الجمعة - الموافق 29 مارس 2024م

مستشار دكتور محمد جبريل إبراهيم يكتب : لماذا تنتحر …؟؟

لماذا تنتحر فتجرم في حق أهلك ، وفي حق أحبابك ، وفي حق ربك .!!

حياتك ليست من حقك وحدك ، كثير يشاركونك فيها .

عزاؤنا أنك في ذمة رب واسع المغفرة ، عفو ، كريم ، رحيم ، وعذرك أننا قصرنا في حقك فلم ندعمك ، ولم نعلمك أن الحياة كلها متاعب و انكسارات ، وقليلها راحة و انتصارات ، والنجاح فقط هو قيامك من العثرات ، ونفاذك من العقبات .

عذرك أننا لم نزرع في تفكيرك أن مجابهة المصائب ليس بالهروب منها ،أو بالتخلص من الحياة للارتياح من مشاقها ، فلم نعلمك الصبر، ولم نعلمك القدرة علي الاحتمال.

سامحنا فلم نزرع في خلدك أن مجرد بقاءك معنا غاية عظيمة ، وأن فشلك مرة لا يعني أنك لا شيء، بل أنك عندنا كل شيء .

ليتك بقيت معنا كما أنت بدون نجاحات و بدون شهادات ، فمهما فعلت ، ومهما أخفقت ، ومهما فشلت فلم يبلغ ألمك الألم الذي سببه لنا فراقك .

 

صدمة الانتحار :

===========

مهما كانت وصمة اللوم التي كانت ستنال منك ، فإن رد فعلك ضد مواقف الحياة المجهدة كان مأساوي وعنيف ، فوصمة اللوم التي لحقتنا علي أثر فقدك لا تطاق ولا تحتمل ، ولا نلقي باللوم عليك ، ونعلم أن نوبات الانكسارات التي طوقت حياتك كانت موجعة ، لكنك اوجعت بموتك كل من حولك .

والآن جاء الدور علينا لنقف وقفة جادة مع النفس ، فعلينا أن نعترف أن ما نراه في هذا الزمن يُعد من العجائب ، ولا يمكن تفسيره أو تأويله ، بل وأصبح يستعصي عن الفهم والاحتواء .

فما نعيشه في هذا الوقت أصبح من ضروب العبث واللامعقول ، ولا نقول ذلك من باب نشر جو التشاؤم واليأس والاحباط ، ولكن هو بسط للواقع فلا أحد يحيا في الحياة كما يجب أن يحياها ، ولا يعيش الأيام كما يجب أن تعاش ، وهكذا أصبحت الحياة وكأنها حياة جافة وبائسة علي الكثيرين ، وفاقد الشيء لا يعطيه.

وهو ما انعكس علي أسباب حالات الانتحار التي تروي لنا ، فبرصد سيرة المنتحرين نري أن أسباب الانتحار لم تقف علي سبب محدد ، ولكن يوجد عوامل متعددة للإقبال علي الانتحار، ويعتبر الاكتئاب هو عامل الخطر الرئيسي للانتحار لكن هناك العديد من الاضطرابات النفسية، والعقلية، وعوامل أخرى يمكن أن تساهم في الانتحار، بما في ذلك الاضطراب الثنائي القطب والشيزوفرينيا، و على الرغم من ثبوت الصلة بين الانتحار والاضطرابات النفسية ، وخاصة الاكتئاب والاضطرابات النفسية ، فإن كثيرا من حالات الانتحار تحدث باندفاع في لحظات الأزمة عندما تنهار قدرة المرء على تحمل ضغوط الحياة أو التعامل مع مشكلاتها ، مثل المشاكل المالية، أو الانفصال الأسري أو الطلاق أو الخيانة الزوجية أو الآلام والأمراض المزمنة ، وبالإضافة إلى ذلك، ثمة صلة قوية بين الانتحار وبين النزاعات والكوارث والعنف وسوء المعاملة أو فقد الأحبة والشعور بالعزلة .

أسباب الانتحار :

============

الانتحار ليس من فعل الاتقياء الأبرار ، ولو كان من يتعرض للضغوط يباح له الانتحار لكان ما تعرض له الأوائل مبرر لانتحارهم والتخلص من حياتهم ، فلقد حوصر المسلمين في شعب أبو طالب ، وطبق عليهم قانون المقاطعة والحصار ، والتجويع ، الذي استمر لثلاث سنوات ، ومع ذلك انتهي الحصار وخرج المسلمين منه أشد وأقوي ، وما فكر أحدهم أبداً في التخلص من حياته .

وفي واقعة آخري نري ما تعرضت له أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها من ضغوط بشعة ، وحزن عنيف في حادثة الافك المفتعلة ، والتي كادت أن تودي بها وتفطر كبدها ألماً وغماً ، ولكنها ما خطر ببالها إلا الاعتصام بربها ، وما فكرت في يأس ولا انتحار ، حتي دحض الأفك بآيات القرآن الكريم في سورة النور ، وجاءت براءتها من فوق سبع سموات .

وما قلناه نعضد به ونساند رأينا باستبعاد أي قبول لأي مبرر يدلي به المنتحر ، أو أي ضغوط يتعلل بها قبل انتحاره ليظهر بها علي صفحات السوشيال ميديا معلناً إقباله علي انهاء حياته .

ونرصد من الواقع الحقيقي دوافع الانتحار التي يتعلل بها المنتحرون قبل فتل أنفسهم علي صفحات الإنترنت ، والتي تنم عن مدي الضعف الهشاشة وعدم التماسك :

1- سوء معاملة الآباء لأبنائهم ، وسوء معاملهم المدراء لمرؤوسيهم .

2- الفشل في الدراسة أو الفشل في العمل .

3- الابتزاز والتهديد بفضح العلاقات الجنسية غير المشروعة .

4- الخيانة الزوجية .

5- التهديد بنشر الصور الخاصة علي السوشيال ميديا ، وفوبيا الفضيحة .

6- النصب والاحتيال والسطو علي مدخرات العمر .

7- المشكلات الزوجية والحرمان من الأطفال والمنع من رؤيتهم .

8- الاضطهاد المجتمعي والانتقام العكسي بقتل النفس .

9- عدم تحقيق الذات وانسداد المستقبل .

10- الاكتئاب والمرض النفسي .

ويتلاحظ لنا بجلاء أن من أكثر هذه الأسباب المؤدية للانتحار أنها تأتي نتيجة مباشرة أو غير مباشرة للتقنيات الحديثة في وسائل التواصل الاجتماعي والانترنت والثورة التكنولوجية في نشر الأخبار والاعلام .

وسائل الانتحار :

===========

عندما تضيق الدنيا أمام عيني الشخص بما رحبت ، وتهون الروح والنفس ، وتتضاءل قيمة الحياة ، فتسود له الأرض والسماء ، فيهرع إلي المبيد الحشري أو المبيدات الزراعية أو السم لينهي حياته ، حيث يقدر أن نحو 20% من حالات الانتحار تعزى إلى حالات التسمم بالمبيدات، ومعظمها يقع في المناطق الزراعية الريفية .

كما تعتبر الآلات الحادة و الأسلحة النارية أكثر الوسائل شيوعاً في الانتحار ، بالإضافة إلى طرق أخرى شائعة تتمثل في تناول جرعة زائدة من الدواء والاختناق والشنق بالحبال .

ومن المهم معرفة أكثر طرق الانتحار شيوعا من أجل وضع استراتيجيات أثبتت فعاليتها في الوقاية من الانتحار مثل تقييد الوصول إلى وسائل الانتحار ومنع الوصول إليها ومنع تداولها وخاصة المبيدات الزراعية .

 

الدروس المستفادة :

==============

من الملاحظ من الملابسات التي تحيط بالاضطرابات النفسية و دوافع الانتحار أن كثيرا ممن يفكرون في وضع نهاية لحياتهم أو حاولوا الانتحار لم يسعوا في العادة إلى طلب المساعدة، وبالتالي لن يحصلوا على المساعدة التي يحتاجونها من خلال الطلب ، ومن ثم يجب تفقد الأشخاص المعرضين للضغوط والانتباه لسلوكهم والتقرب منهم ومحاولة التخفيف عنهم ، ويكون ذلك عن طريق المحيطين بهم والمقربين منهم .

كما يجب استنهاض جهد الخطباء والعلماء والاجتماعيين للإدلاء بدلوهم بوضع الحلول لهذه المشكلة ، ففي الحقيقة فإن مسألة الوقاية من الانتحار لم تعالج بشكل كاف في المجتمع بسبب ضعف التوعية بالانتحار بوصفه واحدا من أبرز مشاكل الصحة العامة واعتبار الحديث عنه صراحةً من المحرمات في كثير من المجتمعات ، فحتى الآن، لم تقم سوى قلة من البلدان بإدراج الوقاية من الانتحار ضمن أولوياتها الصحية، ولم يذكر سوى 38 بلدا فقط وجود استراتيجية وطنية للوقاية من الانتحار.

سياسة مواجهة الانتحار :

==================

يمكن وضع منهج أو سياسة لمواجهة الإقبال علي الانتحار ، وذلك عن طريق وضع التدابير التي يمكن اتخاذها على مستوى الشباب والأطفال من المعرضين للانتحار، باعتبارهم من الفئات الأكثر تعرضاً للانتحار ، ومن هذه التدابير :

1- التعرف مبكرا على الأفراد الذين تبدو عليهم مسببات الانتحار ، و يظهرون سلوكيات انتحارية ، وتقييم حالتهم وإدارتها ومتابعتها بالتنسيق والتعاون بين قطاعات متعددة في المجتمع، ومنها القطاع الصحي والقطاعات الأخرى مثل التعليم والعمل والزراعة وقطاع الأعمال، والعدل والتشريع ، والثقافة ، والسياسة، والإعلام.

2- نشر الروح التفاؤلية ، وإزالة الضبابية من أمام مستقبل الشباب ، وذلك عن طريق التواصل مع وسائل الإعلام لعرض مواد إعلامية مسئولة بشأن مخاطر الانتحار، ويتعين أن تقترن هذه التدخلات بالركائز الأساسية التي تتعلق بتحليل الوضع، والتعاون بين القطاعات المتعددة، وإذكاء الوعي، وبناء القدرات، والتمويل، والرقابة والرصد والتقييم.

3- استنهاض وتذكية الرؤية الإسلامية تجاه فكرة الانتحار ، وإذكاء الوازع الديني ، والتوعية الإيمانية العميقة التي كانت سبباً في عدم إقبال أحد من الأقدمين الأوائل علي الانتحار مهما كانت الضغوطات والصعوبات والمشكلات .

4- وضع خطة عملية اجتماعية لمحاصرة الأسباب التي تؤدي إلي الانتحار ، والتخفيف من وطئتها ، والتقليل من آثارها ، وذلك عن طريق تعزيز مهارات الحياة الاجتماعية والعاطفية لدى الشباب ، وينبغي أن تكون هذه الخطة شاملة ومتكاملة ، إذ لا يمكن لأي نهج أن يحدث بمفرده أثره على مسألة بهذا القدر من التعقيد مثل مسألة الانتحار.

5- تقييد الوصول إلى وسائل الانتحار ، مثل مبيدات الآفات، والأسلحة النارية، وبعض الأدوية ، ومراقبة سبل الحصول عليها ، والتعامل معها كالتعامل مع الممنوعات والمخدرات ، بحسبان أن الضرر المترتب عليها يفوق الضرر المترتب علي هذه الممنوعات .

6- تفعيل القيود الصارمة علي وسائل الانترنت والاتصال والتواصل الاجتماعي ، ووضع التشريعات المناسبة لمواجهة المخاطر التي تؤدي إلي انتهاكات الخصوصية والنصب الإلكتروني والابتزاز ، وغيرها من الجرائم المستحدثة والتي تكون سبباً غير مباشر للوقوع في مخالب الانتحار .

*****

 

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك