الخميس - الموافق 28 مارس 2024م

وسائل الاعلام الاجتماعي وتوجهها العدواني في التجنيد والدعاية للإرهاب بقلم :- الدكتور عادل عامر

واذا كان من حق الرأي العام ان يعرف الحقيقة ويتابع ما يجري من احداث على الساحة المحلية والاقليمية والدولية ، فان التعاطي مع هذه الاحداث ونشرها ومتابعة ما يجري منها ، يجب ان يتم وفقا لضوابط مهنية ومعايير اخلاقية وانسانية وموضوعية

تراعي ظروف المجتمع ومزاج الرأي العام ، ما يعني ضرورة التوازن بين حق الجمهور بالمعرفة ، وبين مرجعيته الثقافية والاخلاقية والدينية على اعتبار ان المعايير الفاصلة بين اعلام وآخر هي في النهاية معايير مهنية واخلاقية ، تجسد آطرا مرجعية يمكن الاستناد اليها في التمييز بين السلوك الايجابي والسلوك السلبي ، وبالتالي التفريق ما بين ظواهر سلوكية مقبولة وآخري مرفوضة .

أن 80 % من الذين انتسبوا الى تنظيم داعش تم تجنيدهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومما لا شك فيه انه ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي فقد بات من السهل أن يتطرف الشاب وهو في غرفة نومه، ومن خلال هاتفه المحمول، وليس من منزله فحسب. فانتشار الفكر المنحرف المتشدد والفتاوى الضالة، بفعل الانفلات الإعلامي بسبب ازدهار وسائل الاتصال الجماهيري، والذي له بلا شك انعكاسات كبيرة وخطيرة على ظاهرة الإرهاب والتكفير والغلو. لقد اعتمدت التنظيمات الارهابية على الخطاب الإعلامي منذ نشأتها، فاتجهت مؤخرا الى اعتلاء المنابر الاعلامية الجهادية على الانترنت، فالإرهابيون الجدد الذين ظهروا أكثر في خلافة ابو بكر البغدادي التي تصدرت وسائل التواصل الاجتماعي أكثر في أعقاب السجال الحاد ما بين القاعدة و»داعش»،

 يتصدرون اليوم تويتر والفيس بوك واستخدام تطبيقات «الهاشتاكك» وغوغل. ولقد كان الظهور الأول للجهاز الإعلامي لهذا التنظيم عام 2012م بصورة واضحة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يشار إلى أن «داعش» قام على أنقاض تنظيم التوحيد والجهاد بعد مقتل أبي مصعب الزرقاوي عام 2006م، وصعود عواد البدري المكنّى بالبغدادي عام 2010م.  ويعتمد تنظيم «داعش» كثيرا على وسائل التواصل الاجتماعي ويسميها «بالجهاد الاعلامي» في معركته مثل بقية انواع «الجهاد» المتعددة، ويكثّف حملاته الإعلامية التي فاقت تنظيم القاعدة وغيرها من التنظيمات بكفاءة الاعلام الإلكتروني وسرعة ايصال الرسائل ونوعية خطابه الإعلامي باستخدام التقنية الحديثة.

إن امتلاك «داعش» للإمكانات المالية باعتباره واحداً من أغنى التنظيمات الارهابية إذ يمتلك بالإضافة الى خبرات فنية عملت على توسعته أفقيا وعموديا وانضمام اعداد من المقاتلين الاجانب له وارتباطاته المشبوهة مع مصادر التمويل والدعم والذي مكنه من الاستفادة واستقطاب مقاتلين جدد وتضليل الرأي العام، حتى تحول ذلك الى «سياحة قتالية» تشمل الزواج وسفرات سياحية وغيرها من النشاطات.

وعلى الرغم من وحشية وشراسة التنظيم وصرامته، فهو يلبّي حاجات مقاتليه بشرط الولاء والطاعة العمياء للتنظيم وقياداته. ولقد كان التنظيم يستخدم موقع الفرقان إضافة الى شبكة التواصل الاجتماعي، لكن اهتمام الإعلام بنشاطات وتفاصيل هذا التنظيم وسع كثيرا من انتشاره.

وخلال السنتين الاخيرتين حقق التنظيم قفزات اعلامية بوسائل التواصل الاجتماعي فاقت التوقعات وأذهلت المحللين من خلال سجاله مع تنظيم القاعدة بسبب خروج جبهة النصرة من تنظيم البغدادي ومبايعة الظواهري في فبراير 2014م. ويمتلك التنظيم حسابات تويتر مركزية لنشر الرسائل إضافة إلى حسابات محلية في كل منطقة يوجد فيها عناصر التنظيم وتقوم كل منطقة من خلالها بنشر أخباره المحلية. وهذا مكن التنظيم من تنفيذ عولمة فكره عن بعد وإيصال خطابه الى أوروبا والغرب عموما، الذي اصبح شبابه يحتلون نسبة لا بأس بها داخل التنظيم. هذا النوع من الخطاب مكّن داعش من رفع راياته السوداء ومنشوراته في شوارع أوروبا وغيرها علناً كما حصل في باريس وسدني وغيرهما.

لا شك أن الإعلام منذ بروز أول وسائل الاتصال في القرن العشرين كان له تأثير كبير في المجتمع المدني والإنساني في تلك الفترة، وأصبح جزءًا من حياة الإنسان الذي لا يستطيع الاستغناء عنه في الحياة اليومية لأهميته في مجال خدمة المجتمع، والمساهمة في تشكيل الرأي العام لتنمية المجتمع، وانطلاقًا من دور الإعلام ومكانته في المجتمعات وظفت المنظمات والأحزاب الإرهابية ذلك لخدمة أهدافها ورغباتها،

 وبالتالي عملت وفق استراتيجية مهنية عالية الجودة لتحقيق التأثير من خلال العملية الاتصالية على عقول الناس خاصة الفتيات والشباب من خلال إدخال معلومات ومعارف تغير سلوكهم واتجاههم، ونجحت الجماعات الإرهابية بمنهجيتها المختلفة في صناعة إعلام مؤثر على العقول خاصة الشباب المفتقدين لنضج فكري يحميهم من التأثير السلبي للرسائل الاتصالية للإرهاب.

 * دغدغة المشاعر الشباب الفئة المستهدفة للصناعة الإعلامية الإرهابية وإحداث التأثير كان واضحًا ومباشرًا من خلال القنوات التي غيرت في الاتجاهات والأفكار والسلوكيات، وينفقون لأجله المبالغ الضخمة للمحافظة على احترافية المنتج الإعلامي المؤثر، وهذا التوجه أحدث بلبلة فكرية وقلقًا للشباب الذين لا يزالون في مقتبل العمر، ويحتاجون إلى بناء الشخصية، والآلة الإعلامية الإرهابية تعرف كيف تخاطب المشاعر والعواطف أكثر من العقل فهي تحكي عن الكرامات في خطابها العاطفي بهدف الاقتراب من الجانب الشعوري عند الشباب لدفعهم للمشاركة والتعاطف مع المنظمات الإرهابية. *

 مؤثرات وحيل فنية وبصرية وتابع مستشار الأمين العام لهيئة كبار العلماء: الأمر لم يتوقف على الاحترافية في صناعة الإعلام، وإنما صناعة منتج إعلامي يعتمد على تقنية إنتاج إعلامي بمؤثرات ضوئية وصوتية، ومؤثرات بصرية غير حقيقية، واستخدام تقنيات عالية الجودة لإتقان الفبركة الإعلامية من خلال المؤثرات والحيل الفنية والبصرية وفي ظل هذا الزخم والمواد الملفقة التي تشير إلى وعدهم بالجنة وأنهم يسلكون الطريق الصحيح. * تفكيك المنتج الإعلامي الإرهابي

 لا بد أن تستخدم ذات المهنية لحماية الشباب وأفراد المجتمع من التأثير السلبي لهذه المنتجات، وتفكيكها، وفضح ما تتضمنه من حيل ودراسة المحتوى الإقناعي لهذه المنتجات الإعلامية وشرح ما يحدث من استغلال الإعلام بهذه الطريقة، وتبني مفهوم التربية الإعلامية لشبابنا، وبناء مقررات في المراحل المختلفة لتنفيذ التربية الإعلامية، وتوفير الوعي الإعلامي، وفهم الصيغة الإعلامية، واختيار البرامج والمواقع التي تحقق التحصين الذاتي، ولا يجب إنتاج إعلام مضاد، وإنما منتج إعلامي واتصالي لترويج القيم وتعزيز المبادئ والأخلاقيات لتكوين الإعلام الهادف وتحصين المجتمع،

لا نستغرب من الجماعات الإرهابية أن تصور مقطع فيديو أو شخصًا متوفى ورافع السبابة وهو مبتسم أو فجر دبابة بالرمل وأسقط طائرة بالمقلاع والملائكة وهي تقاتل كما روج في حلب وبث مقطع صدقه السذّج والمراهقون، ذلك يعتبر دعاية تسويقية لضم الشباب البسيط الذي لم يصل إلى عملية التمييز والإدراك الكامل، مبينًا أن تسويق هذه الفيديوهات يدفع بعض الشباب للحماسة للتوجه إلى مناطق الصراع والحصول على هذه الكرامة والسبابة المرفوعة ورائحة المسك وأن هذه الابتسامة نتيجة لأنه رأي مكانه من الجنة والحور العين والتركيز على النواحي الغرائزية والجنسية واللعب على مرحلة النمو الجنسي الذي يكون في أوجه والتلاعب بالعقلية بين خطاب التفكير العقلي والغريزة الجنسية وهذه الأمور التي يمكن أن تحصل من خلال الرغبة والدافع وعملية التشويش.

هناك نصوص تكتب عبر وسائل الاتصال، أو مشاهد تمثيلية تهدف إلى دفع الشباب للانخراط في هذه الجماعات، من خلال الضغط على وتر الوازع الديني، وعند استعراض الكرامات الخرافية، وربطها بسن المراهقين نجد أن أغلبهم في سن المراهقة المتأخرة ما بين 18 إلى 21 سنة، وهي مرحلة عمرية يزداد فيها لدى الشباب الحماس والنمو الديني والانفعالي، والجماعات تستغل هذه الفئة العمرية وهذه السمات السلوكية؛ لذلك عندما نراقب عمليات القتل والتفجير وهروب الشباب لمناطق النزاع نجد أن أغلبهم في هذا السن بنسب كبيرة، والجماعات انكبت على الخداع والتضليل وغسيل الأدمغة لصغار السن واعتقادهم العملي أن الغاية تبرر الوسيلة عبر الترويج لعملية تشويه الحقائق والشمولية في التكفير والتي بدأت بتكفير الأجانب، ثم رجال المباحث أو رجال الأمن ومن ثم الإعلاميين والمثقفين ثم تكفير المجتمع فهي عملية تشويه وتضليل للأفكار.

* خطوات التضليل الفكري و أنه تجري عملية التضليل الفكري للشباب من خلال عدة خطوات تبدأ بالاصطياد ثم العزل وحصار الشاب من الناحية النفسية وتضليله فكريًا وإغرائه بالمعززات الداخلية التي تدفعه للانخراط وتنفيذ أوامر هذه الجماعات ثم مرحلة غسيل الدماغ وزراعة الأفكار الجديدة عن طريق وسائل الدعاية للوصول إلى المرحلة النهائية وهي التجنيد وتنفيذ الأوامر والطاعة العمياء،

وامعانا في خلق اجواء الفوضى والترويع ، واتاحة المجال امام انتشار الشائعات المغرضة ، التي تثير خوف الرأي العام وتؤلبه ضد السلطات المحلية بحجة عجزها عن حماية آمنه ، يعمد الارهابيون الى التسلح بوسائل الاعلام المختلفة لتسويق اغراضهم وغاياتهم وتوظيفها في تضليل الاجهزة الأمنية واكتساب السيطرة على الرأي العام عن طريق نشر اخبار العمليات الارهابية التي يقومون بتنفيذها على اعتبار ان الحملات الاعلامية التي تغطي هذه العمليات تساعد على تحقيق واستكمال اهداف الارهابيين ، الذين يرون في التغطية الاعلامية لجرائمهم معيارا هاما لقياس مدى نجاح فعلهم الارهابي ، لدرجة ان البعض اعتبر العمل الارهابي الذي لا ترافقه تغطية اعلامية عملا فاشلا .

 من هنا يأتي استغلال الارهاب للأعلام لترويج فكره الارهابي ودعمه من خلال محاولاته المستمرة في البحث عن الدعاية الاعلامية لتسليط الضوء على وجوده واغراضه .  فبحسب باحثين نفسيين .. فان الارهابيين قد يحجمون عن تنفيذ عملياتهم في حال علموا مسبقا انها لن تترافق مع الدعاية الاعلامية ،التي من شأنها كشف حجم الخسائر التي الحقوها بإعدائهم .. على اعتبار ان الحرب النفسية تعمل عملها فقط في حال ابدى البعض اهتماما بالأمر . فقد وصفت مارجريت تاتشر رئيس الوزراء البريطانية السابقة هذه الدعاية ( المجانية ) بالأكسجين اللازم للإرهاب الذي لا يستطيع الاستغناء عنه ، لان تغطية الحدث الارهابي اعلاميا يحقق مكاسب تكتيكية واستراتيجية للقائمين عليه .. 

 

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك