الجمعة - الموافق 29 مارس 2024م

فى طريق الهدايه ومع عبد الله بن عباس ( الجزء الأول ) إعداد / محمـــد الدكــــرورى

إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، هم أبر الناس قلوبا، وأعمقهم علما، وأحسنهم خلقا، ولقد بعث الله تعالى النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، بالهدى والنور، واصطفاه الله عز وجل، على البشر، ثم اصطفى الله عز وجل، له أصحابا خُيَّرا كانوا حريصين على الخير، وداعين إليه، فقد قال عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، من كان منكم مُستنا فليستن بمن مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة، وكان يوجه التابعين رضي الله عنهم، ويقول إذا أردتم قدوة في الخير فاستنوا بأصحاب رسول الله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، أولئك أصحاب النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فكانوا أبرّ هذه الأمة قلوبا، وأصدقها ألسُنا، وأثبتها عند اللقاء، فكان يأمر الناس أن يقتدوا برسول الله صلى الله عليه وسلم.
وسوف نتحدث عن فى هذا المقال عن أحد العبادله الأربعه، وإن العبادلة هو لقب أطلق على أربعة من الصحابة، وهم عبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عباس بن عبد المطلب، وعبد الله بن الزبير بن العوام، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وهكذا فقد ذكرهم أهل الحديث وغيرهم من العلماء، وقد قيل للإمام أحمد بن حنبل” فابن مسعود؟ قال: ليس هو من العبادلة، وقال الحافظ البيهقي أنه ليس من العبادله وكان سبب ذلك أن عبد الله ابن مسعود، قد تقدمت وفاتهُ وهؤلاء عاشوا حتى احتيج إلى علمهم، فإذا اتفقوا على شيء قيل : هذا قول العبادلة، أو فعلهم، أو مذهبهم، ولفظ العبادلة يطلق على هؤلاء الأربعة لأنهم من صغار الصحابة وقد جمعوا علما واسعا، وكان مدار العلم والفتيا والرواية عنهم لتأخر وفاتهم.
ومعنا الصحابى وأحد العبادله، عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي، وهو صحابي محدث وفقيه وحافظ ومُفسر، وهو ابن عم النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وهو أحد المكثرين لرواية الحديث النبوى الشريف، حيث قيل أنه قد روى عدد ألف وستمائه وستون حديثا عن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ويُعد عبد الله ابن عباس من أشهر مُفسري القرآن الكريم، من الصحابة، مع أنه كان أصغرهم سنا، حتى لُقب بلقب ترجمان القرآن، ويقول عبد الله بن مسعود: “نعم ترجمان القرآن عبد الله بن عباس” وقد اشتهر بالتفسير جماعة من الصحابة، ذكرهم السيوطي، فقال: اشتهر بالتفسير من الصحابة عشرة: الخلفاء الأربعة، وابن مسعود، وابن عباس، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبو موسى الأشعري، وعبد الله بن الزبير ”
وقد كان ابن عباس يُتقن تفسير القرآن كله، وقد كان مجاهد بن جبر يسأله عن تفسير القرآن ومعه الواحة، ويكتب ما يقوله حتى يسأله عن التفسير كله، فيقول مجاهد: “عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات من فاتحته إلى خاتمته أوقفه عند كل آية منه وأساله عنها” وقد كان ابن عباس يقول: ” كل القرآن أعلمه إلا ثلاثا، الرقيم وعسلين وحنانا ” وقد كان عبد الله بن عباس وسيما جميلا، ومديد القامه مشربا صفرة صبيح الوجه له وفرة يخضب بالحناء مهيبا كامل العقل ذكي النفس من رجال الكمال، وكان ابن عباس منذ طفولته الطاهرة النقية لا يتخلف عن مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن الصلاة خلفه وكان الرسول صلى الله عليه وسلم، يرى في ابن عمه غلاما نجيبا عقله أكبر من سنه.
ومداركه أوسع من طفولته فهو لايكاد يسمع آية من كتاب الله تعالى، حتى يحفظها عن ظهر قلب، ولا يكاد يسمع حديثا نبويا حتى يعيه ويستوعبه، وكان يجالس الكبار ويستمع إليهم ولذلك فإنه كان يزداد كل يوم علما وحكمة وفطنة، وينمو وعيا وإحساسا وإدراكا حتى بلغ مرتبة الفتيا وهو في سن الثامنة عشر من عمره، وكان ابن عباس رضي الله عنه من أشهر مفسري الصحابة، مع أنه كان أصغرهم سنا، وكان من منهج ابن عباس في تفسيره لكتاب الله تعالى، أن يرجع إلى ما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما سمعه من الصحابة الكرام، فإن لم يجد في ذلك شيئا اجتهد رأيه، وهو أَهل لذلك، وكان رضي الله عنه، يرجع أحيانا إلى أخبار أهل الكتاب، ويقف منها موقف الناقد البصير، والممحّص الخبير.
فلا يقبل منها إلا ما وافق الحق، ولا يُعوّل على شيء وراء ذلك، وقد كان ابن عباس رضي الله عنه، معروفا بأدبه الجمّ مع أهل العلم، وقد عاد ذلك عليه باليُمن والبركة، كما كان عابدا راسخا في عبادته، كثير البكاء خشيةً من الله عز وجل، وعقد النية على الذهاب لأداء الحج مشيا على الأقدام، إلا أنه أصيب ببصره فلم يفعل، وتأسّف على ذلك وقال: “ما آسي على شيء فاتني إلا أني لم أحج ماشيا ” وعُرف عنه أيضا تدبّره لآيات القرآن الكريم، والتمعّن في المعاني والدلالات، وكان من صفاته الجليلة التي عُرفت عنه، هو الوفاء، إذ منح أبا أيوب الأنصاري رضي الله عنه، مالا ليسدّ به ديونه، ووهبه مثله أيضا، إكراما له على جميل صُنعه مع الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، حين هاجر إلى المدينة المنورة.
ومما اشتهر به ابن العباس أيضا صبره على المصائب والابتلاءات، محتسبا الأجر من الله تعالى، وكان عارفا مطلعا على طبائع الناس، وعالما بأساليب التعامل معهم، وبذلك زادت محبّة الناس له، فكان صابرا حليما حكيما حريصا على إظهار فضل ونعم الله عليه، وكان ابن عباس أبيضا، طويلا، ويقول شمس الدين الذهبي: وكان وسيما، جميلا، مديد القامة، مهيبا، كامل العقل، ذكي النفسِ، من رجال الكمال، ويقول عطاء بن أبي رباح ” ما رأيت القمر ليلة أربع عشر إلا ذكرت وجه إبن عباس ” وقد كان رجلا جسيما شاب مقدم رأسه عند كبره وله جمة، وقد قيل أنه كان ابن عباس إذا قعد أخد مقعد رجلين، وقد قال أبو بكرة ” قدم علينا ابن عباس البصرة وما في العرب مثله حشما وعلما وثيابا وجمالا وكمالا ”
وكان يُكثر من الطيب حتى إذا مر من طريق تقول النساء هذا ابن عباس أو رجل معه مسك، وكان بن عباس رضى الله عنهما قد أصابه العمى في آخر عمره، فاعترى لونه صفرة يسيرة، وأما عن ملبسه فقد كان يلبس الحُلة بألف درهم، وكان يلبس عمامة سوداء، فيرخي شبرا بين كتفيه وبين يديه، ويلبس إزارا إلى نصف ساقه أو فوق ذلك، ويصلي وعليه قطيفة رومية، ولقد حرص ابن عباس رضي الله عنهما، منذ صغره على طلب العلم وتعلمه، فبذل في سبيل ذلك جهدا كبيرا، وكان متواضعا في ذلك، ولم يأخذ إلا بحديث النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، الصحيح بعد أن تثبت صحّته، ولازم العلماء من الصحابة ونزل في بيوتهم دون المبالاة بأي أذى أو خطر قد يتعرض له في الطريق، وقد خص بعض الصحابة في تلقي العلم منهم.
مثل عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وأبي بن كعب، رضى الله عنهم أجمعين، وإن من الأسباب التي جعلت من ابن العباس فقيها عالما، دعاء النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، له، إذ قال صلى الله عليه وسلم ” اللهم فقِهه في الدينِ وعلمه التأويل ” وقد سُمّي بالبحر، لسعة علمه، وقال عنه عُبيد الله بن عتبة ” إنه قد فاق الناس بخصال، فقد تميز بعلمه وفقهه وحلمه ونسبه” وقال عنه أيضا “ما رأيت أحدا كان أعلم بما سبقه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم منه، ولا بقضاء أبي بكر وعمر وعثمان منه، ولا أفقه في رأيٍ منه، وما رأيت سائلا قط سأله إلا وجد عنده علما ” ولقد كان من صفاته العقلية هو اشتهاره بعمق الاستنباط واستنتاجه للمعاني العميقة من النصوص.

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك