الجمعة - الموافق 29 مارس 2024م

مؤسسة راند الأمريكية وعلمنة الإسلام .. بقلم:- هند درويش

مما لا شك فيه أن عقب ثورات الربيع العربي انتشر ظهور دعاة ومفكرين جدد، يطلون علينا بأرائهم الزائفة وفتاويهم التي تتناقض مع صحيح الإسلام عبر وسائل الإعلام، فهل هذه الظاهرة صدفة أم مؤامرة على الإسلام؟ !!!

في تقرير أصدرته مؤسسة راند الأمريكية RAND Corporation عام 2007، التي تدعمها المؤسسة العسكرية الأمريكية، بعنوان ” بناء شبكات مسلمة معتدلة” ، وهو يهدف في طرح أفكار جديدة للتعامل مع “المسلمين” وتغيير معتقداتهم وثقافتهم من الداخل فقط تحت دعاوى “الاعتدال” بالمفهوم الأمريكي، معتمداً على الخبرات السابقة في التعامل مع الشيوعية للاستفادة منها في محاربة الإسلام والمسلمين وإنشاء مسلمين معتدلين، وهذه الحرب تعرف ” بالحرب الباردة ” ….. ويركز التقرير هنا على محاربة المسلمين من خلال بناء أرضية من المسلمين أنفسهم من أعداء الإسلام، مثلما حدث في أوروبا الشرقية وروسيا حينما تم بناء منظمات معادية للشيوعية من أبناء الدول الشيوعية نفسها.

وهذا ما أعترف به عميل سابق لدى (K.G.B) في محاضرة له بعنوان ” الحرب النفسية وتدمير الأمم والشعوب للسيطرة عليها ” بقوله: ” أن من أهم مراحل تدمير المجتمعات هو: ” تدمير الدين بأن تسخر منه وتستهزء به أو إستبدله بمختلف الطوائف والعبادات التى تجعل الناس ترى ان هذا الدين ساذج، بدائي، وغير مهم، وبعدها يتم إستبدال المنظمات الدينية المقبولة والمحترمة بمنظمات وهمية لا تمت للدين بصلة وتصرف إنتباه الشعب عن الإيمان الحقيقي………وهنا يسهل عليك أسر أمه بأكملها وإسقاط عدوك دون إطلاق رصاصة واحدة ”

ويطرح التقرير أسماء مؤسسات وأشخاص في آسيا وأوروبا “ينبغي” العمل معها ودعمها بالمال، ويضرب أمثلة بتجارب مشوهة تشوه دور الإسلام بالفعل مطلوب التعاون معها ودعمها، مثل دعم موقع سعودي يرى مثلاً أن الأحاديث حول شهادة أن (لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله) ليست ثابتة ! وهذا ما أخبرنا به الله سبحانه وتعالى في قوله: ” إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ” (الأنفال: 36).
وهدفهم من بناء هذه ” الشبكات المعتدلة ” أن يكون الإسلام على الطريقة الأمريكية، وهو ما يعرف بعلمنة الإسلام “، أي إسلام فارغ من محتواه ، ومن أخطر توصيات المؤتمر دعوته إلي تنقية التراث الديني من الحديث النبوي الشريف والاعتماد على نصوص القرآن الكريم كمرجعية وحيدة، فإن هذه الحملات التي تشن من قبل الدعاة والمفكرين الجدد لتشويه صورة الإسلام وتشكيك الناس في السنة ليس من قبل الصدفة، بل أنها مؤامرة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وهذه المؤامرة ليست جديدة فهذا الأمر تم طرحه من قبل المستشرق الصهيوني ” جولدزيهر ” فقد ذهب إلي أن الأحاديث النبوية نتيجة للتطور الديني والسياسي في القرنين الأول والثاني، وزعم أيضاً المستشرق الصهيوني ” شاخت ببعيد ” أن علماء المسلمين كافة في القرون الثالثة الأولى كانوا كاذبين، وأن الأحكام الفقية لا ترجع إلي أصول دينية، إنما ترجع إلي أحاديث مكذوبة اختلقها الفقهاء وصنعوا لها الأسانيد. وأخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بظهور مثل هؤلاء الذين ينكرون السنة ويريدون الأخذ بكتاب الله فقط كما ورد في سنن ابن ماجه ” يوشك الرجل متكئاً على أريكته يحدث بحديث من حديثي فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله عز وجل، ما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما حرم الله ” (رواه ابن ماجه).

فهذه الحرب الشرسة على الإسلام ليس أمر جديد فأعدائنا دائماً ومنذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم يريدون أن يخرجوا المسلمين من اتباعهم لصراط المستقيم، وهذا هو هدف الشيطان الذي أخبرنا به الله سبحانه وتعالى بقوله: ” لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ” (الأعراف: 16). أي لأصدنهم عن الحق بإغواء بني آدم بكل الطرق والوسائل لصرفهم عن اتباع الحق، فأعداء الإسلام هم شياطين الإنس في كل زمان الذين يتفقون مع شياطين الجن في محاربة الإسلام بل وكل دعاوي الأنبياء لصد الناس عن سبيل الله: ” وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ” (الأنعام: 12). وأخبرنا الله سبحانه وتعالى أن الذي تصغي قلوبهم لهذه الافتراءات والأكاذيب هم الأشخاص الذين لا يؤمنون بيوم الحساب، ويحبون أن يعيشوا في الدنيا وفق أهوائهم ” وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ ” (الأنعام: 13). وفي الأوان الأخيرة كثرت ظاهرة الإفتاء بما لا يوافق كتاب الله بزعم أنها دعوة لتجديد الدين بما يوافق روح العصر كمفتي تونس الذي خرج علينا بفتوى توجب المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث، وفي هذه الفتوى معارضة صريحة لآية محكمة واضحة في القرآن ” يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ” (النساء: 11).

فإن هذه المؤسسة التي تريد وتسعى بكل قوتها في تجديد الدين بما يوافق أهوائها وتغير الفتاوي بما يفسد على الناس إيمانهم وعقيدتهم، سبق وأن طلب المشركين من النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتي بقرآن غير هذا لأنه لا يوافق أهوائهم، وأطلق الله سبحانه وتعالى على من لا يرضى بحكم الله في آياته بأنهم لا يؤمنون بالآخرة، وهؤلاء هم العلمانيين اللادينيين بقوله: ” وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَٰذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ” (يونس: 15). تفسير الطبري: والتبديل الذي سألوه، أن يحوّل آية الوعيد آية وعد ، وآية الوعد وعيدًا والحرامَ حلالا والحلال حرامًا، فأخبرهم النبي بأنه رسول مبلّغ ومأمور مُتّبع، إني أخشى من الله إن خالفت أمره ، وغيرت أحكام كتابه، عذابَ يوم عظيم هوله.

والهدف من وراء هذه الحملة الشرسة لتشويه صورة الدين يكشف لنا النقاب عنها المؤرخ البريطاني ” أرنولد توينبي ” في كتابه ” الإسلام والغرب والمستقبل ” موضحاً هدفهم من هدم الدين بقوله: ” إننا ظللنا نطارد الرجل المريض وهو كناية عن “الإمبراطورية العثمانية ” ونهاجمه لكي يترك دينه، لأنه كان ينظر إلينا من عالٍ كأننا خنازير برية، فلما ترك دينه وتبعنا احتقرناه، لأنه لم يعد عنده ما يعطيه. فهو يعترف أن الدين أصل الحضارة، فبترك الدين تنهار الحضارة، وتصبح الدولة مجرد تابعة لحضارة وثقافة أخرى، وهذا هو الهدف من تدمير الدين الهيمنة والسيطرة على الدول.

وهناك هدف آخر من تدمير الدين تكشف عنه النقاب أيضاً الباحثة الأمريكية ” مارجريت ماركس” تقول بصراحة: ” أن الأقسام المتخصصة في الجامعات والمراكز العلمية المنتشرة في أوربا وأمريكا والمتخصصة في دراسة الإسلام إنما تقوم بذلك من أجل تحقيق غاية واحدة هي: التمكن من العدو لتدميره ؟ وتلك المعاهد ومركز البحوث مشغولة اليوم بتكوين أتباع للغرب في قطر إسلامي تلو الآخر، وهدفهم من وراء ذلك إحباط أي محاولة لبعث إسلامي حقيقي ” …… فهم يعترفون صراحة أن هدفهم من ذلك إعاقة ومنع ظهور بعث إسلامي حقيقي يعتز بدينة وتاريخه ويقدر قيمته الحضارية، على غرار جيل نور الدين زنكي وصلاح الدين الأيوبي، الذي استطاعوا بفضل تمسكهم بإيمانهم واعتزازهم بتاريخهم، أن يكسروا شوكة أعدائهم، بل وخيبوا كل أمالهم في السيطرة على العالم الإسلامي، بعد حملات صليبية استمرت قرابة قرنين من الزمان، فالقائد نور الدين زنكي عرف بزهده وورعه، ويعود له الفضل في تمهيد الطريق لصلاح الدين الأيوبي لسترداد بيت المقدس، حتى قال عنه بعض معاصريه أنه كان عالمًا بالهندسة الإقليدية والرياضيات وعلوم الحساب والشريعة الإسلامية، وأنه كان شغوفاً بالعلوم الدينية والفقه الإسلامي، وتحقق وعد الله سبحانه وتعالى لهم بالنصر على أعدائهم نظراً لتمسكهم واعتزازهم بدينهم، وهذا الوعد سنة كونية لكل زمان ومكان قال تعالى: ” ” وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ” (الحج: 40-41).

لذلك عندما أراد ” لويس التاسع ” أن يوجه نصيحة للأجيال القادمة من بعده، بعد أن هزم بموقعة المنصورة عام 1250م قائلاَ: ” إذا أردتم أن تهزموا المسلمين فلا تقاتلوهم بالسلاح وحده، ولكن حاربوهم في عقيدتهم وثقافتهم، فهي مكمن القوى فيهم “…… ومما سبق يتضح أن ليس من قبل الصدفة ظهور هؤلاء الدعاة الجدد والمفكرين الذين يريدون أن يشككوا الناس في دينهم، ومن ثم الميل والاعتزاز بحضارة مغايرة لحضارتنا، ومن ثم يتحقق هدف الصهيونية العالمية التي تهدف إلي هدم الأديان من أجل فرض سيطرتها وهيمانتها على العالم، وهذا ما أشار إليه المستشرق (هانوتو) وهو مستشار سياسي لوزارة المستعمرات الفرنسية في أواخر القرن التاسع عشر: “لقد تركزت أهداف الحروب الصليبية قديماً في استرداد بيت المقدس من المسلمين البرابرة، ومما يزعج الغرب بقاء لواء الإسلام منتشراً على مهد الإنسانية، ولذا يجب أن نعمل على نقل المسلمين إلى الحضارة الأوروبية بقصد رفع الخطر الكامن في الوحدة الإسلامية بتشويه الدين الإسلامي، وتصويره في نفوس معتقديه بإبراز الخلافات المذهبية والتناقضات الشعوبية والقومية والجغرافية مع شرح مبادئ الإسلام شرحاً يشوهها وينحرف بها عن قيمها الأصلية، وتمجيد القيم الغربية والنظام السياسي والسلوك الفردي للشعوب الاوروبية”

ولقد أكد اليهود في بروتوكولهم الرابع عشر أن هدفهم من تدمير الأديان، هو إخضاع كل الأمم لدين موسى بقولهم: ” حينما نمكن لأنفسنا فنكون سادة الأرض ـ لن نبيح قيام أي دين غير ديننا، أي الدين المعترف بوحدانية الله الذي ارتبط حظنا باختياره إيانا كما ارتبط به مصير العالم. ولهذا السبب يجب علينا أن نحطم كل عقائد الإيمان، واذ تكون النتيجة المؤقتة لهذا هي أثمار ملحدين، ولكنه سيضرب مثلاً للأجيال القادمة التي ستصغي إلى تعاليمنا على دين موسى الذي وكل الينا ـ بعقيدته الصارمة ـ واجب اخضاع كل الأمم تحت أقدامنا”

ولكي يتحقق ذلك لابد من هدم الدين الذي هو أساس أي حضارة بل وأهم صفة تميزها، والذي دعي إلي ذلك المفكر والسياسي ” هنتنغتون ” صاحب نظرية صراع الحضارات التي سعت لإقناع الشعوب الغربية بضرورة وأهمية نسف المقومات الروحية والعقائدية والثقافية للحضارات الأخرى وتهميشها واحتقارها وتشويه صورتها، مع التركيز على الديانة لأنها الخاصية الأساسية في التعريف بالحضارات وتميزها عن غيرها ومن أهم هذه الحضارات…..الحضارة الإسلامية.

لذلك حذرنا الله سبحانه وتعالى من اتباع أهواء اليهود والنصاري (الغرب وإسرائيل) الذين يحاربون ديننا، وأخبرنا سبحانه وتعالى أن التمسك بهديه ومنهجه سبب نصرنا على أعدائنا، وأن اتباعنا لأهوائهم وترك هديه سبب تخلي الله عنا ونصرهم علينا بقوله تعالى: ” وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ” (البقرة: 120). وأخبرنا الله سبحانه وتعالى وحذرنا أن هدف هؤلاء الفرقة التي تحارب ديننا هو ردنا من بعد إيماننا بالله وكتبه كافرين بقوله تعالى: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ ” (آل عمران: 100)…..ووعدنا الله سبحانه وتعالى بأن ينصرنا على أعدائنا ويقوي شوكتنا عليهم بتمسكنا بمنهجه ونصرنا لدينه ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ” (محمد:7).

بقلم: هند درويش
ماجستير في التفكر في القرآن الكريم وعلاقته بالتفكير الإبداعي

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك