الجمعة - الموافق 19 أبريل 2024م

(33) الحرية مهمة تاريخية (الجزء الأخير).. بقلم الكاتب والباحث: محمد السني

Spread the love

ألقينا الضوء سابقًا على “بريق شعار الحرية” إبان الثورة المصرية 25-30، ثم تطرقنا إلى ولادة مصطلح الحرية، وتطور مفهوم الحرية

خلال الحضارة الإغريقية، والحضارة الرومانية، والمفهوم المسيحي للحرية، وعصور الظلام الأوروبية، والحضارة الإسلامية، والحضارة المصرية القديمة، والعصور الوسطى المصرية، وعصري النهضة والتنوير الأوروبيين، وكل من الليبرالية الكلاسيكية، والليبرالية الاجتماعية، والليبرالية الجديدة، وحقوق الإنسان، والاشتراكية العلمية، والاشتراكية الديمقراطية، وما بعد الحداثة، والعثمانيين، والحملة الفرنسية، ولحظة الوعي المصرية الأولى، ومرحلة التأصيل الفكري المصري للحرية، ومرحلة الزخم التنويري المصري، والتيار الاشتراكي العلمي المصري، والإسلام السياسي، وناصر والديمقراطية الاجتماعية، والتجربة الحزبية المصرية الثانية، وثورة 25 يناير والحرية، وسرقة الثورة، والثورة والاستبداد الديني، ومقالتي هذه عن “الحرية – مهمة – تاريخية”.

تسببت التعقيدات السياسية التي أحدثها تيار التأسلم السياسي كما أوضحنا سابقًا،  في إرباك المشهد السياسي، وتحريف الثورة عن مسارها الصحيح، وضياع أهداف الثورة التي قامت من أجلها، كا أحدثت تغير نوعي هام في قوى الثورة المصرية كما في موازين العلاقات بين القوى السياسية، فبينما كانت قوى الثورة في 25 يناير تضم اليسار والقوميين وجناح عريض من الليبراليين، والقوى الشبابية الغاضبة على مجمل الأوضاع المتردية في مصر آنذاك (أغلبهم ليبراليون)، ومنظمات المجتمع المدني التي أخذت في التجذر قبل الثورة بعدة سنوات، وتوفرت لها مساحة من العمل العام أفضل نسبيًا من الأحزاب السياسية المحاصرة داخل مقراتها، وخاصة في مجالات حقوق الإنسان والمرأة والطفل وأطفال الشوارع… وغيره، كما ضمت قوى الثورة للمرة الأولى في مصر جماعة الإخوان المسلمين التي طرحت نفسها كتيار معارض للنظام السياسي القائم قبل ثورة يناير، وذلك بعد أن تبين بشكل جلي أن النظام فقد شرعيته بشكل كامل، ولم يعد لديه ما يقدمه سوى الخراب كل يوم، كما فقد مصداقيته ولم يعد قادر على خداع الجماهير، وأخذ في الاحتضار وباتت أمامه معدودة، في انتظار الشرارة الأولى لإسقاطه وإعلان وفاته. وعندما فجر شباب مصر الموجة الأولى الكبرى للثورة المصرية في 25 يناير 2011، وكسر حاجز الخوف لدى الشعب المصري, وأجبر الجهاز الأمني العتيد على الفرار أمام جسارة وشجاعة شباب الثورة، وأحدث فراغ سياسي كامل، وكشف هشاشة وضعف بنية السلطة القائمة على الفساد والاستبداد والمرتكزة بشكل كامل على الأجهزة الأمنية المتعددة، فكان أن سارت مصر في طريق تتحسس منه بزوغ فجر الحرية علي أمل أن يعيد ذلك الدفة الي مسارها وتنطلق البلاد نحو طريق الديمقراطية والتنمية والتقدم، ولكن بسبب ضعف تكوين البديل السياسي ممثلًا في اليسار بشقيه القومي والاشتراكي، والتيار الليبرالي الوسطي المعبر عن الرأسمالية الوطنية التي قام النظام البائد بنسفها، تقدم تيار التأسلم السياسي بقيادة جماعة الإخوان المسلمين وتصدر المشهد السياسي، وذلك بالترتيب مع باقي أجنحة الائتلاف الطبقي الحاكم بقيادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة آنذاك، وتوافقت معهم على تصدر قمة الائتلاف الطبقي الحاكم، بهدف إجهاض الثورة الاجتماعية في مهدها… وقد كان. ونتيجة للفشل الذريع لتيار التأسلم السياسي في ادارة البلاد، وانكشاف طبيعته اليمينية المتطرفة والظلامية، واتضاح أمره بانه لا يختلف عن نظام المخلوع مبارك، وأنه أكثر خطورة على وجود الدولة ذاتها، وفقدان الثقة به من كافة القوى السياسية، بعد سرقته للثورة، قامت الموجة الكبرى الثانية للثورة المصرية في 30 يونيو 2013، وتم إسقاطه وإخراجه من المعادلة السياسية لعقود من الزمن، ولإنهم موجودون ككيان تنظيمي إرهابي لم ينتهي خطره بعد، بعد أن تحالف مع التنظيمات الإرهابية، وشارك في تمويلهم وتوفير الدعم اللوجستي والسياسي (المحلي والإقليميي والدولي) لهم، فقد أوجد مخاوف عديدة، وجعل أجنحة كثيرة من النظام السابق تفرض وجودها الموضوعي في المعادلة السياسية الجديدة بعد 30 يوينو 2013، كما أدت التعقيدات التي أشرنا إليها إلى تزايد دور الجيش في الحياة المدنية بصفته القوة المنظمة الوحيدة القادرة على التصدى للتنظيمات الإرهابية المتأسلمة، وقد استطاعت بالفعل التصدى لخطرهم، وضرب العديد من مختطاتهم التي استهدفت تفتيت الدولة المصرية، ونتيجة لتلك التعقيدات التي أوجدها تيار التأسلم السياسي، إنخفض سقف الثورة الاجتماعية التي كان شعارها “عيش – حرية – عدالة اجتماعية”‘ إنخفض إلى مصاف الثورة السياسية التي تسعى إلى بناء الدولة المدنية الحديثة التي تحترم الحريات العامة والخاصة وتصون حقوق الإنسان وكرامته، وتسعى إلى اكمال قضية التنوير وإنجاز الثورة الثقافية، ومن ضمنه عقلنة الشعب المصري والخروج من وصاية تيار التأسلم السياسي على المجتمع والدولة، وسعت القوى السياسية والمجتمعية إلى بلورة الثورة السياسية المنشودة في خارطة مستقبل 30 يونيو والتي وضعها الشعب المصري بنفسه، وتمثلت في”تعطيل العمل بالدستور بشكل مؤقت، يؤدى رئيس المحكمة الدستورية العليا اليمين أمام الجمعية العامة للمحكمة، إجراء انتخابات رئاسية مبكرة على أن يتولى رئيس المحكمة الدستورية العليا إدارة شئون البلاد خلال المرحلة الانتقالية لحين انتخاب رئيسًا جديدًا، إجراء الانتخابات البرلمانية والمحلية”، كما تضمنت خارطة الطريق عدد من النقاط الأخرى ومنها تشكيل حكومة كفاءات وطنية قوية وقادرة تتمتع بجميع الصلاحيات لإدارة المرحلة الانتقالية، تشكيل لجنة تضم كافة الأطياف والخبرات لمراجعة التعديلات الدستورية المقترحة على الدستور الذى تم تعطيله مؤقتا، مناشدة المحكمة الدستورية العليا لسرعة إقرار مشروع قانون انتخابات مجلس النواب والبدء فى إجراءات الإعداد للانتخابات البرلمانية، ولرئيس المحكمة الدستورية العليا سلطة إصدار إعلانات دستورية خلال المرحلة الإنتقالة، وتشكيل لجنة عليا للمصالحة الوطنية من شخصيات تتمتع بمصداقية وقبول لدى جميع النخب الوطنية وتمثل مختلف التوجهات، وضع ميثاق شرف إعلامى يكفل حرية الإعلام ويحقق القواعد المهنية والمصداقية والحيدة وإعلاء المصلحة العليا للوطن، اتخاذ الإجراءات التنفيذية لتمكين ودمج الشباب فى مؤسسات الدولة ليكون شريكًا فى القرار كمساعدين للوزراء والمحافظين ومواقع السلطة التنفيذية المختلفة .كما حاولت لجنة الخمسين التي كُلفت بتعديل الدستور ترجمة طموحات وتطلعات الشعب المصري وطوقه إلى الحرية والعدالة الاجتماعية في حدود وإطار “الثورة السياسية”. كما صدرت إجراءات قضائية ضد عدد من الشخصيات القيادية في تيار التأسلم السياسي، فتم منع أغلب قيادات جماعة الإخوان المسلمين، ورموز التنظيمات الإسلامية المتحالفة معهم، من السفر ابتداءً من الرابع من يوليو 2013، وأهمهم محمد مرسي رئيس الجمهورية، ومحمد بديع مرشد جماعة الإخوان المسلمين، وخيرت الشاطر نائب مرشد جماعة الإخوان المسلمين، ومحمد البلتاجي القيادي بجماعة الإخوان، وصفوت حجازي الداعية إسلامي، وسعد الكتاتني رئيس مجلس الشعب السابق، وعاصم عبد الماجد عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية، وصبحي صالح عضو مجلس الشعب السابق عن الحرية والعدالة، وعصام العريان نائب رئيس حزب الحرية والعدالة، وعصام سلطان نائب رئيس حزب الوسط، وحمدي حسن، وسعد الحسيني محافظ كفر الشيخ السابق، وطارق الزمر رئيس المكتب السياسي لحزب البناء والتنمية، وحازم صلاح أبو إسماعيل المرشح الرئاسي السابق، وأبو العلا ماضي رئيس حزب الوسط، وعبد المنعم عبد المقصود محامي جماعة الإخوان المسلمين، ومحمود غزلان عضو مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين، وماجد الزمر، ونور الدين عبد الحافظ مذيع في قناة مصر25. ومن جانبه أصدر الرئيس المصري المؤقت عدلي منصور إعلانًا دستوريًا، وذلك في التاسع من يوليو، تضمن 33 مادة كإطار زمني للمرحلة الانتقالية.

كشف تقرير لجريدة “وول ستريت جورنال” ان التنسيق كان مستمرًا بشكل وثيق بين وزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي ووزير الدفاع الامريكي “شاك هاغل”، وأن هذا التنسيق هو الذي تحكم بمجرى الاحداث المصرية. فقناة (السيسي – هاغل) كانت قناة التواصل الحقيقية المعتمدة بين مصر والادارة الامريكية وليس السفارة كما يقول تقرير وول ستريت جورنال، وأن الرجلين كانا ينسقان ليس فقط فيما يخص توالي الاحداث في مصر وإنما أيضا الموقف في الشرق الأوسط عمومًا، وقالت الصحيفة إن وزير الدفاع الأمريكي أكد لمساعديه، بعد عودته للولايات المتحدة عقب زيارته للقاهرة في 24 إبريل 2013م ولقائه المطول مع السيسي، أنه يجب على واشنطن العمل مع السيسي بشكل وثيق، وبحسب الصحيفة كما كشف التقرير أن “هاجل” تولى مهمة حث الجيش المصري على استعادة النظام والديمقراطية بعد 30 يوينو بطرق ترضي معايير واشنطن، وأن أحد المسؤولين الأمريكيين البارزين قال إن المكالمات الهاتفية الثلاثة الأولى، في أعقاب عزل مرسي، بين الوزيرين، ركزت على الحكومة الانتقالية، وعلى ضرورة الإفراج عن بعض قادة الإخوان المسلمين الذين تم اعتقالهم، حيث كانت الرسالة التي وجهها للسيسي “عليك أن تكون شاملًا سياسيًا”، وأضافت الصحيفة أن السيسي استخدم مكالماته لجس نبض الأمريكيين حول اختيارات حكومته، مشيرة إلى أن الأخير حثه على اختيار مدنيين، لكنه لم يدفعه لتحديد اسم بعينه، وقال مسؤول أمريكى بارز إن المكالمة التي تمت بينهما، في أعقاب اشتباكات الحرس الجمهوري، كانت أكثر توترًا، فحث (هاجل) السيسي خلالها على ضبط النفس، قائلًا إنه “من المهم منع التجاوزات العسكرية، وأن المساعدات الأمريكية في المستقبل ستتوقف على استعادة الديمقراطية بسرعة وعلى سلوك الجيش”، وأضاف المسؤول “في مكالماتهما الأخيرة، بعث هاجل رسائل صعبة إلى السيسي ضد محاولة استخدام الاضطرابات الحالية لكسر ظهر جماعة الإخوان المسلمين، قائلاً “إن الاعتقالات التعسفية لقادة الجماعة من شأنها أن تدفعها تحت الأرض من جديد، مما يزيد التوترات في المستقبل”، وتابع “كما أكد الوزير للسيسي أن الولايات المتحدة تعتقد أن الجيش المصري يسمح بانتشار نظريات المؤامرة حول انحياز واشنطن للإخوان، حيث قال له إنه حتى لو كانت المؤسسة العسكرية لا توجه هذه النظريات، فقد سمحت لها بأن تتفاقم، وهو ما يجب أن يتوقف.

سرعان ما خلع الإخوان المسلمون قناع السلمية والتعايش، وتراجع التنظيم ألف خطوة للوراء، ولجأ إلى الإرهاب المسلح في محاولة لكسر الموجة الثانية الكبرى للثورة المصري في 30 يونيو 2013، واسترداد سلتطه التي نزعها الشعب منه، وجيش في سبيل ذلك كل حلفائه من المتطرفين والقتلة والإرهابيين، كاشفًا بشكل لا ريب فيه عن وجهه الإرهابي، في رسالة واضحة للشعب المصري للاختيار ما بين استعادة الإخوان وحلفائهم للسلطة أو تدمير الدولة والمجتمع، فأنشأ حصون مسلحة في ميداني رابعة العدوية بمدينة نصر شمال شرق القاهرة، والنهضة جنوب محافظة الجيزة، وسماهم أعتصامين، وذلك ابتداءً من 28 يونيو 2013، وكثف جهوده، وسخر إمكاناته المادية الهائلة، وشبكته التنظيمية العنصرية والتكفيرية، ووظف ارتباطاته المحلية مع شبكات الإرهاب المسلح، وعلاقاته مع قوى عربية واقليمية ودولية تنصب العداء للثورة المصرية وخليفها الموضوعي آنذاك وهو الجيش المصري، وأيضا استغل التنظيم قوى شبابية ثورية مدنية تفتقد إلى الخبرة السياسية والرؤية الموضوعية لمستقبل الثورة المصرية، وذلك رغم نقائهم الثوري ووطنيتهم المخلصة، واستطاع الإخوان بذلك خلق حالة شاملة مضادة للثورة المصرية، بهدف إسقاطها والعودة للوراء مرة ثانية. وبنفس السرعة وبدرجة عالية من الوعي أدركت القوى السياسية الثورية وقيادة الجيش أهمية استمرار الزخم الثوري لدرء الإرهاب وتبعاته، فأثناء حفل تخريج بمقر كلية الدفاع الجوي في الإسكندرية يوم 24 يوليو 2013، ألقى القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع (وقتها) الفريق أول عبدالفتاح السيسي كلمة أكد فيها أن خارطة الطريق لن يتم التراجع عنها، وسيتم إجراء انتخابات حرة ونزيهة، وقال السيسي “أنا بطلب من المصريين طلب، يوم الجمعة الجاية لابد من نزول كل المصريين الشرفاء الأمناء عشان يدوني تفويض وأمر بأن أواجه العنف المحتمل”، وبالفعل نزل الملايين من المصريين إلى الشوارع، والحقيقة إنه كان يجب على الدولة مواجهة الإرهاب وخاصة البؤرتين المسلحتين “رابعة العدوية والنهضة”، حيث كانت جماعة الإخوان تعول عليهما كثيرًا، بل تراهن على توظيفهما في التصدي والمواجهة المسلحة مع الدولة ونشر الفوضى والتخريب في أنحاء البلاد.

اختلفت الآراء تجاه فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة ما بين قبول فض الاعتصام بأي طريقة، وبين فض الاعتصام بطريقة سلمية، أو رفض فضه مطلقًا. فعلى سبيل المثال أكد محمد البرادعي نائب رئيس الجمهورية للعلاقات الدولية آنذاك أن السلطات المصرية لم تعرض إطلاقًا على الإخوان المسلمين الإفراج عن الرئيس المعزول محمد مرسي مقابل فض اعتصام رابعة العدوية، ومعتبرًا أن مصر تجاوزت مرحلة إقناع المجتمع الدولي، وأن ما حدث في مصر ثورة شعبية وليست انقلابًا عسكريًا. وأضاف في برنامج “الحياة اليوم” على قناة “الحياة”، أنه إذا لم يكن هناك بديل عن استخدام القوة في فض مظاهرات رابعة العدوية سنفعل ذلك في حدود أقل الخسائر، كما قال إنه لا يمكن أن يسمح بترويع الشعب، مضيفًا أن تطبيق القانون في هذا الموضوع لا يحتاج لبحث. وتحدث البرادعي عن 30 يونيو، فقال هي ليست بثورة جديدة بل هي تصحيح لثورة 25 يناير، مؤكدًا أن مصر لا تتعرض لضغوط من الرأى العام العالمي ومشددًا على أن الولايات المتحدة قالت بصراحة أن ما حدث في مصر ثورة شعبية لتجنب حرب أهلية. كما أيدت مختلف التيارات المدنية كأحزاب جبهة الإنقاذ وحركة تمرد بيان مجلس الوزراء لفض الاعتصامين، أما أحزاب القوى الإسلامية كالحرية والعدالة وحزب الوسط وحزب البناء والتنمية وحزب النور وحزب الوطن فرفضت فض الاعتصام بالقوة. ورفضت حركة شباب 6 أبريل (جبهة أحمد ماهر) فض الاعتصام بالقوة، مشددة على تمسكها بالحل السياسي، وفي تقرير لها، كتبت الأهرام عن شروط تضعها القوى السياسية لعودة الإخوان إلى السياسة، منها تجريم التنظيم الدولي، ومحاكمة المجرمين وإجراء مراجعات فكرية، وفصل العمل الدعوي عن السياسة، وتقنين أوضاع الجماعة وإخضاعها لرقابة أجهزة الدولة ومؤسساتها. وعلى العكس فقد كتبت جريدة الحرية والعدالة تحت عنوان “الصمود” إن مصر تقف اليوم ضد الانقلاب، حيث أبرزت دعوة “تحالف الشرعية” الشعب المصري لاستكمال ثورته. وأوردت الجريدة الناطقة الرسمية باسم جماعة حزب الحرية والعدالة الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين تصريحات القيادات الإخوانية والقوى السياسية الرافضة لاستخدام العنف من قبل الداخلية، كالشيخ محمد حسان الذي رأى أن الخوض في الدماء هو التهديد الحقيقي للأمن القومي، وكذلك الموقعين على مبادرة “المسار الديمقراطي في مواجهة الانقلاب العسكري” الذين حملوا السلطات كل المسؤوليات عن فض هذه الاعتصامات بالقوة وما يترتب عليها من إزهاق الأرواح وإراقة الدماء. على جانب آخر قال مختار نوح المحامي والقيادي السابق بجماعة الإخوان المسلمين، أنه يجب علي قوات الأمن استخدام أسلوب أمني حرفي في فض الإعتصام، بمحاصرتهم، وتشغيل الميكروفونات، وإنذارهم، والسماح لهم بالخروج دون مضايقات. من جانبه ناشد أحمد بهاء الدين شعبان معتصمى رابعة التفكير والتقييم الجيد لما يحدث بعقل رشيد، مؤكدا أن رجوع محمد مرسى وهم كبير، وأصبح محمد مرسى فعلا ماضيا وانتهى، واصفا مشهد معتصمى رابعة بأنهم كالرهائن المحتجزين في عملية إجرامية فلا أحد يستطيع الخروج من الاعتصام، كما أضاف شعبان، في تصريحات خاصة لليوم السابع أنه مع مبادرة الحوار مع من لم تمس أيديهم دماء المصريين، لأن من ساهم أو شارك في قتل المصريين لا يمكن الحوار معه فمن يتحاور معه القانون وأن معظم من في رابعة مخدوعون ولا ذنب لهم، قائلا “إننى مستعد لبذل قصارى جهدى للحفاظ على هذه العناصر. ونجد بجانب ذلك كلام الداعية الإسلامي صفوت حجازي في كلمة له من منصة اعتصام رابعة العدوية أن مئات الآلاف من المعتصمين يستعدون كل ليلة للاستشهاد في سبيل الله وحتى الذين يذهبون كل يوم إلى بيوتهم يتعمدون المجئ قبل صلاة الفجر للوقوف بصدورهم العارية ضد أى محاولة يحاولها الانقلابيون لفض الاعتصام، وأوضح حجازي أن التفويض الذي حصل عليه السيسي من أتباعه لفض الاعتصام السلمي أصبح مآله في حجر بلطجية نخنوخ، مؤكدا أنه “ولا مليون سيسي يستطيع فض اعتصام رابعة”. أما فيما يخص تصريحات مجلس الوزراء بخصوص قرار فض الاعتصام، قال عبد الغفار شكر، رئيس حزب التحالف الشعبي، إن الرسالة التي أراد الدكتور حازم الببلاوى رئيس الوزراء إيصالها إلى القوى السياسية هى تأكيده على جدية الدولة في قرار فض اعتصام رابعة العدوية والنهضة، ولكن الأمر يتطلب مهلة حتى انتهاء الشهر الكريم وروحانياته وإعطاء فرصة للمحاولات التي تتم حاليًا لإقناع المعتصمين بفض اعتصامهم دون الدخول في مواجهات مع الدولة قد تقع على إثرها خسائر كبيرة. وفي 14 أغسطس 2013 قامت قوات الشرطة والجيش بالتحرك لفض الاعتصامي المعارضين، وتم فض اعتصام ميدان النهضة في ساعة مبكرة من الصباح، ولكن قوات الأمن المصرية لم تتمكن من فض اعتصام رابعة العدوية قبل الساعة السادسة مساءً تقريباً بتوقيت مصر، وجاء بتقرير وزارة الصحة أن الأحداث أوقعت أكثر من 670 قتيل ونحو 4400 مصاب من الجانبين. وقعت أعمال عنف على إثر عملية فض اعتصام رابعة في العديد من المحافظات المصرية، كان أهمها قيام مؤيدي الرئيس المعزول محمد مرسي بحرق 21 قسم شرطة و4 كنائس. وأعلنت الرئاسة حالة الطوارئ لمدة شهر وحظر التجول في عدة محافظات مصرية ابتداءً من الساعة التاسعة مساءً وحتى الساعة السادسة صباحًا.

قدم نائب الرئيس محمد البرادعي استقالته احتجاجًا على طريقة إدارة الأحداث، وذكر في بيان الاستقالة “لقد أصبح من الصعب علي أن أستمر في حمل مسؤولية قرارات لا أتفق معها وأخشى عواقبها، ولا أستطيع تحمل مسؤولية قطرة واحدة من الدماء أمام الله ثم أمام ضميري ومواطني، خاصة مع إيماني بأنه كان يمكن تجنب إراقتها. هذه الاستقالة استثارت ردود فعل مستنكرة لها، حيث وصفت حركة تمرد الاستقالة بأنها هروب من المسؤولية. أما القيادي بحزب الحرية والعدالة عصام العريان فوصف عملية فض رابعة بأنها معركة حقيقية غير متكافئة بين عزل، لا يملكون شيئًا يدافعون به عن أنفسهم، وجيش من البوليس تدعمه قوات وطائرات تحلق فوقنا. وعلى الجانب الآخر قال متحدث باسم مفوضة الشئون الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون أن أنباء سقوط القتلى تثير قلقًا بالغًا، وأن العنف لن يؤدي إلى حل، وطالبت الحكومة المصرية بالتحلي بضبط النفس. وفي 21 أغسطس أعلن الاتحاد الأوروبي تعليق ترخيص تصدير الأسلحة التي قد تستخدم في القمع الداخلي في مصر. وأدان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون استخدام العنف ضد المتظاهرين. وقال المتحدث باسم بان إن الأمين العام “يدين بأشد التعابير حزمًا أعمال العنف التي وقعت في القاهرة عندما استخدمت قوات الامن المصرية القوة ضد المتظاهرين”. وعقدت جلسة مغلقة في مجلس الأمن حول الأحداث، طلبت عقدها كل من بريطانيا وفرنسا وأستراليا. ذكرت رئيسة المجلس أن الأعضاء رأوا أنه من المهم إنهاء العنف في مصر وأن تمارس الأطراف أقصى درجات ضبط النفس”. ودانت حركة طالبان الأفغانية العنف في مصر، مطالبة بعودة الرئيس المعزول محمد مرسي إلى الحكم. ودعت المنظمات الدولية لوقف الأحداث الوحشي!!، وفي 15 أغسطس، ألقى الرئيس الأميركي باراك أوباما خطابًا حول الأحداث المصرية قال فيه “إن الولايات المتحدة تدين بقوة الخطوات التي اتخذتها الحكومة المصرية ضد المدنيين”، ودعا السلطات في مصر إلى احترام الحقوق العالمية للإنسان وإلغاء حالة الطوارئ والبدء بحوار شامل. كما أصدر مكتب رئيس الوزراء التركي بيانًا جاء فيه “الأسرة الدولية وعلى رأسها مجلس الأمن الدولي والجامعة العربية، يجب أن توقف هذه المجزرة فورا”. وقال وزير الخارجية الألماني جيدو فيسترفيله “نطالب جميع الأطراف بالعودة بشكل شامل إلى عملية سياسية تضم كل القوى السياسية”. بينما أصدرت وزارة الخارجية الإماراتية بيانًا قالت فيه إنها “تتفهم الإجراءات السيادية التي اتخذتها الحكومة المصرية”، وأضاف البيان “مما يدعو للأسف، أن جماعات التطرف السياسي أصرت على خطاب العنف والتحريض وعلى تعطيل المصالح العامة وتقويض الاقتصاد المصري مما أدى إلى الأحداث المؤسفة اليوم”. كما دعا الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود المصريين والعرب والمسلمين إلى التصدي لكل من يحاول زعزعة أمن مصر، مؤكدًا أن السعودية شعبًا وحكومة تقف مع مصر ضد ما وصفه بالإرهاب والضلال والفتنة. وتحدث موضحًا دعمه ومساندته لمصر وشعبها ورفض أي تدخل في شؤونها واستعداد بلاده لدعم مصر. وأكدت البحرين في بيان على الدعم الكامل لما ورد في تصريحات خادم الحرمين الشريفين تجاه كل من يحاول المساس بشؤون مصر الداخلية وحقها الشرعي في الدفاع عن المصالح الحيوية للشعب المصري الشقيق ورعايتها والمحافظة عليها. وأكد وزير الخارجية الأردني، أن الأردن يقف إلى جانب مصر الشقيقة في سعيها الجاد نحو فرض سيادة القانون وإعادة الاستقرار لشعبها العريق وتحقيق إرادته في نبذ الإرهاب وكل محاولات التدخل في شؤونه الداخلية. ودعمت دولة الكويت الإجراءات التي تقوم بها الحكومة المصرية للحفاظ على الأمن والاستقرار وتحقيق ما عبر عنه الشعب المصري من آمال وتطلعات. كما شهدت عدة مدن عربية ودولية احتجاجات من قبل المتعاطفين والمناصرين لجماعة الإخوان المسلمين.

يحاول تيار التأسلم السياسي الاستمرار في تضليل وخداع الشعب المصري، بمقولة أن الديمقراطية هي التي أتت بهم، أي حصر الديمقراطية في صناديق الانتخابات، وهي ديمقراطية غير مقبولة ومتعارضة تمامًا مع مفهوم الديمقراطية الحديث الذي أفرزته لنا الحضارة الإنسانية بجميع مكوناتها، كما أوضحنا سابقًا. لأن الديمقراطية جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان وهذا ما أكده صراحة إعلان وبرنامج عمل فيينا لعام 1993، الذي اعتبر في فقرته الثامنة بأن “الديمقراطية والتنمية واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، أمور مترابطة ويعزز بعضها بعضا”. أي إن أي تشريع قانوني، حتى لو تم سنه عن طريق استفتاء شعبي مصري، يجب أن يحترم حقوق الإنسان والأقلية مهما كان عددها. أي أن أفكارهم وآرائهم التي يطالبون بتطبيقها تتعارض كليا مع الديمقراطية هذه. فالتمييز الديني وقتل المرتد عن الدين، كما هو منصوص عليه صراحة في القانون السعودي والإيراني، يتعارض مع حق الإنسان في الحياة والحرية الدينية. كما أن جلد النساء والرجم كما يحدث حاليا في السودان، والكثير من العقوبات اللاإنسانية (التعذيب) يتعارض أيضا مع هذه “الديمقراطية”. ومن هنا تبدو أهمية تطوير وأنسنة الدستور المصري بما ينسجم مع الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان واستبعاد أية أيدلوجية سياسية أو دينية لأنها حتما ستؤدي إلى إعادة هيكلة نظام أشد استبداد وكذلك إجهاض أهم أهداف الثورة المصرية. كما يجب تشديد الرقابة الدستورية سواء على القوانين الحالية المصرية أو على مشاريع القوانين بشكل يؤدي إلى استبعاد كل ما يتعارض مع الدستور وبالتالي مع منظومة حقوق الإنسان بمفهومها الدولي. والخلاصة أن التحول الديمقراطي في مصر يجب أن لا يسمح لأي نظام سياسي يفرزه صندوق الانتخاب باضطهاد المواطن المصري وقمعه بأسم “التشريعات الديمقراطية” أو “الديمقراطية” لأن هذه الأخيرة وُجدت في الأساس لمصلحة الإنسان واحترام حريته وحقوقه وإنسانيته وليس لسحقه واستعباده من السلطة الحاكمة.

أُنجز الاستحقاق الأول من خارطة الطريق بعد الاستفتاء على الدستور الذي أقرته لجنة الخمسين في 2 ديسمبر 2013، وأعلنت اللجنة العليا للانتخابات أن أكثر من 19 مليون ناخب صوتوا بـنعم في الاستفتاء على الدستور، أي بنسبة 98.1%.، وهي موافقة شعبية غير مسبوقة. وقد حقق الدستور المعدل الحد الأدنى من التوافق بين مكونات الشعب المصري الاجتماعية والسياسية، ولاقى استحسان ورضا فيما يخص الحقوق والحريات والواجبات العامة الواردة في الباب الثالث من الدستور، رغم بعض الملاحظات الجوهرية التي سنأتي إليها في غضون استعراضنا لمواده، وذلك بمقارنتها بدستور 2012 والمواثيق والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان للوقوف على الإيجابيات والسلبيات التي تضمنها هذه المواد.. مادة (51) الكرامة حق لكل إنسان، ولا يجوز المساس بها، وتلتزم الدولة باحترامها وحمايتها.. مادة (52) التعذيب بجميع صوره وأشكاله، جريمة لا تسقط بالتقادم (إن هذه المادة توافق نظريًا ما تضمنه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة الخامسة، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في المادة السابعة واللذان أكدا على عدم جواز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة. وعلى وجه الخصوص، لا يجوز إجراء أية تجربة طبية أو علمية على أحد دون رضاه الحر. إلا أنه من الناحية العملية، حتى يفعل النص الدستوري بما يتضمنه من حماية الضحية من التعذيب بكافة صوره وأشكاله، يتوجب إجراء تعديل تشريعي للنصوص العقابية المجرمة للتعذيب، ذلك لإنها تعاقب فقط على تعذيب شخص المتهم أو الأمر بتعذيبه لحمله على الاعتراف. ومن ثم فإن المشكلة ليست في نص المادة 52 ولكنها في التشريع العقابي، أنه لا يمتد ليشمل العديد من الضحايا الذين يتم تعذيبهم لغرض التأديب أو لمجاملة طرف ثالث. كما لا يشمل أيضًا الذين يجري تعذيبهم للضغط على طرف آخر موضع اشتباه وإجباره على الاعتراف بجريمة ما، أو لتسليم نفسه إن كان هاربا، وهو ما يعرف بسياسة احتجاز وتعذيب الرهائن. وفي تلك الحالات التي لا تتوفر فيها أركان التعريف القانوني يتم تكييف القضية من جريمة تعذيب إلي جريمة استخدام قسوة، وفي حال وفاة الضحية أثناء التعذيب أو بسببه، يتم التعامل معها وكأنها جريمة ضرب أفضى إلى موت، أو قتل خطأ أثناء تأدية موظف عام لمهام تمليها عليه وظيفته، والنتيجة أن قتل مواطن قد تكون عقوبته الحبس سنة، وقد يكون ذلك مع إيقاف التنفيذ أو الاكتفاء بالعقوبة الإدارية التي قد لا تتجاوز الخصم من الأجر، حيث تنص المادة 129 من قانون العقوبات علي أن “كل موظف أو مستخدم عمومي وكل شخص مكلف بخدمة عمومية استعمل القسوة مع الناس اعتمادًا على وظيفته بحيث أنه أخل بشرفهم أو أحدث آلامًا بأبدانهم يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بغرامة لا تزيد على مائتي جنيه”، فكان من الأجدى أن يضع النص الدستوري تعريفًا للتعذيب مثلما وضعته اتفاقية مناهضة التعذيب في المادة الأولى منها التي تنص على أن “يقصد بالتعذيب، أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسديًا كان أم عقليًا، يلحق بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص، أو من شخص ثالث، على معلومات أو على اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في إنه ارتكبه، هو أو شخص ثالث أو تخويفه أو إرغامه أو أي شخص ثالث أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أيًا كان نوعه، أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص أخر يتصرف بصفته الرسمية. ولا يتضمن ذلك الألم العذاب الناشيء فقط عن عقوبات قانونية أو الملازم لهذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضية لها”، هذا بالإضافة إلى تضمين النص، التزام الدولة تأهيل ضحايا التعذيب بدنيًا ونفسيًا كجزء من التعويض وجبر الضرر).. مادة (53) المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعي، أو الانتماء السياسي أو الجغرافي، أو لأي سبب آخر. التمييز والحض على الكراهية جريمة، يعاقب عليها القانون. تلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء علي كافة أشكال التمييز، وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض. (هذه المادة تقابل ما تضمنه دستور 2012 في المادة 33 التي تنص على أن “المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك.”، ويلحظ أن المادة 53 محل التعليق، قد تميزت عن هذه الأخيرة من خلال تعداد صور التمييز بشيء من التزيد مختتمة إياها بعبارة “أو لأي سبب آخر”. وما يميزها فعليا هو أنها جرمت التمييز والحض على الكراهية، وألزمت الدولة بإنشاء مفوضية لمكافحة كل صور التمييز مثلما هو مقرر في العديد من الدساتير.. مادة (54) الحرية الشخصية حق طبيعي، وهى مصونة لا تُمس، وفيما عدا حالة التلبس، لا يجوز القبض على أحد، أو تفتيشه، أو حبسه، أو تقييد حريته بأي قيد إلا بأمر قضائي مسبب يستلزمه التحقيق. ويجب أن يُبلغ فورًا كل من تقيد حريته بأسباب ذلك، ويحاط بحقوقه كتابة، ويُمكن من الاتصال بذويه و بمحاميه فورًا، وأن يقدم إلى سلطة التحقيق خلال أربع وعشرين ساعة من وقت تقييد حريتة. ولا يبدأ التحقيق معه إلا في حضور محاميه، فإن لم يكن له محام، نُدب له محام، مع توفير المساعدة اللازمة لذوي الإعاقة، وفقًا للإجراءات المقررة في القانون. ولكل من تقيد حريته، ولغيره، حق التظلم أمام القضاء من ذلك الإجراء، والفصل فيه خلال أسبوع من ذلك الإجراء، وإلا وجب الإفراج عنه فورًا. وينظم القانون أحكام الحبس الاحتياطي، ومدته، وأسبابه، وحالات استحقاق التعويض الذي تلتزم الدولة بأدائه عن الحبس الاحتياطي، أو عن تنفيذ عقوبة صدر حكم بات بإلغاء الحكم المنفذة بموجبه. وفى جميع الأحوال لا يجوز محاكمة المتهم في الجرائم التي يجوز الحبس فيها إلا بحضور محام موكل أو منتدب. (إن هذه المادة تلافت العوار الوارد في المادة 35 من دستور 2012، عندما قررت وجوب الإبلاغ الفوري للشخص المقبوض عليه بحقوقه والاتصال بذويه وبمحاميه، بينما كانت الأولى توجب ذلك خلال 12 ساعة من وقت القبض عليه. كما أنها عنيت بذوي الإعاقة التي تستحق الحماية والمساعدة حسب نوع الإعاقة في حين أن هذه الأخيرة قد أغفلته. إلا أنه وعلى الرغم من ذلك، أبقت على ذات العوار الوارد في دستور 2012، بإحالتها تنظيم مدة الحبس الاحتياطي إلى القانون، الأمر الذي يتماشى مع تأبيد الحبس الاحتياطي في الجرائم المعاقب عليها بالإعدام والسجن المؤبد والحاصل بموجب قرار رئيس الجمهورية رقم 83 لسنة 2013).. مادة (55) كل من يقبض عليه، أو يحبس، أو تقيد حريته تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامته، ولا يجوز تعذيبه، ولا ترهيبه، ولا إكراهه، ولا إيذاؤه بدنيًا أو معنويًا، ولا يكون حجزه، أو حبسه إلا في أماكن مخصصة لذلك لائقة إنسانيًا وصحيًا، وتلتزم الدولة بتوفير وسائل الإتاحة للأشخاص ذوي الإعاقة. ومخالفة شيء من ذلك جريمة يعاقب مرتكبها وفقا للقانون. وللمتهم حق الصمت. وكل قول يثبت أنه صدر من محتجز تحت وطأة شيء مما تقدم، أو التهديد بشيء منه، يهدر ولا يعول عليه. (وعلى الرغم من أن هذه المادة لها إيجابياتها المتمثلة في حماية شخص المقبوض عليه والمقيدة حريته من كافة صنوف المعاملة اللاإنسانية، وتضمينها “حق المتهم في التزام الصمت” تأسيسًا على أن الأصل في المتهم البراءة، فمن ثم أنه ليس على المتهم إثبات براءته من الجرم المنسوب إليه، ولكن على النيابة العامة عبء إثبات إدانته. وتتمثل سلبيات هذا النص في جواز احتجاز المقبوض عليه في أمكان غير خاضعة للإشراف القضائي مكتفية بأن يكون المكان لائقا إنسانيًا وصحيًا، وفي هذا تراجع عما قررته المادة 36 من دستور 2012 والتي أكدت على ضرورة أن تكون كافة مقار الاحتجاز خاضعة للإشراف القضائي).. مادة (56) السجن دار إصلاح وتأهيل. تخضع السجون وأماكن الاحتجاز للإشراف القضائي، ويحظر فيها كل ما ينافي كرامة الإنسان، أو يعرض صحته للخطر. وينظم القانون أحكام إصلاح وتأهيل المحكوم عليهم، وتيسير سبل الحياة الكريمة لهم بعد الإفراج عنهم.. مادة (57) للحياة الخاصة حرمة، وهى مصونة لا تمس. وللمراسلات البريدية، والبرقية، والإلكترونية، والمحادثات الهاتفية، وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها، أو الاطلاع عليها، أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبب، ولمدة محددة، وفى الأحوال التي يبينها القانون. كما تلتزم الدولة بحماية حق المواطنين في استخدام وسائل الاتصال العامة بكافة أشكالها، ولا يجوز تعطيلها أو وقفها أو حرمان المواطنين منها، بشكل تعسفي، وينظم القانون ذلك. مادة (58) للمنازل حرمة، وفيما عدا حالات الخطر، أو الاستغاثة لا يجوز دخولها، ولا تفتيشها، ولا مراقبتها أو التنصت عليها إلا بأمر قضائي مسبب، يحدد المكان، والتوقيت، والغرض منه، وذلك كله في الأحوال المبينة في القانون، وبالكيفية التي ينص عليها، ويجب تنبيه من في المنازل عند دخولها أو تفتيشها، وإطلاعهم على الأمر الصادر في هذا الشأن. مادة (59) الحياة الآمنة حق لكل إنسان، وتلتزم الدولة بتوفير الأمن والطمأنينة لمواطنيها، ولكل مقيم على أراضيها. مادة (60) لجسد الإنسان حرمة، والاعتداء عليه، أو تشويهه، أو التمثيل به، جريمة يعاقب عليها القانون. ويحظر الاتجار بأعضائه، ولا يجوز إجراء أية تجربة طبية، أو علمية عليه بغير رضاه الحر الموثق، ووفقا للأسس المستقرة في مجال العلوم الطبية، على النحو الذي ينظمه القانون. مادة (61) التبرع بالأنسجة والأعضاء هبة للحياة، ولكل إنسان الحق في التبرع بأعضاء جسده أثناء حياته أو بعد مماته بموجب موافقة أو وصية موثقة، وتلتزم الدولة بإنشاء آلية لتنظيم قواعد التبرع بالأعضاء وزراعتها وفقا للقانون.. مادة (62) حرية التنقل، والإقامة، والهجرة مكفولة. ولا يجوز إبعاد أي مواطن عن إقليم الدولة، ولا منعه من العودة إليه. ولا يكون منعه من مغادرة إقليم الدولة، أو فرض الإقامة الجبرية عليه، أو حظر الإقامة في جهة معينة عليه، إلا بأمر قضائي مسبب ولمدة محددة، وفى الأحوال المبينة في القانون. (وبالتالي فإن دستور 2013 كفل لكل مواطن الحق في التنقل متسقة في ذلك مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، إلا أنه يعيبها عدم وضع حد أقصى للمنع من مغادرة البلاد أو فرض الإقامة الجبرية، أو حظر إقامته في مكان معين، مكتفية بعبارة “لمدة محددة” تاركة للقانون تحديد مثل هذا الأمر. ويخشى أن تكون هذه العبارة بمثابة الباب الذي يمكن من خلاله للسلطة التشريعية تطويل هذه المدة، مما يتيح لها إمكانية التعسف في استخدام سلطتها في تقديرها بصورة قد تنال من الحق ذاته).. مادة (63) يحظر التهجير القسري التعسفي للمواطنين بجميع صوره وأشكاله، ومخالفة ذلك جريمة لا تسقط بالتقادم.. مادة (64) حرية الاعتقاد مطلقة. وحرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة لأصحاب الأديان السماوية، حق ينظمه القانون. (يؤخذ على هذه المادة أنها قصرت حرية ممارسة الشعائر الدينية على أصحاب الديانات السماوية دون غيرهم، فأهدرت بذلك مبدأ المواطنة، الذي يفترض المساواة بين المواطنين في كافة الحقوق والواجبات العامة، ضاربًا بأبسط حقوق الإنسان وأهمها عرض الحائط، خارقًا للمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي كفلت حرية الاعتقاد وحرية ممارسة الشعائر الدينية، ومن بينها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية حقوق الطفل. كما يؤخذ عليها أيضًا عدم تضمينها صراحة حق أصحاب الأديان السماوية في تغيير ديانتهم إلى أي ديانة أخرى، فكان يجب أن يطلق الدستور حرية ممارسة الشعائر الدينية، هذا بالإضافة إلى حرية المواطنين في تغيير دياناتهم). مادة (65) حرية الفكر والرأي مكفولة. ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول، أو الكتابة، أو التصوير، أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر.. مادة (66) حرية البحث العلمي مكفولة، وتلتزم الدولة برعاية الباحثين والمخترعين وحماية ابتكاراتهم والعمل على تطبيقها.. مادة (67) حرية الإبداع الفني والأدبي مكفولة، وتلتزم الدولة بالنهوض بالفنون والآداب، ورعاية المبدعين وحماية إبداعاتهم، وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لذلك. ولا يجوز رفع أو تحريك الدعاوى لوقف أو مصادرة الأعمال الفنية والأدبية والفكرية أو ضد مبدعيها إلا عن طريق النيابة العامة، ولا توقع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بسبب علانية المنتج الفني أو الأدبي أو الفكري، أما الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو التمييز بين المواطنين أو الطعن في أعراض الأفراد، فيحدد القانون عقوباتها. وللمحكمة في هذه الأحوال إلزام المحكوم عليه بتعويض جزائي للمضرور من الجريمة، إضافة إلى التعويضات الأصلية المستحقة له عما لحقه من أضرار منها، وذلك كله وفقًا للقانون. (ومن ثم يكون الدستور قد ألزم السلطة التشريعية بتعديل كافة المواد العقابية المقررة لعقوبات سالبة للحرية في قضايا التعبير عن الرأي بطريق الإبداع الفني والأدبي. هذا بالإضافة الى استلزام النص تحريك الدعوى الجنائية عن طريق النيابة العامة وليس بطريق الادعاء المباشر الذي طالما استخدم في مواجهة الفنانين والمبدعين والكتاب وتوجيه اتهامات لهم بدعوى ازدراء الأديان والإخلال بالنظام العام والآداب العامة وغيرها). مادة (68) المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية ملك للشعب، والإفصاح عنها من مصادرها المختلفة، حق تكفله الدولة لكل مواطن، وتلتزم الدولة بتوفيرها وإتاحتها للمواطنين بشفافية، وينظم القانون ضوابط الحصول عليها وإتاحتها وسريتها، وقواعد إيداعها وحفظها، والتظلم من رفض إعطائها، كما يحدد عقوبة حجب المعلومات أو إعطاء معلومات مغلوطة عمدًا، وتلتزم مؤسسات الدولة بإيداع الوثائق الرسمية بعد الانتهاء من فترة العمل بها بدار الوثائق القومية، وحمايتها وتأمينها من الضياع أو التلف، وترميمها ورقمنتها، بجميع الوسائل والأدوات الحديثة، وفقًا للقانون. (فهذه المادة أحالت تنظيم حرية تداول المعلومات إلى القانون وهذا ما يعيبها، ذلك لأنه وبمطالعة كافة مشروعات القوانين المقترحة من الحكومة في هذا الشأن نجد أنها لا تكتفي بتنظيم تلك الحرية بل تدخل قواعد من شأنها توسيع حظر الاطلاع على المستندات، بالاستناد الى موانع مطاطة كمانع الأمن القومي).. مادة (69) تلتزم الدولة بحماية حقوق الملكية الفكرية بشتى أنواعها في كافة المجالات، وتُنشيء جهازًا مختصًا لرعاية تلك الحقوق وحمايتها القانونية، وينظم القانون ذلك.. مادة (70) حرية الصحافة والطباعة والنشر الورقي والمرئي والمسموع والإلكتروني مكفولة، وللمصريين من أشخاص طبيعية أو اعتبارية، عامة أو خاصة، حق ملكية وإصدار الصحف وإنشاء وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، ووسائط الإعلام الرقمي.. وتصدر الصحف بمجرد الإخطار على النحو الذي ينظمه القانون.. وينظم القانون إجراءات إنشاء وتملك محطات البث الإذاعي والمرئي والصحف الإلكترونية.. مادة (71) يحظر بأي وجه فرض رقابة على الصحف ووسائل الإعلام المصرية أو مصادرتها أو وقفها أو إغلاقها. ويجوز استثناء فرض رقابة محددة عليها في زمن الحرب أو التعبئة العامة. ولا توقع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بطريق النشر أو العلانية، أما الجرائم المتعلقة بالتحريض علي العنف أو بالتمييز بين المواطنين أو بالطعن في أعراض الأفراد، فيحدد عقوباتها القانون.. مادة (72) تلتزم الدولة بضمان استقلال المؤسسات الصحفية ووسائل الإعلام المملوكة لها، بما يكفل حيادها، وتعبيرها عن كل الآراء والاتجاهات السياسية والفكرية والمصالح الاجتماعية، ويضمن المساواة وتكافؤ الفرص في مخاطبة الرأي العام.. مادة (73) للمواطنين حق تنظيم الاجتماعات العامة، والمواكب والتظاهرات، وجميع أشكال الاحتجاجات السلمية، غير حاملين سلاحًا من أي نوع، بإخطار على النحو الذي ينظمه القانون. وحق الاجتماع الخاص سلميًا مكفول، دون الحاجة إلى إخطار سابق، ولا يجوز لرجال الأمن حضوره أو مراقبته، أو التنصت عليه. (وبذلك نجد أن المواد 70، 71، 72 الواردة في دستور 2014، أفضل كثيرًا مما تضمنه دستور 2012 في شأن حرية الصحافة والإعلام، بحيث أنها أقرت إلغاء العقوبات المقيدة للحرية في قضايا النشر، إلا في القضايا المتعلقة بالحض على التمييز والعنف والطعن في الأعراض التي طالما طالب بها العاملون في الحقل الإعلامي وأيضًا المنظمات الحقوقية المصرية. إلا أن دستور 2014 قيد حرية الصحافة من جانب آخر، بما يتعلق بحرية تداول المعلومات كما أوضحنا سابقًا. وعلى الرغم أن المادة 73 كما سبق القول مقررة في الدساتير كافة وآخرها المادة 10 من الإعلان الدستوري الصادر في 2013، إلا أن قانون التظاهر رقم 107 لسنة 2013 التف على هذا الأخير، عندما أخذ لممارسة هذا الحق بنظام هو أقرب الى نظام التصريح. وهذا ما يستبين من نص المادة 10 من ذات القانون التي منحت لوزارة الداخلية الحق في الاعتراض استنادًا على أسباب فضفاضة كوجود معلومات جدية على تهديد الأمن أو السلم العام، ولا يخفى ان تقدير مدى جدية هذه المعلومات يرجع إلى تقديرات وزارة الداخلية دون سواها. ذلك على الرغم من تأكيد المحاكم المصرية بأن “حق الاجتماع ليس منحة من الإدارة، تمنعها أو تمنحها كما تشاء، بل هو حق أصيل للناس اعترف به القانون وأكده الدستور، ولذا فهو لا يقتضي طلبًا من قِبل صاحب الشأن، ولا يلزم لنشوئه صدور قرار الإدارة بالترخيص فيه، وإنما هو مستمد من القانون وفقط يجب عليه إن أراد استعماله أن يخطر الإدارة بزمان الاجتماع ومكانه وغير ذلك من البيانات التي نص عليها القانون وسلطتها في منع الاجتماع وفي فضه هي سلطة استثنائة”. هذا بالإضافة إلى أنه أجاز فض التظاهرات عند وقوع أية جريمة مهما بلغت من التفاهة، وبصورة غير منضبطة. هذا فضلًا عن أن القانون أجاز فض المظاهرات العفوية التي لا تتطلب الحصول على ترخيص أو إخطار في العديد من دول العالم، وقرر لها عقوبة الغرامة ومن ثم لا يجوز القبض على منظميها).. مادة (74) للمواطنين حق تكوين الأحزاب السياسية، بإخطار ينظمه القانون. ولا يجوز مباشرة أي نشاط سياسي، أو قيام أحزاب سياسية على أساس ديني، أو بناء على التفرقة بسبب الجنس أو الأصل أو على أساس طائفي أو جغرافي، أو ممارسة نشاط معاد لمباديء الديمقراطية، أو سرى، أو ذي طابع عسكري أو شبه عسكري. ولا يجوز حل الأحزاب إلا بحكم قضائي. مادة (75) للمواطنين حق تكوين الجمعيات والمؤسسات الأهلية على أساس ديمقراطي، وتكون لها الشخصية الاعتبارية بمجرد الإخطار. وتمارس نشاطها بحرية، ولا يجوز للجهات الإدارية التدخل في شئونها، أو حلها أو حل مجالس إداراتها أو مجالس أمنائها إلا بحكم قضائي. ويحظر إنشاء أو استمرار جمعيات أو مؤسسات أهلية يكون نظامها أو نشاطها سريًا أو ذا طابع عسكري أو شبه عسكري، وذلك كله على النحو الذي ينظمه القانون. (سار هذا التعديل على النهج الذي ظل معمولا به في ظل دستوري 2012 و1971، مكررًا ذات العيب، متجاهلًا مطالب المنظمات الحقوقية المصرية بعدم حصر هذا الحق بالمواطنين دون غيرهم، الأمر الذي سيؤدي في تطبيقه إلى حرمان كافة الأجانب المقيمين في مصر من ممارسته. إذ كان يجب أن تستبدل كلمة “المواطنين” بكلمة “الأفراد” حتى تتمكن المنظمات الأجنبية من العمل داخل مصر).. مادة (76) إنشاء النقابات والاتحادات على أساس ديمقراطي حق يكفله القانون. وتكون لها الشخصية الاعتبارية، وتمارس نشاطها بحرية، وتسهم في رفع مستوى الكفاءة بين أعضائها والدفاع عن حقوقهم، وحماية مصالحهم. وتكفل الدولة استقلال النقابات والاتحادات، ولا يجوز حل مجالس إدارتها إلا بحكم قضائي، ولا يجوز إنشاء أي منها بالهيئات النظامية. (إن هذا النص سار على درب المادة 52 من دستور 2012، ضاربًا بنقدها والمأخذ الواردة عليها عرض الحائط. بل أنه أزاد قيودًا على ممارسة حرية تكوين النقابات. فمن المآخذ الواردة على هذا النص، عدم الأخذ بنظام الإخطار لإكتساب المنظمات النقابية لشخصيتها الاعتبارية، بخلاف ما قررته المادة (75) من الدستور الخاصة بحرية تكوين الجمعيات، تاركًا للمشرع العادي سلطة تنظيم الكيفية التي يمكن من خلالها أن تكتسب هذه المنظمات الشخصية الاعتبارية، ومن ثم يكون قد فتح الباب على مصراعيه أمام السلطة التشريعية للأخذ بنظام التصريح دون الإخطار في تسجيل النقابات العمالية، وهو ما يخالف المعايير الدولية لحرية التنظيم النقابية التي أرستها منظمة العمل الدولية في الاتفاقية رقم 87 الخاصة بالحرية النقابية وحماية حق التنظيم النقابي في مادتها الثانية، والتي قررت أنه “للعمال وأصحاب العمل، دون تمييز من أي نوع، الحق في إنشاء ما يختارونه هم أنفسهم من منظمات، ولهم كذلك، دون أن يرتهن ذلك بغير قواعد المنظمة المعنية، الحق في الانضمام إلي تلك المنظمات، وذلك دون ترخيص مسبق”. كما أن هذا النص يشوبه القصور بعدم تضمينه حق المنظمات النقابية في وضع دساتيرها وأنظمتها الأساسية، وطريقة انتخاب ممثليها، وتنظيم إدارتها وأوجه نشاطها، وصياغة برامجها. ذلك لأن التشريعات المصرية المنظمة للنقابات العمالية، قد دأبت على فرض قيود على تلك المنظمات تتعلق بكيفية تكوين جمعيتها العمومية ومجالس إدارتها، وكيفية انعقاد كل منها بمعزل عن أعضائها. أخطر من ذلك، أن هذا النص أتى بحكم جديد لم يكن مدرجًا بالمادة 52 من دستور 2012، يتمثل في عدم جواز إنشاء النقابات العمالية بالهيئات النظامية، والتي تتمثل في مجلس الشعب، الجيش، المحاكم، السلطات، والمصالح العامة. إن هذا النص الدستوري سيقف حائلًا أمام حرية العاملين بهذه الهيئات في تكوين منظماتهم النقابية التي تزود عنهم، كما أنه سيلقي بظلاله على كافة النقابات المنشأة في قطاعات الدولة، ومن بينها على سبيل المثال، نقابة الضرائب العقارية التي تعد أولى النقابات المستقلة في مصر، وأيضًا نقابة العاملين المدنيين بوزارة الداخلية التي تأسست عقب ثورة يناير وسط مضايقات من الوزارة. كل هذه النقابات أصبحت عرضة للحل، مما سيشكل في حقيقته قيدًا على حرية العاملين المدنيين بكافة قطاعات الدولة من حرية إنشاء نقاباتهم، هذا بالمخالفة لما أكدت عليه منظمة العمل الدولية في الاتفاقية رقم 151 الخاصة بحماية حق التنظيم النقابي، التي تنطبق على جميع الأشخاص الذين تستخدمهم سلطات عامة، مؤكدة في مادته الرابعة على توفير حماية كافية للموظفين العموميين من أية أعمال تميزية على صعيد استخدامهم تستهدف المساس بحريتهم النقابية.. مادة (77) ينظم القانون إنشاء النقابات المهنية وإدارتها على أساس ديمقراطي، ويكفل استقلالها ويحدد مواردها، وطريقة قيد أعضائها، ومساءلتهم عن سلوكهم في ممارسة نشاطهم المهني، وفقًا لمواثيق الشرف الأخلاقية والمهنية. ولا تنشأ لتنظيم المهنة سوي نقابة واحدة. ولا يجوز فرض الحراسة عليها أو تدخل الجهات الإدارية في شؤونها، كما لا يجوز حل مجالس إدارتها إلا بحكم قضائي، ويؤخذ رأيها في مشروعات القوانين المتعلقة بها. مادة (78) تكفل الدولة للمواطنين الحق في المسكن الملائم والآمن والصحي، بما يحفظ الكرامة الإنسانية ويحقق العدالة الاجتماعية. وتلتزم الدولة بوضع خطة وطنية للإسكان تراعى الخصوصية البيئية، وتكفل إسهام المبادرات الذاتية والتعاونية في تنفيذها، وتنظيم استخدام أراضي الدولة ومدها بالمرافق الأساسية في إطار تخطيط عمراني شامل للمدن والقرى واستراتجية لتوزيع السكان، بما يحقق الصالح العام وتحسين نوعية الحياة للمواطنين و يحفظ حقوق الأجيال القادمة. كما تلتزم الدولة بوضع خطة قومية شاملة لمواجهة مشكلة العشوائيات تشمل إعادة التخطيط وتوفير البنية الأساسية والمرافق، وتحسين نوعية الحياة والصحة العامة، كما تكفل توفير الموارد اللازمة للتنفيذ خلال مدة زمنية محددة. (إن صيغة هذه المادة تتوافق مع المعايير الدولية التي وضعتها اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في تعليقها العام رقم 4 من الناحية النظرية، إلا أنه من الناحية العملية لم تقم الدولة بالالتزامات الواقعة على عاتقها في هذا الشأن والمقررة في ظل الدساتير السابقة، حيث أن المساكن غير الصالحة للسكن في مصر ما أكثرها، ولا ينطبق عليها وصف السكن الملائم. فغالبية المساكن في مصر لا تتوافر فيها المساحة الكافية لساكنيها وحمايتهم من البرد والرطوبة وغيرها من العوامل التي تهدد الصحة، خاصة فيما يتعلق بالعشوائيات وإسكان الشباب التابع للدولة).. مادة (79) لكل مواطن الحق في غذاء صحي وكاف، وماء نظيف، وتلتزم الدولة بتأمين الموارد الغذائية للمواطنين كافة. كما تكفل السيادة الغذائية بشكل مستدام، وتضمن الحفاظ على التنوع البيولوجي الزراعي وأصناف النباتات المحلية للحفاظ على حقوق الأجيال.. مادة (80) يعد طفلًا كل من لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره، ولكل طفل الحق في اسم وأوراق ثبوتية، وتطعيم إجباري مجاني، ورعاية صحية وأسرية أو بديلة، وتغذية أساسية، ومأوى آمن، وتربية دينية، وتنمية وجدانية ومعرفية. وتكفل الدولة حقوق الأطفال ذوي الإعاقة وتأهيلهم واندماجهم في المجتمع. وتلتزم الدولة برعاية الطفل وحمايته من جميع أشكال العنف والإساءة وسوء المعاملة والاستغلال الجنسي والتجاري. لكل طفل الحق في التعليم المبكر في مركز للطفولة حتى السادسة من عمره، ويحظر تشغيل الطفل قبل تجاوزه سن إتمام التعليم الأساسي، كما يحظر تشغيله في الأعمال التي تعرضه للخطر. كما تلتزم الدولة بإنشاء نظام قضائي خاص بالأطفال المجني عليهم، والشهود. ولا يجوز مساءلة الطفل جنائيًا أو احتجازه إلا وفقًا للقانون وللمدة المحددة فيه. وتوفر له المساعدة القانونية، ويكون احتجازه في أماكن مناسبة ومنفصلة عن أماكن احتجاز البالغين. وتعمل الدولة على تحقيق المصلحة الفضلى للطفل في كافة الإجراءات التي تتخذ حياله.. مادة (81) تلتزم الدولة بضمان حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والأقزام، صحيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا وترفيهيًا ورياضيًا وتعليميًا، وتوفير فرص العمل لهم، مع تخصيص نسبة منها لهم، وتهيئة المرافق العامة والبيئة المحيطة بهم، وممارستهم لجميع الحقوق السياسية، ودمجهم مع غيرهم من المواطنين، إعمالًا لمبادئ المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص.. مادة (82) تكفل الدولة رعاية الشباب والنشء، وتعمل على اكتشاف مواهبهم، وتنمية قدراتهم الثقافية والعلمية والنفسية والبدنية والإبداعيةً، وتشجيعهم على العمل الجماعي والتطوعي، وتمكينهم من المشاركة في الحياة العامة.. مادة (83) تلتزم الدولة بضمان حقوق المسنين صحيًا، واقتصاديًا، واجتماعيًا، وثقافيًا، وترفيهيًا وتوفير معاش مناسب يكفل لهم حياة كريمة، وتمكينهم من المشاركة في الحياة العامة. وتراعي الدولة في تخطيطها للمرافق العامة احتياجات المسنين، كما تشجع منظمات المجتمع المدني على المشاركة في رعاية المسنين. وذلك كله على النحو الذي ينظمه القانون.. مادة (84) ممارسة الرياضة حق للجميع، وعلي مؤسسات الدولة والمجتمع اكتشاف الموهوبين رياضيًا ورعايتهم، واتخاذ ما يلزم من تدابير لتشجيع ممارسة الرياضة. وينظم القانون شئون الرياضة والهيئات الرياضية الأهلية وفقا للمعايير الدولية، وكيفية الفصل في المنازعات الرياضية.. مادة (85) لكل فرد حق مخاطبة السلطات العامة كتابة وبتوقيعه، ولا تكون مخاطبتها باسم الجماعات إلا للأشخاص الاعتبارية.. مادة (86) الحفاظ على الأمن القومي واجب، والتزام الكافة بمراعاته مسئولية وطنية، يكفلها القانون. والدفاع عن الوطن، وحماية أرضه شرف وواجب مقدس، والتجنيد إجباري وفقًا للقانون.. مادة (87) مشاركة المواطن في الحياة العامة واجب وطني، ولكل مواطن حق الانتخاب والترشح وإبداء الرأي في الاستفتاء، وينظم القانون مباشرة هذه الحقوق، ويجوز الإعفاء من أداء هذا الواجب في حالات محددة يبينها القانون. وتلتزم الدولة بإدراج اسم كل مواطن بقاعدة بيانات الناخبين دون طلب منه، متى توافرت فيه شروط الناخب، كما تلتزم بتنقية هذه القاعدة بصورة دورية وفقا للقانون. وتضمن الدولة سلامة إجراءات الاستفتاءات والانتخابات وحيدتها ونزاهتها، ويحظر استخدام المال العام والمصالح الحكومية والمرافق العامة ودور العبادة ومؤسسات قطاع الأعمال والجمعيات والمؤسسات الأهلية في الأغراض السياسية أو الدعاية الانتخابية.. مادة (88) تلتزم الدولة برعاية مصالح المصريين المقيمين بالخارج، وحمايتهم وكفالة حقوقهم وحرياتهم، وتمكينهم من أداء واجباتهم العامة نحو الدولة والمجتمع وإسهامهم في تنمية الوطن. وينظم القانون مشاركتهم في الانتخابات والاستفتاءات، بما يتفق والأوضاع الخاصة بهم، دون التقيد في ذلك بأحكام الاقتراع والفرز وإعلان النتائج المقررة بهذا الدستور، وذلك كله مع توفير الضمانات التي تكفل نزاهة عملية الانتخاب أو الاستفتاء وحيادها.. مادة (89) تُحظر كل صور العبودية والاسترقاق والقهر والاستغلال القسري للإنسان، وتجارة الجنس، وغيرها من أشكال الاتجار في البشر، ويجرم القانون كل ذلك.. مادة (90) تلتزم الدولة بتشجيع نظام الوقف الخيري لإقامة ورعاية المؤسسات العلمية، والثقافية، والصحية، والاجتماعية وغيرها، وتضمن استقلاله، وتدار شئونه وفقا لشروط الواقف، وينظم القانون ذلك.. مادة (91) للدولة أن تمنح حق اللجوء السياسي لكل أجنبي اُضطهد بسبب الدفاع عن مصالح الشعوب أو حقوق الإنسان أو السلام أو العدالة. وتسليم اللاجئين السياسيين محظور، وذلك كله وفقًا للقانون.. مادة (92) الحقوق والحريات اللصيقة بشخص المواطن لا تقبل تعطيلًا ولا انتقاصًا. ولا يجوز لأي قانون ينظم ممارسة الحقوق والحريات أن يقيدها بما يمس أصلها وجوهرها.. مادة (93) تلتزم الدولة بالاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي تصدق عليها مصر، وتصبح لها قوة القانون بعد نشرها وفقًا للأوضاع المقررة.

أتت الانتخابات الرئاسية وهي ثان استحقاق انتخابي ضمن خارطة الطريق، وقد أُجريت في ظروف استثنائية بشكل كامل، وسط التعقيدات والاضطرابات التي أوجدها تيار التأسلم السياسي، والتي جعلت من المشير السيسي مرشح ضرورة تلاقت عنده حسب تقديرات أغلب المصريين، العديد من مواصفات ومؤهلات وامكانات وعناصر القدرة لقيادة مرحلة استثنائية بشكل كامل، وشهدت الانتخابات منافسة بين الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي، والمناضل السياسي حمدين صباحي، أحد أهم زعماء ثورة 25-30، وانتهت بفوز المشير عبدالفتاح السيسي رئيسًا لمصر في 3 يونيو 2014 بنسبة 96.94%.، في انتخبات حرة ونزيهة ومعبرة بشكل كامل عن طبيعة المرحلة، وما تضمنته من تغيير جذري في طبيعة وتوازنات قوى الثورة بعد 30 يونيو 2013. ثم أنهي الشعب المصري خارطة الطريق التي أقرها بإتمام انتخابات مجلس النواب في 23 نوفمبر 2015، وبنهاية عام 2016 تنتهي مصر من الانتخابات المحلية.

تُعد الديمقراطية شكلًا هجينًا من الحكم، ودمجًا لتقليدين سياسيين مختلفين. الأول يتلخص في السيادة الشعبية، وحكم الشعب، وهو التقليد الذي يمارس من خلال الانتخابات. والتقليد الثاني، وهو الأقدم والذي لا يقل أهمية، فهو تقليد الحرية. والحرية هنا لها ثلاثة أشكال، الحرية السياسية، وتتمثل في الحقوق الفردية مثل حرية التعبير وتأسيس الجمعيات وغيرها. والحريات الدينية، التي تعني حرية العبادة لكل أتباع الديانات والعقائد المختلفة. والحرية الاقتصادية، التي تتجسد في حق الملكية الخاصة. إذن الديمقراطية الحقيقية تعني ممارسة العملية الانتخابية في “حرية”، ورغم أن مصر تواجه تحديا خطيرًا هو أن الجماعات الأكثر تنظيما في مصر هم الأخوان المسلمون والسلفيون، يرفضون حرية الأديان والحقوق الفردية، خاصة حقوق المرأة والأقباط، كما أن الحرية الاقتصادية في مصر في وضع غير موات. ذلك أن اقتصادها عبارة عن شكل من أشكال “رأسمالية المحاسيب”، حيث يعتمد النجاح الاقتصادي علي مدى قوة العلاقات السياسية التي يتمتع بها المرء، وليس علي منافسة السوق الحرة القائمة علي الجدارة والتي تنشأ الحرية في كنفها. أضافة إلى أن مصر تعاني من عدم وجود أنظمة عربية ديمقراطية في محيطها، مما أفقدها النموذج الديمقراطي الجدير بمحاكاته. إلا أن مصر في المقابل تنفرد بمجموعة من المزايا التي تؤهلها لأن تسلك طريقًا ديمقراطيًا حقيقيًا، أولًا أن مصر في وضع أفضل بكثير من البلدان العربية الأخري بالنسبة لتبني الديمقراطية كخيار سياسي، كما أن العقبات التي تعترض طريق الديمقراطية أقل كثيرًا في مصر. فالعديد من البلدان العربية مثل العراق وسوريا ولبنان تعاني من انقسامات حادة قبلية وعرقية ودينية. علي النقيض تمامًا، فإن مصر متجانسة نسبيا. ويشكل (الأقباط) المسيحيون 10% من السكان، وهم ليسوا أقلية عرقية أو إثنية أو سلالية، كما أن اقتصادها لا يعتمد على احطياطيات النفط والغاز كأغلب الدول العربية، حيث يعمل النفط الذي تتمتع به بلدان الخليج العربية ضد الديمقراطية، لأنه يساعد في خلق الحافز لدي الحكام للاحتفاظ بالسلطة إلي ما لا نهاية. وتمكنهم عائدات النفط من رشوة السكان واسترضائهم لدفعهم إلي تبني السلبية السياسية، في حين تعمل علي تثبيط أي اتجاه لخلق ذلك النوع من نظام السوق الحرة الذي يساعد في توليد الديمقراطية، كما إن ثورة 25 يناير التي اجتاحت مصر فجأة كانت وما زالت ثورة سلمية حتي الآن، وهذا يصب في صالح قدرتها علي بناء الديمقراطية. فعندما تسقط الحكومات بسبب أعمال عنف فإن النظام الجديد يحكم عادة بقبضة من حديد، وليس في ظل إجراءات ديمقراطية، ولو لم يكن ذلك إلا بدافع من رغبته في حصار الفريق الذي ألحق به الهزيمة، كما تخبرنا كتب التاريخ عن الثورات الحديثة بدءً بالثورة الفرنسية عام 1789، علاوة على أن المصريين مقتنعون (إلي حد الإيمان) بقيم الحرية والسيادة الشعبية، وملتزمون بترسيخ هذه القيم والحفاظ عليها. وأظهرت الأقمار الصناعية للعالم أجمع المشاعر السياسية لملايين المصريين الذين احتشدوا في ميدان التحرير في القاهرة طيلة موجات الثورة المصرية (25-30) وخاصة في موجاتها الكبرى في 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013، وهي رسالة مهمة تؤكد أنهم يريدون الديمقراطية، وأنهم مستعدون بالفعل لممارستها بل والتضحية بأرواحهم من أجلها.

اعتدنا عقب الثورة المصرية 25-30 الاستماع لأحاديث اللواءات السابقين في الجيش والشرطة الذين تستضيفهم وسائل اﻹعلام المختلفة تحت مسمي الخبراء الاستراتيجيين أو الأمنيين، والذين يتبنون وجهة نظر مفادها أنه لا مجال للحرية في خضم الصراع الحالي في البلاد. ويبقي دائمًا الحديث عن “الحرية” مؤجلًا بل مجرمًا في بعض الأحيان، حيث تذهب بعض الأصوات إلى أن توجيه انتقادات للنظام إنما هو ضرب من ضروب الخيانة والعمالة لإننا يجب أن نصطف وراء القيادة السياسية للخروج من عنق الزجاجة التي لم نخرج منها أبدًا. فدائمًا ما يحدثنا أنصار الاستبداد بمنطق أن “الحرية ليست مطلقة” بل يجب أن تتوقف عند حدود وقيود معينة، أو أن “هذا ليس الوقت المناسب للحديث عن للحرية”، أو “لا صوت  يعلو فوق صوت المعركة”، إذن ما هي طبيعة تلك القيود وحدودها ومن يضعها، وهل الأمر متروك  ﻷي شخص لكي يضع ما يحلو له من قيود على حريات الأفراد، أم أن الأمر محسوم، وأن ما يجري هو محاولات للتضليل والتبرير لانتهاك حقوق وحريات المواطنين. ومن هنا كانت ضرورة وأهمية اﻹجابة عن إشكالية الحرية بشكل واضح ومباشر بدون مواربة أو محاباة، حيث بات حتميًا أن نذكر الجميع بأن الحرية بالأساس “مطلقه”، وأن تنازل الأفراد عن جزء منها لصالح الدولة في مقابل الحماية والتنظيم والإدارة حيث يكون التقييد، هو استثناء مشروط بإيفاء الدولة لالتزاماتها. وقد ألقينا الضوء سابقًا في مواضع عدة من كتابنا هذا للتاريخ الطويل لنضالات الشعوب في مواجهة الحكام، وكيف انتزعت الشعوب حقوقها من براثن الملك واﻹمبراطور والرئيس. فدائمًا ما يبتغي الحاكم أن تكون سلطاته مطلقة وقراراته نافذه ولا يحبذ أن يُنتقص منها شيء، وفي المقابل تناضل الشعوب لانتزاع حريتها التي هي بالأساس ليست منحة من أحد، بل حق أصيل لكل إنسان. فقد تمكنت البشرية في إحدى أهم محطات هذا الصراع اﻷزلي من صياغته في صورة “العقد الاجتماعي” أو “الدستور” والذي يمثل حجر الأساس للدول القومية الحديثة. حيث يمثل الدستور المرجع الأساسي لحقوق وحريات الأفراد وينظم العلاقة بينهم وبين السلطة، وبين الأفراد وبعضهم البعض. ثم يأتي دور القانون الذي يُفترض ألا يخالف الدستور في شيء. ويشكل القانون الحماية المباشرة للحقوق والحريات داخل الدول ويلتزم به الأفراد وتقوم بإنفاذه السلطات. وعلى الصعيد العالمي والعلاقات بين الدول كما أوضحنا سابقًا، تمكنت البشرية من صياغة تلك العلاقات في شكل مواثيق ومعاهدات واتفاقيات بين الدول، ومن بينها المعاهدات والمواثيق المتعلقة بحقوق الإنسان. وهي عبارة عن مجموعه من الالتزامات تقع على عاتق الدول تجاه أي إنسان خاضع لنطاق سلطتها. وتعهدت الدول باﻹيفاء بهذه الالتزامات بمحض إرادتها بدون إجبار، وذلك بالتصديق على تلك المعاهدات والاتفاقيات عن طريق مجالسها التشريعية. لذلك يكون أي حديث عن قيود أو حدود للحرية خارج الأطر القانونية والدستورية ما هو إلا لغو لا قيمة له. إذن فالحرية بالأساس مطلقة، ولا يجوز فرض قيود عليها إلا بمقتضي قانون، ولا بد أن يتوافق هذا القانون مع فلسفة ونصوص ومبادئ الدستور. كذلك لابد أن يكون تقييد الحرية مشروطًا بعدم الإخلال بجوهرها. لذلك يصبح من الضروري التأكيد على أحقية الجميع في التعبير عن آرائهم ومعتقداتهم بحرية تامة، وعدم انتهاك خصوصيتهم أو تعريضهم لأية ملاحقات أمنية أو عنف مجتمعي أو انتقاص ﻷي حق من حقوقهم بسبب معتقداتهم وميولهم وأفكارهم. كما يجب التأكيد باستمرار على أحقية جميع المواطنين في حرية التعبير عن آرائهم في اﻷمور السياسية والدينية والعلمية والاجتماعية دون قيود أو خطوط حمراء (باستثناء الحض على العداوة أو الكراهية، أو التحريض على العنف). والحقيقة التي لا مراء فيها أن أكثر ما نجحت فيه الأنظمة المصرية المتعاقبة، هو إجهاض أي جهد شعبي مستقل منظم، سواء في حقبة التنظيم الواحد، أو حقبة التعددية الحزبية الشكلية، وسواء قبل ثورة 25 يناير، أو بعدها، وذلك لتحطيم الروافع التي تقوم عليها الحياة الحزبية. وفي خضم التغيرات التي أعقبت أحداث 30 يونيو 2013، تصاعدت حدة الهجمة على مفاهيم الحقوق والحريات في مصر. فرغم انتفاضة الشعب في وجه جماعة الإخوان المسلمين تحت دعوى إنقاذ الوطن من براثن الجماعة المتطرفة التي تنتهك الحقوق وتعصف بالحريات، إلا أنه لا يمكن الجزم بأن اﻷوضاع اﻵن قد تغيرت، فلم نلمس تحسنًا في حالة حقوق الإنسان بشكل عام أو أوضاع الحريات الدينية وحرية التعبير على وجه الخصوص، فلا تزال دعاوى ازدراء الأديان تلاحق الكتاب والمثقفين والمفكرين، حتى أنها طالت أطفالًا من جماعات الأقليات الدينية التي قدم النظام الحالي نفسه بوصفه مدافعًا عنها. ومازال قانون الحسبة سيء السمعة جاسمًا على صدور مفكري ومبدعي الأمة المصرية، وسيفًا مسلطًا على رقاب من يشذ عن منظومة الظلامية والسلفية الدينية والفكرية، وقد أدى هذا إلى تعرض بعض الكتاب للسجن بسبب أعمالهم الأدبية والفكرية، بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع محتواها تحت دعاوى خدش الحياء العام أو إزدراء الأديان، وكذا قانون التظاهر المخالف صراحة للدستور المصري والذي أساء كثيرًا للسلطة قبل أن يسيء للمصريين وفي مقدمتهم خيرة شبابنا الذي تعرض للسجن والتعذيب من نظام لم يكن يحلم بالوصول إلى السلطة لولا نضالات وتضحيات هذا الشباب، وبسبب تلك الممارسات السالبة لنظام يسير وفق عقلية أمنية عقيمة وضيقة الأفق، زادت رخاوة الدولة المصرية، وغابت معها دولة الدستور والقانون والمواطنة، وهو ما ظهر جليًا في تعامل الدولة مع أحداث الفتنة الطائفية المتتالية في الكثير من أقاليم مصر والتي تصل إلى زروتها في الصعيد، وهذا رغم إمتلاك النظام لأغلبية كبيرة داخل مجلس النواب تمكنه من إلغاء تلك القوانين سيئة السمعة والتي تؤسس للاستبداد وتسبغ عليه شرعية قانونية، وخاصة أنه وعد كثيرًا بتلك الوعود في خضم صراعة مع تيار التأسلم السياسي بعد وصول الأخير للسلطة، مما يدفعنا إلى القول أن النظام الحالي مازال كسابقه فيما يخص حماية حقوق وحريات المواطنين، وأن السعي إلى تحقيق الحريات العامة والخاصة هي مهمة تاريخية عاجلة وملحة، وتستحق النضال من أجلها من كافة القوى السياسية الليبرالية والقومية والاشتراكية بكافة فصائلهم ومدارسم، باعتبارها شرطًا أساسيًا للتطوروالتقدم، كما أدركها الشعب المصري ورفع شعارها منذ اللحظة الأولى للثورة المصرية (25-30).

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك