الخميس - الموافق 28 مارس 2024م

(32) الاستبداد الديني.. بقلم الكاتب والباحث: محمد السني

ألقينا الضوء سابقًا على “بريق شعار الحرية” إبان الثورة المصرية 25-30، ثم تطرقنا إلى ولادة مصطلح الحرية، وتطور مفهوم الحرية

خلال الحضارة الإغريقية، والحضارة الرومانية، والمفهوم المسيحي للحرية، وعصور الظلام الأوروبية، والحضارة الإسلامية، والحضارة المصرية القديمة، والعصور الوسطى المصرية، وعصري النهضة والتنوير الأوروبيين، وكل من الليبرالية الكلاسيكية، والليبرالية الاجتماعية، والليبرالية الجديدة، وحقوق الإنسان، والاشتراكية العلمية، والاشتراكية الديمقراطية، وما بعد الحداثة، والعثمانيين، والحملة الفرنسية، ولحظة الوعي المصرية الأولى، ومرحلة التأصيل الفكري المصري للحرية، ومرحلة الزخم التنويري المصري، والتيار الاشتراكي العلمي المصري، والإسلام السياسي، وناصر والديمقراطية الاجتماعية، والتجربة الحزبية المصرية الثانية، وثورة 25 يناير، وسرقة الثورة، ومقالتي هذه عن “الإستبداد الديني”.

لازم الجدل الرئيس مرسي منذ ظهوره العلني لأول مرة كمرشح احتياطي للمهندس خيرت الشاطر، من قبل جماعة الإخوان المسلمين، وسط فتور ساد أوساط مختلف القوى السياسية. وكانت مفاجأة صادمة لجميع المصريين، على اختلاف أطيافهم السياسية، أن يجدوا أنفسهم بين نارين في المرحلة الثانية للانتخابات، إما التصويت لصالح الفريق أحمد شفيق، المحسوب على النظام السابق، أو لمرشح “الإخوان” محمد مرسي. وحسمت النتيجة لصالح محمد مرسي في أجواء مشحونة بالتوتر والقلق والشعور بكتم الأنفاس لحظة إعلان نجاحه رئيسًا لمصر. وبذلك وصل الدكتور محمد مرسي إلى سدة الحكم، ومصر تعيش حالة ثورية فريدة، ورغم حصوله على نسبة الحد الأدنى للفور (51%)، إلا أن المصريين تعاملوا مع توليه الرئاسة بترحيب، حتى وإن بدا معارضوه مضطرون له وقتذاك، فقد توسم الجميع خيرًا بالعهد الجديد، وعقد عليه أنصاره ومن ساندوه وقطاع كبير من الشعب المصري آمالًا كبيرة، في تحقيق طموحاتهم ورغباتهم في تغيير حقيقي على كافة المستويات، وخاصة بعد أن رفع شعار “مشروع النهضة”، وهو ما عكسه المشهد الأول لحكم مرسي باستقباله الحافل في ميدان التحرير، من قبل جميع المصريين، حيث كان مشهدا نادرًا في تاريخ مصر، حين وقف رئيس الدولة فاتحًا صدره فاردًا ذراعيه، بينما يردد القسم أمام المتظاهرين، قبل أن يؤديه رسميًا أمام قضاة المحكمة الدستورية العليا. ومع ذلك، لم ينجح مرسي في إرضاء الإسلاميين بتنفيذ وعوده نحو المشروع الإسلامي المزعوم، ولا الثوريين بتحقيق أهداف الثورة، وتفاقمت الأزمات وحدث فى مصر عكس ما كان يتوقعة الكثيرون.

مصر الثورة كانت تنتظر من الرئيس أن يقودها نحو مصالحة وطنية حقيقية من أجل العبور بمصر نحو مستقبل أفضل، ولكن الرئيس وتياره خلقوا حالة من التمزق، وقطع الطرق أمام أى محاولة لخلق حوار مجتمعى من أجل مشاركة سياسية حقيقية لكل القوى والتيارات من أجل مصر الحديثة. وبينما كان الشعب المصري ينتظر من الرئيس حكومة ثورية حقيقية شعارها “الخبرة معيار الإختيار”، فإذا به يأتي بأهل الثقة والولاء له ولحزب الحرية والعدالة (الزراع السياسية لجماعة الاخوان المسلمين) ومكنهم من مفاصل الدوله من وزارات وإدارات مختلفه ابتداءً من المحليات وانتهاءً بالمحافظين، كما أتى برئيس وزراء لا يمت للثورة أو الكفاءة بأية صلة، ولا أحد يعرف له توجه سياسي أو اقتصادي، وأغلب وزراءة من المقربين من النظام السابق أو من تيار التأسلم السياسي، بل الأسوء إنه زادت فى عهد هذه الحكومه الكوراث والحوادث المفجعة، مما أغرق المواطن في العديد من الأزمات المتلاحقة، وأصبح المواطنون فى محنة أكبر من ذى قبل. وبينما كان المنتظر من الرئيس تشكيل مؤسسة رئاسية تعكس الحالة الثورية المصرية وتساهم فى تلاحم قوى وفئات الشعب حول الرئيس من أجل المستقبل، نجد مساعدى الرئيس الأربعة بلا عمل سوى شخصين وهما عصام الحداد مساعد الرئيس للعلاقات الخارجية وهو منصب يتضارب مع وزير الخارجية، والدكتورة باكينام الشرقاوى مساعد الرئيس للشئون السياسية، والإثنين الباقيين (دكتور سمير مرقص وعماد عبدالغفور) لانعرف لهما عمل. وفي حين كانت مصر الثورة تنتظر من الرئيس عندما يختار مستشارية من أصحاب الكفاءات والخبرات العالية، ليضعوا مصر عبر الخريطة العالمية، نجد أن من تم اخيتارهم إما أتباع لتيار الإسلام السياسي أو شخصيات غير محددة التوجة وبدون توصيف لوظائفهم، وأدائهم ضعيف جدًا. وبينما كانت الثورة تنتظر من الرئيس تحقيق أهداف الثورة التي عبرت عن طموحات وآمال الشعب المصري وأهمها العدالة الإجتماعية وتوفير فرص عمل، وتنفيذ الحد الاقصى والأدنى للأجور، وإقرار الضرائب التصاعدية، والبدء في إصلاح التعليم وزيادة ميزانيته لخلق أجيال تحمل تعليمًا جيدًا، وزيادة ميزانية الصحة، وإصلاح منظومة التأمين الاجتماعي والضمان الاجتماعي، وغيره من منظومة العدالة الاجتماعية الشاملة، فإذا به يتبنى نفس ايدولوجيات النظام البائد، ويتبع نفس السياسات ويخدم نفس الطبقات، واتجهت مصر نحو الديون الخارجية والداخلية ولم يرى المصريون سوى تصريحات ووعود بمستقبل أفضل والمواطن يعيش فى أزمات فى كل شيء. مصر الثورة كانت تنتظر من الرئيس أن يدعم شبابها بشكل كبير فى عمليات التنمية وخلق جيل جديد فى كافة الوزارات، وإعطاء الشباب فرصة ليثبتوا قدرتهم على النجاح، ولكنه لم يمد يده الى من عاونه من شباب الثورة للوصول الى هذه المناصب، بل إنه نسى أن هناك كثير منهم فى السجون ولم يفرج عنهم حتى خلعه، وكذلك مجاملته ودعمة الكبير لتياره فى لجنة كتابة الدستور وصمتة الرهيب عن تجاوزاتهم الخطيرة مثل محاصرة المحكمة الدستورية العليا ومدينة الإنتاج الإعلامي وضرب لمعارضى الرئيس في أكثر من حدث ومناسبة. مصر الثورة كانت تنتظر من الرئيس حزمة إجراءات لمكافحة الفساد فى مصر عبر قوانين تكافح الفساد الإدارى وتعزز معيار الشفافية والوضوح فى مصر، فلم نجد أى شئ سوى تغيير قيادات وأسماء مع عدم المساس بقوانين تشكيل وعمل هذة الهيئات مثل البنك المركزى والجهاز المركزى للتنظيم والإدارة ومجلس القضاء الأعلى وغيرها، علاة على تضارب القرارت وتكرر الإعتذارات من المتحدث بأسم الرئاسة ونفية أخبار وتكذيبة غيرها، وما هي سوى أيام على توليه السلطة وصدر قرار للرئيس مرسي في 8 يوليو 2012، بعودة مجلس الشعب ودعوة المجلس للانعقاد، ليتفجر جدل سياسي ودستوري حول هذه الخطوة، ويدعو المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي سحب منه هذا القرار السلطة التشريعية التي آلت له منذ حل البرلمان، لعقد اجتماع لبحث الموقف، كما دعا رئيس المحكمة الدستورية لاجتماع طارئ للجمعية العامة للمحكمة لبحث الموقف أيضًا، وما هي إلا أيام وتصدر المحكمة الدستورية قرارها بوقف تنفيذ قرار عودة البرلمان، ويخرج بيان من الرئاسة يعرب فيه مرسي عن كامل احترامه لقرارات الدستورية، مؤكدًا أننا دولة يحكمها سيادة القانون واحترام المؤسسات لتنهى حالة الجدل ويعود الأمر كما كان، وهكذا تكرر الأمر في أكثر من واقعة. كما توالت أخطاء خطابات مرسي التي كانت تقوم علي الارتجال والعاطفة والتكرار، فرؤساء الدول لا يرتجلون في خطاباتهم، وليس مطلوبًا من الرؤساء أن يخاطبوا الناس بالأحلام الوردية وإنما بالوقائع، كما إن الأداء العاطفي والتاريخ والأحلام أمور لم تكن تهم المصريين في هذه اللحظة الدقيقة، علاوة علي ذلك فإن قيمة الخطابات السياسية ليست بطولها ولا بالإنشاء والبلاغة اللغوية بها، إنما ببساطتها وتركيزها، ولمسها للواقع ولاحتياجات الناس في هذه اللحظة التاريخية التي تعيشها الأمة.

لذا لم يأت تجدد الثورة في مصر من فراغ، فهي جاءت بعد شهور من تسلم الرئيس مرسي السلطة، تبين خلالها أن شيئًا في مصر لم يتغير، وأن سياسيات مبارك لا تزال قائمة، وجرى إعادة إنتاجها وإحيائها على كل الأصعدة، الوطنية، والقومية، والاقتصادية والاجتماعية، والسياسية، صحيح أن التغيير يحتاج إلى وقت حتى يثمر ويتلمس الشعب نتائجه، إلا أن الصحيح أيضا أن هذا التغيير لا يتم في السر وإنما في العلن، وله مقدماته ومؤشراته التي تدلل على أن هناك برنامجًا يحتوي على مضامين السياسيات التي سيجري إتباعها في العهد الجديد، والخطوات الإجرائية التي سيتم اتخاذها لتحقيق هذه السياسات، ولكن بعد مضي شهور قليلة على حكم الرئيس مرسي تكشف بأنه ليس هناك أية مؤشرات، أو مقدمات توحي، أو تدل على وجود نوايا لديه لإحداث تغيير في السياسات، التي كان ينتهجها سلفه حسني مبارك، ولم يشعر الشعب المصري، بأن تطلعاته يجري التعبير عنها في الحكم الجديد، وإنما لمس إمعانًا في إبقاء القديم على قدمه، وذلك على جميع الأصعدة، فعلى صعيد السياسات الاقتصادية والاجتماعية تبنى مرسي أيدولوجية (الليبرالية الجديدة) التي كانت متبعة في السابق وتسببت بإفقار الشعب المصري، وتمركز الثروة بيد فئة قليلة من رجال الأعمال وأصحاب المليارات، وحولت اقتصاد مصر إلى اقتصاد ريعي تابع للغرب، وخصوصًا الولايات المتحدة، وصندوق النقد الدولي، ولم يجر أي مراجعة لها، بل على العكس فإن حكومة مرسي برئاسة هشام قنديل أقدمت على خطوات كرست هذه السياسات، بالعودة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي ( 4.8 مليار دولار) وبشروطه المعروفة، والتي أدت إلى إقدام الحكومة على رفع الدعم عن بعض السلع بهدف خفض العجز في الموازنة، وكذلك خفض الإنفاق الحكومي وتقليص الإنفاق الاستثماري، كما أدى إلغاء الدعم عن المحروقات، وزيادة الرسوم على الخدمات العامة إلى ارتفاع أسعار جميع السلع ما انعكس سلبًا على القدرة الشرائية للمواطنين، كما أدت الاستجابة لشروط صندوق النقد الدولي، الذي تهيمن عليه واشنطن وحلفاؤها، إلى انخفاض قيمة العملة، والتسبب بمزيد من تفاقم الأزمة المعيشية للشعب المصري، أما مطالب القطاعات العمالية والموظفين بتحسين أوضاعهم المعيشية، فإنه لم يجر تلبيتها، ولهذا عادت إلى الواجهة الإضرابات والاحتجاجات الاجتماعية على نطاق واسع كما كانت عليه في آخر أيام حكم المخلوع مبارك، ومعروف أن السياسة الاقتصادية والاجتماعية هي التي تحدد توجهات الحكم، أن كان لناحية موقفه من التبعية للخارج، والسعي إلى بناء اقتصاد إنتاجي مستقل، أو لناحية موقفه من مفهوم العدالة الاجتماعية، ولهذا فإن مرسي لم يظهر إنه يعتمد توجهًا يقود إلى إخراج مصر من فلك التبعية الاقتصادية للغرب، وإعادة بناء نظام العلاقات الاقتصادية والاجتماعية على أسس من التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، والذي لا يمكن تحقيقه من دون التحرر من نظام التبعية الاقتصادية للخارج. وعلى الصعيد الوطني، واصل مرسي اتباع نهج كامب ديفيد، ولم يعمد إلى مراجعة هذه الاتفاقيات التي تنتقص من سيادة مصر على سيناء، وكرس التفريط بالسيادة الوطنية وعدم استقلالية القرار المصري، واستطرادًا أبقى مصر جزءًا من الإستراتيجية الأمريكية، خاضعة لهيمنة الولايات المتحدة. وعلى الصعيد القومي، واصل مرسي تكريس دور مصر كحارس لأمن العدو الصهيوني، أما على صعيد الأزمة في سورية، فإن مرسي حرص في كل المحطات، على تأكيد تراصفه إلى جانب المحور الأمريكي الغربي التركي والعربي الرجعي في إشهار العداء لنظام الرئيس بشار الأسد، الذي يجري استهدافه ليس لاستبداده كما يدعون (رغم أنهم ساهموا في تشكيل وترسيخ منظومته المستبدة)، وإنما لمقاومته مشروع الهيمنة الاستعمارية ودعمه المقاومة ضد الاحتلال في لبنان وفلسطين والعراق.

كانت قرارات الرئيس مرسي الخاصة بالعفو الشامل عن بعض المسجونين الأمنيين وإفراجه عنهم، سببًا في عودة القلق والتوتر الأمني إلى سيناء، وحمل البعض مرسي مسؤولية ذلك، كما تراخى بصفته رئيس للجمهورية فيما يحدث فى سيناء وعدم القصاص من قتلة جنودنا الشهداء في شهر رمضان، فيما عرف بمذبحة رفح الأولى بتاريخ 6 أغسطس 2012، وعدم اكتمال العمليه نسر التي أعقبت الحادث لتطهير سيناء من البؤر الجهاديه والتكفيريه الساكنه فيها، والتى فرضت سيطرتها على سيناء بعد الثورة وزاد نشاطها الاجرامى فى حق الجنود والضباط، لدرجة الشعور بأن سيناء اصبحت غير مصرية وأن الشرطه والجيش مستهدفين للقصاص منهم. وعلى خلفية هجوم رفح، أصدر الرئيس مرسي قرارًا بإقالة رئيس جهاز المخابرات العامة اللواء مراد موافي وقائد الحرس الجمهوري وقائد الشرطة العسكرية ومحافظ شمال سيناء، وأصدر قرارًا بتعيين اللواء محمد رأفت عبدالواحد شحاته قائمًا بأعمال رئيس جهاز المخابرات العامة، وشملت القرارات تعيين اللواء محمد أحمد زكي قائدًا للحرس الجمهوري المسئول عن حماية الرئيس، والسفير محمد رفاعة الطهطاوي مديرًا لديوان رئيس الجمهورية، ولاقت تلك القرارات ترحيب ودعم من العديد من القوى السياسية والثورية ورجل الشارع العادي، وشجعت الرئيس مرسي لاتخاذ القرار الأجرأ، فبعد تعيين هشام قنديل رئيسًا للوزراء بأيام، أصدر قرارًا في 12 أغسطس 2012 بإقالة المشير محمد حسين طنطاوي القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربي، وإقالة الفريق سامي عنان رئيس أركان حرب القوات المسلحة وإحالتهما على المعاش وعددًا من قادة الأفرع الأساسية للقوات المسلحة، وتعيين الفريق “السيسي” خلفًا لطنطاوي، كما أصدر الرئيس مرسي قرارًا بإلغاء الإعلان الدستوري المكمل الذي كان قد أصدره المجلس الأعلى للقوات المسلحة قبل إعلان فوز الرئيس مرسي للحد من صلاحياته، كما قام مرسي بغربلة لباقي أعضاء المجلس العسكري، وذلك عن طريق نقل بعضهم لمناصب أخرى وإحالة بعضهم للتقاعد، بالإضافة لتعين المستشار محمود مكي نائبًا له، واعتبر الكثير من المحللين والمراقبين قرارات الرئيس مرسي بداية للحكم المدني والدولة المدنية الحديثة، وإن وجد البعض هذا القرار هو الخروج الآمن للجيش من الحكم متسائلًا عن تفاصيل ما تم وصفه بالصفقة بين المجلس العسكري والإخوان، بينما اكتفى البعض بالاستغراب من التوقيت فقط، حيث كان مقدرًا أن يشغل السيسي منصب وزير الدفاع بعد خروج المشير في أكتوبر 2012، وتم تبكير الخطة بطلب من الرئيس مرسي، رغم أن الفريق سامي عنان التقى مرسي قبل توليه الرئاسة بحضور السيسي وقرأ معه الفاتحة على الولاء، ولكن تم الاطاحة به لصالح السيسي، كما إتضح أن الولايات المتحدة والبنتاجون كانا على علم بخطة الإطاحة، وإشارة خضراء أفسحت الطريق واسعًا أمام نصف انقلاب، وإن اختلفت التحليلات حول ما إن كانت إقالة طنطاوي وعنان قد تمت بتشاور معهما ومع المجلس العسكري أم لا، فإن توقيت القرار الذي جاء في أعقاب عملية رفح التي رأى كثيرون أنها مثلت أول اختبار لمرسي ربما يجد صعوبة في التعامل معه، ولكنها كشف أن مرسي استطاع أن يستثمر هجوم رفح لصالح تثبيت أقدامه على رأس الدولة، ولم ينتهي القرار عند هذا فحسب، بل قام الرئيس مرسي أيضًا بإلغاء الإعلان الدستوري المكمل الذي سبق وأعلنه المجلس العسكري أثناء توليه الفترة الانتقالية في 17 يونيو 2012، ليقتنص مرسي كامل اختصاصاته المنصوص عليها في المادة 56 من الإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس2011، وكالعادة يدور الجدل حول قانونية هذه الخطوة من عدمها. وبعد حالة الغليان والغضب التي انتابت الشعب بعد الحكم ببراءة كافة المتهمين في قضية قتل المتظاهرين المعروفة إعلاميًا بموقعة الجمل، أصدر الرئيس مرسي قرارًا في محاولة لامتصاص الغضب الشعبي والحد من التظاهرات التي كان من المقرر خروجها، فقرر في 11 أكتوبر 2012 إقالة النائب العام وتعيينه سفيرًا في دولة الفاتيكان وفتح التحقيق مرة أخرى في قضية موقعة الجمل، ليهدأ الغضب الشعبي وينفجر غضب القضاة والكثيرون ممن امتعضوا من كسر ومخالفة قانون السلطة القضائية الذي يقضي بعدم جواز إقالة أو عزل النائب العام، وبطبيعة الحال رفض النائب العام تنفيذ القرار لعدم قانونيته، واجتمع القضاة معلنين رفضهم للقرار، لتنتهي الأزمة التي سببها قرار مرسي بواسطة مرسي أيضًا، فبعد أيام قليلة من قرار مرسي اجتمع مرسي السبت 13 أكتوبر 2012 بكل من النائب العام ورئيس مجلس القضاء الأعلى، لينتهي اللقاء بتثبيت النائب العام في منصبه، وكانت تلك هي المحاولة الأولى لعزل النائب العام.

وعلى صعيد الحرية والديمقراطية، وهو الانجاز الوحيد الذي حققته ثورة الشعب المصري، أراد مرسي تنصيب نفسه وصيًا على الثورة وحاكمًا مستبدًا وديكتاتورًا وتحصين نفسه من أي محاسبة قانونية لتكريس نفس سياسات مبارك، لذلك خلق محطة جديدة من محطات الأزمات الدستورية في مصر، عندما أصدر إعلانه الدستوري فى 22 نوفمبر 2012، ، ليحصن به قراراته من الطعن عليها أمام القضاء، كما حصن مجلس الشورى واللجنة التأسيسية لوضع الدستور من الحل، وهو الإعلان الذى وصف فى ذلك الحين بأنه وثيقة “أنا ربكم الأعلى”، وتضمن قرارات كانت أحد الأسباب التي دفعت ملايين المصريين للخروج فى مظاهرات حاشدة ضده، ونص الإعلان الدستوري على “المادة الأولى، تعاد التحقيقات والمحاكمات في جرائم القتل والشروع في قتل وإصابة المتظاهرين وجرائم الإرهاب التى ارتكبت ضد الثوار بواسطة كل من تولى منصبًا سياسيًا أو تنفيذيًا في ظل النظام السابق وذلك وفقا لقانون حماية الثورة وغيره من القوانين. المادة الثانية، الإعلانات الدستورية والقوانين والقرارات السابقة عن رئيس الجمهورية منذ توليه السلطة في 30 يونيو 2012 وحتى نفاذ الدستور وانتخاب مجلس شعب جديد تكون نهائية ونافذة بذاتها غير قابلة للطعن عليها بأى طريق وأمام أية جهة، كما لا يجوز التعرض بقراراته بوقف التنفيذ أو الإلغاء وتنقضي جميع الدعاوى المتعلقة بها والمنظورة أمام أية جهة قضائية. المادة الثالثة، يُعين النائب العام من بين أعضاء السلطة القضائية بقرار من رئيس الجمهورية لمدة أربع سنوات تبدأ من تاريخ شغل المنصب ويشترط فيه الشروط العامة لتولي القضاء وألا يقل سنه عن 40 سنة ميلادية ويسري هذا النص على من يشغل المنصب الحالي بأثر فوري. المادة الرابعة، تستبدل عبارة تتولى إعداد مشروع دستور جديد للبلاد في موعد غايته 8 أشهر من تاريخ تشكيلها، بعبارة تتولى إعداد مشروع دستور جديد للبلاد في موعد غايته 6 أشهر من تاريخ تشكيلها الواردة في المادة 60 من الإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس 2011. المادة الخامسة، لا يجوز لأية جهة قضائية حل مجلس الشورى أو الجمعية التأسيسية لوضع مشروع الدستور. المادة السادسة، لرئيس الجمهورية إذا قام خطر يهدد ثورة 25 يناير أو حياة الأمة أو الوحدة الوطنية أو سلامة الوطن أو يعوق مؤسسات الدولة عن أداء دورها، أن يتخذ الإجراءات والتدابير الواجبة لمواجهة هذا الخطر على النحو الذي ينظمه القانون. المادة السابعة، يُنشر هذا الإعلان الدستوري في الجريدة الرسمية ويُعمل به اعتبارًا من تاريخ صدوره.. وقد صدر في ديوان رئاسة الجمهورية الأربعاء 21 نوفمبر 2012.”.. كما صدر عن رئيس الجمهورية ما وصفه بالقرارات الثورية، وتضمن حزمة من القرارات وهي “المادة الأولى، يعين السيد المستشار طلعت إبراهيم محمد عبدالله نائب عامًا لمدة 4 سنوات. المادة الثانية، ينشر هذا القرار ويعمل به من تاريخ صدوره”، كما صدر عن رئيس الجمهورية قرارًا بقانون جاء فيه “المادة الأولى، يلغى قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 632 لعام 2012 الصادر بتاريخ 6/6/2012. المادة الثانية، تضاف فقرة إلى المادة الأولى من قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 303 لعام 2011 نصها التالي “كما يمنح كل من أصيب بشلل رباعي أو فقد في البصر في العينين خلال أحداث ثورة 25 يناير 2011 والأحداث والأماكن التي أقرها المجلس القومي لرعاية أسر الشهداء والمصابين قبل إصدار هذا القرار معاشًا استثنائيًا مساويًا لمعاش الشهيد المشار إليه بالفقرة الأولى اعتبارًا من تاريخ الإصابة”. المادة الثالثة، يمنح كل من أصيب بشلل نصفي أو عجز كلي أو غير القادر على العمل أو المصاب الذي تجاوز السن 55 عامًا بسبب أحداث ثورة 25 من يناير وأحداث ماسبيرو وشارع محمد محمود وأمام مجلس الوزراء والأحداث والأماكن التي أقرها المجلس القومي لرعاية أسر الشهداء والمصابين قبل إصدار هذا القرار معاشًا استثنائيًا مساويًا للمعاش الممنوح للشهيد المنصوص عليه في المادة الأولى من قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 303 لعام 2011 المشار إليه وذلك كله وفقا لتقرير اللجنة الطبية المنوطة بذلك. المادة الرابعة، يمنح كل من أصيب بعجز جزئي خلال أحداث ثورة 25 يناير وأحداث ماسبيرو وشارع محمد محمود وأمام مجلس الوزراء والأحداث والأماكن التي أقرها المجلس القومي لرعاية أسر الشهداء والمصابين قبل إصدار هذا القرار ولم يكن قد تسلم وظيفة أو عمل أو مشروعًا صغيرًا معاشًا استثنائيًا بحسب نسبة عجزه منسوبًا للمعاش الممنوح للشهيد والتي تقرها اللجنة الطبية المنوطة بذلك ويجوز الجمع بين هذا المعاش وأى دخل آخر. المادة الخامسة، يبدأ صرف المعاش الاستثنائي المنصوص عليه في المادتين الثالثة والرابعة من هذا القرار اعتبارًا من تاريخ صدوره. المادة السادسة، على جميع الجهات المختصة تنفيذ هذا القرار اعتبارًا من تاريخ صدوره”.. وقد أثارت هذه القرارات حالة فريدة من الجدل، فهناك من رأى أن هذه القرارات ثورية وأنها تعيد الثورة لمسارها الصحيح، بينما وجد البعض أن هناك “شعرة” بين الثورية والديكتاتورية، معتبرين أن هذه القرارات هي إعلان صريح بميلاد الديكتاتور الجديد، ورأى البعض أن هذه الخطوة مجرد بالون اختبار، فإذا تقبلها الشعب أو رضي بالتعايش معها أو تم قهره على ذلك، فإنه يتم الشروع بعد فترة من الزمن فى تشكيل هيئة عليا إرشادية ذات صلاحيات سيادية، والجميع مسئول أمامها حتى رئيس الجمهورية وهى ليست مسئولة أمام أحد، وقد تضم هذه الهيئة فى عضويتها المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين ونوابه الأطهار الأتقياء، وبحيث لا يتجاوز عدد أعضاء هذه الهيئة التقية عشرة، وتكون مهمتهم رسم سياسات الدولة وتحديد أولويات الحكومة، وإستبعاد الشخصيات الخطرة من الترشح لأى انتخابات برلمانية أو محلية أو نقابية أو حتى الأندية الرياضية، وهو تصور يماثل هيئة تشخيص مصلحة النظام فى إيران، وهو ما يدعمه ما طرحته الجماعة في تصورها لبرنامج نظام الحكم فى مصر قبل سنوات، الذي انطوى على هيئة شرعية محصنة ذات صلاحيات فوق دستورية تماثل الهيئة الإيرانية.

أدى الإعلان الدستوري بشكل عام إلى استقطاب شديد وحاد في الشارع المصري بين مؤيد ومعارض، ومظاهرات حاشدة بالتأييد والمعارضة في أنحاء الجمهورية، ووصف نشطاء الاعلان الدستوري الجديد للرئيس محمد مرسي، وخاصة ما تضمنه من اعادة المحاكمة في قضايا قتل الثوار بإنه استغلال ومتاجرة بدماء الشهداء عن طريق تمرير قرارات استبدادية مع مطلب ثوري وتنصيب فرعونًا جديدًا على الشعب، فاجتمعت القوى السياسية المعارضة في مقر حزب الوفد، وكان من ضمن المتواجدين في هذا الاجتماع محمد البرادعي ونقيب المحاميين سامح عاشور وحمدين صباحي وجورج إسحاق وعمرو موسى وأيمن نور، وقد أعلنوا رفضهم للإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس مرسي، وعلى الرغم من أن حزب مصر القوية ذكر في بيان له أنه مع إقالة النائب العام إلا أنه رفض عملية تحصين الجمعية التأسيسية ومجلس الشورى، وأصدرت حركة 6 أبريل بيانا ترفض الإعلان الدستورى، وقدم سمير مرقص مساعد الرئيس استقالته مع العديد من مستشاري الرئيس المستقلين ( سكينة فؤاد – سيف الدين عبد الفتاح – عمرو الليثي – فاروق جويدة – محمد عصمت سيف الدولة) من مؤسسة الرئاسة احتجاجًا على صدور الإعلان الدستوري ولعدم الاستماع إليهم وتجاهلهم، بينما أعلن المفكر القبطي دكتور رفيق حبيب، مستشار الرئيس ونائب رئيس حزب الحرية والعدالة، انسحابه من العمل السياسي بما في ذلك أي دور في مؤسسة الرئاسة أو الحزب، واعتبر المجلس الأعلى للقضاء في مصر أن الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس محمد مرسي يتضمن إعتداء غير مسبوق على استقلال القضاء وأحكامه، وأن المجلس هو المعني بكافة شؤون القضاء والقضاة مبديًا أسفه لصدور هذا الإعلان، كما أصدر المجمع الأعلى للكنيسة الإنجيلية المشيخية بيانًا أكد فيه رفضه للإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس محمد مرسي، واعتبره متعارض مع كل المباديء السياسية، ويدفع في اتجاه الشقاق بين أبناء الوطن، والتي بدت ملامحه في الأفق، وأصدر اتحاد كتاب مصر بيانًا أعلن فيه رفض الإعلان الدستوري وأشار فيه إلى “رفع دعوى قضائية ضد الرئيس بشأن هذا الإعلان”، وتوافقت جميع القوى الوطنية والثورية على مجابهة إعلان محمد مرسي الدستوري الجديد والمطالبة باسقاطه فورًا، وكان بيان القوى الوطنية قويًا وواضحًا في موقفه والعزيمة على اسقاط قرارات مرسي الأخيرة، كما تمت الدعوة إلى مظاهرات مليونية غاضية يوم الجمعة 30 نوفمبر 2012 في ميدان التحرير وباقي المدن المصرية، وأعلنت المفوضة السامية لحقوق الإنسان في جنيف “نافى بيلاي” إن بعض مواد الإعلان الدستورى الذي أصدره الرئيس محمد مرسى تتعارض مع العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وتتنافى مع الوصول إلى العدالة والإنصاف، واستقلال السلطة القضائية، وعلى الجانب الآخر أيد حزب النور الإعلان الدستوري والقرارات المصاحبة له، وكذلك ايده الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل، كما أصدرت حركة قضاة من أجل مصر بيانًا أعلنت فيه تأييدها لقرارات رئيس الجمهورية، ليحتكم الفريقين للشارع، فالمؤيدون يحتفلون أمام دار القضاء العالي والمعارضون يتوافدون على التحرير، وتجمع بعض مؤيدي القرار أمام قصر الاتحادية حيث ألقى الرئيس خطابًا، وتجمع متظاهرون معارضون ومؤيدون للقرار في عدة محافظات، وأبدت عدة دول ومنظمات أجنبية قلقها منها الولايات المتحدة، وعلى اثر ذلك قام مجهولون بحرق عدة مقرات للإخوان ولحزب الحرية والعدالة بعدة محافظات وسقوط قتيلين ومئات الجرحي جراء المظاهرات التي انطلقت رافضه ومؤيدة للإعلان. وانطلاقاً من ذلك يمكن القول إن انتفاضة وثورة الشعب المصري ضد حكم الرئيس مرسي كانت نتيجة طبيعية ومتوقعة، لعدم حصول أي تغيير، ولاستمرار سياسات نظام مبارك ما فاقم الأزمة وجعل مرسي بنظر غالبية الشعب المصري لا يختلف بشيء عن مبارك، وخاصة بعد إقدام مجموعات الإخوان بالاعتداء على المعتصمين أمام قصر الاتحادية، وسقوط عشرات الضحايا، ومئات الجرحى، فيما الخطاب الإعلامي لحزب الحرية والعدالة الحاكم، لم يختلف عن إعلام الحزب الوطني لناحية العمل على تشويه صورة المعارضين لمرسي بوصفهم “قلة مندسة”.

عقب الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس محمد مرسي في 22 نوفمبر 2012، تشكلت جبهة الإنقاذ الوطني، وهي تكتل سياسي تشكل من 35 حزب سياسي وحركة سياسية وثورية وجميعها ذات أيدولوجيات ليبرالية ويسارية (قومية واشتراكية)، وتوعدت بتصعيد الاحتجاجات والعصيان المدني، ودعت بعد ذلك إلى كل المظاهرات المطالبة بإلغاء الإعلان الدستوري في ميدان التحرير وأمام قصر الاتحادية وغيرها من المناطق، كما رفضت المشاركة في الحوار الذي دعا إليه مرسي بعد إلغائه إعلانه الدستوري الأخير مع إبقاء آثاره، وأصدرت “جبهة الإنقاذ الوطني” بيانًا جاء فيه أن الجبهة “تحمل رئيس الجمهورية المسؤولية الكاملة عن إراقة الدماء المصرية للشهداء والمصابين، وتؤكد أن الإدارة الفاشلة للبلاد هي التي دفعته لهذا التعامل غير المسؤول مع الأزمة الحالية، وإلى فرض حالة الطواريء على مدن القناة الباسلة، دون استنفاذ كافة وسائل الحوار والإدارة السياسية للأزمة”، وأضاف البيان “إن الجبهة ترفض وسائل التهديد والترويع التي هدد بها السيد الرئيس في خطابه، وهي أساليب أسقط التاريخ أصحابها، وآخرهم مبارك، فالحوار الجاد والنزول على إرادة الأمة هو الخطاب الوحيد الذي يمكن أن يقبله شعبنا، إن الجبهة مع إعادة تأكيدها على أداة الحوار كوسيلة لحل الأزمة التي تكاد تعصف بكيان الوطن نفسه، ومع اجتهادها المستمر في التوصل لآليات وضمانات جادة للحوار طرحتها أكثر من مرة على الرأي العام، إلا أنها ترفض الانجرار مرة أخرى إلى حوارات إعلامية شكلية تزيد من غضب واحتقان المواطن، وأهالي الشهداء، ولا توفر حلًا لأي مشكلة من مشاكله اليومية والحياتية، وانطلاقًا من مسؤوليتنا الوطنية، ومهمتنا كمعبرين عن أهداف ثورة 25 يناير، فإن الجبهة سبق وأن طرحت الأسس الكفيلة بالخروج من الوضع الخطير الذي تمر به البلاد، وعلى رأسها، أولًا تشكيل حكومة إنقاذ وطني أو وحدة وطنية، ثانيًا تشكيل لجنة لتعديل الدستور، ثالثًا إزالة آثار الإعلان الدستوري وإقالة النائب العام، رابعًا تشكيل لجنة قضائية للتحقيق في سقوط الشهداء والمصابين، خامسًا إخضاع جماعة الإخوان المسلمين للقانون، بعد أن أصبحت طرفًا أصيلًا في إدارة البلاد دون سند شرعي، وبعد أن تجاهل الرئيس هذه المقترحات، فإن الجبهة تؤكد أن الحوار سيبدأ فقط عندما تتوقف الجرائم وآلة قتل شهدائنا وإصابة جرحانا وإطلاق يد السلطات في ترويع شعبنا في مدن القناة والقاهرة والإسكندرية وكافة المحافظات الثائرة، وتحمل الرئيس مرسي ونظامه ووزير داخليته المسؤولية السياسية والجنائية وتطالب بخضوع كل هؤلاء للتحقيق، كما تشدد على ضرورة رفع حالة الطواريء في أسرع وقت ممكن، ورفض العقاب الجماعي لأهلنا في السويس والإسماعيلية وبورسعيد، وتؤكد الجبهة قلقها البالغ تجاه المخاطر التي تهدد أمن وسلامة الملاحة في قناة السويس، إحدى رموز النضال الوطني، وتثق في أن الشعب المصري، قبل جيشه الوطني، سوف يحمي قناة السويس كما حماها دائمًا بحياته ودمه من أي مؤامرة أو تخريب، وإن الجبهة تعول أولًا وأخيرًا على جماهير شعبنا، وعلى استمرار الحشد الميداني السلمي في الموجة الثورية الحالية التي بدأت مع الذكرى الثانية لثورتنا، وتدعو في هذا الصدد جماهير شعبنا إلى النزول إلى كافة ميادين التحرير يوم الجمعة المقبل، الأول من فبراير، للتأكيد على حرمة دماء الشهداء، وتحقيق أهداف الثورة، كما تتمسك الجبهة بما ورد في بيانها السابق بضرورة إسقاط الدستور المشوه، والشروع الفوري في تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة في حال عدم استجابة الرئيس لمقترحاتها، وتؤكد أخيرًا أن شباب ثورتنا قد أحاط الجبهة علمًا بإشرافه الدقيق وتواجده لتنظيم الحشد بالميادين ضمن صفوف الثوار، ومحافظتهم على سلمية ثورتنا ونبذ كل أشكال العنف الذي ترفضه الجبهة، ويرفضه المجتمع المصري بأسره”.

تعمقت الأزمة المصرية بشدة بعد الإعلان الدستوري، وظهر بوضوح أن الرئيس وحزب الحرية والعدالة وحلفائه من الأحزاب والتيارات السلفية والجماعة الإسلامية في صف، والأحزاب والقوى والشخصيات الوطنية والقومية والليبرالية التي انضوت تحت اسم جبهة الإنقاذ الوطني في صف مقابل ومعها القضاء المصري الذي انتفض دفاعًا عن استقلاليته متمردًا على قرار مرسي تعيين نائبًا عامًا جديدًا، وهو ما أدى إلى مفاقمة الأزمة وتأجيج الثورة ضد مرسي، وكشف حكم مرسي بسرعة وأضعفه على الصعيد الشعبي، فظهر بأنه رئيس فئة من المصريين، وليس كل المصريين، وكذلك أضعف حزب الحرية والعدالة الذي تبين أنه يسعى إلى السلطة والاستئثار بها، وأنه لا يحمل أي برنامج للتغيير لا وطنيًا، ولا قوميًا، ولا اقتصاديًا اجتماعيًا، وأنه ملتزم بمواصلة سياسات التبعية للغرب اقتصاديًا وسياسيًا وأمنيًا، وهو ما ترجمه مرسي الذي حرص على الاستمرار بنفس بالدور الذي كان يقوم به مبارك”.

سمح الدستور الإخواني في 2012 بتأسيس أحزاب على أسس دينية وعرقية وجغرافية … إلي اخره، وسمح بتشغيل الأطفال والسخرة، ولم يعط للمعاق حقوقه المنقوصة، كما ادخل مؤسسة الأزهر في الصراعات السياسية، وتمادى في توسيع سلطات رئيس الجمهورية، وقام بتحصينه ضد أي مسائلة، وحافظ على وجود مجلس الشوري الهزلي، كما خالف الدستور في غالبية مواده العرف الدستوري والقانوني الدولي، وتم العمل على مواد الدستور وإعداده وإصداره والموافقة عليه فقط من طرف واحد وهو تيار التأسلم السياسي، فكانت نشأته في الحقيقة في بيئة غير قانونية أو شرعية أو دستورية، ووضع الإخوان والسلفيون مواد تنال من هيبة مجلس الدولة والنيابة الادارية وهيئة قضايا الدولة والمحكمة الدستورية وتعدوا على اختصاصاتها ووضعوا عليها رقابة ومنعوا عنها استقلاليتها وفتحوا الباب على مصرعيه لحزب جماعة الإخوان السياسي وأحزاب السلفيين في أن يتمكنوا من النيل منهم كما يحلو لهم، لتأكدهم إنهم كانوا الفائزين في انتخابات مجلس الشعب وستكون لهم الغلبة بالخداع والتضليل، كما خلا دستور 2012 من أي باب مستقل للهيئات القضائية لنفس السبب عاليه حتى ينالوا منها ويهدموا استقلالها من خلال الأغلبية البرلمانية، لأن خطة الاخوان في تلك المرحلة كانت السيطرة على مفاصل الدولة بشكل كلي وعلى كل قطاعات الدولة الخاصة والعامة ومؤسسات الدولة، وأيضًا السيطرة على المجتمع من الناحية الثقافية والاجتماعية وتغيير هويته وتدمير ثقافته، وخلا الدستور من اعتبار أن المساس بحدود الدولة هي جريمة خيانة عظمى ولا تسقط بالتقادم، ولم يتضمن مواد تضمن العدالة الاجتماعية، وتصون الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للطبقات الكادحة.

أثارت بعض مواد الدستور مخاوف خبراء القانون والسياسة ووصفوها بالألغام التي ستنفجر في وجه المصريين، مؤكدين إن بعض هذه المواد خاصة المواد 10، 141، 145 تسقط دولة القانون والمؤسسات، وتفتح الباب لجماعات الأمر بالمعروف والميلشيات، ولم يفسر غموض اختصاصات الرئيس، مطالبين بإصدار مذكرة تفسيرية لمواد الدستور المبهمة ومذكرة أخري تشمل الأعمال التحذيرية لتقنين بعض المواد الدستورية، فقال عمرو هاشم ربيع الباحث السياسي في مركز الأهرام الاستراتيجي إن المادة 141 وضعت للتمهيد لما سيقره مرسي بعد ذلك، مشيرًا إلي إن الأزمة الحقيقية في عدم إرفاق الدستور بمذكرة تفسيرية لمواده المبهمة، فيما علق صلاح عيسي الكاتب الصحفي بأن كثيرًا من مواد الدستور ألغام نتيجة لانفراد تيار واحد بها، الذين سعوا لتعمية المواد، واصفًا إياه بأكثر الدساتير المصرية ركاكة وإبهام، وأوضح عيسي أن طعن الرئيس علي وقف الانتخابات هي بداية لتوسيع سلطاته غير المفهومة بالمادة 141 ولكنها جاءت مبررة بأنه يريد تفسير من المحكمة الدستورية لهذه المادة، وهذا نتيجة عدم إرفاق الأعمال التحذيرية لمواد الدستور، ومن ناحية أخري قال شوقي السيد الخبير القانوني إن المادة 141 لا تعتبر لغمًا مقارنة بالمادة 150 في مسودة الدستور قبل خروجها علي وصفها الحالي التي أعطت الحق لرئيس الجمهورية بعد الرجوع إلي مجلسي الشعب والشوري بأغلبية ثلثي الأعضاء تغيير حدود الدولة، وأضاف شوقي السيد إنه لخطورة الأمر تقرر الاعتراض علي المادة فأصبحت المادة 145، وهي تعطي الحق لرئيس الجمهورية لمباشرة المعاهدات التي تتعلق بحقوق السيادة، وعندما اعترض ممثل القضاء العسكري في إحدي الجلسات الأخيرة لما تعنيه من تغيير حدود مصر وتقسيم الأراضي، لم يستجب المستشار رئيس الجمعية التأسيسية للدستور حسام الغرياني، وتم وضع نفس العبارة التي تم حذفها من المادة 150 في المادة 145، مؤكدًا أن “تغيير حدود الدولة” هذه الجملة التي تتضمنها حقوق السيادة تخرج من مخطط الشرق الأوسط الجديد الذي يهدف إلي تقسيم الدول العربية إلي دويلات والمقترح في هذا المشروع أن تعطي إسرائيل مصر قطعة من صحراء النقب مقابل أن تتنازل مصر عن قطعة أرض بين رفح والعريش ليعيش فيها أبناء غزة والوضع الحالي للشعب المصري بين مؤيد ومعارض والانقسامات العديدة التي تفرق المصريين تسمح بتحقيق هذا المخطط الخطير، كما أكد جهاد عودة أستاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان أن المادة 145 من المواد الخطيرة جدًا التي تمنح رئيس الجمهورية صلاحيات غير واردة في الدساتير السابقة حيث تتيح له تمثيل الدولة في العلاقات الخارجية وإبرام معاهدات بما يسمح بتقسيم الأراضي المصرية وتغيير الحدود، مشيرًا إلي أن تحديد الأراضي المصرية ليس لها أثر له في الدستور الجديد علي الرغم من أن جميع الدول الأخري تحدد في دساتيرها مدى وحجم أراضيها وتضع محاذير للحفاظ علي قدسيتها، ولفت إلي أن وجود هذه المادة في الدستور يعيد للأذهان مشروع الشرق الأوسط الجديد واستراتيجية تقسيم مصر التي تسعى إليها الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل ومن ثم وجب إعادة النظر في هذه المادة، وأكد المناضل الراحل أبوالعز الحريري المرشح الرئاسي السابق والقيادي بحزب التحالف الشعبي الاشتراكي إن مصر ليس بها دستور وأن ما لدينا الآن هو ورقة عبارة عن “دستور طالبان” للإخوان والسلفيين وكل ما فيها رجعي ومتخلف ومعاد للوطن والقصة تعود إلي انقلاب 11 فبراير 2011 لإنه كان من المفترض طبقا للدستور المعمول به حتي 30 مارس 2012 أن يأتي رئيس المحكمة الدستورية العليا ويحكم البلاد لمدة 60 يومًا حتي يتم انتخاب رئيس جمهورية جديد وهذا لم يحدث، وفي 19 مارس تم تعديل الدستور وقيل انه حصل علي 70٪ ممن لهم حق التصويت، ومن ثم فإن هذا الدستور تم وضعه قبل منتصف 2011 وهذا يؤكد العزم علي اغتيال الثورة، وبالتالي لم تكن مفاجأة ان يأتي الدستور بهذه الصورة لا يعبر عن المصريين، فهو دستور باطل، أما الدكتور الشافعي بشير أستاذ القانون الدولي فيقول إن المادة العاشرة والخاصة بالأسرة والمجتمع يرقد تحتها كيدًا كبيرًا لما وضعه السلفيون والإخوان المسلمين والذين كانوا يسيطروا علي الجمعية التأسيسية وكانت في أذهانهم أن يصلوا إلي تسييس المجتمع المصري بالكيفية التي يريدونها تحت مظلة ترشيد المجتمع من الناحية الدينية، أي إنشاء لجان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الموجودة في المملكة العربية السعودية، وبالفعل بدأوا في الكثير من المدن المصرية لترجمة هذا المنهمج فيما نسمية من اعتراض بعض الفتايات أو السيدات بحجة أنهن سافرات وإن مظهرهن ليس المظهر الذي يريده السلفيون، ويضيف بشير لم يكن في عهد أحد ممن وضعوا دساتير العالم أن يضعوا مادة بهذا الحجم وإنما التعديل يكون موجزًا بدون كيد أو غرض حقيقي فيها وإنما هذه المادة من طولها تدل علي إنها تريد صلاح المجتمع ولكن الغرض الخفي فيها أن يقوم الإخوان والسلفيون بتحقيق ما يريدون، ويتابع “الدستور لم يكن صريحًا في نصوصه مثل دستور 23 أو دستور 71 هذه الدساتير لم يكن خلف النصوص نوايا سيئة ولكن هذا الدستور يكمن وراءه غرض غامض سيترجم عمليا من خلال مجلس الشعب، ويتم عمل ما يريدون ويقولون إنه عمل دستوري وقانوني طبقًا للدستور والقانون ويتم إحالته إلي المحكمة الدستورية التي تقضي هي الأخرى بدستوريته، ويتم إقراره لإنه جاء علي أساس قانوني وطبقًا للدستور المعمول به وبهذا يحكمون سيطرتهم علي الدولة”. فيما مئات الدبلوماسيين المصريين في الخارج أعلنوا رفضهم الإشراف على الاستفتاء على الدستور الجديد، الذي صاغته وأقرته الجمعية التأسيسية على عجل في ظل مقاطعة أعضائها من الأحزاب الوطنية والليبرالية والكنيسة القطبية.

دعت قوى سياسية ونشطاء الشعب المصري إلى النزول يوم 28 يونيو للتظاهر في الميادين، تحت شعار “كشف حساب سنة”، ورأى كثيرون أن كشف حساب الدكتور مرسي أصبح ثقيلًا ومحملًا بالأعباء والإخفاقات، وشبه خال من الإنجازات، بل بالغ بعضهم في القول بأن مرسي لا يختلف عن الرئيس السابق حسني مبارك، وأنه يستحق المحاكمة مثله لأنه ارتكب الأخطاء نفسها، وإن إنجازات المائة يوم الأولى التي تعهد بها الرئيس مرسي في برنامجه الانتخابي، كانت أول إخفاقاته، لقد تعهد الرئيس الجديد بحل مشكلات المرور والنظافة والوقود والخبز والأمن، لكن ما حدث كان زيادة الأوضاع سوءًا، خاصة أزمة الوقود التي انعكست سلبًا على المخابز وحركة المرور والكهرباء، وقالت الناشطة السياسية نهى كمال، المتحدثة باسم حركة “مستقلون من أجل مصر”، التي دعت إلى مظاهرات كشف الحساب في نهاية يونيو 2011، قالت لجريدة الشرق الأوسط “إن الرئيس مرسي أخفق في معالجة الملفات التي تعهد بها في برنامجه الانتخابي للمائة يوم الأولى من حكمه، بل خلال السنة الأولى، لذلك نطالب بكشف حساب معه، وقد جمعنا حصيلة طويلة من الإخفاقات التي حدثت على مدار الإثنى عشر شهرًا التي تولى فيها الرئاسة، كان أسوأها سقوط مائة شهيد وثلاثة آلاف معتقل، بينهم نسبة كبيرة من المعتقلين دون السن القانونية، بالإضافة إلى تجاوزات الشرطة، وزيادة الظلم الواقع على البسطاء، ورغم إننا انتخبناه وأيدناه، فإننا نرفضه اليوم، ليس لانتمائه إلى فصيل معين، ولكن لإنه لم ينفذ العدل ولا الأهداف التي قامت من أجلها الثورة، كما إنه لم ينفذ العهود التي أخذها على نفسه خلال الحملة الانتخابية، ولم يأت بحق الشهداء، الميزة الوحيدة لتوليه الحكم، هي كسر أسطورة “الإخوان”، وأضافت نهى كمال “إننا ننسق مع كل السياسيين في القاهرة لإسقاط مرسي يوم 30 يونيو المقبل، والترتيب لتسليم السلطة لرئيس المحكمة الدستورية العليا شرفيًا، وفعليًا لرئيس حكومة وطنية مصغرة، تركز على ملفات الأمن وتعديل الدستور وقانون الانتخاب وحق الشهداء والإفراج عن المعتقلين، على أن تقام انتخابات رئاسية خلال ستة أشهر وفي ظل دستور محترم”، وإذا كان كشف حساب الرئيس مرسي يبرز جوانب التقصير والإخفاق في حل الملف الأمني، حسب “مستقلون من أجل مصر”، فإن الكاتبة السياسية الإسلامية، صافيناز كاظم، رأت أن أسلوب التعامل الأمني مع المتظاهرين والمعارضين للرئيس مرسي، كان غير ذكي، وجرى في أجواء مشحونة، وقالت بعد تعرض ابنتها الناشطة السياسية نوارة نجم لمضايقات أمنية وملاحقات قضائية، وإنه كان على الرئيس مرسي أن يتبع سياسات تجمع الناس من حوله، لكن ما يمارس الآن، أسلوب يفرق ويشتت، كأنه يدفع الناس دفعا إلى التمرد، وأضافت كاظم “إنه يشعل النار ويؤلب القلوب ضده”، وامتدت موجة الاستقالات والاعتراضات ولم تقتصر على المستشارين كما سبق، بل امتدت إلى الوزراء والمقربين من الرئيس والمحسوبين على الإخوان المسلمين، ومن أبرز هؤلاء، الشقيقان المستشار محمود مكي الذي استقال من منصب نائب الرئيس، والمستشار أحمد مكي وزير العدل السابق الذي استقال بسبب أزمات الرئاسة مع النظام القضائي المصري، وعبرت تلك الاستقالات عن خللًا كبيرًا في مؤسسة الرئاسة وفي أسلوب إدارة الرئيس مرسي للبلاد.

كان لحزب الحرية والعدالة (حزب الرئيس) رأى مختلف في كل ذلك، وقد وزع بيانًا على أعضائه في محافظات مصر المختلفة، تحدث عن إنجازات الرئيس مرسي التي لا تُحصى، مشيرًا إلى الاستقرار الأمني، ودعم المؤسسة العسكرية، وإحكام السيطرة العسكرية على سيناء من خلال العملية نسر، وإدخال معدات ثقيلة إلى سيناء لأول مرة منذ اتفاقية كامب ديفيد، وإعادة تشغيل المصانع الحربية لتصنيع الأسلحة، كما أشار البيان إلى تنمية الاقتصاد من خلال الكثير من المشروعات الكبرى التي توفر عشرات الآلاف من فرص العمل، وتحقيق العدالة الاجتماعية، برفع الرواتب والعلاوات، كما أشار إلى تحقيق مجموعة من المطالب الثورية، مثل صرف معاش استثنائي لأسر الشهداء والمصابين، وإعادة محاكمات قتلة الثوار، والإفراج عمن تم اعتقاله من المواطنين في أحداث ثورة 25 يناير، وتطهير مؤسسات الدولة من الفساد، وإقالة قيادات الفلول، وتغيير النائب العام الذي عينه مبارك واستبدال قاض حر من تيار الاستقلال به، وتضمن البيان أيضًا، محورًا بعنوان، الإنجازات على الصعيد الخارجي، أشار إلى عودة مصر إلى دورها الريادي العربي والأفريقي والإسلامي، من خلال المشاركة في جميع المؤتمرات والقمم العربية والإسلامية والأفريقية، إلى جانب توقيع ثمان اتفاقيات مع الصين، باستثمارات تقدر بخمسة مليار جنيهًا، وأخرى مع إيطاليا بقيمة مليار يورو، والاتفاق على إنشاء مدينة صناعية تركية بمدينة 6 أكتوبر باستثمارات تبلغ ملياري دولار، والإفراج عن معتقلين في الخارج، وتوقيع اتفاقيات على مشروعات قطرية في مصر بمبلغ ثمانية عشر مليار دولار لمشاريع ببورسعيد وساحل البحر المتوسط، والاتفاق مع السودان على زراعة مليوني فدان قمح على أراضيه، ووقف العدوان الإسرائيلي على غزة، والتدخل لدى ملك الأردن لإنهاء أزمة 350 ألف مصري كانوا مهددين بالترحيل من هناك، بل وتردد أن التلفزيون المصري الرسمي يعد فيلمًا وثائقيًا عن هذه الإنجازات تحت عنوان “عام من الإنجازات” وسيصدر كتابًا بشأنها أيضًا.

كان لتصدر تيار التأسلم السياسي مركز صدارة الإئتلاف الطبقي الحاكم، الفضل في كشف طبيعته الاستبدادية والظلامية والرجعية واليمينية المتطرفة، تلك الطبيعة البشعة التي أخفاها وراء معارضته الزائفة والمضللة للأنظمة السياسية المتعاقبة طيلة ما يقارب خمسة وثمانين عامًا، وكشفت عن هويته وانتمائاته الاجتماعية لنفس الطبقات العليا في المجتمع، ومن ثم تبنيه لنفس ايدولوجيات وسياسات النظام السابق، واستخدامة لنفس السياسات التي سارت عليها الأنظمة الرأسمالية التابعة والمدجنة، بل زاد عنها في السوء بأفكاره الظلامية والرجعية والمتخلفة، مما أوقعه في أخطاء كثيرة وفادحة في فترة وجيزة بكل المقاييس، وساعد على التصدي السريع لها نضوج الحركة السياسية، واكتساب الثوار لخبرة سياسية جراء الأحداث المتلاحقة والمصيرية، علاوة على أن الزمن قد تخطى تلك الأنظمة الموغلة في الرجعية  والظلامية والمعادية للحريات بمفهومها التاريخي والواسع، ولم يعد العصر الحديث يتقبل تلك الأنظمة  بسبب التطور العام في أنظمة الحكم، واتساع رقعة الحريات العامة والخاصة وإن اختلف نطاقها وجازبيتها، والنمو المتزايد في وعي الشعوب النامية بقيمة الحرية كأحد أهم عناصر التحصين ضد الاستبداد بكافة أشكاله، وأحد الطرق الهامة للنهوض والتطور والتقدم، وهو ما يشاهدونه دومًا من انتفاضات الشعوب من أجل الحرية، بفضل التطور الهائل لوسائل الاتصال التكنولوجية الحديثة، وقد تبلور هذا النضوج السياسي والقيمي في مصر في حركة سياسية كبيرة وعظيمة وفاعلة ومسؤولة، تمثلت في “جبهة الإنقاذ الوطني” كما أسلفنا، والتي ضمت كافة فصائل القوى السياسية المعارضة من أقصى اليسار إلى إقصى اليمين، ووسط هذه الصحوة الجماهيرية، والحالة الثورية الملتهبة، ظهرت “حركة تمرد”، التي توافرت لها عوامل النجاح قبل أن تبدأ، لتوافر كافة الظروف الموضوعية والذاتية لإسقاط الاستبداد الدينيى ممثلا في حكم الرئيس محمد مرسي، وكلمة “تمرد” كانت الكلمة السحرية التي وقع عليها اختيار مجموعة من الشباب للتعبير عن غضبهم ويأسهم، وقالوا في بيان تدشين حملتهم “وجب علينا التمرد بعد ما وصلت إليه البلاد من تدهور ملحوظ فى الحالة الاقتصادية وسوء الأحوال السياسية بعد وصول جماعة الإخوان المسلمين إلى حكم البلاد برئيسها محمد مرسى الذى أخل بكل موازيين العدالة وضرب بالثورة وإرادة الشعب المصرى عرض الحائط وكأن الثورة لم تقم، واتضحت الصورة على مرأى ومسمع العالم أجمع أن النظام المصرى انتقل من عصابة إلى أخرى ولم تحقق الثورة أهدافها ولم تحقق أحلام من ضحوا من أجلها فى الحصول على وطن يتمتع بالاستقلال الوطنى والحرية والعدالة الاجتماعية بعد أن تحكم فيه الخائنون ولازال يتحكمون فيه”، ودعت حركة تمرد لسحب الثقة من الرئيس محمد مرسي، والدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة، وقامت الحركة بدعوة المواطنين إلى التوقيع على وثيقة تحمل نفس اسم الحركة، وانطلقت “تمرد” في يوم الجمعة 26 أبريل 2013 من ميدان التحرير بالقاهرة، على أن تنتهي في 30 يونيو 2013، والتوجه إلى محافظة بورسعيد، والتي كانت تشهد عصيانًا مدنيًا والطلب من مواطنيها توقيع الاستمارة وهو ما لاقى تجاوبًا كبيرًا من سكان المدينة الناقمين على سياسات الرئيس، وبعد الأسبوع الأول أعلنت الحركة أنها جمعت 200 ألف توقيع، ووصل انتشار حركة تمرد إلى حد أن أعلن مؤسسوها أنهم قد جمعوا 2 مليون و29 ألفاً و592 استمارة توقيع لسحب الثقة من مرسي في مؤتمر صحفي عقدوه يوم الأحد 12 مايو 2013 أي بعد حوالي أسبوعين من تدشين الحملة، مما  أحدث صخبًا إعلاميًا واسعًا ساعد في انتشار حركة تمرد أكثر في الأوساط الشعبية المصرية كما انتبهت لها قوى المعارضة التي أجمعت على تأييدها، ومن التيارات السياسية التي دعمت حركة تمرد حركة كفاية وجبهة الإنقاذ والجمعية الوطنية للتغيير وحركة 6 أبريل، كما أعلنت نقابة المحامين المصرية فتح مقراتها للمواطنين على مستوى الجمهورية لتلقي الإستمارات الموقعة، كما كشفت مصادر بحركة “تمرد” عن انضمام تيارات سلفية إلى الحملة التي تدعو إلى سحب الثقة من الرئيس محمد مرسي ومشاركتها في عملية جمع التوقيعات بالمحافظات، فيما اعتبر حزب “النور” السلفي، أن حركة تمرد هي إحدى وسائل المعارضة المشروعة، إلا أنه تحفظ على المشاركة فيها بوصفها بأنها “غير قانونية”، وبدوره، رفض علي فراج، عضو الهيئة العليا للحزب الإسلامي (الذراع السياسية لتنظيم الجهاد)، المشاركة في حملة “تمرد”، واعتبر أن حملة تمرد ليست الطريق الصحيح للديمقراطية وستفتح على مصر مواجهات وصراعات سياسية لن تحتملها البلاد خلال الفترة الحالية، ولكنه أقر أن الانتخابات البرلمانية المقبلة ستكون مؤشرًا على تراجع شعبية جماعة “الإخوان المسلمين”.

قال أحمد عبده المتحدث باسم تمرد “إن الحركة ستتوجه إلى المحكمة الدستورية العليا لتسلمها هذه التوقيعات وتطالبها بسحب الشرعية من الرئيس محمد مرسي والإعلان عن إجراء انتخابات رئاسية مبكرة”، وأوضح “بأنه طبقا للمادة الأولى من الدستور فإن الشعب هو مصدر السلطات وأن التعبير الشعبي عن عدم رضاه عن الرئيس يفوق الشرعية الانتخابية خاصة أن عدد الموقعين تخطى بكثير عدد من صوتوا للرئيس في الانتخابات” وأضاف بأن هناك فريقًا قانونيًا كبيرًا يضم المحامي خالد علي، المرشح الرئاسي السابق، ويرأسه سامح عاشور، نقيب المحامين المصريين، يشرف على كل الإجراءات القانونية الخاصة بالحملة وهو ما يضمن سلاسة التعامل مع المحكمة الدستورية وسهولة التأكد من صحة التوقيعات، وعن المصاعب التي واجهتها حركة “تمرد”، صرح عبده بأن عددًا من شباب الحركة في أول أيامها اعتقل من جانب “جهاز الأمن الوطني” لكنه أطلق سراحهم بعد ذلك، في حين أن القبول الذي حظيت به الحركة في الشارع المصري من المواطن البسيط قابله رفض عارم من الحركات السياسية الإسلامية الموالية للرئيس، فأطلق بعض مؤيدي الرئيس محمد مرسي حملتين لجمع توقيعات لدعم استمرار محمد مرسي في الحكم هما حملة “مؤيد” وحملة “تجرد”، واتهموا حركة تمرد بأنها حركة تخريبية وأن إدعائها أنها جمعت هذه الأعداد كذب، وبعد النجاح المبهر الذي حصدته الحركة في الشارع بدأت المضايقات تأتي من جانب أعضاء “الإخوان المسلمين” الذين قاموا بمهاجمة المقر الرئيسي للحركة ومحاولة إحراقه، وواصلوا بعدها اعتداءاتهم على عدد من فروع الحركة في المحافظات ومحاولة التخلص من الاستمارات الموقعة، كما أشبعوا هذه الحركة اتهامات بالعمالة للغرب والتجرؤ على الإسلام ورفض الشريعة، وهي اتهامات تجد لها صدى كبيرًا في أوساط المتعاطفين مع حركات الإسلام السياسي، وهم كتلة تمثل وزنًا معتبرًا من المصريين، الأمر الذي أدى إلى انتشار رقعة التشرذم والانقسام في الشارع وإثارة القلق والخوف من اندلاع أعمال عنف يوم 30 يونيو عندما يخرج “المتمردون” للإعلان عن مطالبهم.

احتشد الآلاف، في مسيرات تحركت من أحياء عدة في القاهرة تجاه ميدان التحرير، وفي الإسكندرية والسويس والشرقية وعدة محافظات أخرى في جمعة “ثورة التصحيح والعودة إلى الميدان”، أو جمعة “الإخوان جوعونا”، وذلك في 17 مايو 2013، وهو ما اعتبره مراقبون بروفة نهائية لمليونية إسقاط الإخوان في 30 يونيو 2013، وذلك في ثلاث مسيرات إلى ميدان التحرير، وسط القاهرة معلنة أن تركيزها سيكون على الحشد لمليونية 30 يونيو 2013 أمام قصر الاتحادية لمطالبة مرسي بالدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة، وأكدت القوى السياسية أن المسيرات، هي البداية لسلسلة من الفعاليات التي ستستمر حتى إسقاط النظام في 30 يونيو 2013، لإعلان رفضهم لممارسات نظام جماعة الإخوان المسلمين والخروج من حالة اليأس وتصويب مسار الثورة، وأعلنت تركيزها لجمع توقيعات لحملة “تمرد” لسحب الثقة، وشارك في التظاهرات أحزاب الدستور، والوفد، والمصريين الأحرار، والمصري الديموقراطي الاجتماعي، والتيار الشعبي، والتجمع، وحركة شباب من أجل العدالة والحرية، وتحالف القوى الثورية، وحركة ثورة الغضب المصرية الثانية، وحركة لا للفلول والإخوان، وحركة 6 أبريل، وحركة 6 أبريل “الجبهة الديموقراطية”، والجبهة الحرة للتغيير السلمي، واتحاد شباب ماسبيرو، وأعلن شباب جبهة الإنقاذ المشكلة من عدد من الأحزاب الليبرالية واليسارية عن مشاركتهم في المسيرات، وأكدوا تأييدهم لحملة “تمرد”، كما نظمت مجموعة “أولتراس ثورجي” مسيرة من ميدان التحرير إلى وزارة العدل، للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين وسط احترازات أمنية مشددة، كما تمركز رتل من سيارات الأمن المركزي والمصفحات وسيارات الإطفاء في شارع قصر العيني، والمئات من جنود الأمن المركزي، لتأمين محيط مجلسي الوزراء والشورى، ووزارة الداخلية، وفي الإسكندرية، تجمع المئات من النشطاء السياسيين في ساحة مسجد القائد إبراهيم، وشاركوا في تظاهرات “عائدون” التي دعت إليها حركة “تغيير”، والتي رفعت صور للسادات وعبدالناصر، وتم توزيع بيان بعنوان “حصاد النهضة 100 شهيد، و3 آلاف معتقل، و1.2 تريليون جنيه حجم التضخم، و1855 جريمة قتل، و109 جرائم اغتصاب، و2611 سرقة بالإكراه”، وذلك وسط إقبال كبير على استمارات “تمرد “، وشارك الأديبان علاء الأسواني، ويوسف زيدان في فاعليات حملة “تمرد” بمنطقة سيدي جابر في الإسكندرية، بمشاركة العشرات من أعضاء حملة “تمرد”، وعدد من النشطاء السياسيين من عدد من القوى السياسية في المحافظة، وجددت حركة “تمرد” رفضها لتوقيع المرشح الرئاسي السابق الفريق أحمد شفيق على استمارتها، موضحة أنها تؤمن بأهداف الثورة، التي كان أحد أهم مطالبها تطبيق قانون العزل السياسي، الذي يحرم كل من شارك في إفساد الحياة السياسية، ونشطت حملة تمرد في مختلف المحافظات المصرية، من خلال تنظيم حملات توعية للمواطنين، وأعلنت تمرد عن بدء حملة جديدة لجمع توقيعات لسحب الثقة من مرسي في نيويورك، وكان لافتا تجمع العشرات من شباب تيار الاستقلال أمام جمعية الشبان في شارع رمسيس للانطلاق في مسيرة إلى وزارة الدفاع للمطالبة بنزول الجيش للشارع وإدارة شؤون البلاد.

أعلنت حملة تمرد رسميًا  في يونيو أنها جمعت 20 مليون توقيع، ودعت لتظاهرات حاشدة ضد مرسي تبدأ في 30 يونيو، في ذكرى توليه الحكم، وأصدر الفريق أول عبدالفتاح السيسي بيانًا يقول فيه إن الجيش سيتدخل ليمنع أي عنف في التظاهرات، قاصدًا منع مؤيدي مرسي من مهاجمة الحشود، ومنح السيسي الطرفين أسبوعًا ليحلوا خلافاتهم، وكان موعده الأخير 30 يونيو، وفهمت خطة الحماية التي وضعها السيسي على أنها دعم للمتظاهرين، فاستدعى مرسي الفريق السيسي ليشرح بيانه، فأكد له الفريق أن البيان “وضع لتهدئة خواطر الناس”، وبعد إعلان الموعد النهائي الأول بوقت قصير، اتصل مساعدان لمرسي بقائد الجيش الميداني الثاني، اللواء الركن أحمد وصفي، في منطقة قناة السويس، ليعرضا عليه منصب السيسي، ولكن وصفي أبلغ السيسي فورًا بالمكالمة. وفي 29 يونيو 2013 أعلنت حركة “تمرد” أنها جمعت اثنين وعشرين مليون استمارة توقيع لسحب الثقة من الرئيس محمد مرسي، وقال محمود بدر، أحد مؤسسي الحملة في مؤتمر صحافي “إن هذه الملايين التي وقعت على هذه الاستمارات مدعوة غدًا الأحد 30 يونيو 2013 للتظاهر أمام القصر الرئاسي وفي ميدان التحرير وجميع محافظات مصر لإسقاط الرئيس محمد مرسي”، وشدد بدر على أن هذه التوقيعات لن يكون لها قيمة إذا لم تخرج هذه الملايين غدًا لإعلان إسقاط النظام، وأعلنت الحركة أن مرسي لم يعد رئيسًا شرعيًا لمصر ودعت الشعب المصري للنزول في اليوم التالي لاسترداد ثورته وتحقيق أهدافها وإزاحة النظام الإخواني، وقال حسن شاهين، المتحدث باسم حملة تمرد، “إن الحملة تعلن من اليوم وبهذه التوقيعات سقوط شرعية الرئيس محمد مرسي”، ومن جهته صرح محمد عبدالعزيز، عضو “تمرد”، أن الحركة وشباب الثورة اتفقوا على رؤية موحدة لما بعد سقوط مرسي قائلًا “إن الطرح الذي تطرحه الحملة نيابة عن الشعب هو أن يتولى رئيس المحكمة الدستورية مسؤولية الرئاسة بصلاحيات محدودة لمدة 6 أشهر على أن يتولى رئاسة الحكومة المصرية شخصية ثورية تتفق عليها المعارضة تكون مهمته بحث ملفات الأمن والاقتصاد والخدمات الجماهيرية، وفي غضون تلك المدة يتم تشكيل لجنة دستورية محايدة لإعداد دستور جديد للبلاد، بدلًا من الدستور الإخواني، وقال محمد عبدالعزيز “إن معنى تولي رئيس المحكمة الدستورية العليا مسؤولية البلاد هو إسقاط الدستور تلقائيًا”، وشدد عبدالعزيز على التزام حملة تمرد بالنهج السلمي للتظاهرات، مؤكدًا “أنه لم يعد هناك أي فرصة لأي حلول مع الرئيس محمد مرسي، حيث أقسم مرسي على احترام الدستور والقانون وكان هو أول المخالفين، وأقسم على رعاية مصالح الشعب المصري، ولكنه راعى مصالح أهله وعشيرته”، قائلا “الجماعة تريد جر البلاد للفوضى وإرهاب الملايين التي ستخرج غدًا ولكن الشعب المصري لا يخاف ولا يخشى إرهاب الإخوان”، وأكد بدر “أن حملة تمرد ستصدر مساء غد وتحديدًا العاشرة مساءً بيانًا هامًا هو “بيان الثورة الأول، وتجتمع في هذا البيان كافة آراء القوى السياسية والثورية، تأكيدًا على وحدة الصف الثوري”، كما أعرب الرئيس الامريكي باراك أوباما عشية 30 يونيو عن قلقه إزاء الاضطرابات في مصر ودعا نظيره المصري إلى حوار بناء أكثر مع المعارضة، وقال اوباما في مؤتمر صحفي في بريتوريا “نحن نتابع الوضع بقلق”، موضحًا أن الحكومة الأمريكية اتخذت إجراءات لضمان أمن سفارتها وقنصلياتها وموظفيها الدبلوماسيين في مصر، مضيفًا “ندعو كافة الأطراف إلى العمل على عدم التورط في العنف والشرطة والجيش إلى التحلي بضبط النفس الملائم”، كما طلب أوباما من مرسي أن يجري “حوارًا بناءً اكثر” مع المعارضة لتحسين الوضع في البلاد، مؤكدًا أن واشنطن دعمت باستمرار الديمقراطية في مصر لكن “كان الأمر صعبا لإنه لا توجد تقاليد ديمقراطية في مصر”.

نزل الملايين من المصريين إلى الشوارع يوم الأحد 30 يونيو 2011، في القاهرة وعدة محافظات للمطالبة باستقالة الرئيس محمد مرسي في الذكرى الاولى لتوليه السلطة، مرددين شعار “ارحل” ورافعين أعلام مصر والبطاقات الحمراء استجابة لدعوة حملة “تمرد” التي أعلنت أنها جمعت إثنتي عشر مليون توقيع لسحب الثقة من الرئيس واجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وانطلقت مسيرات حاشدة في معظم ميادين القاهرة متجهة إلى ميدان التحرير، وإلى قصر الاتحادية الرئاسي، وانطلقت تظاهرات شارك فيها الآلاف كذلك في العديد من المدن في مختلف انحاء البلاد من بينها الاسكندرية ومنوف والمحلة وطنطا والمنصورة والسويس وبورسعيد وأسوان والزقازيق والفيوم المعروفة تقليديًا بأنها من معاقل الإسلاميين، وانتشرت قوات الجيش والشرطة لحماية التظاهرات والمنشآت الحيوية ومؤسسات الدولة، كما كانت مروحيات عسكرية تحلق فوق مناطق التظاهر عصرًا في إطار تأمين أسطح البنايات تحسبًا لوجود أي قناصة، بحسب قنوات التلفزيون المحلية، وكان المتظاهرون بدأوا بالتدفق منذ الصباح على ميدان التحرير حيث اعتصم عشرات النشطاء خلال الأيام الاخيرة بينما علت أصوات مايكروفونات تذيع أغان وطنية، كما تواصلت المسيرات من شرق القاهرة إلى محيط قصر الاتحادية مع حلول المساء، وكان المتظاهرون في القاهرة ومختلف المدن المصرية يهتفون “الشعب يريد اسقاط النظام” و”ارحل.. ارحل”، وانضم إثنان من قادة جبهة الانقاذ الوطني هما محمد البرادعي وحمدين صباحي إلى مسيرتين متجهتين إلى ميدان التحرير، كما نظمت مجموعة من ضباط الشرطة مسيرة في إتجاه ميدان التحرير بمشاركة وزير الداخلية الأسبق أحمد جمال الدين، ونظم مثقفون مصريون مسيرة من مقر وزارة الثقافة في حي الزمالك (وسط القاهرة) حيث يعتصمون منذ ثلاثة أسابيع في اتجاه ميدان التحرير، وكذلك نظم المحامون والصحفيون مسيرتين مماثلتين من مقري نقابتيهما إلى التحرير، في حين واصل مؤيدو الرئيس مرسي اعتصامهم أمام مسجد رابعة العدوية بمنطقة مدينة نصر بشرق القاهرة معلنين اصرارهم على الدفاع عن “شرعية مرسي!!” إلا أن هذا الاعتصام توارى خلف الأعداد الكبيرة للمعارضين واتساع النطاق الجغرافي لتظاهراتهم.

دعت جبهة الانقاذ الوطني المصريين إلى “البقاء في الميادين” حتى يتم الانتقال السلمي للسلطة، وفي بيان بعنوان “بيان الثورة رقم (1)” قالت الجبهة “أن الجماهير صدقت بنزولها إلى الشوارع على سقوط نظام محمد مرسي وجماعة الاخوان المسلمين”، وأضاف البيان أن “الشعب المصري مستمر في استكمال ثورته، وسوف يفرض إرادته التي وضحت بجلاء في جميع ميادين تحرير مصر”، وتابع البيان ان “جبهة الإنقاذ على ثقة بأن الشعب المصري سيحمي ثورته حتى يتم الانتقال السلمي للسلطة، وتهيب بجميع القوى الثورية وجميع المواطنين أن يستمروا في البقاء السلمي في جميع ميادين وشوارع وقرى ونجوع البلاد والامتناع عن التعامل مع الحكومة الإخوانية الساقطة حتى سقوط آخر معاقل هذا التنظيم المستبد”. وجاء في البيان رقم (2) لجبهة الإنقاذ الوطني، أن الجبهة تعتبر أن النظام الحالي “قد سقطت شرعيته وأنه لا يوجد أمامه خيار سوى الرحيل فورًا”، وطالبت جبهة الانقاذ المصريين “بالاستمرار في الاعتصام السلمي في الميادين، وإعلان الاضراب العام حتى تتحقق مطالب الشعب، وإعادة ثورة 25 يناير إلى مسارها الصحيح”. وأكد الجيش انه يبقي ضامنًا للاستقرار في البلاد وحذر وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي يوم 30 يوينو من أن القوات المسلحة قد تضطر للتدخل “لمنع اقتتال داخلي”، وبث محمد البرادعي مساء الاحد 30 يوينو شريط فيديو قصيرًا دعا فيه المصريين إلى المشاركة في التظاهرات “السلمية”، وطالب الرئيس مرسي “الاستماع إلى صوت الشعب الذي يريد انتخابات رئاسية مبكرة”، وبالمقابل أكد المتحدث باسم الرئاسة المصرية إيهاب فهمي في مؤتمر صحفي ردًا على سؤال حول سبل حل الأزمة الراهنة “الحوار هو السبيل الوحيد” مضيفا “لا سبيل إلا أن يجلس الطرفان معًا ويسعيان للتوصل إلى تفاهمات مشتركة”، واضاف “الرئيس منفتح على حوار وطني حقيقي وجاد مع كافة الأحزاب السياسية والقوى الوطنية للتوصل إلى توافق وطني حقيقي يخرج البلاد من وضع الاستقطاب الحالي”.

في اليوم الأول من التظاهرات وقع قتلى وجرحى، وأُحرقت مكاتب لجماعة الإخوان المسلمين، ومقرها في المقطم بالقاهرة، وأوقعت الاشتباكات في اليوم التالي عند مقر الإخوان في المقطم عشرة قتلى، وفي عصر اليوم التالي الأول من يوليو، أصدرت القيادة العامة للقوات المسلحة بيانًا يمهل القوى السياسية مهلة مدتها 48 ساعة لتحمل أعباء الظرف التاريخي، وذكر البيان أنه في حال لم تتحقق مطالب الشعب خلال هذه المدة فإن القوات المسلحة ستعلن عن خارطة مستقبل وإجراءات تشرف على تنفيذها، وفي أعقاب ذلك، طالب كل من حزب النور السلفي والدعوة السلفية الرئيس محمد مرسي بالموافقة على إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وجاء في البيان “تعبير عن الخشية من عودة الجيش للحياة العامة”، وفي نفس اليوم استقال خمس وزراء من الحكومة المصرية تضامنًا مع مطالب المتظاهرين، واستقال مستشار الرئيس للشؤون العسكرية الفريق سامي عنان، الذي قال أن منصبه كان شرفيًا ولم يكلف بأي مهمة، وقدم 30 عضوًا في مجلس الشورى استقالاتهم، وذكرت وكالة أنباء الشرق الأوسط، أن محمد كامل عمرو وزير الخارجية قدم استقالته، وقد أعلنت وزارة الداخلية في بيان لها تضامنها مع بيان القوات المسلحة مذكرة بأنها تقف على مسافة واحدة من جميع التيارات السياسية، وفي الليل، أصدر التحالف الوطني لدعم الشرعية بيانًا أعلن فيه الرفض البات والمطلق محاولة “البعض استرداد هذا الجيش للانقضاض على الشرعية والانقلاب على الإرادة الشعبية”، وأصدرت الرئاسة المصرية بيانًا في الساعات الأولى من الثلاثاء الثاني من يوليو جاء فيه أن الرئاسة المصرية ترى أن بعض العبارات الواردة في بيان الجيش “تحمل من الدلالات ما يمكن أن يتسبب في حدوث إرباك للمشهد الوطني المركب”، وفي الثالث من يوليو، وبعد انتهاء المهلة التي منحتها القوات المسلحة للقوى السياسية، في التاسعة مساءً، وبعد لقاء مع قوى سياسية ودينية وشبابية، أعلن وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي إنهاء حكم الرئيس محمد مرسي على أن يتولى رئيس المحكمة الدستورية العليا إدارة شئون البلاد لحين إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، مع جملة إجراءات أخرى أعلن عنها، وتبع ذلك البيان احتفالات هائلة في ميدان التحرير وعدد من المحافظات المصرية.

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك