الجمعة - الموافق 19 أبريل 2024م

(23) هزيمة 1967 “الخيارات التاريخية – وشبح الوهابية 1-2”.. بقلم الكاتب والباحث: محمد السني

Spread the love

ألقينا الضوء سابقًا على الجذور الفكرية للوهابية في مقالتين، ثم تطرقنا لنشأة الحركة الوهابية في مقالتين، ثم نشأة وملامح وسقوط الدولة الوهابية السعودية الأولى في ثلاث مقالات، ومقالة عن نشأة وسقوط الدولة السعودية الثانية، ومقالتين عن التأسيس الثاني للدولة المصرية الحديثة، ومقالتين عن الدولة السعودية الثالثة، وثلاث مقالات عن الأمة المصرية قبل الغزو الفكري الوهابي، ومقالة عن التسلل الوهابي للأمة المصرية، ومقالة عن إجهاض الوهابية للمشروع التنويري المصري الأول، وثلاث مقالات عن الوهابية والدولة المصرية، ومقالتين عن الإحياء الثاني لتنظيم الإخوان المسلمين الوهابي، ومقالتنا هذه عن “هزيمة يونيو 1967 -وشبح الوهابية1-2”.
أوضحنا سابقًا كيف استمرت محاولات التيار الوهابي لتقويض أركان الدولة المصرية إبان الحكم الناصري، والسيطرة على السلطة بكافة الطرق التي وصلت إلى محاولة اغتيال عبد الناصر عام 1954 فيما عُرف بحادثة المنشية، مما أوجب الصدام الذي أثمر عن تصفية تنظيم الإخوان المسلمين، ولكن دون تجفيف جذور الإرهاب والتطرف كما بينا. وكانت آخر تلك المحاولات محاولة الإخوان الوهابيين للتخطيطلإغتيال عبد الناصر وعدد كبير من الرموز السياسية والثقافية والفكرية والفنية،وإحداث فوضى عارمة في الشارع المصري شبيه بحريق القاهرة الذي حدث في 22 يناير 1952، وكذا تفجير العديد من المؤسسات الحيوية والإستراتيجية، فيما عُرف بتنظيم 1965م بزعامة سيد قطب. وهو ما أثبتته التحقيقات التي أُجريت مع أعضاء التنظيم، وكذا شهادات جميع من شاركوا في هذه المؤامرة في كتاباتهم لاحقًا كما أوضحناه بشيء من التفصيل.ولكن لم تنجح محاولاتهم في تحقيق ما أرادوا، فكان التواطيء ضد الوطن ودعم جهود التدخل العسكري الخارجي بتحريض وتوجيه مباشر من المملكة السعودية الوهابية وأذنانها،لإسرائيل وحلفائها بشن حرب كبيرة وناجزة ضد مصر ودول المواجهة مع إسرائيل. وهو ما كشفت عنه الوثائق الأميريكية والبريطانية التي قمنا بنشر أهمهاسابقًا..وكان النشاط السوري قد استمر ضد المستعمرات الإسرائيلية بالاستعانة بالجبهة الأردنية. وتواصل التصعيد بين الأطراف حتى طالبت مصر بسحب قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في سيناء، وهي القوات التي وُضعت بعد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، ثم نُقلت وحدات للجيش المصري إليها فيما يشبه الحشد، بالإضافة إلى إغلاق مضيق جزيرة تيران في البحر الأحمر أمام الملاحة الإسرائيلية، وهو ما اعتبره المحتل إعلانًا للحرب. وفي الخامس من يونيو 1967، شن الكيان الصهيوني حربًا شاملة على ثلاث دول عربية،مصر والأردن وسوريا، وأصابتهم بما يشبه الساعقةمنذ اليوم الأول للحرب.حيث بدأ الطيران الإسرائيلي بقصف خمسة وعشرين مطارًا حربيًا في مصر وتدمير ما لا يقل عن 85% من الطائرات وهي على الأرض، مما قلب الموازين لصالح الجانب الإسرائيلي.وتبين الوثائق الإسرائيلية أن فايسمان رئيس أركان الجيش الإسرائيلي آنذاك أخذ الخطة الأصلية للضربة الجوية من خطة الطيران الإنجليزية الفرنسية في حرب سنة 1956 وقاموا بتطويرها،وقد استغرقت عملية تطويرهاحوالي خمسسنوات.وانتهت الحرب بقتل ما بين 15 إلى 20 ألف عربي في مقابل 650 إلى 800 إسرائيلي، وجرح40 إلى 45 ألف عربي في مقابل 2000 إلى 2500 إسرائيلي، وأسر أربعة إلى خمسة آلاف عربي مقابل15إلى20 إسرائيليًا. كما خسرت إسرائيل في الحرب من 2 إلى 5% من عتادها العسكري، بينما خسر العرب من 70 إلى 80% منه.واحتلت إسرائيل في خمسة أيام (منذ بدأ القتال حتى وقف إطلاق النار) أراض تبلغ ثلاثة أضعاف مساحتها، بما في ذلك ما تبقى من أرض فلسطين التاريخية، أي الضفة الغربية وقطاع غزة اللتان وقعتا تحت الحكم (الأردني – المصري) بعد اتفاقيات الهدنة عام 1949، إضافة إلى شبه جزيرة سيناء من مصر، وهضبة الجولان في سوريا.وقد أوضحت الحرب بشكل جلي الفشل التام لعبد الحكيم عامر وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة المصرية آنذاك، وعدم كفاءته لقيادة القوات المسلحة المصرية كما اعترف بذلك عبد الناصر نفسه في حواره مع عامر بعد النكسة بحضور هيكل، وكان هذا العجز قد تكشف منذمعركة السويس 1956، حيث عارض عامر قرار انسحاب القوات المصرية من سيناء وهو القرار الذي اتخذه عبد الناصر على مسؤوليته الشخصية، واثبت صحته تمامًا فيما بعد، حيث كانت آراء ومقترحات عامر غير موضوعية ولا تمت للعسكرية بصلة، وغير ملائمة للحالة المصرية مثل الحرب الشعبية(حرب العصابات) من جبال سيناءوخلافه. كما أنه لم يستوعب التطورات الجمة التي حدثت بين الفترة منذ حرب السويس 1956 وبين حرب يونية 1967فأراد تكرار نفس السيناريو في حرب 1967، فأخذ قرار الانسحاب الكارثي، مما أكد أن رؤيته في الاستراتيجية العسكرية ضعيفة وجاهلة، كما أنه كان السبب المباشر في نجاح الانقلاب الذي أدى إلى الانفصال مع سوريا في 1961، حيث أُعد للانقلاب من داخل مكتبه كنائب لرئيس الجمهورية العربية المتحدة (مصر وسوريا).كما كشفت الهزيمة عن عدم تغيير في بنية النظام المصري وسلطته رغم حصول بعض التغيرات الجزئية في أساليب السلطة وطرق تعاملها وبعض الإصلاحات العسكرية..وعلى الجبهة الشرقية كان الجيش السوري قدانشغل بالعمل السياسي والصراعات الداخلية، ما أثر في استعداداته للدفاع عن الوطن (المهمة الرئيسة)، وفي منهجيته في إدارة الحرب وقيادتها، الأمر الذي كان من أهم عوامل الهزيمة،حيث تمخضت عملية(إعادة بناء الجيش السوري)خلال عشرين عامًا عن ولادة نحو تسعة انقلابات (عسكرية – سياسية) ناجحة، مما اسفر عن تصفية منتظمة لخصوم الانقلابيين بطرق شتى، وشمل ذلك بدرجة رئيسة الضباط المحترفين. وقد تُوجت التصفيات بعد انقلاب الثامن من مارس 1963، وتسريح نحو سبعمائة ضابط خلال أقل من ثلاثة شهور، واستدعاء ضباط مجندين احتياط للتحول إلى ضباط محترفين بدلًا منهم في إطار تبني صيغة (الجيش العقائدي). ووصل الصراع بين الكتل العسكرية إلى ذروته في أواسط عام 1965، داخل اللجنة العسكرية (السرية)، بين القائد الأعلى ورئيس هيئة الأركان، وبين بعض قادة الوحدات الضاربة الخاصة والمدرعة ورئيس الأركان، فبات الضباط منقسمين وأيديهم على الزناد. وفي هذا السياق، وقع الانقلاب التاسع في 23 فبراير 1966، ونتج من ذلك موجة تسريحات وتطهيرات جديدة في الجيش، تضاف إلى التسريحات التراكمية السابقة، لكنه أنشأ كتلًا جديدة متصارعة، سرعان ما حاولت تصفية الحسابات بينها. وترك ذلك آثارًا خطيرة على بنية الكفاءة الداخلية للجيش السوري من حيث هو مؤسسة، كان من أبرز نتائجها الخطيرة هشاشة كفاءته عشية وقوع الحرب، ومواجهة الهزيمة الكبرى..تحمل عبدالناصر مسؤولية ما حصل مقدمًا استقالته التي رفضتها ملايين المصريين بنزولها إلى الشارع فاصلة بين الهزيمة العسكرية وإسقاط النظام السياسي في مصر،ومنادية باستمرار مواجهة إسرائيل.
كان رأي بن غوريون أن حرب عام 1948 التي سُميت (حرب الاستقلال) لم تحسم مسألة بقاء إسرائيل، وأنه لكي تتقبل الدول العربية وجود إسرائيل في المنطقة لا بد من إرغامها على ذلك، بإلحاق هزيمة أخرى بها في حرب أخرى، تقنعها بقبول الأمر الواقع. ولم يكن هذا رأي ابن غوريون بمفرده بل كان شعورًا عامًا داخل إسرائيل وخارجها،وتثبت الوقائع الموثقة كيف أن (أيزر فايسمان) مهندس الضربة الجوية ومدير العمليات في الجيش الإسرائيلي أثناء حرب 1967 والمشرفعلى الخطة (موديك)تحدث تليفونيًا مع زوجته الموجودة في روما مع شقيقتها ريما أشفرس المتزوجة من(موشيه ديان) وزير الدفاع الإسرائيلي،وكان الاتصال بعد الموجة الأولى للطيران مباشرة، وقال لها:”ريما الحرب انتهت وقد انتصرنا وعليكي أن ترجعي”،فقالت له:”أيزر هل جنيت في عقلك؟ أنت قلت لي إن الحرببدأت الساعة التاسعة والآنوبعد مرور خمس ساعات أو ست ساعات تقول لي الحرب انتهت!” قال لها:”الضربة قوية جدًا ونحن نعتقد أن القتال سوف يستمر لكن الحرب انتهت فارجعي”، وهذا يؤكد إلى أي مدى كان اليقين في مصير إسرائيلمعلقًا حتى حرب يونيو 1967(أُثير هذا الموضوع في الوثائق الإسرائيلية ووُجه اللوم لديان وأيزر بعد الحرب).وبذلك نجد أن تاريخ نشوء إسرائيل الحقيقي هو حرب يونيو 1967م والتي سُميت (حرب الأيام الستة)، واقع الأمر أنهم خمسة أيام فقط (120 ساعة بالضبط) وقد اسماها الإسرائيليون حرب الأيام الستة لأن كبير حاخامات إسرائيل طلب أن تبقى ستة إشارة إلى المغزى أو الإشارة الدينية أن الله خلق الأرض في ستة أيام ثم استراح في يوم السبت. فحتى انتصار اسرائيل في حرب 1948، كانت إسرائيل مشروعًا غير مستقر في نظر الحركة الصهيونية ذاتها كما أوضحنا، وما سمي (يهود الشتات) الذين أقنعتهم حرب 1967 أن إسرائيل أكثر من مغامرة، وأنها مشروع مضمون، فتكثفت الهجرة إليها بعدها، وتدفقت الاستثمارات أضعافًا مضاعفة، وانتقلت إسرائيل من اقتصاد القطاع العام الاستيطاني التعبوي إلى اللبرلة الاقتصادية. كما أن الولايات المتحدة الأميركية أبرمت التحالف الإستراتيجي معها، واقتنعت بفائدته العملية والرهان عليها بعد هذه الحرب. فالحقائق التاريخية تقول إن جيش الاحتلال انتصر في هذه الحرب بسلاح فرنسي في الأساس، وليس بسلاح أميركي، ولكنأميريكا لم تعدم الوسائل لتزويد إسرائيل بما تحتاجه من أسلحة، فأوكلت المهمةلغيرها للقيام بذلك، وكانت ألمانيا الجهة الأساسية في هذا المضمار حيث أبرمت عقود تسليح هائلة مع إسرائيل.وظلت السياسة الخارجية الأمريكية الأساسية تنحو ناحية عدم مشاركة إسرائيل في جرائمها بشكل مباشر،لكي لا تعطي الفرصة لتدخل السوفييت بشكل كبير في منطقة الشرق الأدنى والأوسط، وتتفادى إحراج دول الخليج وغضب الجماهير العربية، ولكنها في النهاية أخذت بوجهة نظر المخابرات الأميريكية بالدعم الكامل لإسرائيل بشرط ألا تطول الحرب حتى لا يكون هناك فرصة للجماهير للثورة على المصالح الأميريكية، كما أن أميريكا كانت مشغولة في تلك الأثناء في حرب فيتنام.ولكن بعد يونيو 1966تدفقت أموال المعونات الأميريكية والاستثمارات، وجرى تسليح الجيش الإسرائيلي بطائرات الفانتوم بدلًا عن الميراج الفرنسية.
كشفت ملابسات الحرب ومجريات الأحداث لحرب 1967، وكذا ما تم الإفصاح عنه من وثائق واعرافات الفاعلين الرئيسيين فيها،كشفت عن الكثير من أسرار هذه الحقبة التاريخية الهامة. وأوضحت بما لا يدع مجالًا للشك أن الخطر من داخل الجسد العربي كان العاملالأكثر تأثيرًا في تلكالهزيمة، وأن إسرائيل لم تكن بهذه القوة التي ظهرت بها لولا التآمر الذي لعبته بعض الأنظمة العربية الرجعية بزعامة المملكة السعودية الوهابية،فقد استغلت إسرائيل والولايات المتحدة التناقض الشديد بين الأنظمة الرجعية العربية بقيادة المملكة السعودية الوهابية وبينالنظام الناصري وحلفائه من العرب آنذاك، للقضاء على النموذج الثوريوالتنموي والسياسي المستقل الذي أسسه عبدالناصر في مصر وألهم الكثير من الشعوب والحكام العرب.كما كانت القضية الأساسية لدى السعوديةلا تتمثل في التصدي للاطماع الصهيونية بل كانت تتمثل في القضاء على نظام عبد الناصر الثوري الذي رأوا فيه تهديدًا لمملكتهم الوهابية الرجعية.وكانت الوسيلة لذلك عن طريق خنق مصر اقتصاديًا عبر مخطط أميركي -سعودي خبيث، مع إنهاك للداخل المصري والسوري بخلافات وصراعات كان دائمًاشبح الوهابية حاضرًا ومؤثرًا فيها.ففي كتابه (النضال من أجل السلام)، يؤكد أيزنهاورأن ثمة خطة أو مؤامرة أميركية أُعدت قبل حرب 1967 لإنهاء الظاهرة الناصرية، والتي مثلت وقتها خطرًا على مشروع الهيمنة الأميركية خاصة بعد انتصار السويس 1956، واعتمدت هذه الخطة وفقًا لكتاب أيزنهاور علي الحصار الاقتصادي لخنق عبد الناصر، وتصفية الوضع الثوري في مصر، بعزلها، والقضاء على حركة القومية العربية التي وصفها دالاس وزير خارجية أميركا وقتها بأنها (أخطر من الشيوعية)، وذلك بتذويبها في كيان فضفاض أسموه (الحلف الإسلامي)، وإخضاع المنطقة للهيمنة الأميركية، بحجة ملء الفراغ، اعتمادًا على ملك السعودية (الملك سعود وقتها) الذي حاول دالاس إقناعه بأنه: بابا الإسلام، وعليه فلا بد من أن تكون:مكة بمنزلة فاتيكان للمسلمين.وهو ما أكده المناضل والباحث السعودي الدكتور فوزي أسعد النقيطيفيدراستة التي نُشرت ضمن كتاب (العلاقات المصرية السعودية – الصادر عن مركز يافا عام2000). وفي هذا الصدد أيضًا، قال الوزير البريطاني أنتوني ناتنج: “إن دالاس كان يهدف إلى إيجاد خصم لعبد الناصر يختلف عن كل الخصوم الذين تعود أن يصطدم بهم ويحطمهم، خصم من نوع لا يُقاوم، وذلك بوضع الدين الإسلامي ذاته(بصيغته الوهابية) أمام عبد الناصر، متجسدًا في الملك سعود الذي ظهر خلال الزيارة إلى واشنطن التي امتدت من 29 يناير إلى 8 فبراير عام 1957، مستسلمًا، مستجيبًا لوجهات نظر الرئيس الأميركي، أو وزير الخارجية دالاس أو رئيس وكالة المخابرات”.يمتد الدور الوهابي السعودي في إجهاض التجربة الثورية الناصرية، منذ دحر العدوان الثلاثي على مصر عام 1956،وتمثل ذلك في محاولات سرية وعلنية لاغتيال عبد الناصر رغم أنه كان قد وقع مع الملك سعود على معاهدتين للتعاون (27أكتوبر 1955، 21أبريل 1956)، ومع ذلك قام بالتآمر لاغتياله عدة مرات، جرت المحاولة الأولى في أواخر عام 1957، حين دفع ملك السعودية مبلغثلاثة ملايين جنيه استرليني للسيد (مرتضى المراغي) وزير داخلية الملك فاروق، كشف عنها العقيد طيار (عصام الدين خليل) بعد أن تسلم بالفعل مبلغ 162ألف جنيه إسترليني، كدفعة أولى، ليكون هو قائد الانقلاب.وكانت مدينة بيروت هي مقر مرتضى المراغي، الذي كان يتمتع بحماية الشرطة اللبنانية، وكان على اتصال وثيق بالرئيس اللبناني، كميل شمعون، الذي كان في واشنطن لدى زيارة الملك سعود، وعرض على دالاس فكرة التخلص من عبد الناصر، ولما عرض اقتراحه على الرئيسالأميريكيإيزنهاور قال: “إن آراءه موضع اهتمامه”. ثم كانت المحاولة الثانية التي عرضت فيها السعودية مبلغعشرين مليون جنيه إسترليني للنائب السوري (عزيز عباد) لقيامة بترتيب اغتيال عبد الناصر وإسقاط طائرته وإعلان أن إسرائيل أسقطتها، وقدمت له مبلغ مليوني جنية دفعة أولى، وكان ذلك مصحوبًا بوعود الملك بدعمه لتولي عبد الحميد السراح حكم سوريا، ولكن هذه المحاولة أفسدها القائد القومي العروبي عبد الحميد السراج، وهي القضية التي تداولتها المحكمة العسكرية بدمشق ابتداءً من يوم 11 مايو 1958 وعرفت باسم قضية (عبد الحميد السراج). ثم كان الدور السعودي في تحقيق انفصال الوحدة السورية المصريةالتي جعلت عبد الناصر يبكي على الملأ للمرة الوحيدة كما تقول الوثائق،والانفصال في الواقع هو الذي فتح الطريق أمام الهزائم العربية المتلاحقة، وكما قال أحمد الشقيري، قائد منظمة التحرير الفلسطينية وقتها: “إن التاريخ لا يرحم، وسيكتب في طليعة ما يكتب أن الذين صنعوا الانفصال في سبتمبر عام 1961، هم الذين صنعوا الهزيمة في يونيو عام 1967″، ودُفع في هذه المحاولة(بأسعار أيامها)اثني عشر مليون جنيه إسترليني.علاوة على ما أوردناه سابقًا من وثائق تؤكد التعاون بين الأسرة السعودية وكل من واشنطن وتل أبيب قبل حرب1967 تمخض عنه التنسيق السياسي والمالي والمخابراتي من أجل إحكام الهزيمة على (ناصر وجيشه).وها هو عبد الناصر يتم إغراقه في مؤامرة اسمها حرب اليمن،حيث شنت المملكة السعودية الوهابية حربًا ضروسًا ضد الجنود المصريين في اليمن بالحالف مع قوى الاستعمار القديم والجديد، والتحريض والمشاركة على تجويع الشعب المصري. فقد أصر ملك السعوديةآنذاك على شن حرب استنزاف ضد اكثر من اثني وسبعينألف جندي من نخبة الجيش المصري كانوا يرابطون في اليمن الشمالي،أرسل بهم إلى هناك عبد الناصرللدفاع عن النظام الجمهوري اليمني الوليد الذي كان يقوده عبدالله السلال، حيث كان يرى الملك السعودي أن التواجد العسكري المصري يشكل خطرًا على السعودية مع أن عبد الناصر قد أوفد نائبه أنور السادات اكثر من مرة إلى الرياض للتفاوض مع الجانب السعودي من أجل سحب القوات المصرية من اليمن لقاء تقديم ضمانات سعودية بالتوقف عن دعمها بالسلاح والمال والمرتزقة للقوات الملكية اليمنية بقيادة الإمام المخلوع بدر،إلا أن الملك فيصل رفض هذا العرض وبذلك تعذر على عبد الناصر الزج بنصف قواته في العمليات القتالية على الجبهتين الشمالية والشرقيىة. ويؤكد الجانب التاريخي المظلم – أيضا – لدور آل سعود في إحداث الهزيمة، أنه إذا كان يوم التاسع من يونيه عام 1967، وبعد الهزيمة المريرة، والذي تنحى فيه الرئيس عبد الناصر عن منصبه، قد وصف “باليوم الأسود”، فإن الأمر لم يكن كذلك بالنسبة للأسرة السعودية وشيوخ الوهابية، وكما ذكرت مجلة صوت الطليعة الصادرة في 12أبريل 1976:”ولما أعلن استقالته (عبد الناصر)، أخذوا يتبادلون التهاني، ويذبحون الخراف والجمال كتعبير عن الفرحة التي عكست العقدة التاريخية التي تحكم آل سعود بمصر، منذ قام محمد علي باشا بهدم (الدرعية) مقر حكم الدولة السعودية الوهابية الأولى، بسبب فساد حكامها وعمالتهم يومها للأجنبي ومروقها عن وحدة الصف الإسلامي”.
لم يقل الدور الذي قام به الملك حسين في حرب يونية 1967 خطورة عن دور حليفهالملك سعود، وذلك لحماية عرشه في وجه العواصف القادمة، ومن أهم الكتب التي صدرت حديثا وألقت الضوء على دور الملك حسين أثناء حرب يونيه 1967 ذلك الكتاب الذي صدر حديثا عن دار نشر (بالانتاين بوكس) الإنجليزية ونشر على مواقع الكتب على شبكة الإنترنت تحت عنوان (أيام من الحرب: يونيه 1967 وتشكيل الشرق الأوسط الحديث). ورغم أن المؤلف يعبر عن انحيازه الصريح للمواقف الإسرائيلية إلا أنهيأتى بالعديد من الأسرار التي يتم الكشف عنها لأول مرة، ومن هذه الأسرار دور الملك حسين والوضع الذي وجد نفسه فيه بينما عواصف حرب يونيه على وشك أن تهب على الجميع،ففى الفصل الرابع المعنون (العد التنازلي) الذي يحكي قصة الأيام الخمس قبل الحرب أو الأيام من 31 مايو إلى 4 يونيه يتحدث المؤلف عن أوضاع الملك حسين والمأزق الذي وجد نفسه فيه،ويقول أوبراين: “منذ أن سطع نجم عبد الناصر وتتويجه بطلًا للقومية العربية والملك حسين يشعر بالخطر، خصوصًا أن أكثر من نصف مملكته من الفلسطينيين المؤيدين لعبد الناصر واتجاهاته القومية العربية. منذ أن أدرك الملك حسين خطورة عبد الناصر عليه وعلى عرشه قرر فتح قناة مخابرات سرية مع إسرائيل يتم من خلالها تبادل المعلومات مع تل أبيب سواء فيما يخص نفوذ عبد الناصر أو حول الفلسطينيين الفدائيين (وصفهم الكتاب بالإرهابيين). وعندما جاءت الأخبار بأن هناك حشودًا إسرائيلية على الحدود مع سوريا لم يصدق الملك حسين نفسه لأن الأردن كان يمتلك محطة رادار قوية في عجلون وهذه لم تلتقط أية إشارات بوجود حشود إسرائيلية على حدود سوريا، وعندما أخبر الملك حسين الإسرائيليين بمعلوماته عن الحشود طلب منه (ليفيأشكول) رئيس الوزراء الإسرائيلى أن يصمت، بل إنه طلب منه أيضًا أن تكف الأردن عن انتقاد عبد الناصر وأن تنضم للدول العربية التي تصفه بأنه بطل العرب الأوحد، وأطاع الملك حسين الأمر في الحال. حيث كان الملك حسين يرى الأمور وهي تخرج عن نطاق السيطرة ويحاول مراجعة جميع الخيارات وتحديد خطرها على مملكته، لو قام عبد الناصر بالضربة الأولى ثم نجحت إسرائيل في صدها فإن عبد الناصر قد يستخدم الأردن ككبش فداء مما سيجعل الفلسطينيين يثورون وقد ينضم لهم الجيش الأردني أيضًا وعندها تنهار المملكة أو يتم استبدال الحكم الملكي بحكومة جمهورية يرأسها أحد زعماء منظمة التحرير. من ناحية أخرى، رأى الملك حسين أنه لو قامت مصر بالهجوم ونجح هذا الهجوم، فعند ذلك قد تقوم القوات المصرية باقتحام صحراء النقب وقد يصل بها التيه إلى الانطلاق نحو عمان وإسقاط نظام حكمه، هكذا رأى الملك حسين أن أغلب البدائل سوف توقع الأردن في ورطة وأزمة حادة، إذا لم يشارك الأردن في الحرب فإن اللوم سيقع عليه في حالة تعرض العرب للهزيمة، أما إذا حقق العرب النصر فإن الأردن سيصبح معزولًا أي في كلتا الحالتين، الأردن خاسر خاسر، هكذا رأى الملك حسين نفسه ومملكته، ومن هنا بدأ الملك حسين يتحرك سريعًافقام بإرسال رسالة مطولة لواشنطن يطلب منها ضمانات بأن يتم المحافظة على سلامة أرض بلاده في حالة اندلاع الحرب، وفي نفس الوقت أعلن الملك حسين عن نيته الطلب من القاهرة إعادة إحياء بنود اتفاق الدفاع المشترك ضمن القيادة العربية الموحدة وكان حسين يريد أن يلعب على الطرفين حتى لا يغضب أى جانب وينجو الرجل بمملكته. بالنسبة لواشنطن أعلنت التزامها في خطاب للملك حسين بضمان أمن الأردن واستقلاله ولكنها رفضت أن تعلن هذا الالتزام على الملأ نظرًا لاعتبارات من الكونجرس، أما القاهرة فقد قامت بإبلاغ عامر قماش رئيس أركان الجيش الأردني بأن ما يُسمى القيادة العربية الموحدة قد انتهى ومات. وإزاء هذا حسم الملك حسين موقفه، سوف يقف ويساند عبد الناصر في العلن بينما سيقوم في السر بمواصلة اتصالاته المخابراتية مع إسرائيل خوفًا من انتقامها.وفي يوم 31 مايو 1967 قرر عبد الناصر إغلاق مضيق تيران، وعندما علم الملك حسين بهذا القرار قام في الحال بإرسال برقياته لإسرائيل وللدبلوماسيين الأجانب في الأردن يقول: هذا القرار قرار مجنون سيؤدي لكوارث لأني أعرف أن العرب ليسوا مستعدين لخوض الحرب وقال الملك حسين في برقياته: إن عبد الناصر رجل مجنون لا يقدر العواقب ويعتمد على دعم وهمي من السوفيت، أما في العلن فقام الملك حسين بإصدار أوامره للمتحدث باسمه بأن يمتدح قرار عبد الناصر وأن يعلن عن استعداد الأردن لتقديم الدعم الكامل له، وفي نفس الوقت أيضًا التقى الملك حسين بيرنز السفير الأميريكي في عمان وطلب منه ضرورة أن يحث الرئيس جونسون إسرائيل على مهاجمة تيران ولكن واشنطن لم تستمع له. هنا أدرك الملك حسين أنه يجب أن يلجأ لعبد الناصر في النهاية ويقنعه بإخلاص الأردن لقضية الحرب بينما هو يضمر شيئاً آخر في الخفاء، وبسرعة قرر الملك حسين اتخاذ عدد من الخطوات التي يمكن أن تنال رضاء عبد الناصر: أولًا قام بعزل وصفي التل رئيس الديوان الملكي،وثانيًا قام بتحريك بعض قواته لعبور نهر الأردن والوصول إلى أريحا، وثالثًا قام بارسال رئيس الأركان قماش للقاهرة للاجتماع مع عبد الحكيم عامر بينما رفض عبد الناصر استقباله. وبعد القيام بهذه الخطوات قام الملك حسين بالاتصال بالأمريكان من خلال السفير بيرنز وأخبرهم أن هذه الخطوات هدفها فقط اتقاء شر عبد الناصر ولكنه لا ينوي القيام بأية أعمال عدوانية ضد إسرائيل وطلب منهم أن يبلغوا الإسرائيليين بذلك. في هذه الأثناء قام الملك حسين بدعوة عثمان نوري سفير مصر في الأردن يوم 28 مايو، كانت الدعوة أصلًا لمقابلة رئيس وزراء الأردن سعد جمعة في منزله الخاص وعندما وصل السفير المصرى هناك أصيب بالذهول لأن الملك حسين نفسه هو الذي كان في استقباله، وقام الملك بإخبار السفير بأنه يريد القيام بزيارة سرية لمصر خلال الثمان والأربعين ساعة المقبلة، كان الحسين يريد كسب اطمئنان عبد الناصر تمامًا بينما يخبر الأمريكان والإسرائيليين بكل ما يفعله حتى لا يشكوا في نواياه. وعندماقامت اسرائيل بتجفيف بحيرة الحولة وتحويل مياه النهر إلى المستعمرات والمدن والمشاريع الزراعية الاسرائيلية مما أدى إلى تجاوزالحصة المائية المقررة لها وفق مشروع جونستون وسرقتها بالتالي جزءً كبيرًا من حصة المملكة الأردنية وفي وقت كانت الاخيرة تعاني من فقر مائي وتُعد من أفقر دول العالم مائيًا وبذلك وجد الأردن نفسه أمام خيارين إما الرضوخ للأمر الواقع أو استرداد حصته من خلال تحويل روافد نهر الأردن، ولقد اختار الحل الثاني. وتحقيقا لهذا الهدف المشروع فقد بادر الأردنإلى طرحه على جدول أعمال وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم الطاريء الذي عُقد في جامعة الدول العربية بغرض التصدي للمشروع الإسرائيلى، وفي نهاية هذا الاجتماع اقروا توصية للملوك والرؤساء العرب تدعو إلى تنفيذ مشروع تحويل روافد نهر الأردنوباقامة سد في منطقة المخيبة الأردنية لتخزين مياه الروافد،وبدورهم قرر الزعماء العرب تشكيل هيئة عربية لتحويل روافد نهر الأردن وحددواحصة كل دولة عربية من أجل تمويل هذا المشروع كما قرروا تشكيل قيادة عسكرية مشتركة للدفاع عنه في حال تعرضه لعدوان أو حرب تشنها إسرائيل عليه بهدف تعطيله ولقد اتفق الزعماء على تعيين الفريق(علي علي عامر) قائدا للجبهتين الشمالية والشرقية وعلى تكليفه بوضع خطة عسكرية للدفاع عن المشروع أي الدفاع عن الأردن تحديدًا فيما لو تعرض لهجوم إسرائيلي ردًا على موقف الأردن الذي قبل بالمشروع ووافق على إقامة سد المخيبة فوق أراضيه. ولكن المشروع قوبل برفض الأردنالمفاجيء الذي كان في ذلك الوقت جزءً من المحور السعودي الوهابي المناهض لخط عبد الناصر التحرري في المنطقة العربية، ورفض خطة المشير عليعلي والتي تقضي بنشر قوات عراقية وسورية ومصرية وأردنية وبحدود ستة فرق مشاة ومدرعات في جبال الضفة الغربية إضافة إلى نشر ثلاثةألوية من جيش التحرير الفلسطيني للدفاع عن الضفة الغربية أو لردع الجانب الإسرائيلي عن القيام بأي هجوم يستهدف احتلال الضفة وتدمير سد المخيبة ولقد رفضها في حينه تحت ضغط سعودي أميريكي وكانت الحجة الجاهزة أن مرابطة هذه القوات مخالف لاتفاقية رودس الموقعة مع الجانب الإسرائيلي سنة 1949 تحت إشراف المبعوث للأمم المتحدة (رالف بانش) والتي يقضي أحد نصوصها بعدم إدخال أي أسلحة ثقيلة كالدبابات والمدفعية الثقيلة إلى الخطوط الأمامية (خطوط الهدنة) مع إسرائيل،إضافة ألى حجة أخرى مفادها أن تواجد قوات عربية في الضفة الغربية سيوفر ذريعة لإسرائيل كي تشن حربًا على الأردن، ولعل الأسوا من هذا الموقف أن الأردن قد أعلن وقوفةإلى جانب عبد الناصر ووقع اتفاقية دفاع مشترك مع مصر قبل اندلاع الحرب بأربعة أيام رغم أن القوات الأردنية المتموضعة في الضفة الغربية لم تكن قادرة على الدفاع عن الجبهة الغربية والاحتفاظ بالضفة الغربية إلا لمدة ستة وسبعين ساعة وفقًا لخططها العسكرية، ولم يكن قد مضى على تحشدها في مواقعها الأمامية وفي الخطوط الخلفية هناك إلا بضعة أيام،لتحتلها القوات الإسرائلية في مدة لم تتجاوز عمليًا ثلاثةأيام نتيجةلجهود السعودية الوهابية التي ظلت مع الإدارة الاميركية تضغط على الأردن باتجاه عدم تنفيذ خطة عليعلي عامرأي عدم مرابطة قوات عربية في الضفة الغربية.ومن المؤكد ان الضفة الغربية لم تكن تسقط بهذه السهولة في قبضة الجيش الاسرائلي لو قبل الأردن بخطة عليعلي عامر والأرجح أن الجيش الإسرائلي كان سيواجه مقاومة شرسة من جانب قوات عربية وأردنية وفلسطينية ويتكبد خسائر فادحة خاصة في مناطق تحشدها الجبلية وفي داخل المدن إضافة إلى خسائره البشرية الناجمة عن ضرب المدن والمستوطنات الإسرائيلية بالمدفعية الثقيلة للقوات العربية.
كان للملك المغربي الحسن الثاني دور كبير ومؤثر في هزيمة 1967، حيث نُشر حديثًا في موقع جريدت بوست الإلكتروني بتاريخ 19أكتوبر 2016، كيف أطلع الملك المغربي الحسن الثاني إسرائيل على استعدادات حرب 1967، هذا ما كشفه (شلومو جازيت)، الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، لصحيفة يديعوت أحرونوت العبرية أن الحسن الثاني، ملك المغرب السابق، سجل بصورة سرية مناقشات الحكام العرب عن معركة محتملة ضد إسرائيل، خلال قمة العام 1965، وسلم التسجيلات لجهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد) بعد ذلك. وقال جازيت إن هذه التسجيلات ساعدت الجيش الإسرائيلي بشكل كبير على التحضير لحرب 1967.ففي اللقاءات التي تم تسجيلها لصالح الموساد الإسرائيلي قدم القادة العسكريون العرب معلومات وفيرة عن نظام المعركة المرتقبة، وتحدثوا بصراحة وشفافية عن الإمكانيات العسكرية المتاحة تحت قيادتهم. وأضافت الصحيفة العبرية أنه في هذه التسريبات إلى جانب اتفاق زعماء العرب على ضرورة الاستعداد للحرب القادمة مع إسرائيل وعواقبها الخطيرة على العالم العربي، كانت هناك كذلك خلافات عديدة بين المشاركين في القمة اطلعت عليها دولة الاحتلال. فعلى سبيل المثال دخل الرئيس المصري آنذاك جمال عبد الناصر، والملك حسين، ملك الأردن حينها، في جدال حاد حول رؤاهم المختلفة للحرب مع (إسرائيل). وعلى إثر هذه المعلومات جهزت إسرائيل للحرب القادمة مع العرب مستندة على الكم الهائل من المعلومات ذات القيمة العسكرية التي استمدتها من تلك التسجيلات، وأصبح لدى قادة الجيش الإسرائيلي ثقة أن بإمكانهم الانتصار في الحرب، بعدما توفر لهم رؤية غير مسبوقة لما خلف الكواليس ولعقلية قيادة عدوها. حيث سمح الملك الحسن الثاني للموساد الإسرائيلي أن يرسل طاقمًا فنيًا لمراقبة المؤتمر والتجسس عليه عن قرب. وقد وصل إلى مدينة الدار البيضاء فريق مشترك بقيادة، بيتر زفي مالكين، ورافي إيتان، ويتكون من شين بيت، (جهاز الأمن العام الإسرائيلي)، وجهاز الموساد الإسرائيلي، وخصص الملك المغربي لهم طابقًا كاملًا بنفس الفندق الذي اجتمع فيه القادة العرب. وبحسب ما أوردت الصحيفة في هذه الرواية، قام الملك المغربي قبل يوم من انعقاد المؤتمر، بأمر طاقم الموساد بمغادرة الفندق خوفًا من ملاحظة الضيوف العرب لهم، وروى رافي إيتان قائلًا: “ولكن على الفور بعد انتهاء المؤتمر، المغربيون أعطونا كل المعلومات اللازمة ولم يحرمونا من أي شيء”،حيث سُلمت بعد ذلك كل تسجيلات مناقشات المؤتمروالتي سُجلت بدون علم المشاركين إلى مركز البحوث بشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، وتم فك شفرتها ونُسخت وتُرجمت إلى اللغة العبرية،ووصف مير آميت، رئيس الموساد آنذاك، هذه العملية بأنها (واحدة من الأمجاد المتوجة للمخابرات الإسرائيلية). ويقول شلومو جازيت، رئيس مركز البحوث بشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية وقتها: “إن هذه التسجيلات التي كانت حقًا انجازًا استثنائيًا للمخابرات، كشفت من ناحية عن اتجاه الدول العربية لصراع مع إسرائيل يجب علينا الاستعداد له. ومن ناحية أخرى، لم يعكس التشتت في حديثهم عن الوحدة العربية وتأسيس جبهة موحدة ضد إسرائيل إجماعًا حقيقيًا بينهم”. وتابع جازيت قائلًا: “إنه بفضل هذه التسجيلات، إلى جانب مصادر أخرى، عرفنا مدى عدم استعدادهم (العرب) للحرب.. وتوصلنا إلى استنتاج بأن سلاح المدرعات المصري في حالة يرثى لها وغير مستعد للمعركة”. وأكد جازيت أن المعلومات الموجودة في التسجيلات ولدت إحساسًا لدى كبار قادة الجيش الإسرائيلي أنهم سينتصرون في الحرب ضد مصر. وعلى الرغم من النبوءات السائدة بين غالبية الإسرائيليين والمسؤولين خارج الجيش بالهزيمة الوشيكة والهلاك لإسرائيل، إلا أن الجيش الإسرائيلي كان واثقًا من قوته، بفضل هذه المعلومات التي أهداها إليهم الملك المغربي الحسن الثاني.
لم يقل الدور الذي قام به الملك الليبي (محمد إدريسالسنوسي)خطورة عن غيره من الملوك العرب آنذاك، فقد أدرك الملك السنوسي مبكرًا أن عرشه مرهون برضى القوى الكبرى، حيث كانت ليبيا مستعمرة إيطالية 1912، وعندما أتى الإنجليزأثناء الحرب العالمية الثانية وإخراجهم الألمان من العلمين، في معركة العلمين، وأزاحو الألمان، ثم أتوابالملك السنوسي الذي كان قد خلعه الطلاينةوآثر في هذه الأحداث أن يخرج إلى المنفى أو يلجأ في الخارج وذهب إلى تركيا، مما دعم فكرته أن هذه العروش ضعيفة مهما قيل فيها، وتحتاج إلى سند خارجي، والملك هنا يدرك أن سنده هو الإنجليز ومن بعدهم الأميريكان. وكانت الضربة الجوية بما أحدثته من تأثير وضمار هائل وقوة كبيرة، كانت محل شك كبير لأنه كما بدى أكبر من قوة إسرائيل على الاطلاق، وهذا ما عبر عنه قائد الطيران المصري صدقي محمود آنذاك حيث كان يرى أن أميريكا شريكًا مباشرًا في الحرب، وكان رد فعل عبد الناصر: أنه لا يستطيع أن يقول إن أميريكا مساهمة في الحرب إلا إذا كان لديه دليل مادي ملموس مثل طيار أميركي أسير أو حطام طائرة أميريكة. وكان هناك لبس كبير بدأ يتكشف شيئا فشيئا، وها هو السفير المصري في باريس يبعث برسالة في الخامس من يونية 1967 يقول فيها: إن السفير الجزائري في بارس أبلغه إنه قابل الجنرال ديجول رئيس الجمهورية الفرنسية، وبعد التحدث بينهما عن آخر التطورات في ساحة الأحداث وابلاغه لديجول إن الجزائر مشاركة في تلك الحرب بقوات جزائرية وخلافة من الموضوعات، إلا أنه فوجيء بديجول يقول له: “إن الأميريكان داخلين في هذه اللعبة، فيما رأيناه هذا اليوم”. ثم جاءت رسالة لعبد الناصر من السفارة المصرية في طرابلس يوم الخامس من يونيو تفيد بأن خمسة طيارين ليبيين يعملون في قاعدة ويلس الأمريكية القريبة جدًا من طرابلس (وهي أكبر القواعد الأمريكية في الشرق الأوسط وقتها) وقابلوا الملحق العسكري المصري، وقالوا له: أنهم منذ الصباح الباكر في مطار ويلس قامت تحركات طائرات كثيرة جدًا، وقامت طائرات ولم ترجع، وقامت طيارات ورجعت، وأتت معدات من قبرص ونزلت في ويلس، وجاءت معدات من مالطا ومن أمكنه كثيرة جدا، والقاعدة في حالة نشاط شديد جدًا. وكانت من قبل قد وصلت أخبار أن الجماهير الليبية أحسوا أن شيئا ما يجري في قاعدة ويلس، وأن هذا الشيء موجه على وجه اليقين ضد مصر، وبدأت الجماهير الليبية التي سمعت أخبار الحرب تزخف على القاعدة. هذا في الوقت الذي كانت كل الأنظار متجهة إلى الشرق ناحية سيناء ولم يكن أحد يأخذ اعتبار لهذا الأمر. وتلك وثيقة حديثة هامة مكتوبة حصل عليها هيكل ولم يتمكن من نشرها في مؤلفاته المتعلقة بهذا الشأن ولكنه أوردها في مضمار حديثة عن تلك الأحداث على شاشة الجزيزة وقام بعرضها على الساشة، تفيد بأن السفير الأمريكي في ليبيا بعث لوزارة الخارجية في واشنطن يقول لهم: إن رئيس الوزراء الليبي جاء وأبدى لي قلقًا من النشاط الذي يجري في قاعدة ويلس وأنهم يخشون على سلامة النظام. وخوفهم من أن تنكشف بعض الأمور الموجودة التي تحدث هنا. وأنه أبلغه أن الولايات المتحدة لن تسمح بأن تجري من أي قاعدة لها في ليبيا أي أعمال معادية (للمصالح العربية!!)، والغريب أنه لم يقل معاديةلمصر!!. تكشف بعد ذلك أن الطلعة الأولى التي قامت من قاعدة ويلس كانت ما بين 18، 22 طائرة كبيرة من طراز هوك، وهذه الطائرات هي التي ضربت مرسى مطروح وتوجهت صوب الإسكندرية وواصلت إلى إسرائيل لأن مداها لم يكن يسمح لها بأكثر من ذلك بسبب الوقود. حيث جاءت طائرات قبلها ودخلت الحظائر وأُخفيت في الحظائر، ويوم الخامس من يونيو صباحًا شاركت هذه الطائرات في الحرب. وكان تصور الطيارين الليبيين وخاصة من ذهبوا لإبلاغ السفارة المصرية أن من قام بهده الطلعات أمريكيين ولكن الحقيقة أن الطيارات كانت أميريكية وغير أمريكية في نفس الوقت، أمريكية لأنها جاءت قبلها بحوالي أسبوع ثم دخلت الحظائر ودُهنت بألوان العلامات الإسرائيلية والألوان الإسرائيلية وأصبحت مستعدة لمهامها يوم الخامس من يونيو 1967. ثم تبين أنه كان هناك حظر كامل في كل الظروف على مشاركة الطيارين الليبيين في أي عمليات تدريبات داخل القاعدة قبل الضربة بشهور. وتلك وثيقة هامة أخرى كُشفت حديثًا كتبها السفير الأميركينيوسوم في طرابلس عقب انتهاء الحرببتاريخ 22 يونيو سنة 1967، رقمها 0945z،يقول نيوسوم: من السفارة في طرابلس إلى وزير الخارجية في واشنطن، أولًا خلال مقابلة مع الملك إدريس السنوسي يوم 21 يونيو قال لي بأنه يريد أن يكون واثقًا تمامًا مما حدث في موضوع القاعدة والاتفاقات حولها، فأنا شرحت له أن بيننا اتفاقات موجودة وبين الحكومة الليبية السابقة أو الحكومات الليبية السابقة، وقال أنه فوجئ بأن الملك يقول له:”أي اتفاقات، هي إيه الاتفاقات بالضبط اللي بينكم وبين الحكومة؟”، فقلت له إننا تفاهمنا مع رئيس الوزراء واتفقنا بيننا على تخطيط مشترك بين حكومة ليبيا وحكومة الولايات المتحدة الأميركية وإنني في هذه اللحظة مدعو إلى مشاورات في واشنطن في شأن القاعدة وسوف أسافر وعندما أعود سأقدم لجلالتكم ما تريد من شروحات، فقال له الملك:”تأخر زي ما أنت عايز قبل ما تيجي لأنه كلما طال التأخير كان أحسن”. ثانيا: أكدت للملك شدة حاجتنا إلى عودة القاعدة لتعمل بنشاطها كاملًا وأبديت له أسفي على تصرف ضباط السلاح الملكي الليبي أثناء يوم الخامس من يونيو بما في ذلك إخطار المصريين عن التحركات التي أجريناها في قاعدة ويلس، قال لي الملك إنه لم يبلغ الحكومة بعد برأيه لكنه ينوي أن يأمر بإبعاد وحدات السلاح الجوي الملكي الليبي من جوار طرابلس ومن جوار بنغازي حيث توجد القاعدتين ويلس الأمريكية والعضم البريطانية. ويقول السفير الأميركي: سألت الملك عن رد الفعل الذي يمكن أن يحدثه على ما جرى، وأيضا نقله سلاح الطيران الليبي بعيدا من القواعد الأميركية والبريطانية،وما هو رد فعل ضباط سلاح الجو الملكي الليبي إزاء هذا إذا كان حدث؟ فيقول له الملك:”أنا أظن أن أي رد فعل سيأخذ وقت طويل لغاية ما تظهر آثاره”.ثم اقترحت عليه وسيلة للتعاون والاتصال مع قوات الطيران الليبي لأنهم يشعرونبأن سلاح الطيران الليبي هذا الذي ذهب منه ضباط إلى السفارة المصرية وأبلغوا الملحق العسكري بأشياء معينة بما يجري، أن هذه ثغرة مفتوحة بالنسبة لهم ولابد من إيجاد حلول مناسبة للتعاون مع السلاح الجوي الليبي، ومعاودة النشاط المشترك بينهم مرة أخرى. ويضيف السفير أنه قال للملك إذا لم تنتقل القاعدة إلى خارج ليبيا فنحن نرى أنه لا بد من اتخاذ خطواتوعلاقات تغير هذه المشاعر الموجودة في سلاح الطيران الملكي الليبي.ثم يكتب السفير تعليقًا يقول فيه: خلال المقابلة فإن الملك أبدى لي ارتياحه، وقال له:”الحمد لله على أي حال أنه أنا في هذه الأزمة أنا ملك دستوري وأن الوزارة هي المسؤولة وأنا غيرت الوزارة، ولكن لك أن تطمئن أن أي رد فعل في سلاح الطيران الليبي سوف يتأخر، ما فيش حاجة، ما فيش حاجة هتحصل”..وهذا هو ما حدث بالفعل،إذ تأخر رد الفعل سنتين، لأنه في ليلة آخر أغسطس أول سبتمبر 1969حدث إنقلابعسكري ناجح في ليبيا يقوده معمر القذافي، وكانت هذه الأحداث محركه الأول كما قال جميع قادة الإنقلاب وقتها حيث كانوا من المشاركين في المجموعة التي ذهبت للسفارة وأيضا مع الجماهير الذين توجهوا لقاعدة ويلس.
تركت هزيمة يونيو 1967 أثرًا مفصليًا عميقًا وشامًلا في تاريخ مصر وإقليم الشرق الأوسط بأكمله، ولكن أغلب ما استخلصته النخب الظاهرة على سطح الحياة السياسية كان منحازًا لانتماءاتها القائمة، ولم يتسم بالشمولية والموضوعية التي تتناسب وحجم الكارثة. فاليسار العربي استنتج على الفور أن قيادة البرجوازية الصغيرة القومية هُزمت في الحرب وبرنامجها فشل، ويجب أن تخلي القيادة لليسار الماركسي الذي كان يقود وقتها عددًا وافرًا من الأنظمة والحركات التحررية في العالم الثالث. والتيار القومي عمومًا لجأ إلى المكابرة، واعتبر الحرب مجرد مؤامرة على قيادة جمال عبد الناصر، وقد خسرنا معركة وليس الحرب، وتغذت على شعارات (لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف). أما الاستخلاص الذي قدمته الوطنية الفلسطينية بعد تحرر المقاومة الفلسطينية من ضغوط الأنظمة العربية، تمثل في تصعيد عملياتها الفدائية ضد الكيان الصهيوني، وأخذ شكل الحرب الشعبية الطويلة الأمد في ظل هزيمة الجيوش العربية النظامية، حيث رأت المقاومة الفلسطينة أن هذا الأسلوب هو السبيل لتفادي التفوق العسكري والتقني الإسرائيلي، كما أثبتت ذلك تجارب التحرر في فيتنام والجزائر وكوبا… إلخ،وبالفعل حظي العمل الفدائي بموجة تعاطف واسعة آنذاك. أما في عمق الوجدان العربي الذي لم يتخطى عقلية وثقافة ووجدان العصور الوسطى بشكل كامل لأسباب موضوعية كثيرة، فقد كانت الخيارات التاريخية مطروحة لأبعد مدى، إما مواكبة العصروتجديد الرؤى والأفكار والثقافات والسياسات والأساليب بما يتواكب ومعطيات العصر والتناسق مع حركة التاريخ. أو إلقاء أفكار التنوير والدولة المدنية، والهروب إلى الملجأ الأخير وهو (الدين)، ورد اللطمة التي تلقتها من العالم المادي إلى العالم الثيولوجي في موجة جديدة من التدين المسيس، أي بمنظور للدين كمشروع سياسي اجتماعي، وليس كشأن شخصي وخاص، وهو ما تلقفته القوى السياسية الدينية، وفي مقدمتها السلفية الوهابية الظلامية وما وراءها من قوة تمويل لا تنضب، والإخوان المسلمون الوهابيون كتنظيم سياسي طائفي، حيث ظل شبح الوهابية حاضرًا طوال الوقت يتحين الفرصة للإنقضاض على الإقليم وفي مقدمته مصر.. إذن كانت هزيمة حزيران الحدث الأكثر حسما في رسم مصير العرب وإقليم الشرق الأوسط والأدنى للعقود التالية. والحقيقة أنه لم يكن بوسع الأنظمة العربية الرضوخ للأهداف الإسرائيلية بما سُمي حينئذ (تسوية أراض إقليمية) متضمنًا تجاوز القضية الفلسطينية وحل قضية اللاجئين عربيًا، وتحقيق تسويات منفردة مع إسرائيل على أساس قرار مجلس الأمن 242، فهو لم يكن يعني آنذاك إلا الاستسلام بعد هزيمة مذلة تعرضت لها الأنظمة والجيوش العربية. وإثر تلك الحرب اتخذ تاريخ المشرق العربي والمنطقة وفلسطين والكيان الصهيوني مسارًا مختلفًا أطلقته نتائج حرب 1967. ولهذا، يمكن الحديث عما قبل حرب 1967 وما بعدها.

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك