الجمعة - الموافق 29 مارس 2024م

(26) اجتياح الفكر الوهابي للأمة المصرية 2-5.. بقلم الكاتب والباحث: محمد السني

بعد الرحيل المفاجئلعبد الناصر، الذي قدم لشعبنا أسوء هدية (السادات)،وقبل أن يكمل مشروعه لتحرير سيناء واستعادة كرامته وكرامة الوطن بعد تلك الهزيمة المزلزلة في1967 والتياعتبرها الإخوان انتقامًا إلهيًا مما أحاق بهم من النظام الناصري!!،كانت خريطة التوازنات داخل السلطة السياسية تتشكل من تيارين أساسيين:الأول هو الجناح التنفيذي الملتصق بعبدالناصر ممثلًا في كل من سامي شرف، وشعرواي جمعه، ومحمد فايق… إلخ، ويقود هذا الجناح علي صبري. والثانيهو الجناح الهادىءوالمُتربصوالمُحتفظ بعلاقاته بعبد الناصر بحذر دون التورط في ممارسات تثير المتاعب وتمثل في أنور السادات، ومحمود فوزي، وسيد مرعي، وحافظ بدوي، ومحمد حسنين هيكل الذي كان الورقة الرابحة لهذه المجموعة حتى انتهاء حرب أكتوبر 1973.وفي كتابه (خريف الغضب) يذكر هيكل: “إننى لعبت دورًا مؤثرًا في المداولات السياسية التي أدت إلى اختيار السادات رئيسًا للجمهورية بعد رحيل عبد الناصر… وكنت أقرب إليه من أي إنسان آخر…نعم كنت أعرف أن للرجل عيوبًا ولكني تصورت أن الحكم سيصلحه!”. ولكن لم يخطر بباله الاحتمال الأقرب إلى المنطق، وهو أن الحكم سيزيده فسادًا.ورغم أن السادات كان على هامش ثورة يوليو حتى تم تعيينه نائب أوحد لرئيس الجمهورية بناءً على مساومة خبيثة ومؤامرة مبيتة من الملك فيصلبمشاركة أمريكية لتطويع مصر كما أوضحنا سابقًا، وسط دهشة المحيطين بعبد الناصر، إلا أنالسادات لاقى مساندة كل المتصارعين على السلطة من ورثة عبد الناصر الآخرين، إذ كان كل منهم يرى أنه أحق بالخلافة من الآخر، وكانوا جميعًا يصدقون تظاهر السادات، بأنه عازف عن السلطة وزاهد فيها، وغير مؤهل للقيام بتبعاتها، فتحمسوا له، انطلاقًا من ظنهم أنه سيكون مجرد ساتر يمارسون من خلفه السلطة كلها. وما لبس أن أصبح السادات رئيسًا لمصر بعد أن أدار هيكل حملة الاستفتاء لصالحهوأغدق عليه المديح وكان على علم بتاريخه الذي رواه في كتابه (خريف الغضب). ومنذ بداية عهد الساداتفي نوفمبر 1970 يزور كمال أدهم (مدير المخابرات السعودية الوهابية) مصر ويلتقي السادات وينقل له نصائح الملك فيصل بضرورة خروج السوفيت من الصراع في الشرق الأوسط لكي يدخل الأمريكيون من أجل حل المشكلة القائمة، وخلال العديد من اللقاءات التي جرت بين السادات وفيصل وكمال أدهم كان السادات يصارحهم باستعداده لطرد السوفيت إذا ساعدته الولايات المتحدة الأمريكية على تحقيق مرحلة أولى من الانسحاب.كما طلب الملك فيصل من الرئيس السادات أن يفتح صفحة جديدة مع جماعة الإخوان المسلمين الوهابيين ويقابل وفد من قادتها الذين كانوا يعيشون في السعودية عقب صراعهم مع عبد الناصر، وأن ينسق معهم سياسيًا وإعلاميًا لتصفية الاتجاهات والأفكار الناصرية واليسارية على الساحة السياسية المصرية،أي نقل مصر من خانة اليسار كدولة تسير على طريقالاشتراكيةوتسعى للنهوض والتقدم والعدالة الاجتماعية، إلى أقصى اليمين كدولة تابعة لدول مركز الرأسمالية العاليمة وحارس على تحقيق مصالحها في مصر والمنطقة، أسوة واقتضاءً بالسعودية الوهابية، بل ومشاركة الوهابيين في تحقيق أجندات الرأسماليات الغربية في الإقليم،وهو ما حدث بالفعل.وفي أثناء صراعه مع منافسيه على السلطة، استعان السادات بحلفائه الإقليميين والدوليين وفي مقدمتهم السعودية الوهابية والأمريكيين، ليطلعهم على أخطر قضايا الأمن القومي المصري، وذلك بإبلاغهم عن تفاصيل عملية (الدكتور عصفور) التي أشرنا إليها سابقًا، ويروي هيكل بصفته أحد أطراف وشهود هذه الحادثة وذلك في حديثه لقناة الجزيرة عام 2009: “كانت تقارير العملية عصفور في المرحلة الأولى قاصرة على جمال عبد الناصر، بمعنى أن جمال عبد الناصر كان بيتلقى هذه التقارير مباشرة ومن ضباط الأمن القومي الذين قاموا على تنفيذها لأنه كانت هناك رغبة في حصر الموضوع إلى أبعد مدى لكن بعد رحيل جمال عبد الناصر تعددت مراكز القرار وبدأت ثلاثة نسخ من ثلاثة إلى خمسة توزع على بعض المسؤولين منهم السيد علي صبري، السيد شعراوي جمعة، الفريق محمد فوزي، طبعا السيد سامي شرف كان بيشوفها لكن المشكلة أنه لما جئنا في موضوع صراع مراكز القوى مع الرئيس السادات حدث أنه أراد بعض الناس في مراكز القوى أن يثبتوا على السادات بعض شكوكهم باستعمال وثائق العملية عصفور والحاجة الثانية في نفس الوقت مع الأسف الشديد أن الرئيس السادات يوم كده قال لي بيحكي لي بيقول لي إن كمال أدهم -وهو مستشار الملك فيصل في ذلك الوقت- جاء له وبيقول له إن الخناقة مع مراكز القوى حتعمل مشكلة كبيرة قوي وهل أنت متأكد من الأدلة الموجودة عندك وكذا والرئيس السادات شرح له ما لديه ثم أضاف شيئا عن رغبتهم في استغلال عملية معينة لإلحاق تهمة الاتصال بالأمريكان بأبعد مما هو لازم ومحاكمته في اللجنة المركزية والقبض عليه في اللجنة المركزية وكمال أدهم سأله -طبقا لرواية الرئيس السادات لي- كمال أدهم سأله هل هو متأكد من كل الكلام ده كله فالرئيس السادات قال له إنه إحنا كنا بنسجل جوه السفارة الأمريكية وأن الرئيس السادات بيحكي لي بيقول لي – متأسف، هو بيقول لي: “الواد كمال كان حيقع من طوله لما قلت له” أنا خبطت على رأسي قلت له أنت قلت له؟ قال لي آه لا لا مأمون ما تقلقش، لكن على أي حال بعد أسبوعين ثلاثة من قصة واحد أنه تفكير في محاكمة الرئيس السادات والقبض عليه واعتقاله على أساس الاتصال بالأميركان بما ظهر أو ببعض ما ظهر في أوراق العملية عصفور وتسجيلاتها بدأ يتسرب إلى بعض ناس في التنظيم وبدأ يتسع نطاقه، والحاجة الثانية أن الرئيس السادات حكى لكمال أدهم عن ثقة فيه أو لسبب أو لآخر والسيد كمال أدهم هو رئيس المخابرات السعودية في ذلك الوقت وهي البنت الشرعية للمخابرات الأمريكية وكمال أدهم نفسه لم يكن ينكر هذا. أنا الحقيقة ذهلت لكن اللي حصل بعد كده أن ميكروفونات العملية عصفور بدأت تتوقف واحدة بعد واحدة بعد واحدة وفي ظرف ما لا يزيد عن أسبوعين أو عشرين يومًا كانت كل الميكروفونات تم العثور عليها وأُبطل مفعولها وسكت الدكتور عصفور إلى الأبد”.
اجتمع السادات قبل أيام من انقلابه على منافسيه مع قائد الحرس الجمهوري اللواء الليثي ناصف، بكى أنور السادات أمامه وطلب منه القسم على المصحف بالوقوف إلى جانب الشرعية التي يمثلها، لم يكن اللواء الليثي على علم بما وصلت إليه المخابرات المصرية من معلومات حول حقيقة السادات، فقد كانت طبيعة العمل في تلك الأجهزة الحساسة بالدولة وما زالت هي الفصل بينها وعدم الاتصال والتنسيق بينها مطلقا لضمان عدم توحدها ضد القيادة السياسية، أعطاه اللواء المنضبط القسم بحمايته ضد أي انقلاب عليه، قبض السادات في 15 مايو 1971 على جميع من له صله بالعملية عصفور واتهمهم بتدبير انقلاب ضده، ربما كان ذلك بإرشادات من أمريكا بعد أن تأكد لهم وله سيل الإمداد الذي وفرته تلك الميكروفونات على مدى أربع سنوات،وهو ما عبر به السادات في أحد خطبه بقوله: “إتغديت بيهم قبل ما يتعشوا بي” وهي عبارة هامة وداله على ما حدث. كان أهم هؤلاء هو الفريق أول محمد فوزي الذي قدم استقالته قبل التاريخ المذكور بقليل وآثر أن ينسحب من الصورة حتى لا ينقسم الجيش بين مؤيد ومعارض فكان جزاؤه القبض عليه والحكم عليه بالإعدام ثم خُفف إلى السجن المؤبد، وهو الذي بنى الجيش المصري بعد أن تعرض للانهيار الكامل في يونيو 1967،وخرج السادات من العملية بانتصار منقطع النظير، فقد قبض على كل من يعلم بجرائمه وخدع قائد الحرس الجمهوري. وفي هذا الشأن يقول (صلاح الشاهد) كبير أمناء رئاسة الجمهورية مع عبد الناصر، والسادات، ومبارك في سنواته الأولى، وكان قريبًا من ناصف الليثي قائد الحرص الجمهوري بداية حكم السادات، لجريدة (الجريدة – الكويتية) في 29 يوليو 2013: “عندما ظن السادات أن كل من حوله يتآمرون عليه فور توليه الحكم، قرر أن يعتقلهم جميعًا ليرتب البيت من الداخل، فاستدعى صديقه الفريق الليثي وأمره باعتقال كل مراكز القوى (المسؤولين الذين عملوا بجوار عبد الناصر)، لكن الليثي عارض القرار بشدة، وصارح السادات بأنه كإنسان لا يستطيع القبض على أصدقائه ومحبيه، لأن بينه وبينهم (عيش وملح)، لكن السادات استخدم ذكاءه وحيله في إقناع الليثي بأن هذا الإجراء مؤقت ومدته قصيرة للغاية من أجل حماية الوطن، وأنه لن يقدمهم إلى المحاكمات ولن يحبس أحدًا منهم، وسأله الليثي: هذا وعد يا سيادة الرئيس؟ فرد الرئيس: طبعًا، وعد ياليثي، وسوف ترى. تحركت دبابات الحرس الجمهوري إلى بيوت معارضي السادات وتم اعتقالهم جميعًا، وكان من بينهمعلي صبري نائب رئيس الجمهورية الأسبق، والوزراء، محمد فايق، شعراوي جمعه، ضياء الدين داود، سامي شرف، أمين هويدي، لبيب شقير رئيس مجلس الأمة، وآخرون”، وحسب الشاهد: “كان الليثي في غاية الألم النفسي وهو ينفذ هذا الإجراء، لكن عزاءه الوحيد كما صارحني وقتها، هو وعد السادات بالإفراج عنهم في أسرع وقت دون محاكمات، ثم فوجئ بتقديم المعتقلين إلى المحاكمة، وحاول أن يذكر السادات بوعده، لكن السادات كان يرد بأن القانون يأخذ مجراه”. وربما كان السادات محظوظًا بأن كبار الكتاب الصحفيين كانوا من كارهي رجال عبد الناصر، بسبب تدخلاتهم المستمرة في الصحافة، ولذلك، ساعدته ردود أفعال كبار الكتاب على تسويق قراراته شعبيًا، حيث اختار إحسان عبد القدوس عقب صدور القرارات لمقاله عنوان “الله والشعب معه”، وكتب عبد الرحمن الشرقاوي تحت عنوان “وسقطت عصابة الإرهاب”، في حين صك موسى صبري مصطلح “ثورة مايو” الذي أعجب السادات جدًا، فاعتبر منذ تلك اللحظة أن ما حدث كان ثورة جديدة قادها لتصحيح مسار ثورة يوليو، وراح يحتفل بذلك اليوم من كل عام، ليعلن تباعده مع ثورة يوليو شيئًا فشيئًا، ويكرس ثورته الخاصة التي وقعت في ذلك اليوم الذي استولى فيه على مقاليد الحكم كاملة. وفي كتابه (حقيقة السادات) لعبدالله إمام يشرح الكاتب بالتفصيل أن هدف لسادات من انقلاب مايو 1971هو الاستئثار بالسلطة وحده شارحًا عده قضايا واتهامات لمجموعه 15 مايو مثبتًا من خلالها أنها اتهامات ملفقة لهم هدفها الإطاحة بهم والاستئثار بالسلطة مثل قضايا اعتراضهم علىإلغاء الحراسات التي فرضها عبد الناصر على أملاك بعض كبار الرأسماليين، واعتراضهم على مبادرة 4 فبراير التي طرح فيها السادات لأول مرة مطالبة إسرائيل بانسحاب جزئي للقوات الإسرائيلية على الشاطيء الشرقي لقناة السويس في مقابل البدء في مباشرة تطهير القناة وإعادة فتحها للملاحة الدولية ولخدمة الاقتصاد العالمي،واعتراضهم على مشروع الاتحاد الثلاثي بين مصر وسوريا وليبيا. وكذلك اتهامات لسامي شرف بفتح خزنة عبدالناصر شارحًا أن من له المصلحة في سرقه خزنة عبدالناصر هو السادات نفسه.
عن صراع السادات مع الجناح المنافس له والذي كان ملتصقًابعبد الناصر، كتب هيكل في أهرام 21/5/71 : “لقد عشت لحظة التفجير. ومن حسن الحظ أن التدمير لم يقع. وتلك شهادة تاريخية للسادات وشجاعته الأدبية والمادية في لحظات بالغة الصعوبة والخطر. كانت لحظة حاسمة في تاريخ مصر. وكانت لحظة رائعة نبيلة!!”، ووصف هيكل الحوار الذي كان يدور بين السادات وخصومه فقال:”كان السادات صادقــًا ولم يكونوا صادقين. كان السادات يتصرف على سجيته. سجية مصري أصيل مفتوح العقل والقلب معًا” أهرام 28/5/71، وكتب: “هذه المرحلة هي التي ستجعل من السادات- بإذن الله- قائدًا تاريخيًا لشعبه وأمته. لأن القيادة التاريخية مرتبة أعلى بكثير من الرئاسة مهما كان وصفها” أهرام 26/11/71. وكتب أيضًا: “لقد أثبت السادات قدرته في معركته ضد مراكز القوى… وكان أمامها أعزل من أي سلاح وكانوا أمامه ومعهم كل أدوات السلطة في مصر. وكنسهم من فوق الأرض كنسًا لأن الجماهير كانت معه” أهرام 11/2/72. وعندما عقد الرئيس السادات معاهدة صداقة مع الإتحاد السوفيتي لتخفيف شكوك السوفيت في نواياه خاصة بعد تخلصه من كل القيادات الناصرية في السلطة، وكان ذلك أثناء زيارة الملك فيصل في زيارة للولايات المتحدة، أخبر الملك فيصل المسؤولين الأمريكيين أن المعاهدة مجرد مناورة لجأ لها السادات ولا تعني شيئًا،كما قرر الملك أثناء عودته من الولايات المتحدة زيارة مصر ولقاء الرئيس السادات وفي اللقاء ركز الملك على نفس النقطة عزوف الأمريكيين عن التدخل وحل القضية طالما بقي السوفيت في مصر.
في بداية عام 1972 ترصد أجهزة السادات بعض الطيارين وهم يخططون للقيام بانقلاب عسكري، فيأتى السادات بابن بلدته اللواء حسني مبارك ويعينه في أبريل 1972 قائدًا للقوات الجوية، كانت مهمة مبارك الأساسية هي حماية السادات من ضباط الطيران ومن وزير الحربية الفريق أحمد صادق، وقد قام مبارك بالمهمة على أفضل ما يكون، وكان الفريق صادق الشخصية الثانية التي احتمى بها السادات في انقلابه في 15 مايو 1971 وكان وقتها رئيسًا للأركان ثم عزله في 26 أكتوبر 1972 ووضعه رهن الاعتقال المنزلي واستمر ذلك حتى التسعينات رغم وجود مبارك – خليفة السادات – في الحكم وذلك خوفا من الفريق صادق على فضح ما لديه من معلومات خطيرة تدينهما. في بداية عام 1973 يشعر السادات – بحكم نشأته التآمرية – بأن هناك تجمعا من الأشباح مازال طليقا ولم يتمكن بعد من القبض عليه وأن الفريق الليثي على رأس هذا التجمع وأنه قد جمع ما يكفي من الأدلة التي تدينه. ففى أبريل 1973 يقرر السادات نقل الفريق الليثي إلى وزارة الخارجية بدرجة سفير كي يكون بعيدًا عن المقر الرئاسي، وفي أغسطس 1973 تصدر الخارجية المصرية قرارًا بتعينه سفيرًا في اليونان، يتوقف الفريق الليثي في لندن مع أسرته للعلاج وهو في طريقه للسفر إلى اليونان، تبيت الأسرة ليلتها في شقة تتبع رئاسة الجمهورية في الدور العاشر من عمارة ستيوارت تاور، في اليوم التالي وتحديدًا في 24 أغسطس وفي التاسعة من صباح ذلك اليوم يُلقى به من شرفة الشقة، يسقط دون نقطة دماء واحدة وهو ما يؤكد على توقف الدورة الدموية قبل سقوطه ودون أن يفقد “الشبشب” من قدميه. يصل السفير المصري كمال رفعت والوزير المفوض نبيل حمدي ونائب القنصل مصطفى الفقي إلى مكان الحادث، كانت حرم الفريق الليثي تصرخ أمامهم وتتهم السادات بأنه قتل زوجها، بينما كانتا ابنتاه منى وهدى تقفان تبكيان في حرقة. أكدت الزوجة لاحقا أنها أدت صلاة الصبح مع زوجها ثم تناولت معه الإفطار ثم جلسا يقرآن القرآن، أضافت أيضا أن القاتل ربما يكون قد دخل الشقة أثناء الليل وانتظر خروج الفريق الليثي من الحمام في التاسعة صباحًا وألقى به من الشرفة بعد تخديره وخنقه. وفي هذا الشأن يقول اللواء جمال الرفاعي صديق المرحوم الفريق الليثى وقائد الحرس الجمهوري الأسبق، أن المرحوم قد أخبره قبل فترة قصيرة من مصرعه في لندن بأن السادات يود الخلاص منه.
ما إن وصل السادات إلى السلطة وجرى التحالف الاستراتيجي المبكر مع السعودية الوهابية والولايات المتحدة الأمريكية، وجرت المصالحة الساداتية الإخوانية والوهابية برعاية سعودية، حتى توالت الجماعة الوهابية تنشطر وتنشق وتتكاثر كالخلايا السرطانية التي تحتل أجزاء الجسد جزء تلو جزء، ثم تغير شفرته ومجموعة أوامرها، ثم تلتهمه أو تجعل الخلايا تأكل بعضها البعض.فمنذ البداية وفيمطلع عام 1971حدث شيء لم تكن له سابقة في تاريخ الأزهر، ففى تلك السنة عقد الملك فيصل ملك المملكة السعودية الوهابية ما يكاد أن يكون اتفاقية مع شيخ الأزهر الشريف الأسبق الشيخ (عبد الحليم محمود)، وفي الاتصالات التي سبقت الاتفاق، فإن الملك فيصل عرض على مشيخة الأزهر اعتمادات مالية ومساعدات تصل إلى مائة مليون دولار لكي يتولى الشيخ قيادة حملة دعوة ضد”الشيوعية والإلحاد”، ودفع الملك فيصل بالفعل جزءً من هذا المبلغ،أربعين مليون دولار طبقًا لبعض التقارير، والأمر هنا لم يتوقف عند شيخ الأزهر ولكن رئيس الوزراء في ذلك الوقت (ممدوح سالم) وجد أن الدولة تشتد حاجتها إلى النقد الأجنبي، وهكذا حول هذا المبلغ إلى الخزينة ثم قدم لشيخ الأزهر بدله نقدًا مصريًا للصرف على ما يراه من (أغراض الدعوة!)، واندفع الشيخ إلى برنامج إعلامي كبير، فهذا البرنامج كان الإطلالة الرسمية العلنيةالأولى للوهابية لإحداث تغيرات في موازين القوى المحلية، وإبراز اليسار أو الشيوعية أو الماركسية مرادفان للإلحاد.والعجيب أن الأمر لم يتوقف على إفساد الأزهر، فقد تصادف هذا العطاء (الرشوة) حاجة النظام الحاكم للنقد الأجنبي فأصبح النظام نفسه حريص على تطبيق هذا البرنامج أملًا في الحصول على النقد الأجنبي لسد حاجته، وبذلك أصبحت الأبواب مشرعة أمام الوهابية التكفيرية الظلامية.وكان الإخوان الوهابيين في ذلك الحين موزعين بين عدة مجموعات، كانت هناك أولًا تلك القلة التي ظلت على اعتقادها بأن العنف والإرهاب هما افعل الوسائل لتحقيق أهدافهم، ولكن معظم هؤلاء كانوا لا يزالون إما في السجون أو مختفين تحت الأرض، وكانت هناك مجموعة ثانية، هم هؤلاء الذين غادروا مصر هربًا إلى الخارج، وكان كثيرون من هؤلاء جمعوا ثروات طائلة خلال عقد الستينيات حيث عمل أغلبهم في السعودية الوهابية ككوادر مدربة في تسيير رابطة العالم الإسلامي،وكمدرسين في جامعات السعودية، وعلماء وأئمة مساجد، وفي وزارة التربية والتعليم وفي المال والأعمال. وأخيرًا كانت هناك مجموعة من الذين آثروا البقاء في مصر وحاولوا قدر ما يستطيعون أن يواصلوا الدعوة في ظل الظروف القائمة مهما تكن صعوبتها.وذهبت السعودية الوهابية إلى منحنى أكثر خطورة من إفساد الأزهر وذلك حين قام الملكفيصل ملك السعودية الوهابية(الذي يرى السادات أنه اتقى من أبى بكر وأعدل من عمر وأمضى من خالد بن الوليد) حين قام برعاية المصالحة التاريخية بين السلطة المصرية متمثلة في السادات وبين الإخوان المسلمين،وتم ذلك اللقاء التاريخي في صيف 1971 في استراحة الرئاسة بجناكليس في الإسكندرية، في إطار من السرية المطلقة، بين السادات وقيادات الإخوان المسلمين في الخارج بعد أن حصلوا على ضمان بتأمين دخولهم إلى مصر وخروجهم منهاومن بينهم سعيد رمضان، زوج ابنة حسن البنا ورئيس المنظمة الإسلامية في جنيف التي كانت ترعاها السعودية، وفي هذا اللقاء كما يقول الكاتب والمؤرخ الدكتور عبد العظيم رمضان أن السادات: “قال لهم إنه يواجه نفس المشاكل التي قاسوا منها، ويشاركهم أهدافهم في مقاومة الإلحاد والشيوعية، وعرض عليهم استعداده لتسهيل عودتهم إلى النشاط العلني في مصر”.ولإثبات جديته في تعهده لهم، وتأكيدًا للتحالف الاستراتيجي بينهم، أقر السادات في دستور 1971 أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة، وأن الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي من مصادر التشريع، كما تبنى شعار (دولة العلم والإيمان!!).
في يونيو 1972 زار وزير الدفاع السعودي الأمير سلطان بن عبد العزيز، ومعه كمال أدهم القاهرة، وأثاروا مع الرئيس السادات من جديد موضوع الخبراء السوفيت الذي يعيق الأمريكيين عن التدخل لحل القضية، وطلب السعوديون من السادات أن يخبرهم بقراره بخصوص السوفيت قبل اتخاذه لكي يستطيعوا مساومة الأمريكان به، ولكن السادات منفردًا وبدون التشاور مع أحد غير الفريق صادق وزير الحربية المصري وقتها، أتخذ قراره بالاستغناء عن خدمات الخبراء السوفيت في مصر، ولحرص الرئيس السادات على سرية قراره ورغبته في إحداث اكبر تأثير فأنه فاجأ الجميع بالقرار، وهو يتصور أن الأمريكيين سوف يكونوا سعداء، إلى درجة تدفعهم إلى الاستجابة لأي شئ يطلبه، ولكن هذا لم يحدث، وكان تعليق الزعيم السوفيتي ليونيد بريجنيف على قرار السادات: “لقد أعطى السادات للأمريكيين أقصى ما يحلمون به، ولكن للأسف دون ثمن مقابل”، ويقول هنري كيسنجر في مذكراته:”لماذا لم يقل لنا السادات ما كان ينوي فعله ؟ ربما لو أبلغنا مسبقًا لكنا قدمنا له شيئا في المقابل؟ في السياسة كما في كل شئ أخر، فأن لا أحد مستعد لدفع ثمن لشئ حصل عليه بالفعل”، الغريب أن الدكتور محمود فوزي وزير خارجية مصر ورئيس وزرائها الأسبق يروي في مذكراته أنه كان هناك عرض قدمه الأمريكيون للرئيس عبد الناصر يتضمن انسحاب إسرائيل من سيناء وتوقيع معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل تضمن حياد مصر مقابل قيام الرئيس عبد الناصر بطرد الخبراء السوفيت، ولكن عبد الناصر رفض لإصراره على تحرير كافة الأراضي العربية التي أُحتلت في حرب يونيو 1967، استجاب الرئيس السادات لنصيحة الملك فيصل وطرد الخبراء السوفيت ولكنه لم يحصل على المقابل الذي توقعه.وقبل قرار السادات بطرد السوفيت من مصر كتب هيكل:”أن طرد الخبراء السوفيت هو هدف السياسة الأمريكية في المنطقة. وأننا إذا لم نواجه ذلك فكأننا نـقدم للعدو مطلبه على طبق من فضة”، ولكنه في ظل السياسة الجديدة لا يجد غضاضة في أن يحمل طبق الفضة بيديه ويبتلع كلماته ومواقفه السابقة. ومن هنا كانت أهمية كلمات موشى ديان الذي قال:”لقد أُديرت محركات طائرة السادات حين طرد الخبراء السوفيت وبدأ سياسة تنويع السلاح. وقبل باتفاقات فك الاشتباك بكل ما يعنيه ذلك من استبعاد الخيار العسكري”، وكان هيكل أحد أهم الذين روجوا لرغبة السادات في تنويع مصادر السلاح، بالكتابة المتكررة أيام السادات عن تخلف السلاح السوفيتي مقارنة بالسلاح الأمريكي، وتعمده إذاعة خبر سقوط خمس طائرات سوفيتية على أرض مصر بواسطة الطائرات الإسرائيلية يوم 18/4/70 فترة(حرب الاستنزاف) وكأن الاستنزاف لمصر وليس لإسرائيل، وكان هو الوحيد الذي نشر هذا الخبر(أهرام 11/8/72) بهدف التشكيك في قدرة الطيارين والطائرات السوفيتية. وهنا نستشهد بقول موشى ديان:”إن الذين رسموا سياسة تنويع السلاح عن طريق طرد الخبراء السوفيت والترويج لفكرة التقارب التدريجي مع أمريكا، هم الذين أداروا محركات طائرة السادات المتجهة إلى القدس”. جدير بالذكر أنه في نفس العام الذي قام فيه السادات بطرد الخبراء السوفيت كان السادات يغوص حتى أذنيه في خبال الوهابية فقد تم إعادة جمعية “أنصار السنة المحمدية” التي عادت بقوة وفي الوقت التي كانت التحضيرات السياسية والعسكرية قائمة على قدم وساق كانت الجماعة تعبأ المجتمع في اتجاه مزيد من الاستغراق في الوهبنة، فالسادات كان يدرك أن للحليف شروط سوف يفرضها وهذه الشروط تتمثل في وهبنة المجتمع المصري والترويج للبرامج ولأفكار الوهابية التكفيرية وذلك لتفريغ المجتمع المصري من القوى المدنية، والتيارات العقلانية الثقافية والدينية، القوى الناعمة المصرية، لتسهيل تطويع النظام المصري على النمط السعودي الوهابي، وأن الطريق لهذه للوهبنة يتطلبإتاحة الفرصة للتيار الوهابي بشقيه العقائدي والسياسي. وهنا تخطو السعودية الوهابية أولى خطواتها لحقبة الريادة الموضوعية كقوة إقليمية فوق السطح، فبعد قرار السادات بطرد الخبراء السوفيت قام الملك فيصل بإصدار العديد من التصريحات وإرسال الرسائل إلى الإدارة الأمريكية وشركات البترول الأمريكية للبحث عن حل (سلمي) لعودة الأراضي العربية المحتلة عام 1967، ولكن دون جدوى.وظل الدعم الحقيقي في هذه المرحلة من طرف الرئيس هوارى بومدين، والرئيس أحمد حسن البكر، والرئيس معمر القذافي، حيث دعموا مصر وقواتها المسلحة اقتصاديًا وعسكريًا بعدما أدرك الجميع أن الحرب هي السبيل الوحيد للبحث عن حل للصراع العربي الإسرائيلي. ويحكي هيكل عن أنه نصح السادات في هذا الوقت بأهمية الديمقراطية بقوله: “لأنها القضية التي تهم الناس في هذه الظروف. إن الناس يريدون أن يسمعوه وهو يؤكد لهم ضمانات حرياتهم. لقد أفلتوا بالكاد من شبح دكتاتورية كان يمكن أن تصل في تجاوزاتها إلى حد بعيد”، وهو الخيط الذي التقطه السادات للمزايدة على خصومه ومناوئية بل وعلى الحقبة الناصرية كلها، ورغم أن الاستبداد السياسي كان حقيقة في التجربة الناصرية إلا أن إنجازاتها الوطنية والاقتصادية والاجتماعية الهائلة كانت ترتقي إلى مستوى نهضة شاملة، بينما كان السادات فاشيًا حقيقيًا طيلة حياته وأكثر استبدادًا من الآخرين وقد اقترن استبداده وفاشيته بالتخريب الشامل للدولة المصرية، ووضع أسس التجريف الفكري والثقافي والسياسي والعلمي للأمة المصرية… وهو ما سنأتي إليه لاحقًا بشيء من التفصيل.
بعد انتصار السادات على ما أسماه مراكز القوى، ركز جهوده لمواجهة الحركة الطلابية المتصاعدة،ففي تلك المرحلة المضطربة من تاريخ مصر انتفض الشعب المصري بطلائعه في الجامعات المصرية مطالبا بالحرب الشعبية وتحرير الأرض، وتم ذلك بقيادة اليسار بشقيه الناصري والماركسي، وكانت الحركة الطلابية اليساريةالتي تسيطر علي اتحاد الطلاب واللجنة الوطنية العليا بجامعة القاهرة صداعًا في رأس السادات، ووصل الصداع إلى ذروته مع اعتصام (الكعكة الحجرية) الشهير في ميدان التحرير عام 1972، وهو الاعتصام الذي شاركت فيه مجموعة كبيرة من الطلاب الشيوعيين والناصريين واليساريين بشكل عام، إضافة إلى مجموعة أخرى من الشعراء والكتاب والمثقفين واستمر الاعتصام لمدة ثمانية وأربعين ساعة تقريبًا احتلت فيه هذه المجموعات الميدان بصورة أوحت لوكالات الأنباء العالمية بأن نظام حكم السادات في خطر، الأمر الذي دفع بأجهزة الأمن إلى اقتحام الميدان وتفريق المعتصمين وإنهاء الأزمة.منذ ذلك اليوم اعتقد السادات بأن الخطر الحقيقي على نظام حكمه يأتي من اليساريين والشيوعيين والناصريين، خاصة الطلاب منهم، لأنهم يسيطرون على الجامعات عن طريق الاتحادات الطلابية.. ويختار السادات هذا التوقيتليبدأ التطبيق الفعلي لدوره المرسوم له من قبل الوهابيين السعوديين والأمريكان،بإنشاء تيار دينى بين طلاب الجامعات تكون مهمته ضرب التيار اليساري.وبعد ساعات قليلة من واقعة الكعكة الحجرية التي استفزت السادات وأثارت غضبه، اجتمع السادات مع مرشد الإخوان السجين حسن الهضيبي، وما بين الشد والجذب والتحالف تارة والانقلاب على بعضهم البعض تارة أخرى، سارت العلاقة بين تحالفات الإخوان والسادات حتى قام السادات بتشجيع نشاطات الإخوان لمواجهة (المد الشيوعي!) في المجتمع المصري مما أعطاهم الكثير من الفرص لتحقيق أهدافهم السياسية بالتغلغل داخل أوصال الحياة السياسية والاجتماعية والنشاطات النقابية. ومن الخطأ المقصود والذي تعمده السادات وأجهزته أن يشيع بين الجميع أن تصرفاته وليدة انفعالاته، ولم يكن ذلك صحيح في المطلق، ولقد أظهرت لنا سياق الحوادث أن السادات كان يتلقى النصائح والإرشادات دائمًا من السعوديين الوهابيين ومن الأمريكان. وسرعان ما تم الإفراج عن الهضيبي وعن قيادات ورموز بارزة في حركة الإخوان، وتمت الصفقة التي يبحث كل طرف من طرفيها عن مصلحة خاصة مختلفة: السادات يراوده كيفية مساعدة الإخوان له في مواجهة الحركة الطلابية اليسارية المعارضة علاوة على إرضاء حلفاءه الوهابيين والأمريكان الذين أوصلوه إلى سدة الحكم، والإخوان يبحثون عن أمل لبعثهم من جديد. في هذا الوقت كان حسن الهضيبي مرشدًا رسميًا وزعيمًا علنيًا شرعيًا للإخوان الوهابيين، لكن الحركة كانت منقسمة بين اتجاهين: أولهما توفيقي يمثله عمر التلمساني، والآخر متشدد يتجسد في رجال النظام الخاص، وفي مقدمتهم كمال السنانيري ومصطفى مشهور، الأول كان في الواجهة مع السادات والآخر كان يدير كل شيء من وراء ستار.. وفي حواره مع مجلة (المجلة) اللندنية، يوضح الدكتور محمود جامع دور السادات في إنشاء وتقوية الجماعات الدينية: حيث دعاه السادات للقاء منفردًا في منزله عقب التخلص من مجموعة 15 مايو وأسر له بعدم ارتياحه لتنامي التيارين الناصري والشيوعي في الجامعات. وقال له ما نصه: “يا محمود العيال الناصريين والشيوعيين هيتعبوني في الجامعة”، وأردف: “أنا عايز نربي شباب مسلم ونصرف عليهم ويصبحوا ركيزتنا في الجامعة”. وبالفعل أوكل إليّ مع محمد عثمان إسماعيل، تلك المهمة وحدد لنا مخصصات مالية للإنفاق عليها، على أن أتولى (أنا) مهمة جامعات الوجه البحري، ويتولى عثمان إسماعيل مهمة جامعات الوجه القبلى انطلاقًا من أسيوط التي كان محافظًا لها آنذاك وكان معروفًا بعلاقاته القوية والمتميزة في أوساط شبابها.. وأعطى السادات لمحمد عثمان إسماعيل صلاحيات مطلقة لتنفيذ هدفين:الأول خلق تيار إسلامي يوازي الاتجاه اليساري في المجتمع ككل، والثاني أن يكون هذا الشباب هو أداة لضرب الطلبة الناصريين والشيوعيين داخل الجامعات.وفي إجتماع مع رؤساء اللجان الدائمة بمجلس الشعب وذلك عقب المظاهرات التي اندلعت بالجامعات، اقترح بعض الأعضاء مثل عثمان أحمد عثمان ويوسف مكاوي ومحمد عثمان إسماعيل إنشاء تنظيم للجماعات الإسلامية في الجامعات وذلك للرد على الجماعات اليسارية والإشتراكيين وقام بعض أعضاء اللجنة بالتبرع بالأموال اللازمة لإنشاء هذا التنظيم. استقطب إسماعيل في البداية مجموعات من شباب (جمعية أنصار السنة) و(الجمعية الشرعية) و(جماعة التبليغ والدعوة)، وتم إنشاء تنظيم جديد باسم(شباب الإسلام) بجامعة القاهرة وجامعات أخري وقد بدأ هذا التنظيم بمساندة صريحة من الأمن واستخدامه لمواجهة وتصفية الجماعات اليسارية، وما كان من محمد عثمان إسماعيل إلا أن وفر لها التمويل والتدريب والتسليح، بالجنازير والسنج والأسلحة البيضاء واللكمات الحديدية، وأطلقها على الطلبة المعارضين. ومن الجدير بالذكر أن الاجتماع الأول للترويج لهذه الفكرة عقد في مقر (اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي العربي)، على كورنيش النيل بالقاهرة، في بدايات 1972. كانت صناعة هذه الجماعة تسيروفق “موضة” الحكم والدولة “الإسلامية”. ومن خلال تلك الجماعة تكونت شبكة في كافة جامعات مصر تقوم بدور مناهضة خصوم النظام، وكان ثقل هذه الجماعة متمركز في جامعة أسيوط. هذا التسهيل والتواطئصادف مصلحة أكيدة لدي قيادات ورموز الحركة الإسلامية سواء من الإخوان المفرج عنهم فافتتحوا مقرهم العلني في التوفيقية وأصدروا مجلة الدعوة لسان حالهم، أو القيادات الشبابية في الجامعات المصرية من غير الإخوان. كل هؤلاء كانت لهم مصلحة في استيعاب وتوظيف مصلحة السادات واستثمارها لصالحهم وتنشيط الدعوة الوهابية وترويج البرامج والأفكار التكفيرية.
بدأ تنظيم (شباب الإسلام) الوهابي الفكروالمنهج بالقيام بالعديد من الأنشطة داخل الجامعة من معسكرات صيفية وتنظيم لرحلات الحج والعمرة وذلك بتمويل مباشر من الدولة. وعملت جماعة (شباب الإسلام) على تغيير بعض أنماط الحياة بالجامعات مثل تغيير البرنامج الدراسي ودعوة الطلاب إلى الإشتراك في الأنشطة ودروس القرآن والحديث وفرضت وقف المحاضرات والأنشطة الأخرى في أوقات الصلاة والفصل بين الجنسين في قاعات المحاضرات ومنعت إقامة الحفلات الموسيقية والفنية وأي صور أخري للهو داخل الجامعات.هذا بالإضافة للمحاولات التي جرت في بعض الجماعات كأُسر نشاط داخل العديد من الجامعات من أمثال (محمد محروس) الأستاذ بكلية الهندسة (إبراهيم الدسوقي) الأستاذ بكلية العلوم و الطالب (علي زين العابدين) بكلية الطب و(عادل توفيق) مسئول النشاط الثقافي بالجامعة وكانت لهم ندوة أسبوعية عقب صلاة الجمعة بصالة الجمانيزيوم وكان يحاضر فيها علماء الأزهر، ومثلت هذه الندوات الخطوة الأولى، وكان يجب أن يعقبها خطوة أخرى في اتجاه الوهبنة، وبالتالي تم الدفع ببعض كوادر الوهابية وسط هذه التجمعات، وهم من قاموا باقتراح دعوة بعض الشيوخ من خارج الأزهر أمثال الشيخ مصطفى درويش والشيخ عبد الله السخاوي والشيخ محمد السويفي وغيرهم من دعاة الإخوان الوهابيين وخلال عامين من 72-74، استطاعت هذه الكوادر أن تغير بعض المفاهيم التي كانت تسيطر على توجه الندوة مثل الطرق الصوفية ومفهوم الالتزام بالسلام لدى الشباب وخاصة الفتيات اللاتي كن يلبسن الملابس القصيرة ويظهرن شعورهن ويحضرن هذه الندوات فانتشر الحجاب وظهرت اللحى بين الشباب وارتفع الآذان الوهابي في كل مكان بالجامعة. كذلك مساعدتهم للسيطرة على منابر المساجد في مختلف المحافظات فوجدنا محمود عيد بمسجد السلام بالهداية بالإسكندرية ومسجد القائد إبراهيم يعتلي منبره الشيخ أحمد المحلاويوياسين رشدي في مسجد المواساة وفي طنطا لاشين أبو شنب والقاهرة عبد الحميد كشك وعشرات غيرهم، ونشطت حلقات الدرس بالمساجد والندوات الدينية الوهابية بالجامعات كبؤر جاهزة لتجنيد الشباب للجماعات الوهابية وبرز من بين قادة الجماعة الإسلامية عبد المنعم أبو الفتوح وعصام العريان وحلمى الجزار وغيرهم، من هنا بدأت تنظيمات الإسلام الوهابي في التغلغل والإذهار وفي القلب منها جماعة الإخوان المسلمين (الإحياء الثاني) حيث كان مرجعهم الأساسي كتابات سيد قطب، ومن خلال مجموعة (شباب محمد) بالجامعة انبثقت الجماعة الإسلامية الوهابية بقوة لتسيطر على الحركة الطلابية بالجامعات. وكانت التعليمات لرؤساء الجامعات والمحافظين بتيسير كافة أمورهم، فكانت الأسواق الخيرية التي أعلن عنها التيار الوهابي وقدم فيها السلع والمواد التموينية بأسعار مخفضة في الوقت الذي التهبت فيه الأسعار واختفت كثير من السلع التموينية الأساسية، مما حقق تواصلًا شديدًا بين أبناء التيار الإسلامي والشعب المصري ولك أن تقارن بين ماحدث في ذلك الوقت وما يحدث الآن في مصر من هذه الجماعات، وكان من تلك المشروعات أيضا دعم الكتاب الجامعي والزى الإسلامي والكتاب الإسلامي وتقديمها بأسعار مخفضة مما كان له أبلغ الأثر في كسب تعاطف وتأييد الطلاب والرأي العام فشهدت ساحات الميادين العامة في كل المحافظات مظاهرات حاشدة من ملايين الشعب تشهد مع الجماعات الوهابية صلوات الأعياد في مظاهرة سياسية ودينية عمقت تواصل الشعب المصري مع الحركة الوهابية وتشهد غياب التيار اليساري بشكل واضح. ويقول اللواء حسن أبو باشا في مذكراته: “بالفعل بدأت أمانة تنظيم الاتحاد الاشتراكي بقيادة محمد عثمان إسماعيل في إنشاء ودعم تلك الجماعات التي بدأ تشكيلها في الكليات الجامعية المختلفة، مستخدمًا جميع الإمكانات والأساليب حتى وصل الأمر إلى حد دفعها إلى الصدام مع العناصر الماركسية والناصرية لدى أي مناسبة يتاح لها فيها أن تختلق مثل هذا الصدام”.ويضيف أبو باشا: “أن أحد هذه القيادات في أمانة التنظيم اتصل ذات يوم تليفونيًا بمدير مباحث أمن الدولة المرحوم اللواء سيد فهمي، وطلب منه المساعدة في تدبير أكبر عدد من سيارات الإسعاف لتكون جاهزة للتحرك السريع إلى جامعة القاهرة، وكانت الإخطارات قد أشارت إلى أن ثمة تجمعات طلابية في هذه الجامعة في صورة مظاهرات داخل الحرم الجامعي. وعندما استفسر مدير الجهاز من تلك القيادة عن السبب في طلب إعداد هذا العدد الكبير من سيارات الإسعاف، كانت الإجابة أنها ستنقل الجرحى من الشيوعيين الذين ستسيل دماؤهم (على حد قوله) بعد أن يتصدى لهم أعضاء الجماعات الإسلامية”. ويقدم الدكتور أيمن الظواهري رؤيتة لجيل الرواد الذين ساهموا في صنع التيار الوهابي في مصر، حول التطورات الجديدة التي صاحبت انتقال السلطة إلى السادات حيث يقول: “كان تولي أنور السادات للحكم بداية لتحول سياسي جديد في مصر، فقد انتهى العصر الروسي وبدأ العصر الأمريكي..وككل تحول فإنه يبدأ وئيدًا ضعيفًا، ثم لا يلبث أن يتقوى شيئًا فشيئًا وتتضح معالمه أكثر فأكثر مع مرور الوقت. بدأ أنور السادات بإزاحة بقايا النظام القديم، وكانت أقوى أسلحته في مقاومة تلك البقايا هي اتاحة بعض من الحرية للشعب المكبوت. وما إن ارتفع الضغط قليلًا عن الحركة الإسلامية حتى خرج المارد من القمقم، واتضح مدى النفوذ الشعبي الكاسح للإسلاميين، واكتسح الشباب المسلم الغالبية الساحقة من مقاعد اتحادات طلاب الجامعات والمدارس الثانوية في سنوات معدودات، وبدأت الحركة الإسلامية زحفها نحو النقابات. وبدأت دورة جديدة من النمو للحركة الإسلامية، ولكنها هذه المرة لم تكن تكرارًا لما سبق، ولكنها كانت بناء عليه، واستفادت من خبرته ودروسه وأحداثه. فقد بدأت الحركة الإسلامية خوض هذه الحلقة الجديدة من حلقات نموها، وقد انتشر بين شبابها وعي عميق بأن العدو الداخلي لا يقل خطورة عن العدو الخارجي، وكان هذا الوعي يتنامى بقوة مستندًا إلى أدلة شرعية واضحة وخبرة عملية تاريخية مريرة”. ونجحت أمانة التنظيم بالاتحاد الاشتراكي في إقامة المخيم الطلابي الأول بجامعة القاهرة عام 1973، وحضره من قادة الجماعة الإسلامية آنذاك كل من: عبد المنعم أبو الفتوح وعصام العريان من القاهرة، وإبراهيم الزعفراني وخالد داود من الإسكندرية، وخيرت الشاطر من المنصورة، ومحيى الدين أحمد عيسى وأسامة حافظ وكرم زهدي من المنيا، وصلاح هاشم من سوهاج، وعلي عبد الحكيم وحسن يوسف وعبد المتعال عبد الواحد من أسيوط. وكان هؤلاء هم طليعةما سمي بالجماعة الإسلامية آنذاك. وراح عدد كبير من المشايخ الوهابيين الذين حضروا ذلك المخيم يجوبون الجامعات ملتحمين بطلاب الجماعة الإسلاميةالتي أُعلن عنها في المخيم، مشايخمن جميع الاتجاهات: من السلفيين الشيخ ناصر الدين الألباني، ومن الأزهر الشيخ أسامة عبد العظيم، ومن جماعة التبليغ الشيخ إبراهيم عزت، ومن العلماء المشهورين آنذاك الشيخ الشعراوي والغزالي، ومن الإخوان كان عمر التلمساني وعبد الحميد كشك، وبعض المشايخ المستقلين كالشيخ المحلاوي والشيخ حافظ سلامة.
يرصد اللواء حسن أبو باشا في مذكراته خروج قطار الجماعة الوهابية خارج أسوار الجامعات:”حيث العديد من المدن والقرى في محافظات مصر المختلفة، مدعمًا بقوة الدولة من جهة ودعم الدعاة وعلماء الدينالإسلامي من جميع الاتجاهات، واقترنت تلك الخطوة بنمو عدد من الظواهر المهمة مثل عودة حركة جماعة الإخوان الفكرية والتنظيمية إلى الساحة مرة ثانية منذ عاد من الخارج أعداد غفيرة من كوادرها الذين حققوا ثروات في بلدان المهجر، ليضيفوا إليها قوة اقتصادية طاغية، كما أعادت الجماعة إصدار مجلة الدعوة بعد توقف عشرين عامًا لتكون منبرًا إعلاميًا مهمًا للدعوة لتبني أفكارها ومواقفها من جميع القضايا والإعلان عنها، ثم لتبدأ ثانية في تنظيم شُعبها على مستوى المحافظات. وكذلك اقترن هذا الانتشار مع بداية ظهور جماعات جديدة أكثر تطرفا تحت مسميات أخرى.وأيصًا تحول الجماعات الإسلامية التي انتشرت في جميع المحافظات إلى مفرخة يتنافس على استقطاب عناصرها جميع التنظيمات الدينية على الساحة، وفي القلب منهم جماعة الإخوان المسلمين. وتطورت الأمور لكي تصبح هذه الجماعات هي أداة هذه التنظيمات على المستوى القاعدي في الجامعات وخارجها في القاهرة وباقي المحافظات”.وحسب رواية صلاح هاشم أحد مؤسسي الجماعة الإسلامية وعضو مجلس شورتها في حوار له مع موقع (إسلام ويب): “موضوع دعم النظام لنا لا يمكن أن ننكره، الفكرة أن السادات كان له أعداء ناصريون، يسار، شيوعيون، نصارى، كان السادات وقتها في حيرة وأشار عليه البعض أن يفسح المجال للحركات الإسلامية لكي يعمل حالة توازن مع باقي التيارات وهو الأمر الذي كان مهندسه محمد عثمان إسماعيل رحمه الله محافظ أسيوط حيث كان يتعاون معنا ويستجيب لكل مطالبنا فكان يدعمنا في المعسكرات والزي الإسلامي من صندوق المحافظة وهو ما استفاد منه الإخوان بتعزيز صفوفهم”. ويقول اللواء فؤاد علام: “في عام 1970لم يكن من أعضاء الجماعات الدينية في السجن سوى 118 فقط، 80 من الإخوان المسلمين المتشددين أمثال عمر التلمساني ومحمد قطب ومصطفى مشهور و38 من جماعات التكفير أبرزهم علي عبدهإسماعيل وشكري مصطفى… طلب السادات ملفاتهم وقرر الإفراج عنهم في صفقة سياسية من طرف واحد رغم تحذيرات الأجهزة الأمنية من خطورة هؤلاء وكانوا جميعًا مصنفين (خطر جدًا)… لم يستجب السادات وفتح القمقم مرة واحدة فخرجت الصقور الجائعة دفعة واحدة وانتشرت في ربوع مصر وخططت لكل محاولات اغتيالهإلا محاولة واحدة فشلت خططت لها إحدى الدول الأجنبية. وشكري مصطفى أتجة إلى اسيوط وبقي الآخرون في قلب القاهرة وبدأت خطة الانتشار والتسلل والاختراق في القلب والأطراف. وهكذا صعدت الجماعات الإسلامية في عهد السادات وأصبحت كلمتها مسموعة بدعم من النظام”.
منذ بداية حكمه وضع السادات العديد من فئات المجتمع في خط المواجهة ضده ومنهم الكنيسة والبابا شنودة مما خلق علاقة متوترة مع المسيحيين، وكان الإفراج عن الجماعات الإسلامية وإعطائهم الفرصة وعودتهم مرة أخرى للحياة السياسية والساحة، أحد أهم أسباب الفتن الطائفية في عهد السادات، وقد مرت هذه العلاقة بين المسلمين والأقباط في مصر خلال عهد السادات بعدد من مراحل التوتر والاحتقان، عبرت عن نفسها في عدد من أحداث العنف الطائفية. مثلت (حادثة الخانكة)التي وقعت في 6 نوفمبر 1972 نقطة البداية الفعالة في تأزم علاقة مسلمي مصر ومسيحييها، وانطلقت شرارة تلك الحادثة بإزالة أهالي المنطقة المسلمين بتحريض وتوجيه بعض العناصر الوهابية، مباني تابعة لجمعية اعتبروها تحولت إلى كنيسة بدون ترخيص رسمي من السلطات. وفي اليوم التالي وفد إلى الخانكة ألف كاهن وقس في مسيرة وصفت بطابور استعراض عسكري وأقاموا قداسًا دينيًا، وخرجت الأمور حينذاك عن نطاق السيطرة بعد أن واجهها المسلمون بمظاهرة مضادة احتجاجًا على تصرف الكهنة، وتعدوا على ممتلكات المسيحيين، وقيام قبطي بإطلاق الرصاص على أولئك المتظاهرين المعتدين، الذين توجهوا بعد ذلك إلى منزل مطلق النار وأماكن أخرى لأقباط وأتلفوها. لتكون تلك الحادثة بداية سلسلة من المشاحنات والفتن المتوالية.وعن تنامي العنف والإرهاب بين التيار الوهابي يقول اللواء فؤاد علام:”إن أول مؤامرة لاغتيال السادات كانت عام 1972 وقادها وكيل نيابة في الثلاثينيات من سوهاج يدعى يحيى هاشم، نجح في اقناع مجموعة من المدنيين وأحد المجندين بالقوات المسلحة بفكر التكفير ووضع خطة للقيام بتفجيرات في القاهرة وقتل السادات الذي كان يتجول في محافظات مصر لتهيئة الاجواء لمعركة 1973. وبعد حصوله على الاسلحة بادرنا بأجهاض المحاولة حتى لا تتسع وحاصرناه هو واتباعه في منطقة جبلية بين محافظتي قنا وسوهاج أثناء أجراءات تدريبات بدنية وعسكرية وإطلاق نيران وإعداد متفجرات طلبنا منة تسليم نفسه فبادل القوات إطلاق النيران وتمكن من الهرب والاختفاء بإحدى المغارات وقُتل على باب المغارة. لم يضع النظام خطوطًا حمراء ولا بيضاء تحت هذا الحادث واستمر في ممالاة الجماعات الدينية حتى وقع الحادث الثاني المروع – شكريأحمد مصطفى – تم الافراج عنة في صفقة السادات السياسية عام 1971، خطط لإقامة الدولة الإسلامية بعد أن تخرج جيوشه لتطهر العالم من الفساد والكفر وانتشر التنظيم في عدة محافظات أبرزها المنيا وأسيوط وتدربوا على الأعمال العسكرية في منطقة حبلية بالبرالغربي لمحافظة المنيا. كنا في ذلك الوقت نرصد الخيوط ولكننا نعمل بدون غطاء سياسي، وأبلغنا أحد الخفراء السريين أنهم حاولوا قتله أثناء مروره بالصدفة في المنطقة ولكنة نجح فيالإفلات، ورُؤي ضبط المجموعة بالكامل وكان أول تنظيم لجماعة التكفير والهجرة، وقُدموا للمحاكمة في القضية رقم 618 لسنة 73 أمن دولة عليا ولكن لم تكن الأدلة قوية لإدانتهم وكانت الأحكام الصادرة محففة جدًا”.في تلك السنواتانفتحت ماسورة التنظيمات الوهابية لتتكاثر وتتوالد من بينها تنظيم أسسه وقادة الجهادي الفلسطيني د.صالح سرية والذي بايع مرشد الإخوان حينها المستشار حسن الهضيبي وكانت واسطته في ذلك زينب الغزالي (المرأة الحديدية)، وتعد هذه الجماعة تطورًا على جماعة “شباب محمد” وقد أضفى عليها حضور منظمها الجديد صالح سرية اسمًا إعلاميًا جديدًا، وكان أول وآخر عملياتها هي العملية التي اقترنت باسمها وهى محاولة قتل السادات أثناء إلقاءه خطبة بكلية الفنية العسكرية، وتتشكل أفكار هذه الجماعة وفق منهجها الذي وضعه صالح سرية في كتابه (رسالة الإيمان) وعند مطالعة الكتاب وتحليله تجد تطابقًا كبيرًا بين أفكار هذه الجماعة وأفكار والإخوان الوهابية في (نجد) فهم جميعًا يحملون عداءًا شديدًا لكل ما هو حضاري وفكري،وتكفير كافة المجتمعات وكافة النظم السياسية، وتجدر الإشارة أن مؤسس الجماعة (صالح سرية) فلسطيني الأصل انتمى إلى الإخوان المسلمين في الأردن وكان من مؤسسي حركة فتح.وفي هذا الشأن يقول اللواء فؤاد علام: “في تلك الأجواء الملبدة بالضباب ونقص المعلومات وافتقاد حماس النظام وقع حادث الكلية الفنية العسكرية، تجمعت لدينا الخيوط الأولى عن وجود تنظيم منتشر في محافظات الجمهورية ويتركز في القاهرة والإسكندرية وكان السادات في ذلك الوقت يرفع شعار (دولة العلم والايمان!) ويتبنى سياسة مهادنة الحركات الإرهابية التي تتخذ الدين ستارًا لنشاطها الإرهابي الإجرامي وحدث بينة وبين قيادات الإخوان تعاطف شديد كانت حركتنا مقيدة وكثيرًا ما كانت الإجراءات التي نتخذها حيالهم تُقابل بالرفض حتى فوجئت أجهزة الامن بمحاولة الاستيلاء على الفنية العسكرية في منطقة منشية البكري ولم تختلف النظرة السياسية لهذة الجماعات بعد تدفق سيل من المعلومات المذهلة حول خطة (صالح سرية) للاستيلاء على الاسلحة الثقيلة والاتجاه بها إلى مبنى اللجنة المركزية بكورنيش النيل وقتل السادات وكبار رجال الدولة الذين كانوا مجتمعين في ذلك الوقت وإعلان قيام الحكومة الإسلامية وأُحبطت المؤامرة وحُكم بالإعدام على ثلاثة هم صالح سرية وكارم عزت الأناضولي وحُفف الإعدام على طلال الأنصاري. ولم يهتز النظام واستمر في سياسةالمهادنة”. بعدها أسس شكرى مصطفى تنظيمه (جماعة المسلمين) الذي إشتهر باسم (التكفير والهجرة) ودخل به في صدام متكرر مع السلطة ولكن مغامرته الكبرى كانت في خطف وقتل الشيخ حسين الذهبي وزير الأوقاف المصري الأسبق ليتم دهم أوكار الجماعة والزج بكوادرهم في السجون لينتهي الأمر بإعدام خمسة من قياداتهم على رأسهم شكري مصطفى، وكان التكفير هو العـنصر الأساسي في أفكار ومعتقدات هذه الجماعة الوهابية. فهم يكفرون كل من ارتكب كبيرة وأصر عليها ولم يتب منها، وكذلك يكفرون الحكام الذين لا يحكمون بما أنزل الله بإطلاق ودون تفصيل، ويكفرون المحكومين لأنهم رضوا بذلك وتابعوهم أيضاً بإطلاق ودون تفصيل، أما العلماء فيكفرونهم لأنهم لم يكفروا هؤلاء ولا أولئك، كما يكفرون كل من عرضوا عليه فكرهم فلم يقبله أو قبله ولم ينضم إلى جماعتهم ويبايع إمامهم. أما من انضم إلى جماعتهم ثم تركها فهو مرتد ودمه حلال ومستباح، وعلى ذلك فالجماعات الإسلامية إذا بلغتها دعوتهم ولم تبايع إمامهم فهي كافرة مارقة من الدين، وكل من أخذ بأقوال الأئمة أو بالإجماع – حتى ولو كان إجماع الصحابة – أو بالقياس أو بالمصلحة المرسلة أو بالاستحسان ونحوها فهو في نظرهم مشرك كافر. وهو منهج يتطابق حرفيًا مع الوهابية النجدية في صيغتها الأولى كما أوضحنا ذلك سابقًا.
أخيرًا بعد طول انتظار، اتخذ السادات قرار الحرب، وفي ظهيرة يوم السبت 6 أكتوبر 1973، بدأت الحرب الخامسة بين العرب وإسرائيل، واستطاعت القوات المسلحة المصرية والسورية تحقيق انتصارات واضحة على جبهتي القتال، وبالذات على الجبهة المصرية التي شهدت عملية العبور العظيم.لم يكن السادات قبل اندلاع حرب أكتوبر يتصور أن الجيش المصري سيحقق كل ذلك النجاح إلى درجة أنه قال لهيكل قبل الحرب مباشرة: “إن الشعب المصري لن يستطيع أن يلومه، لو هُزم في أي حرب قادمة”. وربما لذلك قرر، في آخر لحظة، أن ينفذ خطة (جرانيت 1) التي تهدف إلى عبور قناة السويس واقتحام خط بارليف والاحتفاظ بخمس رؤوس كباري على الضفة الشرقية، بعد أن كان قد قال للسوريين إنه سينفذ خطة (جرانيت 2) التي تهدف للوصول إلى المضايق، لأنه خشي، لو عرف السوريون، أنه سيكتفي فقط بعبور القناة، وتأمين من 12 إلى 15 كيلومتر شرق القناة، فإنهم لن يشتركوا حينها في الحرب، لكن بطولات الجيش المصري المدهشة في الأيام التي تلت عبور القناة وتحطيم خط بارليف، دفعت السادات إلى التخطيط للمرحلة الثانية من الحرب متأخرًا، بعد ستة أيام من بدء الهجوم، في وقت كانت إسرائيل قد تمكنت فيه من تجاوز الصدمة، وبدأت تطوير رد فعلها، لتحدث ثغرة الدفرسوار التي كانت بداية (خذلان السياسة السلاح)، ويُحاصر الجيش الثالث ويُستشهد الآلاف من قواته وتُدمر أغلب معداته بسبب قرارات السادات، ويوشك الجيش الثانى أن يلاقي نفس المصير.ويصدر السادات قراره بالوقفة التعبوية الذي أتاح لإسرائيل فرصة الانفراد بالجبهة السورية، وإنقاذ إسرائيل من هزيمة ساحقة على يد الجيش المصرى،ويخرج إلى الشعب ويقرر التفاوض مع الإسرائيليين بحجة إنهاء حصار 45 ألف جندي. بدأت الأمور تتأزم على الجبهات العربية واستعادت إسرائيل زمام المبادأة خاصة مع الدعم العسكري الأمريكي لنجدتها من كارثة الأيام الأولى للمعركة.وطبقا لتقييم هيكل ومذكرات قادة الحرب المصريين، مثل الفريق سعد الدين الشاذلي والمشير محمد عبد الغني الجمسي وغيرهما، وقراءة الوثائق الإسرائيلية والأميركية التي نُشرت أخيرًا، فأن تخبط القرار السياسي وعدم الارتفاع إلى مستوى النصر العسكري المذهل، كان له أثر كبير في أن يفرض الإسرائيليون واقعًا عسكريًا على الأرض، جعل موقفهم السياسي أقوى في المفاوضات التي تلت الحرب. وكما يقول غالي شكري في كتابه (الثورة المضادة): “كانت المسافة بين الوجه العسكري المشرف للحرب والوجه السياسي كانت مظلمة”. وفي يوم 17 أكتوبر وعقب طلب مصر من العرباستخدام سلاح البترول في المعركة، اجتمع وزراء البترول العرب (الأوبك) في الكويت وقرروا التالي:تخفيض الإنتاج الكلي العربي بنسبة 5 % فورًا،وتخفيض 5% من الإنتاج كل شهر حتى تنسحب إسرائيل إلى خطوط ما قبل يونيو 1967،ثم قررت ست دول بترولية من الأوبك رفع سعر بترولها بنسبة 70%، وقررت بعض الدول العربية حظر تصدير البترول كلية إلى الدول التي يثبت تأييدها لإسرائيل بما فيها الولايات المتحدة. أعتبر كيسنجر هذه القرارات ماسة بكرامة وهيبة الولايات المتحدة كقائدة للعالم، كما أثاره أن العرب أعطوا أنفسهم الحق في استخدام البترول كسلاح، وهو أمر بالغ الخطورة لأنه يعكس نزعتهم إلى محاولة السيطرة على الغرب، ولأن منتجي البترول ولأول مرة في التاريخ أعطوا أنفسهم حق تحديد سعر البترول. وفي يوم 20 أكتوبر أعلنت الولايات المتحدة أنها ستدعم إسرائيل بمبلغ ملياري ومائة مليون دولار كشحنات أسلحة جديدة، وفي نفس اليوم أعلنت الدول العربية حظر تصدير بترولي كامل على الولايات المتحدة الأمريكية.. هذه هي وجهة النظر السائدة لقرار استخدام سلاح البترول في حرب أكتوبر 1973، ولكن هناك وجهة نظر أخرى تم التعتيم عليها بخصوص استخدام سلاح البترول في حرب أكتوبر 1973 تثبت أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت المستفيد الأكبر من قرارات خفض الإنتاج ورفع أسعار البترول، حيث تخبرنا الأرقام أن نصيب العرب مجتمعون من فوائض البترول عام 1974 وعقب قرارات الخفض الإنتاجي ورفع الأسعار بلغت 60 مليار دولار، أما شركات البترول ومعظمها أمريكية فبالإضافة إلى أرباحها من ارتفاع الأسعار لخام البترول، حصلت من عملياتها البترولية الأخرى (التكرير والتسويق) على سبعةدولارًا صافي ربح مقابل كل دولار حصلت عليه الدول المنتجة للبترول، أنعشت قرارات خفض الإنتاج ورفع أسعار البترول الاقتصاد الأمريكي عبر الودائع والاستثمارات العربية الهائلة في البنوك والشركات الأمريكية، فقبل حرب أكتوبر 1973 كانت الولايات المتحدة تواجه عجز في ميزان مدفوعاتها، الذي تحسن ابتداءً من عام 1974 بفضل الارتفاع الصاروخي لأسعار البترول، كانت أوروبا واليابان أكثر المتضررين من قرارات خفض الإنتاج ورفع أسعار البترول، تم التخفيض والحظر البترولي متأخرًا جدًا بعد أحد عشر يومًا من بدء المعركة وعقب تأزم الموقف على جبهات القتال العربية، لم يميز قرار خفض الإنتاج بين الدول العدوة والدول الصديقة للعرب. ركز الرئيس السادات متعمدًا على دور الملك فيصل في دعم مصر، وتجاهل أدوار أخرى لا تقل أهمية عن دوره إن لم تزيد كدور الاتحاد السوفيتي وهو أهم دور فبدون مساندته ودعمه وأسلحته ما حارب العرب من الأساس، كما تم تشويه دور الرئيس الليبي معمر القذافى لكراهية السادات غير المبررة له، والتقليل من دور الرئيس الجزائري هوارى بومدين، والرئيس العراقي أحمد حسن البكر،رغم أن هناك قوات مسلحة من الجزائر والعراق وليبيا شاركت في الحرب نفسها، بخلاف دعمهما المالي لدول المواجهة، تجاهل السادات كل هؤلاء وركز على دور الملك فيصل فقط. وكان الملك فيصل قد صرح عندما تم اتخاذ قرار الحظر البترولي الشامل على الولايات المتحدة أن الحظر لن يُرفع قبل انسحاب إسرائيل من كل الأراضي العربية التي احتلت عام 1967، وهو ما لم يحدث حيث تم رفع الحظر عقب اتفاق فك الاشتباك.

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك