الثلاثاء - الموافق 16 أبريل 2024م

كردستان والانفصال عن العراق بقلم :- الدكتور عادل عامر

Spread the love

استفاد الأكراد من الوضع بالعراق، لاسيما بعد الغزو الأميركي للبلاد في 2003، وإقرار الحكم الفيدرالي، وهو ما أحيا الآمال لدى أبناء القومية الكردية، المتواجدين بعدة بلدان بالمنطقة، بإقامة دولة خاصة بهم.

 أن هذه المطامح بدأت تتبخر، بعدما تمادى الأكراد في الجري وراء تحقيق أهدافهم. إن النهج الاقصائي الذي تبنته الحكومات العراقية المتعاقبة منذ تأسيس الدولة العراقية دفع بالكرد الى اختيار سبيل آخر للعيش

ان الاستفتاء سيشمل محافظات الاقليم والمناطق المتنازع عليها والكرد في المهجر إن ولادة الدولة العراقية الحديثة سنة 1921 كانت تستند إلى مبدأ الشراكة بين الشعبين العربي والكردستاني وضمان حقوق الكرد ، ولكن التجربة أثبتت عدم الإيفاء بتلك الوعود والاتفاقات تماماً ، وقد أهملت الشراكة وأهملت الحقوق.

وفق الدستور العراقي فانه لم ينص في اي مادة من مواده كافة على اي اتاحة لا جراء استفتاء على مصير محافظة او اقليم بالانفصال المباشر او غير المباشر، بل اشار الدستور الى اليات اقامة الاقاليم بالنسبة للمحافظات غير المنتظمة بإقليم، وعدم الاشارة هذا منطقي ويتطابق مع الوحدة السياسية والقانونية اذ لا يوجد اي دستور وطني يتيح تقسيم الدولة او يجعل من اقاليم ذات حكم ذاتي او فيدرالي تقرر مصيرها وخاصة في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية. الدستور العراقي نص في اول مادة من مواده على ان شكل الدولة عراق موحد اتحادي وكلمة ” موحد” واضحة لا لبس دستوري فيها ممكن ان يفسر لا جراء اي انفصال او استفتاء على ذلك.

كما ان اكراد العراق اسهموا في تقرير مصيرهم في دستور عام ٢٠٠٥ وصوتوا له بأغلبية كاسحة ولا توجد اي ثغرات في الدستور تتيح اجراء استفتاء الانفصال، كما ان المسوغات التي تحتج بها سلطة الاقليم بالانفصال غير متوافقة مع المتطلبات الاضطرارية لا جراء هذا الامر كالحرب الاهلية والاقتتال بين الحكومة الاتحادية والاقليم، ولا تتعلق بالمشاركة السياسية وحجمها اذ ان التمثيل السياسي للأكراد في العراق يغطي استحقاقاتهم الاجتماعية والانتخابية ، حتى ان سيادتهم على حدود الاقليم نافذة ولا توجد اي ممارسة سيادية للمركز في الاقليم بل لم نجد اي صلاحية دستورية معلنة بشكل منفرد للمركز في الاقليم كما ان المنازعات بينهما لا تتعدى الحدود الادارية والواردات المالية وامور الموازنة، اضافة الى اسباب سياسية داخل الاقليم نفسه مضافا الى طموحات كردية تاريخية تتعلق بشرعية السلطة وممارستها وتداولها تدفع بجهات سياسية في الاقليم نحو الانفصال…

من حيث المبدأ وفي حالة اقليم كردستان قد تتماشى مع طموحات قومية وخصوصيات ثقافية تسمح بمناقشة موضوعة تقرير المصير ولكن لابد ان يكون وفق روح الدستور الاتحادي ووفق التنسيق مع الحكومة الاتحادية ووفق السياقات السليمة التي تتماشي مع متطلبات الوضع القانوني الداخلي والدولي، فالمفروض في حالة رغبة الاقليم مناقشة الانفصال عن العراق بشكل هادئ مع المركز ليحافظ فيه على استقرار العراق ويحصن ايضا مناعة الاقليم في حال تحوله لدولة،

 فالرؤية الدستورية في مثل هذه الحالة تتم وفق الاتي : يصوت برلمان اقليم كردستان على الانفصال واعلان الدولة الكردية كون هذا الموضوع سيادي وجوهري يتعلق بكل شرائح واتجاهات الاقليم مضافا الى ذلك ان رئيس الاقليم مختلف حول شرعيته، فالأسلم قانونا تشريع قرار برلماني ثم احالة هذا القرار الى البرلمان الاتحادي للتصويت على هذا الاجراء واحالته الى الاستفتاء الوطني العام ويحصل على الاغلبية

ولا يرفض من ثلاث محافظات عملا بمقايسة تعديل الدستور، والاصوب من ذلك هو تعديل الدستور الاتحادي وفق قرار برلمان الاقليم الى البرلمان الاتحادي وموافقته عليه بإحالة طلب الانفصال بملحق دستوري يعالج حق تقرير المصير كما هو كان في المسودة الاولى لدستور ٢٠٠٥ قبل ان يعدل بالصيغة الحالية ويحال الى الاستفتاء، وينظر بنتيجة الاستفتاء وفق السياقات المذكورة بمواد تعديل الدستور وفق المادة ١٤٢.

القانون الدولي:

اما القانون الدولي فهو يقر بمبدأ حق الشعوب بتقرير مصيرها وادرج في ميثاق الامم المتحدة واهدافها اذ جاء في ميثاق الأمم المتحدة في فصله الأول البند الثاني من المادة الأولى والتي نصت على: « إنماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس احترام المبدأ الذي يقتضي بالمساواة في الحقوق بين الشعوب، وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها، وكذلك اتخاذ التدابير الأخرى الملائمة لتعزيز السلم العام».

لكن هذا المبدأ لم يتم ترسيخه ولم يحدد اليات تطبيقه، ومع ذلك ان احترام الامم المتحدة وقواعد القانون الدولي العام لمفردة السيادة مقدم على مبدا تقرير المصير، وهذا ما تنص عليه اغلب المعاهدات والاتفاقيات الدولية الجماعية والثنائية الناظمة للعلاقات الدولية والاقليمية والمصادق عليها في الامانة العامة للأمم المتحدة.

فالمعروف أن القاعدة المؤسِّسة للقانون الدولي إنما تقوم على مبدأ سيادة الدولة، التي نص عليها ميثاق الأمم المتحدة واعترافه بالحق الحصري للدول بفرض سلطتها وممارستها صلاحياتها على أراضيها وسكانها، ويبدو ان الوارد عن حق تقرير المصير في ميثاق الامم المتحدة يعالج حالات الاستعمار ودعم حركات التحرر الوطني المناهضة له ولا يتعدى دعم انفصال او انشطار جهة او جماعة من دولة موحدة ذات سيادة نتيجة خلافات سياسية واقتصادية اطلاقا .

غير أن مبدأ السيادة تعرض للكثير من التحديات بسبب المطالب المتصاعدة بإدراج قوانين حقوق الإنسان ضمن النظرة الشاملة للقانون الدولي. ويعني ذلك بالدرجة الأولى أنه لا يمكن التغاضي عن انتهاكات حقوق الإنسان، وأن على القانون الدولي أن يهتم بها أكثر حتى لا يتستر المنتهكون وراء الحصانة التي يوفرها لهم مبدأ سيادة الدولة، وهذا ما يعد ثغرة تستطيع من خلالها الشعوب والقوميات والمكونات والاقليات ان تعتدّ به للمطالبة بالاستقلال او الحكم الذاتي. ولكن في هذه الحالة يتم تبرير منطق التدخل لإعطاء الأولوية لحقوق الإنسان على السيادة مما يعرض الجهة الطالبة للانفصال لارتهان مبدأ السيادة الساعية اليه .

اذ في كل الحالات الواردة في المجتمع للدولي التي بررت الانفصال للشعوب والقوميات مورس بحقها مبدأ التدخل والوصاية الدولية بطريقة دائمة ، بدون ان تسترشد القوى الدولية النافذة والداعمة في ذلك بمبادئ العدالة والقانون الدولي. اذ حول مبررات التدخل ومنح الاستقلال من ضرورات حقوق الانسان وحقن الدماء الى الاحتجاج المدفوع باعتبارات الصراع السياسي، ولا علاقة له بحماية حقوق الأقليات وغيرها من التصورات المثالية.

ويمكن الجزم ان القانون الدولي يتضمن اشكالية ثنائية هما دعم حق سيادة ووحدة الدول بما لا لبس فيه وهي حالة داخلية، وحق تقرير المصير للأمم والشعوب وهي حالة خارجية مغايرة، لكن كل القرارات الصادرة عن الامم المتحدة حول حق تقرير المصير تعالج حالات تصفية الاستعمار والمستعمرات وترقيتها مما يؤكد ان حق تقرير المصير قد انتهى العمل به؛ لان فقد السبب يقتضي انتهاء المسبب ، وعلى العكس لا يمكن انتهاء حق الدول في الحفاظ على سيادتها ووحدة اراضيها لا نه حق ثابت مستقر لا يزول الا بزوال الدولة ذاتها.

وهذا ينسحب على اقليم كردستان العراق فالاحتجاج بمبادئ القانون الدولي منقوص بل منعدم الاصل ولا تخريجه له ، وحتى في سياق السوابق التاريخية لم نجد حالة تشكل اعمالا للنفاذ. اما على صعيد التكييف الدستوري الداخلي لا جراء الاستفتاء فمحسوم دستوريا وواقعيا فهو ليس موضع خلاف بل مخالفة دستورية وقانونية تهدد استقرار الدولة

، وتجعل انفصال الاقليم حالة شاذة تعيب على الدستور والعملية السياسية برمتها فلا مهيئات وملائمات تعزز هذا الاجراء رغم ان ظروف عام ١٩٩١ كانت انسب بكثير لا علان مثل هذه الخطوة رغم انها محفوفة بمخاطر اقليمية رادعة مستمرة الى الان وترفض الانفصال الكردي عن العراق .

ولابد ان تتحرك الحكومة وفق سياقات قضائية وتحتج عند المحكمة الاتحادية، ولابد ان يأخذ القضاء دوره كما حصل في كندا، اذ ارادت الحكومة الكندية اعلان استقلال اقليم كيبيك انسياقا لحركة انفصالية تريد اعلان الفرنكوفونية،

 واعلنت المحكمة ان الحكومة لا تملك هذا الحق وهي ملزمة بالتقيد بالحفاظ على وحدة اراضي كندا وانه لا يجوز تطبيق حق تقرير المصير على حالة كيبيك وبررت ذلك بعدم تضمن القانون الدولي ما يسمى حق فصيلة من الشعب في الانفصال عن وطنها بإرادتها الفردية. ومنذ ذلك الوقت حققت كردستان العراق استقلالاً فعليًا ليحكمها الحزبان الكرديان الأساسيان – حزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني – بعيدًا عن سيطرة بغداد وأصبح لها علمًا ونشيدًا وطنيًا خاصًا بها.

وعقد الأكراد انتخابات برلمانية عام 1992 وكانت جلسات البرلمان تعقد في محافظة أربيل وتم تقسيم مقاعد البرلمان بالتساوي بين حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال طالباني والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني. ومنذ أن سحبت الحكومة العراقية قواتها من كردستان في أكتوبر 1991، فرضت بغداد حصارًا اقتصاديًا على المنطقة، فخفضت إمداداتها من النفط والغذاء وعاني الاقتصاد الكردي معاناةً شديدة نتيجة استمرار الحظر الذي فرضته الأمم المتحدة على العراق، الأمر الذي حال دون التبادل التجاري بين كردستان والدول الأخرى.

 إن دول المنطقة؛ حكومة العراق، وإيران، وتركيا، وسوريا، تعارض إجراءه، وكذلك ترى الولايات المتحدة أن توقيته غير مناسب، لكن “اللافت هو التصريحات الإسرائيلية المؤيدة والمتحمسة جداً لإقامة دولة كردية في أسرع وقت”.

موقف إسرائيل الداعم لاستفتاء انفصال الإقليم الكردي عن العراق، لا يمكن أن يكون عبثاً؛ فإسرائيل التي تحاول دس السّم في أطباق منافسيها، وخلق المشاكل في المنطقة، ستجد في قيام الإقليم الكردي فرصة لتحقيق مصالحها السياسية والاقتصادية؛ خاصة مع جيران الأكراد. وسياسياً، فإن الحرص على التعاون الإسرائيلي مع الأكراد، ومصلحة تل أبيب في تعزيز القدرات الاقتصادية والعسكرية لإقليم كردستان العراق، يأتي لكون إسرائيل معنية أساساً بتمكين حكومة أربيل من تأمين الشروط والظروف التي تساعدها على إعلان استقلال الإقليم عن العراق.

أن الاستراتيجية التي تتبعها إسرائيل في علاقاتها القوية مع كردستان العراق تتجاوز بكثير مسألة الحرب على تنظيم الدولة، فهي تهدف بشكل خاص إلى توظيف العلاقات في تحسين بيئتها الإقليمية والاستراتيجية بشكل جذري، لا سيما في ظل التحولات الإقليمية المتلاحقة.    أن هناك عدداً من المزايا لإسرائيل في استقلال كردستان؛ من أهمها موقع الإقليم الذي يتخطى طريق إيران إلى سوريا ولبنان، كما أنها ستكون بمثابة “صداع” ليس فقط بالنسبة لإيران، بل بالنسبة للمنافسين المحتملين الآخرين، ومن ضمنهم العراق وتركيا وسوريا.

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك