الخميس - الموافق 28 مارس 2024م

لعبة عض الاصابع بين امريكا وإيران بقلم :- الدكتور عادل عامر

تبدو العلاقات الإيرانية الأمريكية بعيدا عن الخلافات الدبلوماسية والسياسية، تشهد حالة من الشد والجذب على مدار العقود الماضية، فتارة تغلب السياسة على التوجهات الرياضية والفنية والثقافية، وتارة تشهد تقارب فني وثقافي كبير بين البلدين، واحتفاء وتكريمات واسعة من مؤسسات أمريكية كبيرة لأعمال إيرانية.

كانت هناك مواجهة تزداد حدة منذ العشرينيات من القرن الماضي وحتى وصول خميني للسلطة، بين القومية العربية ذات الطبيعة التحررية والوحدوية، نظرا لتجزئة الاقطار العربية، المحصورة داخل الاقطار العربية ولذلك فهي دفاعية قومية صرفة، وبين النزعة القومية الفارسية التوسعية، نظرا لكون ايران كانت موحدة وليست مهمتها توحيد اقطارها المجزئة،

وكان صراعا بين التحرر والاستعباد وكان من المستحيل دحر القومية العربية بسلاح قومي فارسي صريح وعلني خصوصا بعد احتلال الاحواز العربية في العشرينيات من القرن الماضي بقرار ودعم بريطانيين واحتلال الشاه لأراض ومياه عراقية والاعلان عن مطامع قومية فارسية في الارض العربية.

وبما ان الهدف الاساسي للغرب الاستعماري والصهيونية كان الحاق الهزيمة بالقومية العربية التي نهضت بقوة في عهد الرئيس المرحوم جمال عبد الناصر واصبحت القوة الاساسية التي تهدد المصالح الاستعمارية والكيان الصهيوني فان القضاء عليها كان الهدف المركزي في الاستراتيجيات الغربية والصهيونية.

ان الصراع بين إيران من جهة، وامريكا والصهيونية من جهة ثانية كان عبارة عن محاولة لمنح إيران طابعا تحرريا لأجل ضمان ان يؤدي ذلك الى سحب هذه الصفة من حركة التحرر العربية بكافة تنظيماتها، تمهيدا لتحقيق اختراق جوهري داخل حصون الوطن العربي. لذلك فهو صراع صنع صورة تحررية لإيران، وكل (رصاصه) السياسي وليس العسكري كان خلبا وصوتيا فقط وليس حقيقيا. والدليل هو عدم حصول اي صدام حربي حقيقي منذ عام 1979 رغم الصوت المرتفع لطبول الحرب والتحذير شهريا من انها ستقع غدا حتما! هل من المعقول ان تكون إيران الملالي معادية للغرب والصهيونية دون إطلاق رصاصة واحدة بين الطرفين؟

لمعارك التي تدور منذ ثلاثة عقود بين الغرب والصهيونية وإيران هي معارك (عض اصابع) هدفها تحقيق أحد الطرفين مكاسب أكثر من الاخر في إطار تلاقيهما ضد حركة التحرر العربية، واحد مظاهر هذه الحقيقة هي الدعم الامريكي والاسرائيلي المباشر والرسمي لإيران اثناء الحرب التي فرضتها على العراق في عام 1980، وتقديم اسلحة هائلة لإيران لتمكينها من مواصلة الحرب حتى اسقاط النظام الوطني في العراق.

ان فضيحة إيران جيت ليست سوى راس جبل الجليد الطافي في العلاقات التعاونية بين إيران من جهة وامريكا والكيان الصهيوني وأطراف اوربية من جهة ثانية. مقابل ذلك تحدينا ونتحدى مرة اخرى واخرى من يقدم دليلا واحدا على ان هذه الجهات قدمت دعما عسكريا للعراق رغم كل الدعايات والاكاذيب التي روجت حول دعم الغرب للعراق.

أن الأزمات المفتوحة في الإقليم، من اليمن حتى لبنان، مروراً بالعراق وسوريا، لن تعرف الهدوء والحلول أو التسويات النهائية … ستحرص طهران على استنزاف واشنطن وحلفائها فوق هذه الساحات، وعرقلة برامجها ومشاريعها ووضع العصي في طرق حلفائها وأذرعها … مقابل حرص أمريكي لخصته نيكي هيلي بقولها إن هدف نظام العقوبات الأمريكية ضد إيران، هو «خنقها» وتركعيها توطئة لعودتها إلى المفاوضات وفقاً لشروط الإدارة التي لخصها مايك بومبيو باثني عشر شرطا، يعد كل منها بمثابة إعلان القبول بالهزيمة أو توقيع على «صك إذعان».

بهذا الأمر، وأدركت إيران مغزى الرسالة الأمريكية، وهاهو المرشد الأعلى لإيران على خامنئي يؤكد أن إيران التي التزمت الحياد الإيجابي في الحرب بين الأمريكيين ونظام صدام الديكتاتوري، لن تقف على الحياد إذا تعلق الأمر بالحرب على الشعب العراقي.

ومما سبق يمكن القول: إن الهدف من وراء اغتيال الحكيم أو غيره من الرموز العراقية من السنة أو الشيعة مستقبلاً، وهذا متوقع لن يحقق ما يصبوا إليه الأمريكان …، وأن انضمام الشيعة لأعمال المقاومة المسلحة لن يتأخر كثيراً،

وأن الطلاق بين إيران وأمريكا واقع لا محاله، وأن بغداد لا طهران هي ميدان المعركة، وأن الشيطان الأكبر الذي أخذته نشوة النصر يوم دخل بغداد فأنسته عقله فأعلن عن حل الجيش العراقي والحرس الجمهوري والمخابرات ووزارة الإعلام، وتسريح جميع الموظفين والعاملين بهذه القطاعات!! فكان ذلك وبالاً عليه وخير هدية يقدمها للشعب العراقي لانخراط هؤلاء في صفوف المقاومة!

هذا الشيطان وأمام شدة ضربات وضغط المقاومة المسلحة أصبح وأمسى يستغيث ولا مغيث، فلجأ لعملياته القذرة يبغي الفتنة ويسعى إليها، فإذا هو في الفتنة يسقط. ألم يقل الله رب العزة “إن كيد الشيطان كان ضعيفاً” “إن كيد الشيطان كان ضعيفاً”. فإن الإدارة الأمريكية لم تحاول تضليل إسرائيل فيما يتعلق بالتنازلات التي قدمتها لإيران، لكنها تراجعت عن موقفها بسبب المطالب التي طرحها الجانب الإيراني، وبالتالي لم يتم إطلاع إسرائيل على المضمون الحقيقي للاتفاق الأخذ بالتبلور ما أثار الانتقادات الشديدة التي وجهها نتانياهو إلى هذا الاتفاق.

ووفقا لوجهة النظر الإسرائيلية فإن أي صفقة مع النظام الإيراني خلال الفترة التي بات يواجه فيها ضائقة شديدة، ستمنح طهران متنفسًا دون أن تقدم أي تنازلات حقيقية، بالإضافة إلى أن أي اتفاق سيتم التوصل اليه مع إيران سيكون خطأ تاريخيا يسمح لها بمواصلة تطوير برنامجها النووي. ويثير التقارب الإيراني-الأمريكي-الأوربي المخاوف بسبب ما يمكن أن ينتجه من أوضاع جديدة تعيد رسم خارطة النفوذ في المنطقة، فالتقارب يعني التسليم بطهران كقوة نووية لديها القدرة التكنولوجية للوصول إلى مستويات تخصيب عالية، لكن دون أن تصل إليها، ما يمنحها ميزة تفضيلية أمنية دفاعية على بقية دول الخليج خصوصًا والإقليم عمومًا.

فيما يمتد الأثر السلبي للتقارب الأمريكي-الإيراني-الأوربي على دول المنطقة النفطية، ومن المتوقع أن يسهم في تحجيم دور النفط الذي تتمتع به دول الخليج كأداة سياسية، بعد أن كان البترول حاضرًا في اللعبة السياسية بقوة في المنطقة.

وما يزيد الأمر خطورة هو أن التحوّلات الحاصلة في الخريطة النفطيّة الإقليمية والدولية التي تعتبر مصدر قوّة دول الخليج ولاسيَّما السعودية، في طريقها للتغيّر مع توجه الولايات المتحدة لتصبح أكبر منتج للنفط والغاز في العالم العام القادم (زاد إنتاجها بنسبة %50 منذ 2008) بفضل اكتشافات النفط والغاز الصخري. ويجب القول إن ترامب انتقل بالوضع إلى مستوى جديد يتميز باستقطاب شديد، ويبدو أنه يحاول تكرار السيناريو الكوري، وفِي هذا المستوى يصبح الرافضون للانحياز بصورة كاملة، مثل أوروبا وفرنسا، وهو ما عبرت عنه اقتراحات ماكرون، يصبح هؤلاء خارج اللعبة.

الرئيس الأمريكي أراد، إذا، التصعيد بصورة كبيرة، وشن حرب اقتصادية ودبلوماسية شاملة، ولكن رد إيران كان فوريا وقويًّا، مع التأكيد على انسحابها من الاتفاق النووي في حال انسحاب الولايات المتحدة، واستئنافها لعمليات تخصيب اليورانيوم إلى مستويات تتجاوز الماضي، بينما يبدو أن التلميحات الإسرائيلية والإقليمية بتوجيه ضربات عسكرية إلى إيران ستظل مجرد تلميحات، خصوصا وأن ترامب سارع للقول بأن انسحابه من الاتفاق لا يعني رفضه للتفاوض على اتفاق جديد، ومسارعة تل أبيب للتأكيد على أنها لا تريد حربا مع طهران.

الإيرانيون يدركون جيدا أن كافة الأطراف عازفة عن مواجهتهم عسكريا وإلقاء الوقود على منطقة مشتعلة بالفعل، خصوصا وأن طهران تتمتع بقدرة على تحريك الأمور، بطريقة مزعجة للغاية، في العديد من نقاط المنطقة، اليمن، الخليج، سوريا، العراق، لبنان وغيرها. كما أن حربا جديدة في المنطقة يمكن أن تؤدي لانقسامات في معسكر حلفاء واشنطن وتغير موازين القوى لغير مصلحتها في منطقة المتوسط، التي تتعاظم أهميتها الاستراتيجية، وتسمح لروسيا وإيران باحتلال مواقع قوية على ضفاف هذا البحر.

وبالتالي، يبدو أننا أمام لعبة للعض على الأصابع بين الولايات المتحدة وإيران، ولكن المشكلة تكمن في أن المبالغة في هذه اللعبة قد تؤدي لقطع هذا الأصبع أو ذاك.

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك