الجمعة - الموافق 29 مارس 2024م

قانون منع الميراث بين الواقع والتطبيق بقلم :- الدكتور عادل عامر

للأول مرة في تاريخ هذا القانون يتم مثل هذه التعديلات لمواجهة ظاهرة مانعي اعطاء الميراث بين مستحقين وبخاصة النساء والتي اصبحت ظاهرة في صعيد مصر بل امتدت الي البحري تقليدا لما تم في الصعيد فنص علي ، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وغرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه (1135 دولارا)، ولا تتجاوز 100 ألف جنيه (نحو 6 آلاف دولار)، أو بإحدى العقوبتين، كل من امتنع عمدا تسليم الوريث نصيبه الشرعي أو حجب سندا يؤكد نصيبا للوارث، وترتفع عقوبة الحبس إلى سنة في حال تكرار الفعل.

جاء التحرك المصري وإقرار عقوبة من هذا النوع لأول مرة منذ صدور قانون المواريث عام 1943، فيعتبر  ما يحدث في بعض القرى من حرمانهن من الميراث بالوضع القاسي”.     أن المصادقة على سن عقوبة للامتناع عن تسليم الميراث، قد لا يجدي نفعا إذا لم يقابلها حراك ديني وثقافي وتوعوي، لتغيير العادات والتقاليد التي تتعامل مع مطالبة المرأة بإرثها الشرعي على أنه من الأمور المعيبة، وأن منحها حقها أو حجبه يرتبط بمدى قناعة أسرتها بذلك، بغض النظر عن كون ذلك شرعيا أم لا.

لا يرتبط الحرمان من الميراث في مصر بمنطقة بعينها، وتنتشر هذه الثقافة في جنوب مصر وشمالها، لكنه يأخذ أكثر من طابع حسب العرف المتبع، فهناك حرمان كامل تبرره فئة بأن تسليم الميراث للفتاة يفقد العائلة جزءا من وجاهتها الاجتماعية باعتبار أن ملكية الأراضي والعقارات الكثيرة، أحد أهم معايير التعبير عن الثروة والمكانة الاجتماعية المرموقة للعائلات في الصعيد والوجه البحري.

 أن هناك عائلات قد تقطع علاقتها بابنتها إذا طالبت بهذا الحق، كما أنه من المستبعد أن تحبس الفتاة شقيقها لأنه حرمها من الميراث، لكن الأمر يأخذ أكثر من طريقة، إذ تتعامل الكثير من العائلات بأسلوب “الرضوى”، بمعنى ترضية الفتاة بمبلغ مادي نظير ميراثها، وبالتأكيد لا تكون قيمة “الرضوى” مساوية لثمن العقار.

أما الحرمان الكامل من الميراث في بعض القرى، فيكون إذا تزوجت الفتاة خارج العائلة، وهنا ترفض أسرتها تسليمها حقها باعتبار أن ما ترثه سيذهب إلى عائلة أخرى، وأحيانا تتم الموافقة على زواجها من شخص غريب شريطة إقرارها بالتنازل عن الميراث.

 تسلم الميراث عنوة عن طريق المحكمة يعني مقاطعة العائلة لابنتها التي تطالب بميراثها، وهو ما يتنافى مع العادات والتقاليد، لذلك فأكثر النساء يقبلن بالقليل حفاظا على صلة الرحم، ولجوء بعضهن إلى القضاء يعتمد على الجرأة والشجاعة والعلم بالقانون والتضحية بالعلاقات مع أسرتها.

فظاهرة امتناع بعض العائلات عن تسليم الميراث للمرأة، قد لا تكون مرتبطة بالمستوى التعليمي للأسرة، حيث توصل مسؤولون في برنامج تنمية المرأة بهيئة كير الدولية، إلى أن أكثر المحرومات في صعيد مصر من ميراثهن، طبيبات وأساتذة جامعات من عائلات لها تاريخ تعليمي وثقافي، وأنه في محافظات مثل المنيا وأسيوط وسوهاج وقنا (جنوب مصر) وصلت نسبة الحرمان من الميراث إلى 90 بالمئة فإن 84 بالمئة من الرجال بمحافظة أسيوط رفضوا حق المرأة في الميراث، بينما لا يؤيد 88 بالمئة منهم أن يؤول ميراث الأرض إلى النساء.   إن “المرأة في الصعيد إذا طالبت بحقها في الميراث مثلما حدد الشرع، قد تعاقب وكأنها أجرمت، لأنها تخالف بذلك الأعراف والتقاليد، وهذه النوعية من العائلات لا تعترف بقانون يذكر، والغريب أنهم متدينون بشدة، ويقدسون العبادة، لكن مسألة الميراث عندهم خط أحمر لا يمكن تجاوزه”.

 أن الحديث عن تطبيق عقوبات لرافضي تسليم الميراث للمرأة، يمكن اعتباره تحصيل حاصل برغم أهميته الاجتماعية، لأنه من النادر لجوء امرأة إلى القضاء كي تشتكي إخوتها، لأنها تضحي بالميراث للحفاظ على صلة الرحم، وتقبل بالرضوى” كتعويض عن حقها الشرعي، وتقر بأنها حصلت على ميراثها كاملا.

والقانون في مثل هذه الحالة لا يفيد المرأة، ولا بديل عن تدخل كل المؤسسات الدينية والإعلامية والثقافية لتغيير هذه العادات، وتكون المرأة التي تعيش وسط مجتمع تحكمه الأعراف والتقاليد والموروثات القديمة، بين نارين؛ إما اللجوء إلى القضاء للمطالبة بحقها ما قد يدفع عائلتها إلى مقاطعتها وتعيش وحيدة، وإما تصمت وترضى بمبلغ مالي يدفع لها كتعويض عن حقها الشرعي.

وهناك من 8 إلى 14 ألف جريمة جنائية كجرائم قتل وثأر تحدث سنويا بسبب الميراث، وتصل إلى المحاكم 144 ألف قضية نزاع على ميراث يتم نظرها أمام القضاء كل عام، حسب دراسة قضائية أعدتها وزارة العدل المصرية قبل عامين، تطرقت أيضا إلى أن 95 بالمئة من النساء محرومات من الميراث في صعيد مصر.

وأكدت بعض الإحصائيات تعرض 35 بالمئة من السيدات اللائي حرمن من ميراثهن للإيذاء جسديا و15 بالمئة للابتزاز المادي وهناك 50 بالمئة يتنازلن عن حقوقهن بسبب الابتزاز المعنوي والخوف من الخلافات الأسرية، وغضب الأهل وقطع صلة الرحم.

أن الحل يكمن في إنشاء هيئات قضائية مستقلة تتبع محاكم الأسرة تكون مهمتها حصر الميراث وفق الوثائق الرسمية المثبتة بالمؤسسات الحكومية، ثم تقوم بتوزيعه على الورثة طبقا للأنصبة الشرعية بحيث تُسلب سلطة توزيع الميراث من الذكور والعائلة برمتها، حتى يتم النأي بالنساء من الدخول في مواجهة مباشرة مع عائلاتهن وإنقاذهن من الرضوخ لعادات وتقاليد ويتضمّن التعديل إضافة باب تاسع للقانون بعنوان العقوبات

، وهي على عدد من الجرائم التي استحدثها التعديل أو اعتبرها للمرّة الأولى فعلاً إجراميّاً، ومنها الامتناع العمديّ عن تسليم أحد الورثة الشرعيّين أيّ تركة نصيبه منها، ويعاقب الفاعل مدّة حبس لا تقلّ عن ستّة أشهر وغرامة لا تقلّ عن عشرين ألف جنيه مصريّ، ولا تزيد عن مئة ألف جنيه مصريّ، أو الامتناع عن تسليم أحد الورثة الشرعيّين أو الجهّات المختصّة في شؤون الميراث، مثل المحاكم، أيّ سند (مستند قانونيّ) يثبت حقّ وريث في تركته، ويعاقب الفاعل بالحبس مدّة لا تقلّ عن ثلاثة أشهر وغرامة ماليّة لا تقلّ عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد عن خمسين ألف جنيه، كما ينصّ التعديل على عقوبة من يكرّر هذه الأفعال بالحبس لمدّة لا تقلّ عن سنة.

والميراث وفقا للقانون المصري هو حق ينشأ لشخص أو مجموعة أشخاص في ثروة، سواء كانت أموال سائلة أو ممتلكات، نتيجة وفاة صاحبها، وتقسم الحصص في تلك الثروة على هؤلاء الأشخاص بحسب نوع ودرجة قرابتهم بالمتوفي، مالك الثروة الأصلي، وفقا لما حددته الشريعة الإسلامية، ويطلق على الحصة المقررة لكل شخص نصيبه الشرعي.

بالرغم من انها خطوة جيدة نحو القضاء علي تلك الظاهرة التي باتت تؤرق المجتمع المصري والتي ساهمت في نشر الخلافات والنزاعات بين أبناء الأسرة الواحدة، مشيرا إلى أن البلاد المتخلفة دينا علي حد تعبيره تحرم البنات من الميراث ظنا منهم أن الأرض والأموال ستنتقل منهم إلى عائلات أخرى.

 الأزمة ليست في القانون ذاته  فجرائم حجب الميراث وعقوباته في قانون المواريث أم قانون العقوبات، ولكنّ الأزمة تكمن في أنّ القانون صعب التطبيق على أرض الواقع، لأنّ العادات والتقاليد التي تفضّل الذكر على الأنثى في الريف والصعيد ستمنع الإناث من المطالبة بحقوقهنّ في الميراث حتّى في ظلّ القانون، وستصبح الفتيات والسيّدات المطالبات بحقهنّ عن طريق القضاء والمحاكم في تلك المناطق موضع انتقاد وربّما قطيعة تامّة مع أسرهنّ.         أنّ القانون المعدل كي يستوفي الغرض منه بتقليل جرائم حجب الميراث، يحتاج إلى توعية اجتماعيّة للإناث بحقوقهنّ وضرورة المطالبة بها.

أنّ العديد من العائلات في الصعيد تلجأ إلى الرضوى، أيّ ترضية المرأة بمبلغ ماليّ عوضاً عن حصّتها في الميراث، وأنّ العديد من مبحوثات الدراسة من الصعيد يخفنّ من المطالبة بحقوقهنّ، خوفاً من اتّهامهنّ بسوء الأدب والتربية وأنّ بعضهنّ تعرّضن إلى بيع أباءهن ثروتهم كاملة لأبنائهم من الذكور، لكي لا تقاسمهم الفتيات في تلك الثروة بعد وفاة الآباء.    إنّ النساء نادراً ما يلجأن إلى القضاء لحلّ النزاعات على الميراث، لأنّهنّ مقتنعات بأنّ المحكمة ستأخذ فترة طويلة حتّى تنطق بالحكم، وبأنّ اللجوء إلى القضاء سيؤدّي إلى العداء مع الأهل.

 

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك