الجمعة - الموافق 19 أبريل 2024م

قصة قصيرة ..تَرَى مَتَى سيأتى الرَّحِيل ..بِقَلَم الأديبة عَبِير صَفْوَت

Spread the love

 

وَقَف ” قدرى ” خَلْف بَابُ غُرْفَتِه الموصدة هَزِيلٌ الْمَنْكِبَيْن ، يَرْتَجِف واخيلة الظَّنّ تُرَاوِد الِاحْتِمَال :

هَلْ أَنَا جَسَدًا بِمَحْض الرَّحِيل ؟ ! هَلْ أَنَا الرَّجُلُ الْمُخْتَار لِلْمَوْت ؟ ! تَوًّا أَخْرَجَتْه الْأَصْوَات الْمُتَصَاعِدَةِ مِنْ خَلْفِ جِدَار الْبَاب الأمامى ، يُبْكَى وَيَطْمَئِنّ مِن بِالْجِوَار ، يتلسن فَيْض الذِّكْرَى ، مبتأس بخلجات نَفْسِه ، يَجْهَر بِكَلِمَات تَأْخُذُهُم لِصَبْر ، وَلَا تَأْخُذُهُ لِلْأَمَان .

أَطْلَق بَيْن الْبَرَاح مَا يُنْهَى السُّوء عَن الْمَخِيلَة يابنى ، قَالَ الْأَبُ الْمَرِيض بَلَغَه تَنَفَّض مِنْ الْأَمَلِ ، مُنْتَظِرًا حَرْفًا يلقبة الِابْن المحتجز بوميض التفائل ، أَلَا لَا مَحَالَةَ ، وَهَمس بنبض ضَعِيفٌ :

رحمتا يَا أَبِى بِنَفْسِك ، وَهَلْ تَرَى ؟ ! طَال الِانْتِظَار .

قَبْض الْأَبِ بِأَنَامِل معروقة يُصَافِح سَطْح قَدِيمٌ يتواسى بِالْأَمَان والتوجس حَلِيفُه ، حَتَّى قَالَ بِرِفْق مَهْزُوز ، وَصَوْت يَنْهَشُه الزُّعْر :

لَا تَخْشَى الْأُمُور يابنى ، تَسَلَّح بِالدُّعَاء وَالصَّلَاة وَالْإِيمَان .

لَقَبُه الِابْن الْمَعْزُول بِكَلِمَة :

الدَّعْوَة لَهَا مُسْتَجَابٌ يَا أَبِى .

بَكَى الْعَجُوز مرتجفا :

وَالرِّضَا مِنْ قَلْبٍ الْمُؤْمِنِ لَن يَضِيع أُجْرَة يابنى .

اِنْبَثَق مَكْنُون مِنْ قَلْبٍ الْأُمِّ يَتَصَاعَد بدرجات إلْيَاس وَالضَّيَاع تبوح بِمَرْأَى الْأَوْضَاع العابثة فِى خَرِيفٌ تنتحر فِيه الْوُرُود :

مَا ظَنُّك بِالْقَدَر ؟ ! يَا بَنِى الْوَحِيد ؟ !

انْتَبَه “قدرى” يَتَنَصَّلُ مِنْ اللَّحَظَات ، قَائِلٌ بنبرة مِنْ الرِّفْقِ وَالْحَنَّان :

وَيْحَك يَام ” قدرى ” وَأَنَا الِابْن العابث بعالمك والوحيد ، لَن أَخَافُ يَا أمى ، وَالْبُكَاء دَمْعُه بِالْمِلَل تَتَحَجَّر ، عَلِيًّا مِنْكُم فَقَط الصَّفْح وَالْغُفْرَان لِى .

اِنْهَمَر الْأَب فِى بُكَاء حَارّ قَائِلًا بِكُلّ مَشَاعِرُه الجياشة :

اسامحك بِكُلّ الرِّضَا وَالْقَبُولِ يَا بَنِى .

اقْتَرَبَت الْأُمِّ مِنْ جِدَارٍ الْبَاب ، تُحَدِّثُه بِالصِّدْق :

أَعْلَم يابنى أننى اسامحك وَالتَّسَامُح بِنَفْسِي .

اسْتَمَع الْأَخ الْأَصْغَر ل ” قدرى ” حَتَّى اِنْسابَت دُمُوعُه يلوكة الظَّنّ بَيْن الْأَفْهَام وَعَدَم الوعى ، حَتَّى قَالَ بِصَوْت طفولى يُلاَمِس وَجْه جِدَار الْبَاب :
آخَى الْوَحِيد ” قدرى ” إلَى أَيْنَ سترحل يأخى ؟ !

أَفَاق ” قدرى ” رُؤْيَا مِنْ خَلْفِ هُمُومِه بئسا :

تَرَى مَتَى سيأتى الرَّحِيل ، وَتَرَى مِنْ سَيَبْقَى .

تَكَوَّم ” قدرى ” وانتاب قَفَصِه الصَّدْر الضَّيَاع ، نِزَاعٍ مِنْ الْأُمِّ السُّعَال ، وَشَعْر بِأَوْقَات رفاتها سويعات مَرَّت وَدَقَائِق تُقَاوِم الْمَحْتُوم .

شَعْر الْأَبِ وَالْأُمِّ بهوين الْفِرَاق ، حَتَّى تمضغت الْأَقْوَال بالصعاب تَبْرَح قَلْبِ الْأُمِّ مَنْفَى الْعَذَاب .

وَأَمَال الْأَب يَسْتَنِد بعضادة الْمَرِيض ، تَتَمَخّض مُقْلَتَيْه فِى ماقى تَعَمَّقْت بِبِئْر الْأَجْفَان ، يَسْتَمِع لِلَحْظِه يَتَمَزَّق فِيهَا الْفُؤَاد ويتمتم :

لَو يَزِيدُ اللَّهُ بعمرك يَا وَلَدَى ، فَأَنَا الْأَحَقّ الْآن بِالرَّحِيل .

تُنْفَى الْأُمّ بِعَالِم الْأَوْجَاع ، يَتَحَتَّم عَلَيْهَا حَجَز القَلَق وَالْخَوْف ، تَجْهَر بنحيب الْفِرَاق :

مَا يضنينى إلَّا الْفِرَاق ، وَمَا يسلى قَلْبِي إلَّا عَدَمُ الرَّحْمَة بِعُيون الْمَرَض ، رحماك ياللَّه بولدى .

يَنْظُر الْأَخ الصَّغِير مَبْهُوت الْوَجْه .

حَتَّى يَسْتَقِرَّ ” قدرى ” كَأَنَّه يَتَنَفَّس ببراح إنَاء مُغْلَقٌ ، حَتَّى يهمد بِأَرْض الْحَيَاة ، يَرَى مَا يَنْتابُه ويتهيئ لَه ، و قُلُوب خَلْف جِدَار الْبَاب ، تَنْتَفِض مِن الزُّعْر ، تراودها مَهَابَة الْخَوْف والتساؤلات الَّتِى ، كَثِيرًا مَا تَهَرَّب مِنْهَا الْأَجْوِبَة .

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك