الجمعة - الموافق 29 مارس 2024م

كيف تستفيد الحكومة من المؤتمرات الاقتصادية ؟ بقلم :- الدكتور عادل عامر

ان الاستفادة للحكومة من المؤتمرات الاقتصادية  سيعتمد على اتجاه الحكومة الحالي لمواجهة المشكلات التي تواجه المستثمرين وتسهيل جميع الإجراءات التي تعوق العمليات الاستثمارية، لاسيما أن حل المشكلات التي تعوق المستثمر يجب أن يكون على أولوية اهتمامات وزارة الاستثمار لأنه من المعروف أن نجاح المؤتمر سيحدث نقلة اقتصادية لمصر، فضلا عن أن الاستثمارات التي سيتم جذبها ستزيد من حجم المشروعات القومية الكبرى والأهم من ذلك المشروعات التي سيتم تمويلها عبر تلك الاستثمارات، بالإضافة إلى نتائج أعمال الشركات المتوقع أن تشهد تحسنًا، خصوصًا القطاعات المرتبطة بأداء الاقتصاد ككل مثل البنوك والعقارات.

المعطيات العامة ترجح أن الاقتصاد المصري يتجه لتحقيق نجاحات كبيرة بعد أن فشلت الحكومات السابقة في منع الكوارث الاقتصادية. وفى ذات الوقت دعم وتفعيل جمعيات حماية المستهلك سيكون إحدى الأدوات والوسائل الاقتصادية لتحقيق العدالة الاجتماعية، لأن تفعيل حماية المستهلك يساهم في تحقيق العدالة الاجتماعية.. فهو يصون حقوق المستهلكين الفقراء وأصحاب الدخول المحدودة.. ولذلك لابد من مراجعة القانون الذى ينظم نشاط وعمل سواء جمعيات حماية المستهلك أو الجهاز الخاص بذلك.. فيجب منح هذه الجمعيات وهذا الجهاز صلاحيات قانونية تحول حماية المستهلك إلى حقيقة واقعة.

. فمن الظلم ترك المستهلك الفقير ومحدودي الدخل بلا حماية في مواجهة أسواق لا تسيطر عليها الاحتكارات فقط وإنما يسودها الغش أيضاً.. بل إن أبسط حقوق المستهلك المعمول بها في النظم الرأسمالية وهو إعادة السلعة المشتراة ليست متوفرة للمستهلك المصري، ناهيك عن خدمات ما بعد البيع.

وعلى الحكومة بناء خطط جديدة تستفيد من أخطاء الخطط الاقتصادية السابقة بعد فرز النتائج لإعطاء الجيل الحالي أملا في اقتصاد مصري ناجح. ولكي تتمكن الحكومة من تحقيق النجاح، عليها إعادة صياغة الكثير من البرامج في العمل والدراسة وفي كثير من الأوجه الاقتصادية والعلاقة بين الدولة والقطاع الخاص وحدود التداخل والاحتكار وطغيان الشركات. وهذا يتطلب استخراج خلاصات للتجارب السابقة ووضعها في قالب جديد يتصل بحياة الإنسان المصري وخدمة مستقبله. لا بد من تحفيز قوى جديدة من أجل ابتكار طرق لمراجعة العلاقة بين الاقتصاد والدولة والرجوع إلى تقوية دور الدولة في قطاعات معينة وتقليصه مع قطاعات أخرى، بطريقة تخدم الواقع المصري.

وعلى الدولة أن تشرع في بناء الخطط وصياغتها وفق إحداثيات العلاقة الجديدة بين الحكومة والمواطنين، لتعكس العقد الاجتماعي والاقتصادي الجديد بين الطرفين. هنا يتحرر الاقتصاد المصري لصياغة واقع جديد ورؤية للأشياء والأفكار والحقائق والبناء السياسي والاقتصادي، بدل أن يسمح للشركات أن تفرض على الدولة مصالحها وتحدد لها طبيعة عمل المؤسسات الحكومية. إذا كانت الشركات دولية النشاط تتطلع إلى مد أنشطتها جغرافيا لتغطي كل دول العالم دون قيود، وإزالة كافة الحواجز التي تحول دون ذلك، فإنها تسعى من الناحية الأخرى إلى أن تمد أنشطتها إلى كل القطاعات داخل هذه الدول أيضا. وفي هذا الإطار يمكن التعرف على أسباب المطالبة بتخلي الدول عن القيام بدور مباشر في العملية الإنتاجية، وبإزالة القيود أمام المنافسة الأجنبية ، وعدم التفرقة في المعاملة بين الإنتاج المحلي وذلك المستورد، وبإلغاء احتكار الدولة للمرافق العامة والاتجاه المتزايد لخصخصتها وترك القطاع الخاص يقوم بتقديمها مع الحرص على عدم التفرقة بين جنسية هذا القطاع وما إذا كان محليا أم أجنبيا.

وتوضح اتجاهات الاستثمار الأجنبي خلال السنوات السابقة اتجاهه المتزايد نحو قطاع الخدمات التي تؤدى من خلال مرافق عامة تتولاها أو كانت تتولاها الحكومات مثل الاتصالات والطرق والنقل والكهرباء والغاز ومياه الشرب ، خاصة مع حاجة معظم دول العالم لإنشاء أو تطوير هذه المرافق لتحسين مستوى معيشة سكانها ، يقابل ذلك عدم توافر الموارد المالية والتكنولوجية والخبرة اللازمة عند كثير من هذه الدول للقيام بما تتطلبه إقامة وصيانة هذه المرافق من أموال.  وبالتالي فان هذه القطاعات تمثل في ذات الوقت قطاعات بدأت دول كثيرة – ومنها مصر في فتحها للاستثمار الأجنبي.

ويثير فتح هذه القطاعات الحيوية تساؤلات عديدة في ظل ضعف خبرة الدول النامية فيما يتعلق بالرقابة الواجبة على الشركات التي ستقوم بتنفيذ وإدارة هذه المرافق، ومدى التزامها بأهداف المجتمع الذي تعمل فيه، وما إذا كانت ستتولى توفير التمويل من الخارج أم أنها ستزاحم القطاعات المحلية في الحصول على التمويل من البنوك. وفي كثير من الأحيان فان ضخامة وقوة وسطوة الشركات العاملة في هذه القطاعات يجب أن تكون عاملا يتعين أخذه في الاعتبار لما يمكن أن يترتب على تواجده من آثار سلبية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.

ومع ازدياد قوة هذه الشركات تزداد أسلحتها وأساليبها لاستنزاف الفوائض الاقتصادية من الدول التي تعمل فيها لصالح مراكزها الرئيسية ومساهميها.فمع زيادة الفروع والشركات التابعة والشقيقة وتنوع الأنشطة أصبحت عملية إنتاج السلعة الواحدة تتم على أراضي أكثر من دولة بحيث تتخصص كل دولة في إنتاج جزء من السلعة وتتخصص فروع إحدى الدول في عملية تجميع السلعة النهائية وتشكل هذه العملية التي هي جوهر التقسيم الدولي الجديد للعمل مناسبة أخرى لحصول الشركة الأم على إيرادات إضافية تحت مسميات مختلفة. فهناك أشراف المركز الرئيسي وهو إشراف يحدد الأخير مقابله الذي يتقاضاه من فروعه دوريا، وهناك مقابل أتعاب خبراء المحاسبة والمراجعة والضرائب والتطوير وإعادة الهيكلة والتخطيط الاستراتيجي والتسويق والتصميم الصناعي والتكنولوجي والإعلان والتدريب ..   الخ ، وهم خبراء يكونون عادة من العاملين في الشركة الأم ذاتها أو من بعض الفروع التابعة يتم إيفادهم إلى الفروع الأخرى لأداء مهام محددة تتقاضى الشركة الأم مقابل إتعابهم بأشكال مبالغ فيها. بل إن الشركة الأم تقوم عادة بعمليات مركزية بشراء احتياجات الفروع من كثير من المستلزمات وتقوم ببيعها إلى الفروع محققة لنفسها إيرادات إضافية ضخمة دون مبرر يذكر. يسرى هذا على توريد سيارات النقل وسيارات الركوب وأثاثات المكاتب والمطبوعات وأجهزة الحواسب الآلية وما يلزمها من برامج.

ولا شك أن أسعار التحويل وما يماثلها تمثل أحد المجالات الأساسية التي تتمكن بها الشركات دولية النشاط من زيادة إيراداتها وتعظيم ربحيتها على النحو الذي أشير معه إلى أن الجزء الأكبر من أرباح هذه الشركات ناتج عن عملياتها في دول العالم الثالث.

ورغم وجود ظاهرة أسعار التحويل منذ سنوات طويلة وتفاقمها خلال السنوات الأخيرة مع ازدياد دور الشركات دولية النشاط، فان السيطرة عليها وتقليل آثارها على الدول المستقبلة للاستثمارات الأجنبية يبدو ضعيفا أو منعدما في كثير من الحالات. فهذه الظاهرة وليدة تعامل الشركة مع فروعها الخارجية ، وهو تعامل لا يتطلب تدخلا من أية جهة أخرى ولا يمكن للجهات الخارجية معرفته بسهوله. ويشار في هذا الصدد أن عمليات الاستيراد التي تتم بين الشركة وفروعها عادة ما تتم دون اللجوء إلى فتح اعتمادات مستنديه لدى البنوك، لأنها لا تتطلب مستوى الضمان الذي تغطيه الاعتمادات المستندة. وعادة ما يتم اللجوء إلى ما يسمى  ببولص التحصيل يقتصر دور البنك فيها على تحصيل القيمة وإضافتها للمصدر دون أية مستندات تذكر. ولعل التزام الشركات بدرجات أعلى من الحوكمة والشفافية يساهم في الحد من أثر أسعار التحويل على التهرب الضريبي للشركات ونزح الفائض الاقتصادي من الدول  المضيفة للاستثمارات.

ومما يبرز أهمية الشفافية والإفصاح في محاربة ظاهرة أسعار التحويل، ما لوحظ من أن كثير من الشركات المصرية التي تمت خصخصتها والاستحواذ عليها من قبل شركات دولية النشاط لم تعد تنشر ميزانيات وقوائم مالية يمكن التعرف منها – ومن الإيضاحات التي يعدها مراقبو الحسابات –على العلاقة بينها وبين الشركة الأم أو الشركات الشقيقة مما يساعد على تحليل أي زيادة أو نقص مفاجئ في المصروفات أو الايرادات.

 

 

 

 

 

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك