الخميس - الموافق 18 أبريل 2024م

قصة الجريمة ..سبيـــل .. بقلم الأديبة عبير صفوت

Spread the love

لُغْز يَتَزَايَد بِالْحِيرَة وَالْقَلَق ، كَيْف تَمُوت الْأُمَّ ؟!بَعْدَ تَنَاوُلِ عَصِيرٌ المانجو وَالْجَمِيع تَنَاوَلَ مِنْ نَفْسِ الْإِبْرِيق ، تَعَجَّب الطَّبِيب الشَّرْعِيّ مِنْ تِلْكَ الْأَحْدَاثِ قائلاً بِعُنْف :
لاَبُدَّ أَنْ هُنَاكَ لَعُِبه لِإِخْفَاء الْقَاتِل .
قَال “سبيل” مترنحا مِنْ هَوْلِ الصَّدْمَة ، كَم أحببتك يَا أُمِّي بِعُنْف ، كَانَت الْحَبّ الْوَحِيد بحياتي ، نَظَرٌ “سبيل” إلَى كُرْسِيِّ إمَامِه خَلَّى مِنْ الْجُلُوسِ حَتَّى قَالَ مُنْهَمِر الدُّمُوع الَّتِى لهبت أَجْفَانِه :
لَم اتذوق . مَعْنِيٌّ الْفِقْدَان لَيْلَةٍ وَاحِدَه ، إلَّا بَعْدَ رحيلك يَا أُمِّي .
أُخْرِجَت “رحيل” بَعْض الْكَلِمَات الْمُبَعْثَرَة وَهَى الِابْنَة الثَّانِيَة لِلْأُمّ الرَّاحِلَة ، حَتّى قَالَتْ بِفَزَع وَتَعَجَّب :
احتسينا جَمِيعًا شَرَاب المانجو ، وَلَمْ تَمُتْ غَيْر أُمِّي .
تَفَكَّر الْمُحَقِّق بِعَقْل نَاضِج حَتّى قَالَتْ ظُنُونَه :
أَن “سبيل” طِفْل رَقِيقٌ ومدلل ، و”رحيل” بِنْتٌ صَغِيرَةٌ تَعْتمِدُ عَلَى الْأُمِّ فِى كُلِّ الْأَشْيَاءِ ، اِقْتَحَم الطَّبِيب الشَّرْعِيّ فَكَرِه كَانَت شَارِدَة بِعَقْل الْمُحَقِّق ، حَتَّى قَالَ :
أَنَا مَعَك ، لَا غَيْرُ “شكري” الْوَلَد الضَّالّ ، كَثِير الْمَشَاكِل .
تَنَبَّه الْمُحَقِّق لِمَا تلسن بِهِ الطَّبِيبُ حَتَّى قَالَ :
مَا الدَّافِعَ لِذَلِكَ وَأَيْن الْأَدِلَّة وجسم أَدَّاه الجَرِيمَة
الطَّبِيب الشَّرْعِيّ بتمكن :
أَنَّه التَّوْقِيت يَا عَزِيزِي ، اِبْحَثْ عَنْ عَقَارِبُ السَّاعَةِ .
الْمُحَقِّق يُلْتَفَت بكُلِّ تَفَاصِيلِ وَجْة نَحْو الطَّبِيب مُسْتَمِعٌ ، حَتَّى شَرَحَ الطَّبِيب ، أَدَقّ التَّفَاصِيل :
فِى تِلْكَ اللَّيْلَةِ الْمَوْعُودَة ، قُدم الْعَصِير تَمامِ السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ مساءً ، أَحْضَر الْأَب خَمْسَة كُؤُوس ، وَقَع كَأْس وَكَسْر ، أَحْضَر “شكري” كَأْس آخَر لِلْأُب
اُسْتُوْقِف الْمُحَقِّق الطَّبِيب حَتَّى قَالَ :
هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ الكَأس الَّذِي أَحْضَره شُكْرِي لِأَبِيه ، قَدِمَة الْأَبُ لِزَوْجَتِة بَدَلًا مِنْ الْكَأْسِ الْمَفْقُود .
اسْتَكْمَل الطَّبِيب :
لِذَلِك أَخَذَتْ الْأُمُّ الْكَأْسُ مِنْ يَدِ “زوجها” وَلَم يُنْفِس شُكْرِي بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ خَوْفًا مِنْ اِكْتِشاف جَرِيمَتِه .
تَفَكَّر الْمُحَقِّق قَلِيلًا ثُمَّ قَالَ :
إنَّمَا كَيْفَ تَخَلَّصَ شُكْرِي مِنْ الْكَأْسِ ؟ !
الطَّبِيب الشَّرْعِيّ :
صَدَم شُكْرِي مِن اِسْتِبْدَال الْكُؤُوس ، لِذَلِك جَمْع الْكُؤُوس وَأَخَذ الكَأْس الْمَسْمُوم حَتَّى يَتَخَلَّصَ مِنْهُ ، بِحُجَّة الْخُرُوجِ مَعَ الأَصْدِقَاءِ .
نَظَرٌ الْمُحَقِّق مِن نَافِذَةٌ المخفر متسائلا :
هَذَا مَا تَمَّ فِى التَّقْرِير بِالْفِعْل ، إنَّمَا ،
تُرِي أَيْن الكَأْس الْآن
نَكَّس الْمُحَقِّق رَأْسَه متمتما :
أَنَّهُ الدَّلِيلُ الْوَحِيد .
الطَّبِيب الشَّرْعِيّ :
إذ أخفقت الظُّنُون ، سنعود إلَى الإنجال
جَلَسَ “عَبْدُ الْقَادِرِ” الْجَار الْقَاطِن بِالدَّوْر السُّفْلِيّ لِشِقِّه الرَّاحِلَة ، متنهدا بِعُنْف فِى وَضَع الحائرين يَسْرُد الْوَاقِعَة :
كَانَت السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ وَالرُّبْع ، خَرَجَت لِإِلْقَاء الْقُمَامَة اِصْطَدَمَت بِـ “شكري” ابْن الرَّاحِلَة ، قَد ارتأيت بِيَدَيْه كَأْس وراودني الظَّنّ ، بِبَقَايَا عَصِيرٌ كَانَت بالكأس ، بَعْد الاصْطِدَام قُذَف الْكَأْسُ مِنْ يَدِ حَامِلِه فتناثرت أَجْزَاء الكَأْس ببراح السَّلَم ، اِرْتَبَك “شكري” وَظِلّ يُلِمّ مَنْثُور الزُّجَاج ، الْحَقِيقَة إنَّنِي تَعَجَّبْت لِذَلِك وتساءلت :
مَا السَّبَبُ وَرَاء حَمَل الكَأْس وَالْجَرْي بِه ، بَعْد رَحِيل “شُكْرِي” رَأَيْت قَطَعَه كَبِيرَةً مِنْ الْكَأْسِ لَمْ تُكْسَرْ ، كَانَت مُنْزَوِيَة أَسْفَل الدَّرَج ، حِينِهَا قَرَّرْت الاِحْتِفَاظُ بِهَا ، حَتَّى عَلِمْت بِرَحِيل الْأُمَّ بَعْدَ تَنَاوُلِ عَصِيرٌ المانجو .
أَعْلَنَ الطَّبِيبُ الشَّرْعِيّ :
إذَا هُنَا الْأَدِلَّةُ وجسم أَدَّاه الجَرِيمَة ، اِكْتَمَلَت جَوَانِب الْقَضِيَّة .
الْمُحَقِّق يَتَفَكَّر :
لَمْ نَعْلَمْ مَا سَبَبُ الجَرِيمَة .
جَلَس شُكْرِي يتباكي بِحَرْقِه ، حَتَّى قَالَ ملوحا باستسلام :
لَمْ تَكُنْ أُمِّي الْمَقْصُودَة بِذَلِك .
قَالَ الْمُحَقِّقُ :
عَلِمْنَا بِالْأَمْر .
اسْتَكْمَل شُكْرِي متعنفعا :
كَم مَرَّت مِنْ الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي وَأَنَا أَحْسِبُ لِهَذَا الْأَمْرِ ، كُنْت أَرَاهُ كُلَّ لَيْلَةٍ وَهُوَ مُلْقِي بِلَا أَنْفَاس بِلَا حَيَاةٍ ، كَان مشكلتي الوَحِيدَة وَحَيَاتِي الْقَاسِيَة البغيضة الَّتِى سَوَادِهَا فِى مَلامِح هَذَا الْأَب الظَّالِم ، وَلَا أَدْرِي أَيَّ طِيبِهِ تَخَلَّلَت مَشَاعِرُه لِإِعْطَاء أُمِّي الكَأْس حِينِهَا
قَالَ الْمُحَقِّقُ بِإِيمَان :
أَنَّهُ الْقَدْرُ
اعْتَرَض شُكْرِي قَائِلًا :
لَا أَنَّهُ الظُّلْم وَعَدَم الْعَدْل ، حَتَّى يُرَحَّلَ الْأَحْبَاب وَيَظَلّ الْأَعْدَاء يَحْفِرُون فِى قُلُوبِنَا الذُّلّ وَفِى عُقُولِنَا تَأْنِيب الضَّمِير مدي الْعُمْر .
جَلَس الطَّبِيب الشَّرْعِيّ يَزْفُر رَاحَةٌ قَائِلًا :
أتساءل ، لِمَاذَا لَمْ يراودنا الشَّكَّ بِهَذَا الْأَب ؟ !
أَجَاب الْمُحَقِّق بِسُؤَال :
أَيْضًا لِمَاذَا يراودنا تَوَاطُؤ الْأَبِ مَعَ “شكري” ضِدّ الْأُمّ الْمِسْكِينَة .
صُمْت الْمُحَقِّق وَالطَّبِيب ، وَكَثِيرًا مِنْ الْأَسْئِلَةِ والشكوك تتراقص باخيلتهم الصاخبة .

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك