الخميس - الموافق 28 مارس 2024م

كيف تضع الدولة الحماية الاجتماعية لمواجهة التداعيات الاقتصادية العالمية .. بقلم الدكتور عادل عامر

في ظل تصاعد الاهتمام العالمي بتحسين جودة حياة المواطنين على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية والتعليمية والثقافية، استمدت سياسات الحماية الاجتماعية أهميتها في ضوء تزايد الفئات المستضعفة والمهشمة داخل المجتمعات، خاصة في ظل إقدام الحكومات على إجراء المزيد من الإصلاحات الاقتصادية التي يتحمل عبئها المواطن البسيط،

وهنا يبرز التحدي الأكبر في تحقيق التوازن بين عمليات الإصلاح الاقتصادي من جانب، وتوفير الحماية الاجتماعية للمواطنين من جانب آخر. يحتل الإنفاق الاجتماعي الباب الرابع من الموازنة العامة للدولة “الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية”، وتنقسم مخصصات باب الدعم إلى ثلاثة مكونات رئيسية تتمثل في: الدعم العيني، والمنح، والمزايا الاجتماعية (الدعم النقدي).

وقد برزت أهمية سياسات الحماية الاجتماعية بصورة أوسع بالتزامن مع جائحة كورونا، حيث برز الحديث عن منظومة الحماية الاجتماعية لمواجهة التداعيات السلبية لهذه الجائحة على شعوب دول العالم أجمع، فكانت الدول التي تتمتع بمظلة حماية اجتماعية واسعة أكثر قدرة على مواجهة تداعيات تلك الجائحة على مواطنيها، مقابل تراجع أداء الدول الأقل حظًا في توفير الحماية الاجتماعية.

وقد احتلت قضايا العدالة الاجتماعية صدارة أولويات الحكومة المصرية في أعقاب ما شهدته مصر عام 2011 من مطالبات بالحق في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، فجاء توجه الرئيس “عبد الفتاح السيسي” بدعم مسيرة بناء الإنسان المصري: صحيًا وتعليميًا واجتماعيًا، وهو ما انعكس من خلال تبني العديد من برامج الحماية الاجتماعية لمختلف فئات المجتمع، بالإضافة إلى إطلاق العديد من المبادرات الرئاسية التي تستهدف تحسين جودة حياة المواطنين.

-الحرص على مساندة الأنشطة الاقتصادية والفئات الأكثر تضررًا من التأثيرات العالمية للأزمة الأوكرانية. -إقرار حزمة مالية للحماية الاجتماعية وتخصيص احتياطي طوارئ بقيمة 135 مليار جنيه للتعامل مع التداعيات الراهنة.

-تخفيف الآثار التضخمية على المواطنين، بتدبير 2.7 مليار جنيه لضم 450 ألف أسرة جديدة للمستفيدين من «تكافل وكرامة». -تخصيص 190.5 مليار جنيه للهيئة القومية للتأمين الاجتماعي لصرف الزيادة السنوية في قيمة المعاشات بنسبة 13٪ بحد أدنى 120 جنيهًا بدءًا من أول أبريل المنصرم . -زيادة حد الإعفاء الضريبي بنسبة 25٪ من 24 إلى 30 ألف جنيه.

-زيادة العلاوات الدورية والخاصة للعاملين بالدولة والحافز الإضافي الشهري وتبكير صرفها اعتبارًا من شهر أبريل المنصرم بتكلفة تصل ل 50 مليار جنيه.

تثبيت الدولار الجمركي:

تم تثبيت الدولار الجمركي عند 16 جنيهًا مصريًا للسلع الأساسية ومستلزمات الإنتاج لتشجيع الصناعة وحركة الإنتاج، وتخفيف الأعباء عن السلع الأساسية .

تأمين السلع الأساسية:

أن أزمة روسيا وأوكرانيا أشد ضررا من أزمة كورونا، حيث إن الدول أغلقت مجالها خلال الأزمة وقل الطلب على السلع، بالتالي التضخم كان قليلا وخلال هذه الأزمة الجديدة زادت الأسعار بطفرات كبيرة مما سبب ضغطا هائلا لتأمين السلع، أن الدولة المصرية اتخذت احتياطاتها منذ فترة بتأمين السلع الأساسية، وهذا ما جعلنا اليوم قادرين على تأمين السلع للمواطن المصري وكبح جماح الأسعار، وتم تأمين أكبر قدر ممكن من احتياجات القمح.

التطوير المؤسسي:

اشتملت منظومة الإصلاح على تيسير إجراءات استخراج البطاقة التموينية، وسهولة التواصل بين المواطنين ومكتب التموين والشركة المختصة، والتأكد من استيفاء كافة البيانات ومراجعتها، وتحديد موقف الطلب المقدم سواء بالقبول أو الرفض، مع سرعة استخراج البطاقات التموينية، بالإضافة إلى السماح للمواطنين بصرف المقررات التموينية من أي بقال تمويني، دون التقيد بأماكن محددة.

وبصفة عامة، فإنه يتبين أهمية توجه الدولة للتحول من الدعم العيني إلى الدعم النقدي من خلال تقوية شبكات الأمان الاجتماعي لتوجيه الدعم إلى الفئات المستحقة وإخراجها من دائرة الفقر، وتمكينها اقتصاديًا، فضلًا عن انعكاس ذلك على رفع مستوى الرشادة في النفقات العامة.

ومن جهة أخرى، فإن الدعم النقدي يترتب عليه تأثيرات مضاعفه نتيجة ارتفاع الميل الحدي للاستهلاك في مصر، وبالتالي توليد المزيد من الدخول في المجتمع نتيجة أثر المضاعف النقدي. وفي إطار توجه الدولة لإصلاح منظومة الدعم بتقليص الدعم السلعي تبرز أهمية تحقيق الكفاءة الاقتصادية للموارد المستخدمة في إنتاج السلع والخدمات.

كما استفادت الدولة من التكنولوجيا الحديثة والتحول الرقمي في تعزيز إجراءات المساءلة، والإشراف على توفير الدعم، والحد من تسريب الدقيق المدعم والتلاعب في أسعار وأوزان رغيف الخبز المدعم. ومن جهة أخرى، تجدر الإشارة إلى أن زيادة معدل نمو السكان يحد من ظهور الأثر الإيجابي للدعم على النواحي الاجتماعية ومستوى معيشة الأفراد.

تطوير منظومة الدعم السلعي في مصر

وتكمن الفلسفة وراء تقديم الدعم في تحقيق العديد من الأهداف الاقتصادية والاجتماعية، منها: تقليص التفاوت في مستويات الدخل، وحماية محدودي الدخل، وضمان حصولهم على السلع والخدمات الأساسية، مع مراعاة عدم الإخلال بمعدلات عجز الموازنة.

ويتوزع إجمالي الدعم بين خمسة أنواع مختلفة، تتمثل في: الدعم السلعي، والدعم والمنح للخدمات الاجتماعية، والدعم والمنح للخدمات الاقتصادية، والدعم والمنح لمجالات التنمية، والاعتمادات الإجمالية واحتياطيات الدعم. وينقسم الدعم السلعي إلى دعم السلع التموينية، ودعم المزارعين، ودعم المواد البترولية، ودعم الكهرباء، ودعم الأدوية وألبان الأطفال، ودعم شركات المياه.

وبالرغم من أهمية الأهداف التي وضع لأجلها نظام الدعم، إلا أن الاستمرار في سياسة الدعم السلعي لعقود طويلة ترتب عليه عدد من التداعيات السلبية، مثل: تشجيع وزيادة استهلاك السلع التي يشملها الدعم لجميع المواطنين المشمولين بالدعم دون مراعاة التغيرات المحتملة في مستويات المعيشة، مع إثقال الموازنة العامة للدولة بزيادة النفقات، مما ترتب عليه زيادة معدلات عجز الموازنة؛ الأمر الذي استلزم ضرورة دراسة سياسات تخفيض أو إلغاء الدعم مع مراعاة عدم المساس بحقوق مستحقي الدعم من الطبقات الفقيرة.

بمراجعة المؤشرات الاقتصادية المتعلقة بالدعم في مصر قبل عام 2014، يتبين ارتفاع نسبة الدعم إلى الناتج المحلي الإجمالي؛ إذ وصلت إلى 11.4% عام 2012/2013. وبلغ عجز الموازنة العامة للدولة 13.7%، وفي الوقت ذاته، ارتفعت نسبة المواطنين تحت خط الفقر القومي لتتجاوز 26% في العام ذاته، الأمر الذي أدى إلى إعادة النظر في منظومة الدعم واتخاذ عدد من الإجراءات والسياسات لزيادة فعالية سياسة الدعم في مصر منذ عام 2014. وتمثلت خطوات إصلاح منظومة الدعم فيما يلي:

تعديل مخصصات الدعم:

تضمن برنامج الإصلاح الاقتصادي للدولة منذ عام 2014 إعادة توزيع مخصصات الدعم، وبصفة خاصة من خلال تخفيض مخصصات الدعم العيني مقابل التوسع في تقديم المزايا الاجتماعية في صورة الدعم النقدي. ويلاحظ من الشكل التالي انخفاض نسبة الدعم السلعي لإجمالي الدعم من 70% عام 2004/2005 إلى 34% في مشروع موازنة 2021/2022، وذلك في مقابل ارتفاع نسبة الدعم والمنح للخدمات الاجتماعية لإجمالي الدعم من 25% عام 2014/2015 إلى 57% في موازنة عام 2021/2022. كما يلاحظ ارتفاع إجمالي الدعم والمنح لمجالات التنمية خلال الفترة ذاتها، وكذلك ارتفاع مخصصات الدعم والمنح للخدمات الاقتصادية خلال عام الجائحة.

نسب أشكال الدعم المختلفة لإجمالي الدعم

يتبين توجه الحكومة نحو الانسحاب التدريجي من الدعم السلعي وخاصة دعم الطاقة والمواد البترولية، والتحول إلى الدعم النقدي المشروط وشبه المشروط بهدف استهداف الفئات الأولى بالرعاية والمناطق الأقل تنمية من جهة، وترشيد فاتورة الدعم من جهة أخرى. ويتمثل الدعم والمنح للخدمات الاجتماعية في دعم خدمات نقل الركاب، والتأمين الصحي، ومخصصات الأمان الاجتماعي مثل معاش الضمان الاجتماعي وتكافل وكرامة، والمزايا الاجتماعية والعلاج على نفقة الدولة والمنح والمساعدات.

2. إعادة هيكلة مخصصات الدعم السلعي:

بمتابعة مخصصات الدعم السلعي بصفة خاصة، يتبين تخفيض نسبة الدعم على كل من المواد البترولية، والكهرباء، والمياه، في مقابل ارتفاع نسبة الدعم على السلع التموينية والأدوية وألبان الأطفال.

نسبة أنواع الدعم السلعي المختلفة لإجمالي الدعم السلعي

ويتمثل دعم السلع التموينية في دعم دقيق المستودعات، ورغيف الخبز، ودعم سلع البطاقة التموينية. أما دعم السلع البترولية فيتمثل بشكل أساسي في دعم أنبوبة البوتاجاز والمازوت للمخابز للسوق المحلي. ويتمثل دعم الأدوية وألبان الأطفال في تحمل الدولة فروق تكلفة استيراد الأنسولين وألبان الأطفال وأيودات البوتاسيوم وبيعها بأسعار تقل عن تكلفتها الاقتصادية،

ويلاحظ ارتفاع تقديرات ذلك الدعم في مشروع موازنة 2021/2022 بنسبة 42.9% مقارنة بموازنة عام 2020/2021.

تنقية بطاقات التموين:

استكمالًا لإصلاح منظومة الدعم وتوجيهه إلى مستحقيه، فقد تم وضع عدد من معايير ومؤشرات استحقاق الدعم وتم تحديد مستحقي الدعم (الكلي والجزئي) وغير مستحقي الدعم، ومن بين معايير الاستحقاق؛ مستوى الدخل، ومعدل استهلاك الكهرباء، وحجم الضرائب، وعدد السيارات الخاصة المملوكة، وغيرها. وتمثل دعم السلع التموينية بواقع 50 جنيهًا شهريًا للمواطن لعدد 4 أفراد مقيدين على البطاقة وما زاد على ذلك 25 جنيهًا للفرد شهريًا.

وقد بلغ أعداد المستفيدين من دعم السلع التموينية 63.6 مليون فرد في مشروع موازنة 2021/2022 ونحو 63.2 مليون فرد عام 2019/2020 مقارنة بنحو 66.7 مليون فرد عام 2014/2015.

إصلاح منظومة دعم الخبز:

تم ربط توزيع الخبز المدعم بالبطاقات الذكية بحيث أصبح للفرد حصة يومية من الخبز وهي 5 أرغفة يوميًا مقيدة بالبطاقة بقيمة 5 قروش للرغيف الواحد، وإذا لم يتم استهلاك الحصة بالكامل يتم تحويل الخبز إلى سلع نقاط الخبز، وهي سلع مجانية تصرف للمواطنين مقابل الترشيد في استهلاك الخبز المدعوم بقيمة 10 قروش عن كل رغيف تُوجَه لشراء سلع تموينية. وسوف يستفيد من دعم الخبز نحو 71 مليون فرد ويستفيد 4.3 ملايين فرد من دعم دقيق المستودعات ضمن مشروع موازنة 2021/2022.

تنوع السلع المتاح شراؤها بالبطاقات التموينية وزيادة الدعم المخصص لها:

تضمن تطويرُ منظومة الدعم رفعًا تدريجيًا لقيمة الدعم المخصص لكل فرد من 14 جنيهًا عام 2014 إلى 50 جنيهًا في يونيو 2017، مع إتاحة حرية أكبر للمنتفع لشراء أي سلع من المنافذ التموينية، سواء كانت سلعًا غذائية أو غير غذائية بدلًا من حصرها على سلع محددة لتوفير قدر من الاختيار لما يتناسب مع كل شخص على حدة دون الإجبار على أنواع محددة دون غيرها،

ولن يسمح للأفراد إلا بشراء سلع غذائية فقط، ولن يتم الحصول على الأموال نقدًا لضمان أن تنفق الأموال في الهدف الذي خرجت من أجله. ويفترض أن يقضي هذا التحول على أية تلاعبات في الدعم، ويضمن وصول الدعم إلى مستحقيه، مع إتاحة حرية أكبر للمواطنين إذ يجعل من بطاقة التموين بمثابة «فيزا بنكية» يتم وضع قيمة الدعم فيها.

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك