الخميس - الموافق 28 مارس 2024م

فى طريق الهدايه ومع رحلة التيه والمنّ والسلوى ” الجزء الخامس ” إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الخامس مع رحلة التيه والمنّ والسلوى، وقد توقفنا مع بنى إسرائيل ومع كالب بن يوفنا وكان كالب لم تسمع في الأخبار شيئا من نبوته وكان خليفة يوشع بن نون، وتحته مريم بنت عمران أخت نبى الله موسى بن عمران وهو أحد الرجلين اللذين قال الله تعالى ” قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما” فلما احتضر استخلف ابنا له لوساقانين، وقد أمر الناس باتخاذ الأرض وأخذ العشر من غلاتها لارزاق الجند وكان فيما ذكر كيقباذ يشبه في حرصه على العمارة ومنعه البلاد من العدو وتكبره في نفسه بفرعون وقيل إن الملوك الكيبية وأولادهم من نسله وجرت بينه وبين الترك وغيرهم حروب كثيرة وكان مقيما في حد ما بين مملكة الفرس والترك بالقرب من نهر بلخ لمنع الترك من تطرق شئ من حدود فارس وكان ملكه مائة سنة والله أعلم، ونرجع الان إلى ذكر أمر بني إسرائيل والقوام كانوا بأمورهم بعد يوشع بن نون والاحداث التي كانت في عهد زوو كيقباذ ولا خلاف بين أهل العلم بأخبار الماضين وأمور الأمم السالفين من أمتنا وغيرهم أن القائم بأمور بني إسرائيل بعد يوشع بن نون هو كان كالب بن يوفنا ثم حزقيل بن بوذى من بعده وهو الذي يقال له ابن العجوز، وعن ابن إسحاق قال انما سمى حزقيل بن بوذى بن العجوز أنها سألت الله الولد وقد كبرت وعقمت فوهبه الله لها فبذلك قيل له ابن العجوز وهو الذي دعا للقوم الذين ذكر الله في الكتاب لمحمد صلى الله عليه وسلم كما بلغنا ” ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت”
فقال وهب بن منبه أنه أصاب ناسا من بني إسرائيل بلاء وشدة من الزمان فشكوا ما أصابهم فقالوا يا ليتنا قدمتنا فاسترحنا مما نحن فيه فأوحى الله إلى حزقيل إن قومك صاحوا من البلاء وزعموا أنهم ودوا لو ماتوا فاستراحوا وأي راحة لهم في الموت أيظنون أنى لا أقدر على أن أبعثهم بعد الموت فانطلق إلى جبانة كذا وكذا فإن فيها أربعة آلاف، قال وهب وهم الذين قال الله تعالى ” ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت” فقم فيهم فنادهم وكانت عظامهم قد تفرقت فرقتها الطير والسباع فناداها حزقيل فقال يا أيتها العظام النخرة إن الله عز وجل يأمرك أن تجتمعي فاجتمع عظام كل إنسان منهم معا ثم نادى ثانية حزقيل عليهم فقاموا، وقد أخبرنا الله تعالى في القرءان أن بني إسرائيل كانوا قبل بعثة نبى الله موسى عليه السلام مستضعفين في الأرض فقد كان فرعون يذبِح أبناءهم ويستحيي نساءهم فنجاهم الله تعالى من كل ذلك على يدي نبى الله موسى عليه السلام وقد كان لنبى الله موسى عليه السلام مع قومه أخبار وحوادث كثيرة، وهى إن الله أوحى إلى نبيه موسى أن سر ببني إسرائيل حتى تدخل الأرض المقدسة، فقد كتبتها لكم، فاخرج إليها فجاهد من فيها بمن معك من بني إسرائيل، فإني ناصركم، فانطلق نبى الله موسى بمن معه من بني إسرائيل فقالوا يا موسى، إنا لا نعرف الطريق، ولا علم لنا بالأرض ومدخلها ومخرجها، ورجالها وحصونها، فبعث موسى اثني عشر نقيبا إلى الأرض، ليتحسسوا لهم الأرض، وأقام موسى مكانه وجعل عليهم يوشع بن نون وكالب بن يوفنا.
وكان في ما بين الشام وبين بني إسرائيل في مصر مفاوز ليس بها ماء فدعا لهم نبى الله موسى بالرزق، فأنزل الله عليهم في مسيرهم المن والسلوى، وفجّر لهم من الحجارة عيون ماء من موضع موسى إلى أرض أريحا، وأقام موسى بمكانه، فقالت بنو إسرائيل كيف لنا بهذا المسير البعيد الذي لا نقوى فيه على حمل الماء وصنعة الطعام؟ يعول الرجل منا أربعمائة عيل، فأي ماء يسعهم وأي طباخ يكفيهم، وأي دار تكنهم حتى تبلغهم؟ وأي خباء يسعهم؟ وليس بيننا وبين الأرض المقدسة مدائن الأسواق، فادع لنا ربك يكفينا مؤنة هذا السعي، فأوحى الله إلى موسى أن أعلمهم أني قد أعلمتك وأعطيتك ما سألوا، فقل لهم، أما ما سألتم من الطعام فإن الله يمطر لكم السماء بالمن خبزا مخبوزا طعمه كطعم الخبز المأدوم بالسمن والعسل ومسخر لكم الريح فتنسف لكم طير السلوى، فتوسعكم لحما ما أكلتم، وأما ما تحتاجون إليه من الماء فيفجر لكم من الحجر ماء رواء حيث نزلتم، فيسعكم لشربكم وطهوركم، وأما ما أردتم من الكن والظل، فيسخر لكم الغمام فيظلكم من فوقكم ويكنكم من البرد والحر والريح، فقالوا يا موسى نقيم حتى يرجع إلينا النقباء فيخرجوننا، فأمر نبى الله موسى النقباء أن يسيروا، فأتوا الأرض المقدسة، وارتحل موسى ومعه بنو إسرائيل لدخول الأرض المقدسة، فكانوا إذا نزلوا ليرتاحوا ضرب موسى بعصاه الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا فكانت تجري إلى كل سبط عين تدخل عسكرهم، وكانت السماء تمطر عليهم خبز المن، وتنسف عليهم الريح طير السلوى.
وتذري رأسه عنه فيصير مصفى ليس فيه ريش فيصبح في العسكر ركامان عظيمان من خبز وطير، فيأكلون ويحملون، وبنى إسرائيل قد اختلف علماء العصر في بيان معاني هذه الآيات والمقصود منها الإفساد، فمنهم من قال إن مرتين الإفساد قد وقعتا، قبل الإسلام، وعوقب بنو إسرائيل أو اليهود عليهما من الله سبحانه وتعالى، وإن اختلفوا في نوع الإفساد الذي وقع منهم وفي زمنه، والغالب أنه استحلالهم المحرمات، ونقضهم العهود، وانتهاكهم للحرمات بين بعضهم وبعض، وإيمانهم ببعض الكتاب وكفرهم ببعض، وتمردهم على أنبيائهم، إلى حد القتل، وقد قتلوا نبى الله زكريا ويحيى عليهما السلام، وتآمروا على المسيح عليهم السلام، إلى آخر ما سجله القرآن الكريم عليهم من تجاوزات وانحرافات خطيره في سورة البقرة وغيرها من سور القرآن الكريم، وكما اختلف المفسرون في حقيقة العقوبة التي نزلت عليهم، ومن هم الذين سلطوا عليهم، جزاء ما صنعت أيديهم؟ وأكثر الأقوال أن أولى العقوبتين كانت تسليط البابلين عليهم، فهزموهم شر هزيمة، وأزالوا دولتهم، وخربوا ديارهم، وحرفوا توراتهم، وأخذوهم أسرى إلى بابل، فعاشوا في النفي المذل، والغربة الأليمة سبعين عاما، وأما العقوبة الثانية، فكانت ضربة الرومان لهم، التي أنهت الوجود الإسرائيلي أو اليهودي من فلسطين، وفرقتهم في أنحاء الأرض، فلم تقم لهم قائمة بعدها، حتى جاءت الصهيونية الحديثة، ومنهم من قال إنما وقعت مرة واحدة من المرتين، عندما بعث النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وعاهد بني إسرائيل في المدينة.
ثم غدروا به وعادوه وحاربوه، فكانت هذه هي مرة الإفساد الأولى، وقد عاقبهم الله تعالى عليها بتسليط عباد له أولي بأس شديد عليهم، وهم الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة معه، فحاربوهم وانتصروا عليهم وأن المرة الثانية هي ما وقع من اليهود اليوم في فلسطين من تشريد أهل فلسطين وتذبيحهم، وتقتيلهم، وهتك حرماتهم، وتخريب ديارهم، التي أخرجوا منها بغير حق، وفرض وجودهم العدواني الدخيل بالحديد والدم والرصاص، وننتظر اليوم عقوبة الله تعالى لهم، بتسليط المسلمين مرة أخرى عليهم، كما سلط عليهم الصحابة أول مرة، وهذا ما ذهب إليه بعض علماء العصر مثل الشيخ الشعراوي والشيخ عبد المعز عبد الستار وغيرهما، مبينين أن المرة الأولى في إفساد بني إسرائيل كانت في عصر النبوة بعد البعثة المحمدية، وهي ما قام به بنو قينقاع وبنو النضير وبنو قريظة، وأهل خيبر، من كيد وبغى على الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وقد نصرهم الله تعالى عليهم، وكان العباد المسلطون عليهم هم النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة بدليل مدح هؤلاء بإضافتهم إلى الله بقوله كما جاء فى سورة الإسراء “عبادا لنا” وأن ما أجمع عليه المفسرون القدامى أن مرتي الإفساد قد وقعتا، وأن الله تعالى عاقبهم على كل واحدة منهما، وليس هناك عقوبة أشد وأنكى عليهم من الهزيمة والأسر والهوان والتدمير على أيدي البابليين، الذين محوا دولتهم من الوجود، وأحرقوا كتابهم المقدس، ودمروا هيكلهم تدميرا، وكذلك ضربة الرومان القاصمة التي قضت على وجودهم في فلسطين قضاء مبرما.
وشردتهم في الأرض شذر مذر، كما قال تعالى فى سورة الأعراف ” وقطعناهم فى الأرض” وحسب المسيحية فإن المن رمزا إلى ذاته لأنه هو الخبز الحي النازل من السماء وبذلك أثبت كونه طعاما عجيبا، وسمي المن “برُ السماء” “وخبز الملائكة” وذلك إشارة إلى أنه أعطي على سبيل أعجوبة، أما “المن المخفى” فيشير إلى القوت السري الذي يعطيه الرب للمؤمن ولا يعطي إلا له وأما عن السمان فهى طيور ترحل من إفريقية في الجنوب إلى الشمال في أسراب كثيرة العدد جدا، وقد صيد منها في إيطاليا مئة ألف طائر في يوم واحد، وهي تطير في أسراب فتشبه السحاب الكثيف ويُسمى السلوى باللغة اللاتيني وقد أرسل الله كمية كبيرة من هذه الطيور إلى محلة العبرانيين ليأكلوا لحمها بعد أن تذمروا على نبى الله موسى عليه السلام، وقد طارت أسرابها من الجنوب عن طريق البحر الأحمر، فقطعت خليجي العقبة والسويس، ووصلت إلى البرية في شبه جزيرة سيناء متعبة مرهقة، وإذ بدخان محلة العبرانيين يعاكسها فتسقط بالآلاف على الأرض، فيسهل إمساكها باليد، والسلوى حلوة المذاق، وقيل هي تبيض من اثنى عشرة إلى عشرين بيضة وتحتضنها في عش على الأرض، وتطير على ارتفاع صغير نحو ذراعين فوق وجه الأرض، وقد نشر العبرانيون السلوى ليجففوها باسطين إياها حول المحلة، وقد كان إرسال السلوى بهذه الكمية الوافرة مدة شهر كامل علامة من علامات عناية الله الكاملة، ويصف الكاب المقدس ان المن هو معجزه سمائية بكل المقاييس، فهو الخبز النازل من السماء،
فقال الرب لنبيه موسى عليه السلام ها انا امطر لكم خبزا من السماء فيخرج الشعب و يلتقطون حاجة اليوم بيومها لكي امتحنهم ايسلكون في ناموسي ام لا، فهو خبز سماوي اعجازي، و يكون في اليوم السادس انهم يهيئون ما يجيئون به فيكون ضعف ما يلتقطونه يوما فيوما ينزل ستة ايام فقط وفي اليوم السادس يكون ضعف الكمية اليومية، ولما ارتفع سقيط الندى اذا على وجه البرية شيء دقيق مثل قشور دقيق كالجليد على الارض، وينزل الندي قبل الفجر ومع ارتفاع الندي اي تبخره يظهر المن فهو يظهر في الصباح فقط منظهره محدد هو دائري صغير ابيض علي شكل قشور مثل الجليد علي سطح الارض ولما كالوا بالعمر لم يفضل المكثر والمقلل لم ينقص كانوا قد التقطوا كل واحد على حسب اكله، ومن اعجازه ان الذي يكثر منه لا يفضل منه والمقلل منه لا ينقص ايضا، وقال لهم نبى الله موسى لا يبقي احد منه الى الصباح، لكنهم لم يسمعوا لنبى الله موسى عليه السلام، بل ابقى منه اناس الى الصباح فتولد فيه دود وانتن فسخط عليهم نبى الله موسى عليه السلام، وهو يخزن من الصباح الي المساء يبقي سليم ومن يبقيه الي الصباح التالي ينتن، وكانوا يلتقطونه صباحا فصباحا كل واحد على حسب اكله واذا حميت الشمس كان يذوب، ومن خواصه ان الذي لا يجمع اذا حميت الشمس وهو وقت الظهيره يذوب ويختفي، ثم كان في اليوم السادس انهم التقطوا خبزا مضاعفا عمرين للواحد فجاء كل رؤساء الجماعة واخبروا نبى الله موسى عليه السلام، فقال لهم هذا ما قال الرب غدا عطلة سبت مقدس للرب.

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك