهت أنظار الرومان شرقًا وأصبحوا يفكرون في الاستيلاء على مملكة مقدونيا، وشن الرومان سلسلة من المعارك التي انتهت باحتلال كامل للأراضي المقدونية في الشرق وتم السيطرة على بلاد الإغريق (اليونان) وبنهاية هذه الحروب اتسعت حدود الجمهورية الرومانية من أسبانيا غربًا إلى السواحل الغربية لآسيا الصغرى شرقًا، بالإضافة إلى الأراضي القرطاجية في شمال إفريقيا، وقسمت هذه الأراضي الشاسعة إلى سبع مقاطعات مرتبطة بالحكومة المركزية في روما. ثم وجهوا اهتمامهم إلى العالم الإغريقى في شرق المتوسط وتمكنوا من إسقاط مملكتين من الممالك الهيلنستية الثلاثة، مقدونيا أولا سنة 148ق.م، ثم الدولة السلوقية سنة 64ق.م. ولم يتبقى سوى المملكة البطلمية المصرية. وبعد هذه الانتصارات أصبحت الدولة الرومانية دولة عظمى يصعب قهرها وتتحكم بمقدرات العالم القديم الغربي والشرقي وفي هذه المرحلة بدأ التاريخ الروماني يضج باسماء القادة والزعماء المنتصرين وتحولوا إلى طبقة حاكمة تؤثرة على مجرى الأحداث في روما وخارجها، وبعد فترة الراحة التي تلت الحرب كانت مقدمة لمرحلة جديدة من الفتوحات الرومانية الواسعة. وبدأت عملية التوسع بالتوجه نحو فرض النظام الإمبراطوري الأول.

أدركت مصر البطلمية مبكرًا صعود نجم الإمبراطورية الرومانية، فعندما بدأت قوة روما في الظهور في عام 273 ق.م بدأ بطليموس الثاني علاقات دبلوماسية بينه وبين روما وأرسل سفارة أى مندوبين عنه لكي يعقد أواصر الصداقة بين الطرفين. وكان إحساس بطليموس الثاني عن نمو قوة روما الحربية صحيحًا، ففي الوقت الذي دخلت فيه روما في حروب للاستيلاء على الممالك الهيلنستية التي تساقطت تحت حكمها الواحدة تلو الأخرى، ظلت مصر مستقلة صديقة لروما لدرجة أن روما منحتها “الحماية” في عدة مناسبات عندما كانت الحاجة تدعو إلى ذلك، وكان نفوذ روما قد بدأ يتغلغل في مصر منذ عصر بطليموس الخامس في القرن الثاني قبل الميلاد، وزاد مع وفاة بطلميوس التاسع سنة 80 ق.م، حيث كان الحكام البطالمة يلجأون إلى روما لتقوية مركزهم نتيجة للاضطرابات الداخلية وتنازعهم على الحكم، حتى أصبح الملك البطلمي لا يستقر على عرشه دون رضاء روما عنه ودون أن تسنده قوة رومانية تقيم في الإسكندرية. وبعد مقتل يوليوس قيصر دارت في روما حرب أهلية طاحنتة انتهت بانتصار أوكتافيوس وأنطونيوس على أعدائهم وسيطرتهم على الإمبراطورية الرومانية، ثم قاموا بتقسيم الإمبراطورية إلى قسمين القسم الغربي ويحكمه أكتافيوس والقسم الشرقي ويحكمه ماركوس أنطونيوس. وعندما ذهب أنطيوس إلى القسم الشرقي فتن بجمال كليوباترا السابعة حاكمة مصر، فأصبح طوع بنانها، وفي عام 37 ق.م تزوجت كليوباترا من أنطونيوس في الوقت الذي كان لا يزال متزوجًا من أوكتافيا شقيقة أوكتافيوس مما أدى إلى تأزم العلاقة بينهما، لدرجة أن أنطونيوس أعلن طلاقه من زوجته أوكتافيا شقيقة أوكتافيوس، وقام بتقسيم الأجزاء الشرقية من الإمبراطورية الرومانية على كليوباترا وابنها قيصرون وابنائه منها. وقد استغل أوكتافيوس بعض الأخطاء التي وقع فيها أنطونيوس في الشرق لشن حملة سياسية شعواء ضده والتنديد بعلاقته بالملكة المصرية وبحكم وجود أوكتافيوس في روما استطاع أن يثير الرأي العام الروماني ضد أنطونيوس والملكة المصرية، حيث صور موقفه على أنه قد حول الولايات الشرقية كلها إلى مملكة من الطراز الشرقي يجلس هو وكليوباتر على عرشها ويرثها أبنائهم وهو ما يعني خيانة الشعب الروماني. ولما كان أوكتافيوس يدرك أن لأنطونيوس أنصارًا بين الرومان، فإنه لم يعلن الحرب على أنطونيوس حتي لا تبدو حربًا أهلية بين زعيمي روما من أجل التنافس على السلطة وإنما أعلن الحرب على كليوباترا باعتبارها عدوة للشعب الروماني حتى يضفي عليها صفة الحرب القومية ضد الخطر الأجنبي القادم من الشرق، ويظهر أنطونيوس بمظهر الخائن لبلاده. وهكذا وقعت معركة أكتيوم البحرية وانتصر أوكتافيوس على أنطونيوس، وانتحر أنطونيوس بعد أن أوصدت جميع الأبواب في وجهه وخاصة بعد أن أشاعت كليوباتر أنها ماتت. أما كليوباترا عندما أيقنت أنه لم يبق إلا أن تُحمل ذليلة إلى روما لتُعرض عبر شوارعها في مهرجان نصر أوكتافيوس، قامت بالانتحار بواسطة حية الكوبرا، رمز الخلود عند المصريين، وهي ميتة ترفعها إلى مصاف الآلهات.. وفي نهاية شهر أغسطس سنة 30 ق. م أعلن أوكتافيوس ضم مصر إلى ممتلكات الشعب الروماني، وتحولت مصر إلى ولاية رومانية.

وهكذا ترتب على ضم مصر إلى الإمبراطورية الرومانية فقدانها لاستقلالها في كافة النواحي، وأرتباط مصيرها بمصير الدولة الرومانية، وأصبحت مصر لأول مرة في تاريخها الطويل، تابعة لإمبراطورية أخرى تدار من خارج حدودها، وهي الإمبراطورية الرومانية، وتم حرمان المصريين من الاشتراك في الجيش، مما جعلهم يعيشون كالغرباء عنها، وأصبحت مصر للمرة الأولى منذ توحيدها على يد الملك نارمر (مينا)، بدون جيش مصري، مما أفقدها زراعها الرادعة، والباطشة على أعدائها، والصانعة لاستقلالها، والحارسة لحدودها وأمنها القومي، والضامنة لاستقرارها ونمائها، وقد أدى ذلك إلى إطالة أمد الاحتلال الروماني ومن بعدة البيزنطي. وذلك على خلاف ما كان عليه الحال في العصر البطلمي، حيث كانت مصر دولة مستقلة تمامًا تحكمها أسرة حاكمة من أصول مقدونية، ولكنها تتشبة بفراعنة مصر الأقدمين في كل شيء. هكذا بدأت مصر رحلة جديدة في التاريخ فقد أولى أكتافيوس منذ اللحظات الأولى مصر وضعًا خاصًا نظرًا لأهميتها الاقتصادية والإستراتيجية، فجعلها من الولايات التابعة لإدارته مباشرة وليس إلى إدارة مجلس “السناتو” وقام على الفور بوضع نظام إدارى دقيق لإدارتها وترك بها ثلاث فرق عسكرية وبعض الكتائب الحدودية لحفظ الأمن، كما منع رجال السناتو من زيارتها إلا بإذن خاص منه وربما بدت تلك التدابير طبيعية نظرًا لأهمية مصر الاقتصادية حيث كانت مخزن غلال روما إذ كانت تمدها بحوالى ثلث حاجتها من الغلال كما كانت ذات أهمية إستراتيجية تمكن أى والي طموح من الاستقلال عن سلطة روما وربما مناهضتها أيضًا كما حدث في الماضى من انشقاق أنطونيوس وتطلعه للاستقلال عن روما.

كان كورنيللوس جالوس وهو القائد الذي اقتحم مصر من حدودها الغربية عند برايتونيون (مرسى مطروح الحالية) أثناء الصراع مع أنطونيوس وكليوباترا هو أول الولاة على مصر، وفى عهده ثار المصريون في طيبة على الحكم الرومانى الجديد، حيث شعر المصريون في ظل الحكم الروماني لمصر باضطهاد كبير لهم نتيجة لإلغاء مجلس المدينة الذي كان يعقد أثناء فترة الحكم البطلمي لمصر، وعدم المشاركة في الحكم، وكذلك التنظيمات المالية الجديدة التي طبقها الرومان، والضرائب الباهضة التي فرضت علي المصريين، والاستغلال الاقتصادي لثروات مصرحيث أصبحت مصر مزرعة للقمح لتزويد روما وتوزيعها على سكانها لكسب تأييدهم. فتوجه إليهم وأخمد ثورتهم وواصل زحفه جنوبًا حتى تجاوز الشلال الأول (شلال أسوان) وادعى أنه أخمد ثورات الإثيوبيين وأدخلهم تحت الحماية الرومانية وبلغت به نشوة الانتصار درجة جعلته يحفر ذكرى انتصاراته على جدران المعابد وعلى سفوح الأهرام ويقيم التماثيل لنفسه في أماكن متفرقة من مصر فأثار ذلك غضب الإمبراطور أغسطس (أوكتافيوس) واستدعاه إلى روما للمحاكمة فأقدم كورنيللوس على الانتحار سنة 26م.. تولى بعده الوالي الثاني إيليوس جاللوس (26-24م) الذي اشتهر بحملته على بلاد العرب (اليمن) التي أمر بها أغسطس  بهدف السيطرة على تجارة الشرق ونفذها إيلليوس، وقد صاحب المؤرخ الجغرافي الشهير إسترابون إيلليوس جايوس فى حملته وكتب وصفًا عن بلاد العرب يعتبر أقدم ماوصل إلى العالم عن تلك البلاد. ونجحت الحملة في استكشاف طرق التجارة وتأسيس علاقات تجارية قوية مع هذه البلاد. وقد أرسل أغسطس حملة أخرى على بلاد العرب بقيادة حفيده جايوس قيصر ولم تستغرق هذه الحملة وقتًا طويلًا، وانحصر هدفها في تعميق العلاقات التجارية مع هذه البلاد والتي أخذت تتطور باضطراد بالفعل حتى ضم الرومان بلاد العرب رسميًا إلى الإمبراطورية في عهد الإمبراطور تراجان سنة 106م، والذى تقرر في عهده إعادة حفر قناة نكاو التي تربط النيل بالبحر الأحمر والتي سُميت بقناة تراجان آنذاك بهدف تسهيل الاتصالات مع هذه المناطق من الإمبراطورية.. وقد أغرى غياب القوات الرومانية عن مصر الإثيوبيين بالخروج عن الطاعة والإغارة على المناطق الحدودية، فقام الوالى الثالث في عصر أغسطس جايوس بترونيوس (24-21م) بالتصدي لهم وإجبارهم على توقيع معاهدة صلح جديدة مع الرومان، لكنهم نقضوا العهد وأغاروا على مصر، ومرة أخرى تصدى لهم الوالي وهزمهم وأرسل وفدهم لطلب الصلح من أغسطس نفسه. وقد وقع أغسطس معهم اتفاقية صلح وأعفاهم من الجزية ووضع الرومان استحكامات قوية على الحدود وبهذا الشكل عم السلام جنوب مصر ولم تشهد المنطقة أي اضطرابات أخرى فى عصر أغسطس.

وبعد وفاة الإمبراطور أغسطس في عام 14م تولى العرش ابنه بالتبني تيبيريوس وقد شهدت مصر في عهده حالة من الاستقرار والنمو الاقتصادى نتج عنها سحب إحدى الفرق الرومانية المرابطة بمصر وكذلك إصدار عملة جديدة في مصر. ومن أشهرالكلمات التي حفظها التاريخ لتيبريوس رده على الحاكم الروماني لمصرعندما حاول استرضائه بإرسال قدر أكبر من الجزية قائلًا “إننى أرسلتك لكي تجز غنمي لا لكي تسلخها”.. وبعد وفاة تيبريوس تولى كاليجولا (37-41م) ابن جريمانيكوس عرش الإمبراطورية، وأهم ما يميز عهده في مصر هو فتنة يهود الإسكندرية سنة 38م. وكان اليهود طائفة مفضلة في الإسكندرية منذ أيام الإمبراطور أغسطس وكانوا يسكنون الحي الرابع من مدينة الإسكندرية (حي دلتا) ويطبقون شعائرهم ولهم مجلس تشريعي منحه لهم أغسطس مما كان يثير مشاعر السكندريين الإغريق ضدهم. وقد أثار هذه الفتنة مرور “أجريبا” الأمير اليهودي بالإسكندرية في طريقه من روما لتولي بعض الولايات في فلسطين وهو حفيد هيرود الملك اليهودي الشهير الذي ولد المسيح في عهده، وكان أجريبا قد قضى جزءً من حياته في البلاط الإمبراطوري في روما ونشأ مع أبناء الأسرة الحاكمة وكان صديقًا للإمبراطور كاليجولا. وقد أثار السكندريون احتفاء الوالي الروماني به واستقبال اليهود له كأحد الملوك فقاموا بالسخرية منه وألبسوا أحد المعتوهين زي الملوك وأخذوا  يمرون به في شوارع الإسكندرية ويهتفون خلفه باسم “أجريبا” مما أثار اليهود وفجر قتالًا بينهم وبين السكندريين والذى أخذ الحاكم الرومانى خلاله موقف السكندريين رغم علمه بصداقة أجريبا للإمبراطور كاليجولا وذلك بحجة رفض اليهود إقامة تماثيل الإمبراطور فى معابدهم. وفي ذلك القتال خُرب حي اليهود وسقط الكثير منهم قتلى فأرسلوا يستنجدون بالإمبراطور فأرسل قوة قبضت على الحاكم الروماني وإقتادته إلى روما حيث حوكم وتم نفيه ومصادرة أملاكه ثم أُعدم بعد ذلك. وفى أعقاب ذلك سارع كلا الحزبين بإرسال بعثة إلى روما لمقابلة الإمبراطور والدفاع عن قضيته وكانت بعثة اليهود بقيادة الكاتب والفيلسوف اليهودى “فيلون” أما بعثة السكندريين  فكانت بقيادة “أبيون” أحد زعماء الإسكندرية. وأثناء ذلك كان يهود فلسطين قد دمروا أحد المعابد التى أقامها الإغريق لعبادة الإمبراطور مما جعله يثور ثورة عارمة ويأمر بوضع تمثال ضخم له في معبد اليهود في أورشليم وبدا أن القضية أصبحت تتحرك في غير صالح اليهود وأن الإمبراطور كان على وشك أن يصدر ضدهم حكمًا قاسيًا لولا أن أنقذهم القدر باغتيال كاليجولا سنة 41م.. وتولى بعده الإمبراطور كلودويوس (41-54م) وفي عهده تجددت فتنة اليهود سنة 41م وكانوا هم الذين بادروا بالعدوان على السكندريين سنة 41م ولكن الحاكم الروماني سارع بالقضاء عليها في مهدها. وسارع كل من اليهود والسكندريين بإرسال بعثة أخرى إلى روما كان الهدف الظاهر منها هو تهنئة الإمبراطور بولاية العرش أما الهدف الحقيقي فكان الدفاع عن نفسه وإتهام الطرف الآخر. وردًا على ذلك  أرسل الإمبراطور رسالة إلى الإسكندرية تتعلق بمطالب الطرفين، قبل فيها تكريم السكندريين له لكنه رفض مطلبهم فى أن يقيموا المعابد لعبادته قائلًا إن المعابد يجب أن تقام للآلهة فقط وكأنه أراد بذلك أن لايكرر الخطأ الذى وقع فيه الإمبراطور كاليجولا كما أقر لهم بالإمتيازات التي منحهم إياها أغسطس من قبل مثل إعفائهم من ضريبة الرأس لكنه رفض مطلبهم المتكرر بإ نشاء مجلس للشورى (مجلس البولي) اسوة باليهود وأخبرهم بأنه سوف يحيل الأمر إلى الحاكم لبحثه وأوصاهم بعدم التحرش باليهود أو التدخل في شعائرهم. أما بالنسبة لليهود فقد أوصاهم بأن لايطمعوا في مزيد من الامتيازات وأن لايتدخلوا في شؤون معاهد الجمنازيوم التي تقتصر عضويتها على الإغريق فقط وأن لاينسوا أن الإسكندرية ليست مدينتهم وأن يكفوا عن جلب مزيد من اليهود من فلسطين إليها. ويبدو أن هذه الرسالة لم ترض أي من الطرفين إذ لم تحقق آمال اليهود في الحصول على مزيد من الامتيازات كما أنها لم ترض مطلب السكندريين الدائم والمتكرر في منحهم حق تكوين مجلس شورى خاص بهم في الوقت الذي أقرت فيه لليهود بحقهم في مثل ذلك المجلس وقد عبر السكندريون عن غضبهم المكبوت ذلك في نوع من الأدب الشعبى أُطلق عليه اسم أعمال السكندريين عبروا فيه عن كراهيتهم لليهود والرومان ووصفوا فيه زعمائهم بأوصاف الأبطال الذين تحدوا الأباطرة الرومان.

خلف نيرون كلوديوس على عرش الإمبراطورية (54-68م)  وقد تولى الحكم صغيرًا في السادسة عشرة من عمره وكان ذا شخصية مضطربة أثرت على أسلوب إدارة حكمه للإمبراطورية، ومن أشهر أحداث عصره ثورة اليهود في فلسطين سنة 66م والتي كان لها أصدائها في مصر، حيث تسببت في تحريك العداء الدائم بين السكندريين الذين عبروا عن تأييدهم للإمبراطور واليهود الذين أثار ذلك حفيظتهم، فانفجرت مرة أخرى موجة من الاحتكاكات بين الطرفين سقط فيها حوالي خمسين ألف يهودي. أرسل نيرون قائده فسباسيان لقمع ثورة اليهود في فلسطين سنة 67م، لكن الاضطرابات عمت روما أثناء تلك الفترة وانتحر الإمبراطور نيرون وتدخل الجيش ضد مشيئة السناتو في تحديد شخص الإمبراطور القادم وحدث صراع مسلح على السلطة، وفي ذلك الصراع نادى الوالي الروماني في مصر تيبريوس يوليوس إسكندر وهو يهودي الأصل ومعه القوات الرومانية في مصر بفسباسيان القائد الذي تولى قمع ثورة اليهود إمبراطورًا، وسرعان ما أيدت القوات الرومانية في فلسطين وكثير من المناطق الرومانية الأخرى ذلك المطلب. واستجاب فسباسيان لذلك وترك ابنه تيتوس على حصار أورشليم، وزحف على مصر تأمينًا لمخازن الغلال في صراعه على منصب الإمبراطور، ثم زحف على روما وقتل منافسه فيتلوس وتمكن من إرتقاء العرش في ديسمير سنة 69م. وفي فلسطين تمكن تيتوس من  تدمير معبد سليمان والقضاء على ثورة اليهود وتحويل بلادهم إلى ولاية رومانية في سبتمبر سنة 70م. وبعد سقوط أورشليم زار تيتوس الإسكندرية وأظهر مشاعر طيبة تجاه السكندريين والمصريين بشكل عام وحرص على حضور بعض أعيادهم الدينية. وفي تلك الأثناء كان بعض يهود فلسطين قد فروا إلى الإسكندرية وأخذوا يحرضون اليهود فيها على الثورة، إلا أن يهود الإسكندرية لم يستجيبوا لهم ومع ذلك فقد اتخذت السلطات الرومانية إجراءات شديدة ضد اليهود وقامت بإغلاق معبد اليهود في منطقة تل اليهودية خشية أن يتخذ منه اليهود قبلة بدل معبد أورشليم، كما أمر الإمبراطور فسباسيان بفرض مزيد من الضرائب عليهم.. وعندما إرتقى تيتوس العرش بعد وفاة والده سنة 79م  استمر في سياسة احترامه للآلهة المصرية وخاصة الربة إيزيس التي كان الإمبراطور فسباسيان قد سك عملة باسمها، كما أعاد دوميتانيوس شقيق تيتوس الأصغر والذي تولى العرش بعد وفاتة سنة 81م بناء معبدها في ساحة الإله مارس في قلب روما، وقد استمرت تلك السياسة الودية تجاه المصريين خلال كل عصر الأسرة الفيلافية التي أسسها فسباسيان والذي انتهى بموت الإمبراطور دوميتانوس سنة 96م.

لم يكن لدوميتيانوس وريث شرعي لذا فقد قرر الرومان إيجاد نظام جديد يقوم على الاختيار وليس على الوراثة، وبالفعل تم إختيار نرفا (96-98م) لولاية العرش لكن مصر لم تشهد أحداثا هامة في عهده، وقد اختار نرفا أحد القادة الأكفاء ليكون خلفا له وهو تراجان (98-117م)، والذي تولى العرش بالفعل بعد وفاة نرفا وكان أول الأباطرة الذين ينحدرون من سكان الولايات، وفي عهد تراجان حدثت مجاعة في مصر بسبب انخفاض فيضان النيل كما تجدد الصراع بين اليهود والسكندريين، وقد قام الإمبراطور بالعمل على تخفيف المجاعة وأرسل إلى مصر أسطولًا محملًا بالغلال، أما العلاقات بين السكندريين واليهود فقد كان قد سادها الهدوء بعد سقوط أورشليم لفترة طويلة ولكن الصراع تجدد سنة 113م، ففى ذلك العام كان الإمبراطور تراجان يقوم بحملة في الشرق واضطر إلى سحب بعض القوات من الولايات وسحب إحدى الفرق من مصر، فانتهز اليهود هذه الفرصة وأخذوا ينفثون عما في صدورهم ضد الرومان والإغريق، وكانت البداية وقوع صراع بين اليهود والإغريق في قورينائية بشرق ليبيا لم يلبث أن تحول إلى حرب شاملة ضد الإمبراطورية الرومانية فامتدت إلى مناطق أخرى مثل مصر وبرقة وقبرص وبلاد الرافدين وقام اليهود بأعمال وحشية ضد الإغريق وقاموا بهدم معابدهم، وفي مصر امتدت الثورة إلى الريف المصرى فقد زحف يهود برقة على الأراضي المصرية في سنة 116م ولكنهم عجزوا عن اقتحام الإسكندرية فتحولوا إلى مناطق أخرى وعاثوا فيها فسادًا واضطرت السلطات الرومانية إلى تجنيد الأهالي وتسليحهم لمقاومة اليهود وتمكن الرومان من إخماد هذه الثورة سنة 117م ولكنها تركت آثارًا مدمرة على مرافق البلاد.. وبعد وفاة تراجان سنة 117م ارتقى العرش الإمبراطور هادريان (117-138م) وقد زار هادريان مصر وحرص على زيارة آثارها وخاصة تمثالي ممنون كعادة الرومان. وقد كان هادريان عاشقًا للحضارة الإغريقية ولذا فقد بنى مدينة إغريقية رابعة في مصر هي مدينة أنتينوبوليس ( الشيخ عبادة بمحافظة المنيا حاليا) تخليدًا لذكرى صديقه أنتينوس الذي غرق في النيل عند تلك البقعة أثناء زيارة هادريان لمصر العليا، وفي تلك الزيارة قام هادريان أيضًا بلقاء علماء مكتبة الإسكندرية والمتحف (الموسيون).. وقد تولى عرش الإمبراطورية بعد هادريان أنطونويوس بيوس (التقي) 138-161م، وفي عهده وقعت ثورة في الإسكندرية راح ضحيتها الحاكم الرومانى سنة 153م مما اضطر الإمبراطور إلى الحضور بنفسه إلى مصرلإخمادها.

حتى ذلك العهد اقتصرت ثورات مصر على السكندريين الإغريق واليهود فقط ولكن في عهد الإمبراطور ماركوس أوريليوس ( 161-180م) قام المصريون بثورة عنيفة سنة 172م تحت زعامة أحد الكهنة المدعو “إيزيدور” وهي الثورة التي عُرفت بثورة الرعاة. ويبدو أن الذي شجع المصريين على هذه الثورة هو سحب بعض القوات الرومانية من مصر إلى جبهة الدانوب. وقد تركزت الثورة في شمال الدلتا وفشلت السلطات الرومانية في القضاء عليها فاستعانت ببعض القوات من سوريا. وبالفعل وصلت القوات الرومانية من سوريا بقيادة “إيفيديوس كاسيوس” وتمكنت من القضاء على الثورة ولكن هذا القائد بلغه نبأ كاذب بموت الإمبراطور ماركوس أوريليوس فأعلن نفسه إمبراطورًا وحصل على تأييد جنوده وتأييد أهالي مصر والإسكندرية سنه 175م إلا أن تمرده فشل إذ سرعان ماتعرض للاغتيال على يد أحد ضباطه. وفي العام التالي 176م زار الإمبراطور ماركوس أوريليوس الولايات الشرقية ومنها مصر وعفا عن كل من اشترك في التمرد بل أنه رفض حتى رؤية رأس المتمرد وأمر بدفنها.. ولكن تلك السياسة الحكيمة لم تستمر فى عهد ابنه وخليفته كومودوس (180-192م) إذ كان كومودوس ميالًا للعنف بطبعه فأخذ فى ملاحقة الذين إشتركوا فى تمرد كاسيوس والتنكيل بهم كما حاول التحرر من الاعتماد الكلي لروما على الغلال المصرية  فقام ببناء أسطول جديد لنقل الغلال من شمال إفريقيا إلى روما عُرف بالأسطول الإفريقي.. وبعد اغتيال كومودوس سنة 192م تنازع على العرش عدد من القادة العسكريين حتى تمكن أحدهم وهو “سبتميوس سفيروس” قائد حامية الدانوب من القضاء على منافسيه والاستيلاء على الحكم (194-211م). وفي عام (199-200م) زار سبتميوس سفيروس مصر وقضى فيها عامًا كاملًا وقد أدخل سفيروس تعديلات في النظم الإدارية التي وضعها أغسطس لمصر فمنح الإسكندرية مجلسًا تشريعيًا وكذلك بالنسبة لسائر المدن المصرية في محاولة منه لتوحيد النظم الإدارية في الإمبراطورية وقد زار سفيروس معالم مصر التاريخية كعادة الرومان.. وخلفه في الحكم ابنه كاركالا (211-217م) الذي اشتهر في التاريخ بمنح حق المواطنة الرومانية لجميع رعايا الإمبراطورية باستثناء فئة المستضعفين أو المستسلمين والذى ثار جدل حول ما إذا كان المصريون منهم أم لا؟. وقد زار كاراكالا مصر سنة 215م وعاقب أهالي الإسكندرية عقابًا شديدًا عندما سخروا منه وسبوه بسبب قتله لأخيه جيتا فجمع أعدادًا كبيرة من شباب الإسكندرية في إستاد المدينة وأمر بقتلهم وأمر جنوده بنهب المدينة كما أمر بإخراج جميع المصريين الذين هربوا من الريف إلى الإسكندرية في محاولة للتهرب من أداء إلتزاماتهم تجاه الدولة.. وفي الفترة التالية الواقعة بين حكم الإمبراطور سيفيروس الإسكندر (222-235م) وتولي دقلديانوس العرش سنة284 ق.م انتشرت الفوضى وكثرت محاولات الاستقلال في الإمبراطورية ولم تلعب مصر دورًا يُذكر في أحداث تلك الفترة. وفي منتصف القرن الثالث جلس على عرش الإمبراطورية ديقيوس الذي شهد عهده أول اضطهاد ديني كبير للمسيحين وكانت المسيحية قد بدأت تظهر كديانة في الإمبراطورية وبدأ الأباطرة يتنبهون لخطرها على العبادات الرومانية التقليدية ومنها عبادة الأباطرة. وفى تلك الفترة أيضا شهدت مصر محاولات للاستقلال ولكن تم القضاء عليها.

وفي عام 269م تعرضت مصر لغزو من الشرق قامت به “زنوبيا” ملكة تدمر بمساعدة بعض تجار الإسكندرية واضطر الإمبراطور الروماني إلى الاعتراف بوهب اللات ابن زنوبيا شريكًا له في الحكم. لكن الإمبراطور الروماني أوريليانوس سرعان ماقاد قواته في آسيا الصغرى وحارب زنوبيا وهزمها وأخذها أسيرة إلى روما بينما أرسل قائده بربوس إلى مصر حيث تمكن من استعادتها سنة 271م. ولكن تلى ذلك قيام ثورة ضد الحكم الروماني في الإسكندرية تزعمها تاجر يدعى “فيرموس” وكان ممن ساعدوا زنوبيا في احتلالها لمصر واضطر الإمبراطور أوريليانوس إلى الحضور بنفسه لقمع الثورة. لكن الأمر لم ينتهي عند هذا الحد فبعد وفاة أوريليانوس نادت القوات الرومانية في مصر بقائدها بربوس إمبراطورًا وقد تمكن بالفعل من التربع على عرش الإمبراطورية لمدة خمسة أعوام إلى أن قُتل على يد أحد الجنود في عام 282م وعمت الفوضى أرجاء الإمبراطورية لمدة عامين حتى تمكن دقلديانوس من تولي العرش في عام 284م والذي يعد عهده بداية لمرحلة جديدة في تاريخ الإمبراطورية الرومانية. فقد حضر دقلديانوس إلى مصر لمواجهة خطر الإنشقاق الذي قاده أحد القادة الرومان الذي اشتهر في الإسكندرية باسم “أخيليوس” واضطر دقلديانوس لمحاصرة الإسكندرية لحوالي ثمانية أشهر دمر خلالها أجزاء كثيرة من المدينة واضطرته الحالة التي وصلت إليها المدينة إلى توزيع شحنات القمح التي كانت مخصصة للشحن إلى روما على سكان المدينة. كما عمل دقلديانوس على إصلاح النظام الإداري والاقتصادي في الإمبراطورية فقام بتقسيم الإمبراطورية إداريًا إلى قسمين، شرقي وغربي، وجعل نفسه إمبراطورًا على الجزء الشرقي منها بينما جعل زميله مكسيميان إمبراطورًا على الجزء الغربي وعين لكل منهما نائبًا بلقب قيصر كما فصل بين السلطتين المدنية والعسكرية في الولايات وقسم الولايات الكبرى إلى عدد من الولايات الصغرى ليخفف العبء عن الإدارة المركزية وعلى ذلك فقد انقسمت مصر في عهده إلى ثلاث ولايات. واقتصاديًا فقد قام بإصدار عملات ذهبية وفضية وبرونزية جديدة كما أخضع جميع الولايات لنظام ضريبى موحد فعمل على فرض ضريبة مزدوجة جديدة على الأفراد والأرض في كل أنحاء الإمبراطورية. ثم عمل بعد ذلك على القضاء على الخطر الأعظم الذي كان يهدد الإمبراطورية في عهده وهو انتشار المسيحية والذي أخذ يهدد العقائد الوثنية القديمة وعلى رأسها عبادة شخص الإمبراطور التي كانت تمثل أحد دعائم وحدة الإمبراطورية. وفي القرن الثالث الميلادي بدأت ثورات المصريين تأخذ الطابع الديني مستخدمة الاستقلال عن الكنيسة الكاثوليكية الرومانية وسيلة لتأكيد الخصوصية المصرية وبديلًا عن الحكم الذاتي المدني. فعندما لم يستطع المصريون تحقيق درجة من الاستقلال المدني والحكم الذاتي في ظل الإمبراطورية مثلما تحقق للأقاليم الأخرى، حاولوا تحقيق ذلك على مستوى العقيدة والتنظيم الكنسي. وبذلك نشأت الكنيسة القبطية المصرية كمحاولة للاستقلال عن روما. لقد كانت حركة تأسيس الكنيسة القبطية المصرية أول حركة اعتراض على الكنيسة الكاثوليكية في تاريخ المسيحية، وسبقت الحركة البروتستانتية الأوروبية بإثنتي عشر قرنًا. وقد بدأ الإمبراطور دقلديانوس فى عام 298م بمحاولة محدودة لتطهير الجيش والإدارة من المسيحيين بينما كان يستعد لحرب الفرس ولكنه وفي عام 303م وقبل تنازله عن العرش بسنتين فقط بدأ يشعر باليأس بسبب الإنقسام الديني والمذهبي داخل الإمبراطورية فبدأ حملة اضطهاد ضد المسيحيين كانت أقسى مما عرفه المسيحيون في عهد سبتميوس سفيروس ودقيوس حتى أُطلق على عهده اسم “عصر الشهداء” نسبة إلى الأعداد الهائلة التي لقيت حتفها من جراء سياسة الاضطهاد الذي أمر بها وقضت بجمع نسخ الكتاب المقدس وحرقها وتدمير الكنائس ومنع المسيحيين من الاجتماع والعبادة وقد نُفذت تلك التعليمات بقسوة بالغة ونظرًا لأن حاكم مصر في ذلك الوقت كان من الحزب المناهض للمسيحيين فقد كان الاضطهاد في مصر أشد قسوة من بعض الولايات الأخرى وراح ضحيته آلاف من الناس من شتى الطبقات والمناطق.. وقد استمر اضطهاد المسيحيين بعد دقلديانوس وخاصة في عهد الإمبراطور جاليروس الذي خلف دقلدانوس مباشرة وذلك حتى أعلنها قسطنطين الكبير(323-337م) كأحد الديانات الرسمية في الإمبراطورية في مرسوم ميلان سنة 312م بعد انتصاره على منافسه مكسنتيوس وقتله في معركة جسر ميلفيان ثم اتخذ الخطوة النهائية بإعلان المسيحية الديانة الرسمية للإمبراطورية بعد الانتصار على شريكه في الحكم كيسينويس في معركة أدرنة وكريسبوليس وانفراده بحكم الإمبراطورية. ومنذ ذلك التاريخ بدأ تحول الإمبراطورية الكبير والسريع نحو المسيحية الظافرة على حساب العقائد الوثنية القديمة والتى بدأت تتهاوى أمامها في سرعة شديدة. وبدأ عصر جديد في تاريخ مصر والعالم هو العصر البيزنطي أو العصر المسيحي.

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك