الجمعة - الموافق 29 مارس 2024م

نفحات إيمانية ومع ذو القرنين ( الجزء الرابع ) إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الرابع مع ذى القرنين وقد تحدثنا أنه توجد سلسلة جبلية كالجدار تفصل الشمال عن الجنوب، والمضيق الوحيد الذي يقع بين هذه الجبال الصخرية هو مضيق داريال، المعروف، ويشاهد فيه جدار حديدي أثري حتى الآن، ولهذه المرجحات يعتقد الكثيرون أن سد ذو القرنين يقع في هذا المضيق، وأن المتبقي من مواصفات آثاره دليل مؤيد لذلك، والطريف في الأمر أنه يوجد نهر على مقربة من ذلك المكان يسمى سائرس أي كورش، إذ كان اليونان يسمون كورش بسائرس، والآثار الأرمينية القديمة كانت تطلق على هذا الجدار اسم بهاك كورائي، والتي تعني مضيق كورش، أو معبر كورش، وهذا دليل آخر على أن كورش هو الذي بنى السد، ويحكي لنا القرآن قصة ذو القرنين بإنه بدأ التجوال بجيشه في الأرض.
داعيا إلى الله تعالى، فاتجه غربا، حتى وصل للمكان الذي تبدو فيه الشمس كأنها تغيب من وراءه، وربما يكون هذا المكان هو شاطئ المحيط الأطلسي، حيث كان يظن الناس ألا يابسة وراءه، فألهمه الله عز وجل أو أوحى إليه، أنه مالك أمر القوم الذين يسكنون هذه الديار، فإما أن يعذهم أو أن يحسن إليهم، فما كان من الملك الصالح، إلا أن وضح منهجه في الحكم، فأعلن أنه سيعاقب المعتدين الظالمين في الدنيا، ثم حسابهم على الله تعالى يوم القيامة، أما من آمن، فسيكرمه ويحسن إليه، وبعد أن انتهى ذو القرنين من أمر الغرب، توجه للشرق، فوصل لأول منطقة تطلع عليها الشمس، وكانت أرضا مكشوفة لا أشجار فيها ولا مرتفات تحجب الشمس عن أهلها، فحكم ذو القرنين في المشرق بنفس حكمه في المغرب، ثم انطلق.
ولا تعرف هوية ذي القرنين على وجه الدقة، و قد قيل أنه الاسكندر الأكبر، و قيل أنه كورش الكبير، بينما رأى آخرون أنه ملك عربي ممن عاشوا قبل الإسلام، وأما عن الفرس يقولون أنه نبينا وجدنا كوروش، ولكنه كان ملكا من ملوك الأرض وعبدا صالحا مسلما، وقد طاف الأرض يدعو إلى الإسلام ويقاتل عليه من خالفه، فنشر الإسلام وقمع الكفر وأهله وأعان المظلوم وأقام العدل، وقد صح عن مجاهد أنه قال ” ملك الأرض مشرقها ومغربها أربعة نفر، مؤمنان وكافران، فالمؤمنان، سليمان بن داود وذو القرنين، والكافران، بختنصر ونمرود بن كنعان، لم يملكها غيرهم ” رواه الطبري وقال ابن كثير رحمه الله ” ذكر الله تعالى ذا القرنين هذا وأثنى عليه بالعدل، وأنه بلغ المشارق والمغارب، وملك الأقاليم وقهر أهلها.
وسار فيهم بالمعدلة التامة والسلطان المؤيد المظفر المنصور القاهر المقسط، والصحيح هو أنه كان ملكا من الملوك العادلين، وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ” هو ملك صالح كان على عهد الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، ويقال إنه طاف معه بالبيت ، فالله أعلم ” وعن أبى هريره رضى الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ما أدرى أتبع نبيا كان أم لا، وما أدرى ذا القرنين أنبيا أم لا، وما أدرى الحدود كفارات لأهلها أم لا ” رواه الحاكم والبيهقى، وقال الإمام البخاري رحمه الله ” وقال لي عبد الله بن محمد حدثنا هشام قال حدثنا معمرعن ابن ابى ذئب عن الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” ما أدرى أعزير نبيا كان ام لا، وتبع لعينا كان ام لا، والحدود كفارات لأهلها ام لا ؟ وقد قيل أنه لا يثبت هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم.
لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” الحدود كفارة” وأما ما يتوارد على ألسنة بعض من لا علم له بحقائق الأمور، هو أنه الإسكندر المقدوني باني الإسكندرية، الذي غزا الصين والهند وبلاد الترك، وقهر ملك الفرس واستولى على مملكته، وقد قيل أنه هو قول باطل مردود، وقد بين ذلك المحققون من أهل العلم، وقال ابن كثير رحمه الله ” ذكر الأزرقي وغيره أن ذا القرنين أسلم على يدي إبراهيم الخليل وطاف معه بالكعبة المكرمة هو وإسماعيل عليه السلام، وأما المقدوني اليوناني المصري باني إسكندرية الذي يؤرخ بأيامه الروم ، فكان متأخرا عن الأول بدهر طويل، وكان هذا قبل المسيح بنحو من ثلاثمائة سنة وكان أرسطا طاليس الفيلسوف وزيره وهو الذي قتل دارا بن دارا وأذل ملوك الفرس وأوطأ أرضهم، وإنما نبهنا عليه لأن كثيرا من الناس يعتقد أنهما واحد.
وأن المذكور في القرآن الكريم هو الذي كان أرسطا طاليس وزيره فيقع بسبب ذلك خطأ كبير وفساد عريض طويل كثير، فإن الأول كان عبدا مؤمنا صالح وملكا عادلا، وأما الثاني فكان مشركا وكان وزيره فيلسوفا، وقد كان بين زمانيهما أزيد من ألفي سنة، فأين هذا من هذا ؟ لا يستويان ولا يشتبهان إلا على غبي لا يعرف حقائق الأمور ” وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ” كان أرسطو قبل المسيح بن مريم عليه السلام بنحو ثلاثمائة سنة، وكان وزيرا للإسكندر بن فيلبس المقدوني الذي غلب على الفرس وهو الذي يؤرخ له اليوم بالتاريخ الرومي تؤرخ له اليهود والنصارى، وليس هذا الإسكندر هو ذا القرنين المذكور في القرآن الكريم، كما يظن ذلك طائفة من الناس، فإن ذلك كان متقدما على هذا وذلك المتقدم هو الذي بنى سد يأجوج ومأجوج.
وهذا المقدوني لم يصل إلى السد، وذاك كان مسلما موحدا وهذا المقدوني كان مشركا هو وأهل بلده اليونان كانوا مشركين يعبدون الكواكب والأوثان، فتبين مما سبق أن ذا القرنين المذكور في القرآن كان مسلما موحدا، وكان من العرب، فمن زعم أنه كان جدا للفرس، أو كان نبيا من أنبيائهم على ملتهم ودينهم وطريقتهم، فقد ادعى باطلا كما بينه المحققون من أهل العلم والتاريخ، والله أعلم، ويذكر القرآن الكريم، أن ذا القرنين هو ملك مكن الله له في الأرض وآتاه الأسباب، وكان يفتح البلدان، حتى إذا اتجه إلى الغرب، وصل إلى مكان تبدو فيه الشمس كأنها تغيب من وراءه حيث كان يظن الناس ألا يابسة وراءه، وكان أهل هذه المنطقة كفارا، فخيره الله بين أن يعذبهم وبين أن يتركهم، فأعلن أنه سيعاقب المعتدين الظالمين في الدنيا، ثم حسابهم على الله يوم القيامة.
وأما من آمن، فسيكرمه ويحسن إليه، ولما وصل إلى مغرب الشمس كر راجعا، قاصدا مطلعها، متبعا للأسباب، فوصل إلى مطلع الشمس فوجدها تطلع على أناس ليس لهم ستر من الشمس، إما لعدم استعدادهم في المساكن، وذلك لزيادة همجيتهم وتوحشهم، وعدم تمدنهم، وإما لكون الشمس دائمة عندهم، لا تغرب عنهم غروبًا يذكر، ثم ذهب متوجها من المشرق، قاصدا للشمال، فوصل إلى ما بين السدين، وهما سدان، كانا سلاسل جبال معروفين في ذلك الزمان، وجد من دون السدين قوما، لا يكادون يفقهون قولا لعجمة ألسنتهم، واستعجام أذهانهم وقلوبهم، فاشتكوا إليه ضرر يأجوج ومأجوج، وهما أمتان عظيمتان من بني آدم، فلم يأخذ منهم أجرة، ولكن طلب منهم أن يعينونه بقوتهم، وطلب منهم أن يأتوه بالحديد والنحاس، وأمرهم أن ينفخوا في الحديد.
واستعملوا لها المنافيخ لتشتد، فتذيب النحاس، فلما ذاب النحاس، الذي يريد أن يلصقه بين زبر الحديد فأفرغ عليه القطر، فاستحكم السد، فلم يستطع يأجوج ومأجوج أن يثقبوه، ويرد روايات في كتب التفسير في سبب نزول قصة ذي القرنين، وهو أن مشركي قريش أرسلوا النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار اليهود في يثرب وقالوا لهم ” سلوهم عن محمد، وصفوا لهم صفته، وأخبروهم بقوله، فإنهم أهل الكتاب الأول، وعندهم ما ليس عندنا، من علم الأنبياء، فقالت أحبار اليهود، سلوه عن ثلاث نأمركم بهن فإن أخبركم بهن فهو نبى مرسل، وإن لم يفعل فالرجل متقول، فروا فيه رأيكم، سلوه عن فتيه ذهبوا فى الدهر الأول، ما كان أمرهم، فإنه كان لهم حديث عجيب، وسلوه عن رجل طواف بلغ مشارق الأرض ومغاربها، وما كان نبأه ؟

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك