الجمعة - الموافق 19 أبريل 2024م

للأغنية الوطنية تاريخ بقلم الباحثة : نسمة سيف ..

Spread the love

الفن والسياسة في مصر في النصف الأول من القرن العشرين

يمتد دور الموسيقي والغناء لأكثر من كونهما منتج فني فحسب ، ولكن الذي لا يدركه الكثيرون أن للفنون أدوار متعددة في حركة المجتمع وكثيرا ما يستخدمهم الحكام والسياسيون في توجيه الرأي العام في البلاد .

ويشهد التاريخ علي أن الموسيقي والغناء لعبت دورًا بارزًا في السياسة المصرية وبالمثل فقد لعبت التوجهات السياسية أيضًا في تشكيل الحركة الفنية ، فالأغنية الوطنية تأريخ للأحداث السياسية التي مرت بها مصر وأثرت وتأثرت بالمتغيرات السياسية والاجتماعية وكانت ولا زالت لها دور كبير في تعبئة الشعور الوطني والقومي في جميع المتغيرات والأحداث السياسية واستطاعت تجسيد الواقع المصري منذ بداية القرن العشرين وحتي الوقت الحالي في إنعكاس للأحداث الني مر بها المجتمع المصري فالأغنية الوطنية المصرية أرتبطت بمحطات عدة مرت بها مصر ، إلي أن أصبحت جزءًا من ذاكرة المصريين وأداة توثيق لكثير من المراحل التي ساهمت في تشكيل وجدان الشعب المصري .

فمنذ اواخر القرن التاسع عشر وبالتحديد في أثناء الثورة العرابية بدأ ظهور الأغنية الوطنية علي المستوي الشعبي لأن الدولة في ذلك الوقت ممثله في الخديو توفيق ترحب بالاحتلال البريطاني وترفض أي مظهر معارض لذلك الاتجاه فعلي الرغم من عبده الحامولي الذي يعد مطرب هذا العصر كان له فضل كبير في النهوض بالأغنية العربية في ذلك الوقت فارتقي بها في الكلمة واللحن وغني لكبار شعراء عصره مثل اسماعيل صبري و البارودي وغيرهم إلا انه بحسب تعبير مؤرخين الموسيقي مظرب القصور والأمراء ، فيما عدا وفق رواية مؤرخي الموسيقي عن هذه الفترة أن الحامولي عندما كان يغني دور “عشنا وشوفنا سنين ومين عاش يشوف العجب . غيرنا تملك وصال ، واحنا نصيبنا خيال ، فين العدل يا منصفين ” عندما كان يغني ذلك ويأتي إلي “فين العدل يا منصفين” كان يعيد ويزيد فيها ويطيل فكان هذا أقصي ما بمقدور الحامولي أن يقدمه .

   فظهرت الشعارات و الأناشيد الشعبية بداية من ” العسكر في الطوابي … يارب أنصر عرابي ” و “يا عزيز يا عزيز كبة تاخد الإنجليز ” و ” البغل في الأبريق يارب خد توفيق “

وكانت هناك أغنية فيها أسماء قادة الثورة العرابية ” عرابي – طلبة – عبد العال”  تخليدًا لهم وتحقيرًا من الخديو توفيق حيث تقول كلماتها “

عرابي طلبة عبد العال                          هاتو توفيقه الإنجليزية

يا ابن بلدي يا فلاح                             زوقوا توفيقه للسفاح

وأيضًا انطلقت كلمات يعقوب صنوع – الصحفي والكاتب المسرحي في تلك الفترة- في قصيدة قام بنشرها في مجلته “أبو نضاره” فأخذها الشعب ولحنها وغناهافي كل أنحاء مصر حيث قال :

يا راوي الشعر حدث عن أبي العجب       واندب زمان التصافي يا اخا العرب 

وعندما وقعت مصر تحت وطأة الاحتلال البريطاني لمصر عام 1882 استخدمت الأغنية مثل السلاح في المعركة فتقول :

ساكن بلادي بالقوة…. وعدو الدين ….. أنا المصري ودمي مانيش بايعه ولا بالملايين …. ونيجي نفاتحه في حقوقنا …. يعمل مسكين ويحمي السكاكين .

 ، حتي أن المحامي الإنجليزي برودلي الذي دافع عن عرابي كتب في مذكراته عن الأناشيد الشعبية معتبرها نوعاً من الوفاء الشعبي لعرابي .

  بدأ ظهور الأغنية الوطنية في مصر بشكل واسع في القرن العشرين مع قيام ثورة 1919 ضد الاحتلال البريطاني في ظل المعاناه التي عاناها المصريون من سلطات الاحتلال ورغبتهم في التحرر والاستقلال ، وجسد فنان الشعب سيد درويش عبر الحانه وصوته مطالب الثورة فكان زعيم الأغنية الوطنية بامتياز وباعث النهضة الموسيقية المصرية والعالم العربي بداية من  نشيده الشهير ( بلادي بلادي … لك حبي وفؤادي ) ، من تأليف يونس القاضي وهو مأخوذ من خطاب الزعيم مصطفي كامل ، إضافة إلي الأغنيتين “قوم يا مصري مصر دايما بتناديك ” و “أنا المصري كريم العنصرين ” ، وفي أثناء ثورة 1919 عندما قامت سلطات الاحتلال باعتقال سعد زغلول ورفاقه ونفيهم خارج البلاد رفع الشعب المصري سعد زغلول إلي مكانة الزعماء وأصبح رمزًا للوطن وعندما تم الإفراج عنه منعت سلطات الاحتلال الهتاف باسمه والغناء له فلجأ الشعب المصري إلي المقاومة بالحيلة حيث اشترك سيد درويش بالتلحين والمؤلف بديع خيري بالكتابة لأغنية “يا بلح زغلول يا حليوة يا بلح .. يا بلح زغلول يا زرع بلدي ”  .

وعند عودة سعد زغلول ورفاقه اعتبر الشعب المصري ذلك انتصارًا للثورة المصرية فخرجت الأغنية الشهيرة لبديع خيري وسيد درويش ” مصرنا وطننا سعدها أملنا “.

 و أنطلق الشعب أيضًا بأغنيه ينشد :

عطشان يا صبايا                               دلوني علي السبيل

يا مصر هل هلالك                            يا عروس الشرقيين

مادام سعد معانا                              بإذن الله فايزين

وفي أوساط الطلبة والتلاميذ خرجت الأغاني تعبر عن الثورة فتقول :

يا عم حمزة احنا التلامذه ميهمناش م السجن ده

ولا المحافظة واخدين  علي الأكل الحاف والضرب

علي الأكتاف والنوم من غير لحاف .

  ولم يتوقف إنتاج سيد درويش علي الغناء فحسب فقدم مع المؤلف المسرحي بديع خيري مسرحية “بنت مصر ” وأدتها فرقة “نجيب الريحاني ” المسرحية وذلك علي أثر استشهاد “حميدة خليل ونعيمة محمد ” أول شهيدتان مصريتان في الثورة .

وبالإضافة إلي ما قدمه سيد درويش هناك أناشيد وطنية كثيرة شاركت في ثورة 1919 منها ما ألفه الكاتب الصحفي فكري أباظة الذي حكم عليه بالإعدام من قبل سلطات الاحتلال ولكنه تمكن من الهرب ، ومن المونولوجات الوطنية خلال ثورة 1919 من كلمات حسن فايق وكان مطلعه  :

نموت نقول                         يعيش زغلول

وتستمر مسيرة الأغنية الوطنية المصرية ففي عام 1936 يخرج محمد عبد الوهاب بأغنية “حب الوطن فرض عليٌ افديه بروحي وعنيه ” لتكريم انتفاضة الطلاب المصرين عام 1935 ضد الاحتلال البريطاني .

وكان من أناشيد الطلاب في المظاهرات :

قد رفعنا العلم للعلي والفدا في ضمان السما

حيي أرض الهرم حيي مهد الهدي حيي أم البقاء

ثم تأني حرب فلسطين عام 1948 لتأجج الشعور الفني الوطني ، الأمر الذي دفع محمد عبد الوهاب إلي أن يشدو بقصيدة من كلمات الشاعر علي محمود طه للتنديد باحتلال فلسطين “أخي جاوز الظالمون المدي … فحق الجهاد وحق الفدا ” ، وتستمر مسيرة أغاني محمد عبد الوهاب الوطنية ففي عام 1951 غني قصيدة (كنت في صمتك مرغم ) ولكن منعت إذاعتها السلطات الملكية ، ليتم الإفراج عنها بعد قيام الثورة المصرية عام 1952.

ولم تنقطع مسيرة الأغنية الوطنية حتي زمننا الحالي .

بقلم الباحثة : نسمة سيف

باحثة دكتوراه بكلية الأداب – جامعة القاهرة

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك