الثلاثاء - الموافق 16 أبريل 2024م

نسائم الايمان .. سليمان بن يسار .. بقلم / محمـــد الدكـــرورى

Spread the love

إنه بالعلم تُبنى الأمجاد، وتُشيّد الحضارات، وتَسُود الشعوب، وتبنى الممالك، بل لا يستطيع المسلم أن يحقق العبودية الخالصة لله سبخانه وتعالى، على وفق شرعه، فضلا عن أن يبني نفسه كما أراد الله عز وجل، أو يقدم لمجتمعه خيرا، أو لأمته عزا ومجدا ونصرا، إلا بالعلم، وما فشا الجهل في أمة من الأمم إلا قوّض أركانها، وصدّع بنيانها، وأوقعها في الرذائل والمتاهات المهلكة، ومن سلك طريقا يظنه الطريق الموصل إلى الله عز وجل، بدون علم فقد سلك عسيرا، ورام مستحيلا، فلا طريق إلى معرفة الله سبحانه وتعالى، والوصول إلى رضوانه إلا بالعلم النافع الذي بعث الله عز وجل، به رسله، وأنزل به كتبه، فهو الدليل عليه، وبه يُهتدى في ظلمات الجهل، وشبهات الفساد والشكوك، وإن العلم الشرعي هو العلم بكتاب الله سبحانه وتعالى، وسنة نبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.
وهو القاعدة الكبرى التي تبنى عليها سائر العلوم، وحملة العلم الشرعي هم ورثة الأنبياء، والأمناء على ميراث النبوة، ومتى ما جمعوا بين العقيدة الصحيحة والعلم الشرعي المتوج بالأدلة الشرعية، مع الإخلاص لله سبحانه وتعالى، والتأدّب بآداب العلم وأهله، فهم الأئمةُ الثقات، والأعلام الهداة، مثلهم في الأرض كمثل النجوم يُهتدى بها، فقال رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ” إن مثل العلماء في الأرض كمثل النجوم في السماء، يهتدى بها في ظلمات البر والبحر، فإذا انطمست النجوم أوشك أن تضل الهداة ” رواه أحمد، وسوف نتحدث عن واحد من أهل العلم وهو من العلماء والفقهاء ألا وهو سليمان بن يسار، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة، وهو فقيه جيل التابعين، وإمام المدينة وعالمها ومفتيها، وقد كان ورعا تقيا، غزير العلم، كثير العبادة، زاهدا في الدنيا، راغبا فيما عند الله تعالى.
وهو أبو أيوب سليمان بن يسار مولى أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث رضى الله عنها، وكان تابعي مدني، وهو أحد رواة الحديث النبوي، وهو واحد من فقهاء المدينة السبعة من التابعين، فهو الإمام أبو أيوب، وكان يكنى أبو عبد الرحمن، وأبو عبد الله المدني، وكان أبوه يسار فارسيا وهو مولى أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها، وعمل سليمان كاتبا لأم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها، وهو أخو عطاء بن يسار، وعبد الملك وعبد الله، وقد ولد في خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه فى عام أربعه وثلاثين من الهجره، وهو من التابعين الذي عاشوا في المدينة المنورة، وهو من رواة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان سليمان عالما من العلماء الثقة، عابدا تقيا ورعا، يكثر من الصيام، حتى أن سعيد بن المسيب سيد الفقهاء في ذلك العصر.
كان إذا سأله احد الناس في مسألة كان يقول: اذهب إلى سليمان بن يسار فإنه أعلم من بقي اليوم، وقد قال الإمام مالك عن سليمان بن يسار: كان سليمان من علماء الناس بعد سعيد بن المسيب، وكان رضي الله عنه كثيرا ما يوافقه، وكان سليمان من النوابغ في عصره، فقد تعلم في المدينة المنورة وتفقه في الدين حتى أصبح واحدا من فقهاء المدينة المنورة السبعة الذين كانوا من التابعين، وفي زمن خلافة الوليد بن عبد الملك، ولَى عمر بن عبد العزيز، والي المدينة يومها، سليمان بن يسار على سوق المدينة المنورة، وقد عُرف عنه أنه كان راوية من رواة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال عنه ابن سعد: كان ثقة، عالما، رفيعا، فقيها، كثير الحديث، وقال أبو زرعة الرازي: كان ثقة، ومأمون، وفاضل، وعابد، وقال النسائي عنه: هو أحد الأئمة، وقد روى عنه رواة كثر.
وقد عُرف عن سليمان أنه كان كثير الصيام، قال أبو الزناد: كان سليمان بن يسار يصوم الدهر، وكان أخوه عطاء يصوم يوما، ويفطر يوما، وقال أبو الزناد أيضا: كان ممن أدركت من فقهاء المدينة وعلمائهم ممن يرضى وينتهى إلى قولهم سعيد بن المسيب وعروة والقاسم وأبو بكر بن عبد الرحمن وخارجة بن زيد وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وسليمان بن يسار، في مشيخة أجلة سواهم من نظرائهم أهل فقه وصلاح وفضل، وجاء في أقوال العلماء عنه قول الحسن بن محمد بن الحنفية: أن سليمان بن يسار أفهم من سعيد بن المسيب، وقال قتادة: قدمتُ المدينة فسألت عن أعلم أهلها بالطلاق، فقيل: سليمان بن يسار، وقال عنه الذهبي: كان من أوعية العلم، وقال عنه الزُهري: كان من العلماء، وقال عنه الحسن بن محمد بن الحنفية: سليمان بن يسار عندنا أفهم من سعيد بن المسيب.
وقال عنه مالك بن أنس: كان سليمان بن يسار من علماء الناس بعد سعيد بن المسيب، وكان كثيرا ما يوافق سعيدا، وكان سعيد لا يجترئ عليه، وقيل أنه قد أسند سليمان أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم عن أبي هريرة، وابن عمرو، وابن عباس، وأم سلمة وعدد كبير من الصحابة، وقيل أنه ذات مرة خرج سليمان بن يسار من المدينة ومعه رفيق له حتى نزلوا بالأبواء، فقام رفيقه فأخذ السفرة وانطلق إلى السوق يبتاع لهم وقعد سليمان في الخيمة، وكان من أروع وأجمل الناس وجها، فبصرت به أعرابية من قمة الجبل، وهي في خيمتها فلما رأت حسنه وجماله انحدرت وعليها البرقع والقفازان، فجاءت بين يديه فأسفرت عن وجه لها كأنه فلقة قمر، فقالت: أَهبتني؟ فظن أنها تريد طعاما، فقام إلى فضل السفرة ليعطيها، فقالت: لست أريد هذا إنما أريد ما يكون من الرجل إلى أهله.
فقال لها : جهزك إليّ إبليس، ثم وضع رأسه بين كُميه، فأخذ في النحيب فلم يزل يبكي، فلما رأت ذلك سدلت البرقع على وجهها ورجعت إلى خيمتها، فجاء رفيقه وقد ابتاع لهم ما يرفقهم، فلما رآه وقد انتفخت عيناه من البكاء وانقطع حلقه قال: ما يبكيك؟ قال: خير، ذكرت صبيتي، قال: لا إن لك قصة، إنما عهدك بصبيتك منذ ثلاث أو نحوها، فلم يزل به رفيقه حتى أخبره بشأن الأعرابية، فوضع السفرة وجعل يبكي بكاء شديدا، فقال له سليمان: أنت ما يبكيك؟ قال: أنا أحق بالبكاء منك، قال: فلما؟، قال: لأني أخشى لو كنت مكانك ما صبرت عنها، قال: فما زالا يبكيان، قال: فلما انتهى سليمان إلى مكة وطاف وسعى، أتى الحجر، واحتبى بثوبه فنعس، فإذا رجل وسيم جميل له شارة حسنة ورائحة طيبة، فقال له سليمان: من أنت رحمك الله؟ قال: أنا يوسف بن يعقوب.
قال: يوسف الصديق؟ قال: نعم، قلت: إن في شأنك وشأن امرأة العزيز شأنا عجيبا، فقال له يوسف: شأنك وشأن صاحبة الأبواء أعجب، وبعد حياة طويلة حافلة بالعطاء والجد والجهد في خدمة الإسلام وقرآنه العظيم وسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم، توفي سليمان بن يسار سنة مائه وسبعه من الهجره، وهو ابن ثلاثه وسبعون سنة، وفي ختام ما جاء من حديث عن حياة التابعي الجليل سليمان بن يسار، جدير بالقول إن التابعي سليمان بن يسار رحمه الله، أمضى حياته في طلب العلم وفي تعليم الناس، وفي خدمة الدين الإسلامي الحنيف، فأفتى الناس في مسائل كثيرة، وقضى حياته في العطاء والبذل والجد والعمل في سبيل الإسلام، حتى وافته المنية، وهكذا هم أهل خشية الله، وشهداء الله في أرضه، وخلفاء الرسول في أمته، فمَن كان بالله أعرف كان منه أخوف، لأنه كلما كانت المعرفة للعظيم الكريم، كلما كانت المعرفة به أتم، والعلم به أكمل، كانت الخشية له أعظم، وأكثر.

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك