الثلاثاء - الموافق 19 مارس 2024م

قصة قصيرة ..دروب الشوك ..بقلم / صبحه بغوره

فاجأتها لحظات غريبة في كثير من مراحل حياتها ، اقتحمت أغوارها دون علم منها ،إنها تعتقد أن تتمتع بصفة تميزها كي تبقى دائما تفكر بصورة متأنية ، بها تجد  “سهيلة ” الفرصة لتحقق لنفسها النجاح الدائم  وهبها الخالق صفات عديدة تزيدها جمالا على سحر أنوثتها ، ولكن كلما تأملتها جيدا وجدتها وهما تخيلته حقيقة تتشكل . نما مع الأيام خجلها ومعه كتمانها لآلامها ، خجل شديد لازمها كالظل، أصبحت لا تتذكر موقفا إلا وتذكرت معه طبيعة إطلالتها المحتشمة على الآخرين التي تشل من تصرفاتها.. احمرار وجهها، رد فعلها.. وتلعثم لسانها ،تلك طبيعتها التي  لازمتها منذ طفولتها واقترنت بكل خطواتها، أما اليوم فهي امرأة أخرى تخطو بشجاعة نحو اقتحام طريق المواجهة وهي التي تعودت أن تضم حقيبتها إلى صدرها لتختبئ ورائها،  قررت أن  تهزم خجلها و تكسر قيوده ،وأعلنت بعدها سر نجاحها علما وعملا، عملها الذي حدد مستقبلها وجمعها بأول حب ، لقاءها في مكان عملها بالبنك مع زميل لطالما احترمته مع أن أوجاع الوطن تحول دفء القلوب إلى زنزانات جليد قاتل لكن قلبها اختزن هذه العاطفة النبيلة الجياشة، رومانسيتها عذبة رقيقة جمعتهما تحت جناحيها متحابين في حديقة جميلة تملأ الوجود بالشذا والنسيم العليل، فكان ذلك السر الخفي المختلف في طبعه العذب الذي يغذي القلوب العطشى لماء الحب الصافي ، لتعيش على أحلى الذكريات وأجملها ،لقد أودع الله في قلبها هذه العاطفة النبيلة في معناها ومضمونها فهي ترى القلوب الخاوية من الحب كالقبور المظلمة وكالبيوت المهجورة ،اقترن حبها له بكل ما تستطيع أن تبرهن له عن حبها الصادق نحوه وصارحته أن الحب هو مبدأ كل شيء وغاية كل شيء والسبب في كل شيء، فهو الصفاء والنقاء والترابط ، إنه الجوهرة التي تومض إلى الأبد بنورها وإشعاعها لتضيء لهما الدروب في الحياة ، ارتبطت به واختارته شريك حياتها بحكمة السياسي المتمرس، أخضعت الموضوع للدراسة و تدارسته بعقلها بتزاوج مع عاطفتها ،اعتقدت إن عقلها كسب رهانه بنصفها المغموس في ملاذها الدافئ، لكن حبيبها أظهر بعد السنة الأولى من زواجهما وجهه الحقيقي وحطم كل ما تحلم به، قاسي القلب جاف المشاعر، بخيل لحد النخاع ،ضعيف الشخصية، كل يوم يمر يكسر طموحها، لقد وهبته الضياء للألوان ملء يديها وملأت عينيها بظلال الأماسي ،كم تلت عليه سطور عشقها الأبدي انه مثل وشم مرسوم في مقلتيها ومع كل هذا اكتشفت في زوجها المثالي في مظهره عيوبا اعتقدتها صغيرة يمكن احتمالها ولن يترك بحال من الأحوال فجا في نفسها، لقد أهمل طقوسا زوجية رقيقة تسعد كل زوجة ،كل يوم تذكره بدوره في البيت و في حياتها، في البداية حسبته سهوا أو نسيانا وليس تقصيرا فذكرته وهي تحمل في كل زوايا قلبها لوم المحب لحبيبه، فاضت الدمعتان من عينيها الناعستين وانسابت على خدها كحبات اللؤلؤ ، ارتطمت حروفها المصقولة بدفاتره وأوراقه الفارغة، إنها تحاول تغيير معالم الأشياء من حولها ولكن أحست مع الأيام أنها تحرث في بركة ماء، ابتلعت غصتها واعتبرت ما يحدث خطأ كبيرا لا يمكن أن يقدر له الدوام والاستمرار مع من وعدها بإغلاق أبواب الليل وهزمه فصدقته ورافقته في مواكب من السوسن و بساتين النسرين تحتمي بطيفه وتزخرف له القادم بأحاديث الفراشات ووشوشة الورود، قررت الانفصال عنه وهي تحمل الشروق والغروب الفارغ وتستنجد بصمت الشارع النائم والثائر بأصوات مبحوحة عطشى للحرية وللأمان ،جرح مؤلم  يعتصرها ببطء ويلتهم المسافة التي بينهما، قلبها ينزف حزن وكآبة، ارتعشت يداها وخفتت نبضات قلبها الواجل، لحظتها انهمرت دموعها وهي تتصفح الصورة التي كانت أمامها، سكون يعم كل شيء وفيض من المشاعر الحزينة تمتص كثيرا من الصمت، نفسها مسدودة لا شيء يغري ولا شيء يمتع ولا حتى يثير الانتباه كل الألوان المشرقة التي في عينيها اختفت شعرت بتعب استثنائي و بريقها  صار سما زعافا كيف لا وهي منذ أن وعت تعتبر أن للحب محطات ظريفة تجدد العواطف وتنعش الأحاسيس بدفء ناعم يذيب جليد روتين انشغالاتها اليومية وأوجاع الوطن الذي يتقلب فيها دون منفذ نجاة أو بارقة أمل، أحلامها كانت بسيطة وخالية من كل تعقيد مادي ،ربما كان يعتبرها إنسانة حالمة أو ساذجة لكنها هي سهيلة بفطنتها وبراءتها التي تخبأ بين دقات قلبها أشياءها التي كانت صغيرة في نظره.. ولكنها كبيرة وعزيزة على نفسها ولا تقدر بثمن ، عادت إلى بيت أهلها تحمل عبئا ثقيلا و هو لا يزال ينمو في أحشائها يوما بعد يوم و تشعر به وبكل دقة من دقات قلبه التي تشعرها بالفرح والسعادة مع أن المجتمع لم يرحمها بنظراته لها كمطلقة ، أخوها الأكبر لا يكف عن أهانتها و لومها على ترك بيت زوجها  فكان عليها أن تتحمل، وأن ما أقدمت عليه عار عليها و عليهم ، تنهدت عميقا ، أه من الحياة التي أبلتها بما لم تفكر فيه وخالفت ما حلمت به خططت له، لاعبتها على أرجوحتها كطفلة صغيرة والخوف يلازمها كظلها خشية السقوط ، صعب أن تستفيق من غيبوبتها، أهدت كل من حولها أهازيجها التي لا تنتهي، من يفهم ألمها الذي لا يريد أن يرحل عنها إلا من كان موجوعا بمثل أوجاعها، كيف تبرعم الفرحة وتتفتح في محنة تلازمها وتأبى تركها بل وتغرز في مساحة القلب كل الهموم وفي وحشة الخاطر كل الأوجاع حتى أصبحت عندها كائن وكينونة ساكنة حينا ومتحركة حركة زئبقية محورية، متغيرة مغايرة عنيدة شرسة مشاكسة أحيانا كثيرة، إنها تشبه أوجاع الوطن اليومية في طفل يقتل وبيت يقصف وقطار يتفجر ومدينة بأكملها تحرق وحضارة في رمشة عين تتلف، الألم عندها هو وجع وجه واجهة تداري به خيباتها و انزلاقاتها وانهياراتها، سقوط دائم ،ألمها من آلام الوطن، هي اللحظة العارية التي تفضحها عندما تصنع لها بعناية الأصدقاء كما تصنع لها الأعداء، تعبت سهيلة وصبرت  على أمورها وهي تتجرع المر فقد هجرت قلبها مواسم الفرح و أصبح أملها الوحيد هو طفلها بأحشائها يكبر ويتقاسم معها آلامها فهما روحين في جسد، تناثر بريق عينيها و شكل هوية مفقودة، لملمت جرحها بالانشغال في العمل و إجراء فحوصاتها لترجع منهكة كل مساءا إلى البيت الذي هو كل ما تركه أبوها لأسرتها ،لكن طمع أخوها وجشع زوجته ضيق الأمر عليها وعلى والدتها التي لا تستطيع أن تنطق بكلمة حق إلى جانب ابنتها، أنجبت سهيلة ابنها وواجهت ما لم يكن في الحسبان ، رفض أخوها أن يعيش الوليد وسطهم ،أمرها أن تسلمه لوالده، توسلت اليه أن يرجئ الأمر حتى تمر فترة نفاسها لكنه ألح عليها وازداد تشدده في طلبه كل يوم ،وكالعادة صحت ذات يوم على نفس الشريط وقد كانت في فراشها ترضع طفلها ،قطعت على ابنها رضاعته وسلمته لأمها، ارتدت ملابسها في عجلة شديدة واضطراب بالغ، أخبرت والدتها أنها ذاهبة إلى استئجار بيت يأويها  وطفلها فهي لم تعد  تقدر على الاستمرار في هذه الأجواء التي تكاد تخنقها وتقتلها كل يوم ، لم تعد تجد الجواب على تساؤلاتها و لم تعد تفهم حتى مغزاها فقد أصبحت عندها الإجابة مستحيلة في هذه الأوضاع المتشنجة استسلمت لتباريح شقائها في حجرات قلبها الخاوية التي أصابها الجفاء ، كان سهلا عليها أن تسكن قبرا ولا تعيش مهانة ، خرجت سهيلة بعدما قبلت ابنها وهو بين ذراعي أمها وسقطت منها دمعة ساخنة بللت خده بينما كانت تداعب يده الصغيرة ،خرجت تجر خطاها بعدما خذلها كل من حولها ، صراع داخلي ينهكها وصخب وبكاء يمزق داخلها، الفراق وظلام الموانئ و العواصف الهوجاء كلها تأكل القلب ببطء ليلة بعد أخرى وكـأن الشمس لم تــعد عليها تشرق  ، سألت عن مسكن صغير لدى إحدى وكالات السكن ، كان عليها أن تنتظر دورها فجلست على أقرب كرسي و العرق يتصبب على وجهها الشاحب ، انتصف النهار وشعرت أن حليب صدرها قد بلل ثيابها، فوضعت يدها تتحسسه وتحاول أن تخفيه ،وما هي إلا لحظات حتى عم المكان صخب وصراخ ، فوجئت بنفر مسلحين خرجوا من قبو خفي في البهو وانتشروا شاهرين السيوف والخناجر والرشاشات ،عم الرعب والخوف كل الأرجاء ،رأت الهول ولكن لم تحسه لاستغراقها في حلمها ورغبتها التحليق في الفضاء بحرية مع طفلها كالطيور الطليقة والفراشات المرحة حيث تغمر طفلها بفيض حبها وحنانها ، كم تمنت لو تنبت لها أجنحة خفية  لتحلق في  مدارات النجوم وتطير إلى حيث معارج الكواكب وتحقيق الحلم الجميل ، تعرضت للتدافع العنيف فسقطت أرضا وحينها أدركت أنها تعيش أحداث حلقة من مسلسل الجنون في سنوات الجمر، وتسللت البقع الحمراء القانية لتكتسح بقع الحليب البيضاء على صدرها ،ثم سكن كل شيء فجأة كما ابتدأ وغمرت المكان روائح الدم والموت، اختارها القدر ولاقاها بخاتمتها مع عذاب فراق الزوج و ألم جحود الأخ ومع نهاية الصبر على أوجاع الوطن .

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

 

 

 

 

 

 

 

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك