الخميس - الموافق 28 مارس 2024م

* هل أتاك حديث الحنابلة * بقلم – أحمد العش

إذا ما انتهى عصر الصحابة المجيد ، انتقل تراثهم الفقهى البهى فى طلعه النضيد ، لجيل التابعين العديد الرشيد ، فنعم الورد المورود ، وحبذا الرفد المرفود ،،،
ولما بدت لى أرقى وأعتى المدارس الفقهية فى ثوب قشيب ، بدت لى كذلك زوالها بغياب مريديها ، وإن خُلد روادها فرادى فى طول التاريخ وعرضه ، كالحسن البصرى ، وسفيان الثورى ، وعطاء بن أبى رواح ، والليث بن سعد ، وعبدالرحمن الأوزاعى ، وسعيد بن جبير ، ومسروق بن الأجدع ، وطاووس بن كيسان وغيرهم ،،،
غير أن أربعة مذاهب فقهية أخرى ، بزغت فى الأفق نوراً ، فحلقت فى سماء الدنيا حتى يومنا هذا ، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، فإذا كان أولهم الحنفى ومن بعده المالكى فثالثهم الشافعى ، فلعمرى بأن رابعهم الحنبلى ، هو أشدهم فى دين الله ، وأرسخهم ديانة ومتانة ، وإن ندر انتشاره فى السبق واللحق ، فطوبى لمن تمذهب بمذهب الحنابلة ، ثم طوبى لمن نافح عن علماء الحنابلة ، وبئس لمن قدح فى ارث الحنابلة ، بوجوه منفرة وأقلام جافية ،،،
وكفى مدرسة الحنابلة فخراً أن ألقت بخمسة من فلذات أكبادها ، أناروا الأرض وعمروها ، وجعلوا أذلةً أهلها أعزة ، بالميثاقين العظيمين القرآن والسنة ، وكذلك يفعلون ، وما ضعفوا وما استكانوا ، أحمد بن حنبل وابن الجوزى وابن قيم الجوزية وابن تيمية وابن قدامة ، عليهم شآبيب الرحمة وسحائب المغفرة ،،،
فأما أحمد بن حنبل رحمه الله ، هو صاحب المسند البديع فى الأحاديث النبوية ، التى بلغت أربعين ألفاً ، انتقاها من سبعمائة ألف حديث ، من أكثر من سبعمائة صحابى ، وهو محيى السنة فى زمن المحن والفتن ، وقد جعل جسده النحيل قربانا فى سبيل الله ، تحت سياط المعتصم وحاشيته فى محنة خلق القرآن ، وكان نسيج وحده ثباتاً ووثوقاً ،،،
هو مصباح الدجى الذى لهجت بذكره المجالس ، وعبقت بارثه الأوانس ، وضجت بصيته المدارس ، وكفى ابن حنبل نبلاً أن من تلاميذه البخارى صاحب الصحيح الفريد السديد ، وبنيه صالح وعبدالله ، وبقى بن مخلد الأندلسى ، الذى ارتحل من بلاده إلى بغداد ماشياً ، ليتتلمذ على يدى أحمد ،،،
رحم الله أحمد بن حنبل الذى قال عنه على بن المدينى ، أعز الله الدين بالصديق يوم الردة ، وبأحمد يوم المحنة ،،،
رحم الله أحمد بن حنبل ، صاحب أكبر جنازة فى التاريخ ، والتى بلغت اثنين مليون ونصف مشيع ، وهو الذى قال لخصومه ( قولوا لأهل البدع بيننا وبينكم يوم الجنائز ) وحسبك ويوم وفاته أيضاً ، أن أسلم عشرين ألفا من اليهود والنصارى والمجوس ،،،
وهذا أبى الفرج ابن الجوزى رحمه الله ، شيخ الحنابلة فى عصره ، وصاحب المؤلفات اليافعة ، مثل صيد الخاطر ، تيسير البيان فى تفسير القرآن ، زاد المسير فى علم التفسير ، العلل المتناهية فى الأحاديث الواهية ،،،
وصاحب المجالس العلمية الساطعة ، ويكفى أن تاب على يديه مائة ألف ، وأسلم على يديه عشرون ألفاً ،،،
وبين الأستاذ ابن تيمية وتلميذه ابن القيم علاقة ترادفية عجيبة ، فقد تلازما فى السجن ردحا من الزمن ، عقابا لهما على احياء السنة وإماطة أذى البدعة ، ولكل منهما فى مسالك ترسيخ العقيدة وتفنيد الخطيئة ، جولة وصولة ، فقد أثرى ابن تيمية التراث الإسلامى بمعين صافى من المؤلفات مثل الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ، والصارم المشلول على شاتم الرسول ، والسياسة الشرعية فى إصلاح الراعى والرعية ، ودرء تعارض العقل والنقل ، وكذلك تلميذه ابن قيم الجوزية بغيض من فيض اسهاماته كالجواب الكافى لمن سأل عن الدواء الشافى ، وحادى الأرواح إلى بلاد الأفراح ، وزاد المعاد فى هدى خير العباد ، واغاثة اللهفان من مصايد الشيطان وغيرها ، ولما مات ابن تيمية فى سجنه ، بعد أن حبس مرات وكرات ، تجسدت من غابر التاريخ جنازة بن حنبل فى نفس جنازته ، إذ شيعه مئات الآلاف من الرجال ، وخمسين ألف امرأة ، ولم يخرج فى جنازته سوى ثلاثة علماء فقط ، كانوا يمارونه ويذدرونه ، فخشوا بطش جموع محبي ابن تيمية ، وخامسهم باسط أنامله لتسطير كتاب المغنى ، أحد أشهر كتب الفقه فى تاريخ الإسلام ، إنه ابن قدامه شيخ الحنابلة فى العصر العباسى ،،،
هكذا كانت شجرة الحنابلة مثمرة وارفة ، على ذات منوال شجرة الرعيل الأول من الصحابة وتابعيهم حتى القرن الثالث ، ولله در ابن كثير لما قال ( يصعب على المبتدع أن يعيش فى مكان يكثر فيه الحنابلة ،،،
كان عطاء الحنابلة غير مجذوذ ، فأولهم أحمد وبنيه صالح وعبدالله ، وتلاميذه البخارى وبقى بن مخلد والبغوى وابن المدينى والدارقطنى ، وقرينه يحيى بن معين و أبوبكر المروذى مغمضه ومغسله وأنيسه فى قبره ، ومن بعدهم ابن الجوزى والكلوذانى ، وابن تيمية وابن القيم وابن قدامة وابن رجب الحنبلى وابن العماد الحنبلى ، وأبى بكر الخلال وعبدالغنى المقدسى ،،،
أنتم الحنابلة فخر كل الأزمنة ففيم يفخر عليكم ، اللهم إلا الصحابة وأهل القرون الثلاثة الأول ، وتالله لأجدنكم معشر الحنابلة تتمثلون فى قول الفرزدق مفاخراً على جرير ( أولئك آبائى فجئنى بمثلهم – إذا جمعتنا يا جرير الجوامع ) —

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك