الجمعة - الموافق 19 أبريل 2024م

مصر والسودان صراع على الحدود وخلاف على الماء ثم فتنة الحضارة وأخيراً انقطاع العلاقات الاقتصادية .. ماذا بعد؟

Spread the love

تقرير – محمد عيد

صراع عربي أفريقي ليس بجديد، بينما تُفتح أبوابه مرة أخرى في خطوات تصعيدية، بين شقيقتين كانا دولة واحدة في عصر من العصور..

مصر والسودان اللتان طالما ساد مناخ من الهدوء والاستقرار النسبي، لا نعلم من ينبش بمخالبه في جراح الخلافات القديمة، ليُعيد نذيفها، وربما يصيب الجسد بجرح جديد، يتألم له الجميع، ويُزيد من حدة التوتر بين الطرفين ..

في 1899، كانت بريطانيا قد أقرت في اتفاقية الحكم الثنائي بالحدود المرسمة بين مصر والسودان، لتضم المناطق من دائرة عرض 22 شمالاً لمصر وعليها، يقع مثلث حلايب داخل الحدود السياسية المصرية، وبعد ثلاثة أعوام في 1902 عاد الاحتلال البريطاني الذي كان يحكم البلدين آنذاك بجعل مثلث حلايب تابع للإدارة السودانية لأن المثلث أقرب للخرطوم منه للقاهرة…

في 18 فبراير عام 1958 قام الرئيس المصري جمال عبدالناصر بإرسال قوات إلى المنطقة وقام بسحبها بعد فترة قصيرة اثر اعتراض الخرطوم ، وظلت المنطقة تابعة للسودان المصري إدارياً منذ عام 1902 ، ولكن ظهر النزاع إلى السطح مرة أخرى في عام 1992 عندما اعترضت مصر على إعطاء حكومة السودان حقوق التنقيب عن البترول في المياه المقابلة لمثلث حلايب لشركة كندية . فقامت الشركة بالانسحاب حتى يتم الفصل في مسألة السيادة على المنطقة.

وأرسلت السودان في يوليو 1994 مذكرة للأمم المتحدة ومجلس الأمن ومنظمة الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية، تشتكي الحكومة المصرية بتسعة وثلاثون غارة شنتها القوات المصرية في الحدود السودانية، منذ تقديم الحكومة السودانية بمذكرة سابقة في مايو 1993.

ورفض الرئيس المصري حسنى مبارك في 1995 مشاركة الحكومة المصرية في مفاوضات وزراء خارجية منظمة الاتحاد الأفريقي في إديس أبابا لحل النزاع الحدودي. لاحقا وبعد محاولة اغتيال الرئيس حسني مبارك في قمة أديس أبابا، اتهمت الحكومة المصرية نظيرتها السودانية بالتخطيط لعملية الاغتيال. فأمر الرئيس حسنى مبارك بمحاصرة وطرد القوات السودانية من حلايب وفرض الحكومة المصرية إدارتها على المنطقة.

حاولت السلطات المصرية إغلاق مركز التجارة السودانية المصرية في شلاتين.

في عام 2000 قامت السودان بسحب قواتها من حلايب وقامت القوات المصرية بفرض سيطرتها على المنطقة منذ ذلك الحين.

في عام 2004 اعلنت الحكومة السودانية انها لم تتخل عن إدارة المنطقة المتنازع عليها ولم تهجرها أو تسلمها للمصريين . وأكدت على تقديم مذكرة بسحب القوات المصرية إلى أمين عام الأمم المتحدة.

قام مؤتمر البجا في البحر الأحمر في السودان بتوقيع مذكرة لاسترجاع إدارة المنطقة للسودان، حيث أوردوا أن قبائل البجا التي هي أصول وسكان هذه المنطقة يعتبرون مواطنون سودانيون.

في عام 2010 تم اعتماد حلايب كدائرة انتخابية سودانية تابعة لولاية البحر الأحمروأقرت المفوضية القومية للانتخابات السودانية حق التصويت في الانتخابات السودانية لأهالي حلايب باعتبارهم مواطنون سودانيون إلا أن سكان المنطقة من البشارين انتقدوا تقاعس الحكومة المركزية في إتمام العملية..

وأكد الرئيس السوداني على سودانية حلايب، كما قام مساعد الرئيس السوداني موسى محمد أحمد بزيارة للمنطقة تأكيد على سيادة السودان للمنطقة، وأورد وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط علي تصريحات الرئيس السوداني بقوله ان الحدود الجنوبية لمصر معروفة وهي دائرة عرض 22.

وعلى أساسه قامت القوات المصرية في عهد الرئيس الأسبق المصري محمد حسني مبارك في عام 2010 باعتقال السيد الطاهر محمد هساي رئيس مجلس حلايب المنتمى لقبيلة البشارين لمناهضته للوجود المصري في حلايب . وتوفي في مستشفى في القاهرة أثر الاعتقال لمدة عامين بدون محاكمة. وعلى أثره قام وفد من قبيلة البشاريين بمخاطبة مركز الإعلام السوداني وذكر بوجود أعداد أخرى من المعتقلين، مثل محمد عيسى سعيد المعتقل منذ 6 سنوات وعلي عيسى أبو عيسى ومحمد سليم المعتقلون منذ 5 سنوات، وهاشم عثمان ومحمد حسين عبد الحكم وكرار محمد طاهر ومحمد طاهر محمد صالح منذ سنتين.

في نوفمبر 2011 أقيمت الانتخابات البرلمانية المصرية وشملت مثلث حلايب ونقلت صناديق الانتخاب إلى الغردقة بطائرة مروحية عسكرية مصرية لفرز الاصوات هناك.

زار الرئيس الأسبق المصري ” محمد مرسي ” السودان في إبريل 2013 وجددت هذه الزيارة الجدل حول مثلث حلايب حيث أفاد مساعد الرئيس السوداني “موسى محمد أحمد” أن “مرسي”  وعد الرئيس السوادني عمر البشير بإعادة مثلث حلايب إلى وضع ما قبل 1995 ، فيما نفى المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية في القاهرة ” السفير إيهاب فهمي ” ذلك ووصف تلك الأنباء بأنها “إشاعة لا ترتكز على معلومات سليمة”.

زار رئيس أركان القوات المسلحة الفريق صدقى صبحى السودان في أواخر شهر أبريل 2013 وأوصل رسالة بلهجة حاسمة للمسئولين السودانيين تؤكد أن «حلايب وشلاتين» أرض مصرية خالصة، ولا تفريط فيها. لكن تظل حلايب منطقة متنازع عليها وقد لا تنتهي الا بتحكيم دولي.

أما في مايو 2014 أفادت تقارير صحفية سودانية رسمية إن قوة من مشاة البحرية السودانية قد قامت باستبدال القوة المرابطة في حلايب وفقاً لنظام القوات المسلحة السودانية وأن الفرقة 101 مشاة البحرية قد احتفلت في بور سودان بعودة القوة التي كانت مرابطة في حلايب بعد أن تسلمت القوة البديلة مواقعها هناك. ونقل عن والي ولاية البحر الأحمر السودانية، محمد طاهر ايلا ، تأكيده على دور القوات المسلحة السودانية في حماية الوطن وتحقيق مبدأ سيادة السودان على أراضيه، مبينا أن وجودها «بمنطقة حلايب» تعبير عن السيادة السودانية بالمنطقة.

أما اللواء الركن بلال عبد الماجد ، قائد الفرقة 101 مشاة، فقد توجه بالتحية للقوات المسلحة لما وصفه بصمودها في حلايب مشيدا بمجاهدات القوات النظامية الاخرى واستعدادها للفداء والتضحية من اجل سيادة الوطن. ووفقا لمصادر مصرية بأن القوة السودانية موجودة في حلايب منذ عام 1958 وإن استبدالها بقوة أخرى قد تم بموافقة مصر ووفقا لإتفاقية وقعت بين البلدين في عام 1995 في حين ذكرت مصادر مصرية أخرى أن وجود القوة السودانية في حلايب رمزي وأن حجمها – وهو واحد فرقة مشاة- محدود، وكذلك معداتها…

في عام 2010 كان الصراع المُحتدم بعيداً عن ترسيم الحدود، قد اندلع بين دول حوض النيل وعلى رأس تلك الدول مصر والسودان وأثيوبيا ، بعد أن دفعت دول الحوض بزعامة إثيوبيا إلى اتخاذ مواقف مضادة لمصر فيما يتعلق باعتراض هذه الدول على حصة مصر الحالية من مياه النهر، وأدى ذلك بالحكومة المصرية إلى الإعلان عن أن مياه النيل خط أحمر فى الأمن القومى لمصر، وهو ما يعني أن الخيار العسكرى بات مطروح وإن كان مطروحا حتى ولو بنسبة ضئيلة ..

والآن وفي عام 2017، والعالم يُحاول أن يتجنب الخلافات الدولية وربما الاقتصادية، خاصة العالم العربي، لتكثيف جهوده وتسخيرها للحرب على الإرهاب، والاتحاد من أجل التصدي له بكل قوة، سواء كان جماعة أو تنظيماً أو حتى دول تدعمه، أصرت السودان أن تظهر بصورة عالمية عدائية ربما تُكشف عما بداخلها وعما يدور بمكنون قلبها الحقيقي تجاه مصر ..

رغم أنها تعي جيداً بأن مصر لا تتبع نهج وسياسة الهجوم أولاً أو التعدي على خصوصية وحرمانية الآخر، إلا أن السودان اتهمتها بهجوم مُسلح في الأيام القليلة الماضية، بعدما شن مُسلحون بمعدات عسكرية مصرية، هجوماً على بعض المناطق هناك، بواسطة مدرعات وأسلحة ثقيلة قيل أنها مصرية ..

الأمر الذي أثار سخط الشعب السوداني، وراح النشطاء السودانيون يُشعلون فتنة أخرى اتهموا فيها مصر بسارقة الحضارة، وأحقية امتلاك السودان للحضارة المصرية الفرعونية القديمة، حتى أن بعض النشطاء السودانيين، علا صوتهم بملكية الأهرامات للسودان وليس حلايب وشلاتين فقط ..

لم تكتف حكومة خرطوم بذلك، بل أعلنت أمس الأول، حظر دخول السلع المصرية الزراعية والحيوانية، وإلزام القطاع الخاص باستيراد السلع مباشرة من بلد المنشأ دون عبورها بمصر.

ورغم أن القرار لا يبدو مفاجئًا وخاصة مع وجود حظر سودانى سابق على بعض السلع والمنتجات المصرية، إلا أن التصعيد الأخير بحظر مرور الواردات السودانية عبر مصر، يمثل ضربة لاتفاقية “التيسير العربية” التي تُلزم الدول الأعضاء بحرية تداول السلع والمنتجات دون قيود جمركية.

وعلى الجانب المصري، تبدو قطاعات صناعة المواد غذائية والمنتجات البترولية والمنسوجات ووسائل النقل هى الأكثر عرضة للضرر جراء قرار الحظر، حيث تشير التقديرات إلى أن السودان استوردت سلعًا من مصر بنحو 591 مليون دولار فى 2016.

وفيما لم يحدد قرار الحظر مصير السلع السودانية المصدرة إلى مصر، فإنه لم يعرف بعد ما إذا كانت القاهرة ستلجأ لمبدأ المعاملة بالمثل، وخاصة أنها تستورد من الخرطوم، حيوانات حية، وسمسم وقطن، وجلود ، فى وقت تلجأ فيه مصر لتوسعة مصادر استيراد اللحوم لسد فجوة ندرتها وزيادة أسعار التجار المحليين.

وتبدو تأثيرات القرار السوداني الأخير أبعد وأوسع مجالًا من مسألة الصادرات والواردات حال تواصل التصعيد، فمن جانب يكتنف الغموض مصير 3 معابر برية تربط بين البلدين آخرها منفذ أرقين الحدودي، الذى راهنت عليه وزارة التجارة والصناعة المصرية في دفع حركة التصدير إلى قلب القارة السمراء، فيما كانت الخرطوم تعول على جذب الاستثمارات المصرية إلى المنطقة الصناعية الحدودية التى تقع قرب العاصمة السودانية على مساحة 2 مليون متر مربع، وعلى جانب آخر بات المصير الغامض، يهدد مشروع الربط البرى بين الدول الأفريقية من خلال مشروع “القاهرة – كيب تاون” والذى تعد السودان مدخل مصر الأكثر فاعليه لدخوله.

وبحسب تصريحات رئيس مجلس الأعمال “المصرى – السودانى” محمود هندى، فإن حجم التبادل التجارى بين مصر والسودان لا يتجاوز 3 مليارات جنيه سنوياً

وتكشف البيانات الحكومية المصرية، أن الاستثمارات السودانية في مصر تقدر بـ 97 مليون دولار، موزعة على أنشطة 315 شركة في قطاعات صناعية وتمويلية وخدمية وزراعية وإنشائية وسياحية، بينما يبلغ عدد المشروعات المصرية المستثمرة بالسودان 229 مشروعًا برأسمال 10.8 مليار دولار.

وعلى المستوى السياسي، ستلقى اتهامات – أطلقها الرئيس السوداني عمر البشير ضد مصر بدعم المتمردين بالسلاح، ونفتها القاهرة على عدة مستويات – بظلالها على مفاوضات سد النهضة الأثيوبي.

ورغم أن موقف الخرطوم شبه المحايد في المفاوضات الثلاثية بين (القاهرة وإثيوبيا وأديس أبابا)، ظل أقرب إلى الخفاء طوال السنوات الثلاث الماضية، فإنه من المرجح وبالمواكبة مع التصعيد الأخير أن تتخذ السودان مواقف أكثر إنحيازًا لإثيوبيا، مما سيلقى بتأثيرات بالغة الخطورة على الموقف التفاوضى لمصر التى تعتمد على أنها ليست وحدها المتأثرة سلبًا بالسد الإثيوبي وأنها والسودان (دولتي المصب) متضرران من  مساعي أديس أبابا.

ولا يبدو في الأفق أن هناك داعم قانوني حاسم لفرض عقوبات مصرية رادعة على الجانب السوداني فيما يتعلق بحظر الاستيراد، على الرغم من إلتزام البلدين باتفاقيتى الكوميسا وتسيير التبادل التجاري العربي.

وبحسب المادة الخامسة من اتفاقية تسيير التبادل التجاري العربي، فإنه لايجوز اللجوء للعقوبات الاقتصادية بين الدول الأطراف في المجال التجاري للاتفاقية، بينما تؤكد المادة 18 على أن “تتعاون الدول الأطراف لتسيير النقل والمواصلات فيما بينها لمختلف الوسائط، على أسس تفضيلية، وكذلك فيما يتعلق بتسهيل تجارة العبور المرتبطة بتبادل السلع العربية فيما بين الدول الأطراف”، والأمر نفسه تشدد عليه المادة 21 بأنه “لايجوز لأية دولة طرف أن تصدر تشريعًا يخالف أحكام الاتفاقية”.

وإزاء تلافي الضرر الناجم عن الحظر السودانى الذي ربما يكون محدود التأثير على المستوى القريب وقد تتضرر منه الخرطوم بشكل أكبر، تبدو القاهرة في موقف أكثر تشابكًا، إذ لا يمكنها الوصول بالتصعيد إلى مداه إذا قررت المعاملة بالمثل، تجنبا لخلق حالة من التوتر على الحدود الجنوبية، تجعل من نفاذ مصر إلى القارة السمراء وسط الإجراءات السودانية الأخيرة، أمرا صعبا، فى وقت تبدو فيه حركة القاهرة اقتصاديًا وسياسيًا مقيدة.

 

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك