السبت - الموافق 20 أبريل 2024م

فى طريق الهدايه ومع حق الجار ” الجزء السابع ” إعداد / محمـــد الدكــــرورى

Spread the love

ونكمل الجزء السابع مع حق الجار، وقد توقفنا، مع علاقة الجيران ببعضهم البعض فإنه على الجار أن يقبل بالصلح ويفرح به ويشكر من سعى له، لا أن يرفض ويستعلي، فالجار أولى بالعفو من غيره، والتغاضي عن زلته، خصوصا إذا كان ذا فضل وإحسان وليس من حق الجار على جاره أن يرد الأذى بمثله والإساءة بأختها، فالله تعالى يقول كما جاء فى سورة الأعراف” خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين” وقد أمر الإسلام بحسن الجوار ولو من الكفار، وشر الناس من تركه الناس اتقاء شره وفحشه، وتباعد عنه من يعرفه تجنبا لشره، وأخبث الجيران من تتبع العثرات وتطلع إلى العورات في سره وجهره، وليس بمأمون على دين ولا نفس ولا أهل ولا مال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم” من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت” وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “المؤمن من أمنه الناس، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر السوء، والذي نفسي بيده لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه” وإنه من المؤسف المحزن أن يبيت الرجل في بيته شبعان وله جار جائع، ويلبس الجديد من الثياب ويبخل بالبالي من ثيابه وأثاثه على العراة من المسلمين والمحاويج، واعلم أنه حرام عليك أن تنظر في بيت جارك وهو غافل أو تخونه في أهله، ومن فعل ذلك فقد خان الله ورسوله، وقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم، مرة رجلا عند بابه حينما خرج.
فقال” لو أعلم أنك تنظر لطعنت عينك بهذا المدرى، فجعلت عين المتطلع هدرا” وكذلك حرام عليك التجسس على جارك في فعله وقوله، فيا أيها المؤذي لجاره، إذا عجزت عن بر جارك والإحسان إليه والاعتراف بفضله فكف عنه أذاك في فعل وقول، فإن حق الجار عظيم، فإذا دعاك فأجبه، وإن استشارك فأشر عليه، وإذا كان مظلوما فانصره، أو ظالما فأمسك على يديه، وإن أحسن فاشكر له، وإن أساء فاعف عنه، وإن رأيته على فساد فلا تقره عليه، فرب جار متعلق بجاره يوم القيامة، يقول يا رب إن هذا قد أغلق بابه دوني، ومنعني معروفه ونصحه، وكان من دعاء النبي الكريم صلى الله عليه وسلم “اللهم إني أعوذ بك من جار السوء في دار المقامة، فإن جار البادية يتحول” وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “اتق المحارم تكن أعبد الناس، وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلما، ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب” وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم”ثلاثة يحبهم الله” وذكر منهم “والرجل يكون له الجار يؤذيه جاره فيصبر على أذاه حتى يفرّق بينهما موت أو ظعن” فإن هذه هي حقوق الجار على جاره، فكم فينا من تقصير، وكم في تعاملنا مع جيراننا من خلل ونقص، مع أن حقه عظيم، ولا غرابة بعد هذه الحقوق أن يظن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أن الله سيورث الجار الجار، فهنيئا لمن وفقه الله لجار صالح، فإن الجار الصالح الذي يرعى هذه الحقوق مكسب وسعادة.
فإن من سعادة المرء المسلم المسكن الواسع والجار الصالح والمركب الهنيء” هكذا أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وللأسف تجد الكثير من الناس لا يبالي باختيار الجار الصالح، خاصة إذا أراد بناء منزل جديد أو شراءه، فتراه يحرص على حسن الموقع وقربه من الخدمات، أما صلاح الجيران من عدمه فلا يهمه ذلك، وهذا خلل كبير، فالجار قبل الدار كما أثر عن الإمام علي بن أبى طالب رضي الله عنه، وقد كان السلف الصالح والكرام من الناس لا يؤثرون بالجار الصالح مالا ولا عرضا من الدنيا، فالجار الصالح له منزلة عند العقلاء ومن يقدرون المكارم قدرها، فهم يحرصون عليه، ولا يفرطون في مجاورته إن أراد الانتقال عنهم، بخلاف جار السوء، فقد تعوذ منه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في دعائه فقال “اللهم إني أعوذ بك من جار السوء في دار المقام، فإن جار الدنيا يتحول” فهو إذن من البلاء ومما يتعوذ منه، فقد لا يطيق الإنسان احتمال أذى الجار السيئ وإهانته ومذلته له أو مضرته له في دينه أو عرضه، فإن الحزم والحكمة يقتضيان أن يرتحل عن داره ما دام هذا وصف جاره، فإن للجوار في دين الإسلام حقا عظيما، حتى إن جبريل عليه السلام أعاد في أمر الجار وأبدى تأكيدا لحقه وبيانا لحرمته، فإن من الإحسان إلى الجيران سلامة القلب عليهم، وحب الخير لهم، ففي البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “والذي نفسي بيده، لا يؤمن عبد حتى يحب لجاره ما يحب لنفسه” وفي هذا تأكيد حق الجار.
وأن الذي لا يحب لجاره ما يحب لنفسه من الخير فإنه ناقص الإيمان، وفي هذا غاية التحذير ومنتهى التنفير عن إضمار السوء للجار قريبا كان أو بعيدا، فاتقوا الله تعالى حق التقوى، والتمسوا من الأعمال ما يحب الله ويرضى، وراقبوه سبحانه مراقبة من يعلم أنه يسمع ويرى، وإياكم والطغيان واتباع الهوى وإيثار الحياة الدنيا، فإنه بذلك هلكت القرون الأولى، فاتقوا الله وأحسنوا إلى جيرانكم، مروهم بالمعروف وانهوهم عن المنكر، ابذلوا لهم الخير ما استطعتم، وردوا عنهم الشر ما ملكتم، تلطفوا إليهم بالهدية والزيارة، فإن لم تجدوا خيرا تبذلونه فلا أقل من كف الشر عنهم، فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم اليوم قبل الوقوف بين يدي الله تعالى فهو سبحانه القائل فى كتابه كما جاء فى سورة البقرة ” واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون” وإن من أكثر الأمثال الشعبية رواجا بين الناس في الجيرة قولهم “الجار قبل الدار” وقيل أنه كان أبو الأسود الدؤلي واسع الحكمة والعلم وهو من نقط حروف اللغة العربية، وقيل أن لأبي الأسود دار باعها ورحل عنها فسأله سائل “بعت دارك؟” فأجاب “بعت جاري ولم أبع داري” أي أنه باع منزله لأن له جار سيء ينغص عليه مسكنه، فالبيوت كما يقال بجيرانها، وقد أصبحت مقولة الدؤلي مثلا يردده الناس في الظروف المماثلة فيقال “بعت جارى ولم أبع دارى” وقيل أن رجلا أراد أن يبيع بيته لضيق حاله وطلب ألف دينار ثمنا له، فقال له أحدهم أن البيت لا يستحق هذا الثمن بل نصفه، فأجاب “بلى البيت لا يستحق أكثر من خمسمائة دينار.
لكني أبيعه بألف، خمسمائة دينار ثمن البيت وخمسمائة دينار ثمن جوار أبي دلف، وقيل فى أمثال الجيرة والجيران “الجار ولو جار” ويقصد بها أن الجار وإن كان سيء أحيانا فإنه يحافظ على أهميته في حياتنا، وقيل أيضا “حسن الجوار عمارة الديار” فإن الجار الجيد هو ما يجعل البيت جيدا والعكس صحيح، وقيل أيضا “لا ينفعك من جار سوء توق” أي أن جار السوء مهما اتقيت شره لا ينفعك معه ذلك، فهو الأقدر على إلحاق الأذية بك من غيره، ويقال فى المثل أيضا “كومة حجار ولا هذا الجار” وهى تقال إذا كان الجار سيء الخلق والجوار، وقيل أيضا “صباح الخير يا جاري أنت في دارك وأنا في داري” وهى تقال في حال لم تكن العلاقة بين الجيران في أحسن حالاتها، فيكتفي الجار بالسلام على جاره فقط، وقيل أيضا “إذا جارك حلق لحيته بلّ لحيتك” وهى تقال للدلالة على وحدة الحال فإذا أصاب الجار أمرا لا بد أن يلحق بجاره، وقيل أن لقمان الحكيم قال “حملت الجندل والحديد وكل شيء ثقيل فلم أحمل شيئا أثقل من جار السوء” وإنه لا تنتهي حقوق الجار على جاره بحسن المعاملة وتجنب الأذى فقط، بل لا يجوز أن يكون الجار في محنة دون أن نمد له يد العون، وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم”ما آمن بي من بات شبعاناً وجاره جائع إلى جانبه وهو يعلم” وإنه تتحكم الجيرة بالكثير من تفاصيل الحياة، فهى ليست قيمة الجيران أمرا عبثيا، ولم يأتي ذكرها في التراث الشعبي أو الديني من منطلق ذكر الشيء فحسب إنما للجار من المميزات ما يجعله مؤثرا على الحياة اليومية لجيرانه.
فالجار هو المطلع على الخصوصيات والعارف بالزلات والنواقص، فإذا كان كتوما أمينا سلم جيرانه من لسانه وحفظت أسرارهم في صدره، أما إذا كان مجاهرا بأمور جيرانه سيسبب الإحراج لهم بإفشاء أسرارهم، وكما أن بين الجيران مرافق مشتركة كالماء والكهرباء وأحيانا قد يشتركون في فناء البيت أو سطحه، فإذا أحسنوا الاتفاق سلموا من الخلافات، لكنهم إذا لم يتمكنوا من الاتفاق على اقتسام هذه المرافق ستكون منغصة لحياة كليهما، ومن جهة أخرى هناك قيمة معنوية للجيران تنتج عن العلاقة الزمنية الطويلة التي تنشأ بين الجيران، والتي تحمل معها العديد من المواقف والأحداث التي تجعل العلاقة أكثر متانة بين الجار وجاره، وكما أن الجيران سيكونون غالبا من طبقة اجتماعية متقاربة تجعلهم يشتركون في الهموم والأفكار والطموحات، وأيضا يشتركون في العادات والتقاليد ويتبادلون الثقافات المختلفة، وإن هذا التقارب في المسكن يحتم على الجيران أن يكونوا على الأقل حافظين لحقوق بعضهم البعض، ليسلم كل منهم من أذى الآخر إن لم يرد أن تكون العلاقة عميقة، فأول الإحسان الابتعاد عن الأذى، وإنه من واجبات الجيران أن يكونوا معا في السراء والضراء، فيواسي أحدهم الآخر في مصابه ويهنئه في أفراحه ولطالما سمعنا كيف يجمع الجيران من بعضهم المال ليفكوا كرب أحدهم، وكما أن رد السلام من أول حقوق الجار على جيرانه، وللجار أن يعتب على جيرانه إذا بدر منهم ما يؤذيه، ولا يجوز أن يلجأ لافتعال المشاكل أو الرد على الإساءة بالإساءة.
فإذا الجار وجد جاره يرد السيئة بالحسنة استحى وبادله الإحسان، وإن من حقوق الجار أيضا أن يتكأ على جاره في المحن ويطلب منه العون على قدر استطاعته، فإن أعانه وجده في أيام قادمة، ويعتبر الجار السيء همّا يوميا ينغص على العائلة حياتها سواء كان هذا الجار جار المنزل أو العمل، فإذا كان الجار سيء الخلق، حسودا كثير الكلام، نماما، طال أذاه جيرانه، فما الحل لمثل هذه الحالة؟ فإن بالدرجة الأولى لا يرد الأذى بالأذى، فإذا أساء الجار عاتبناه وشكوناه إلى الجيران لنحرجه فيستحي، وإذا لم يرتدع فلا بد من درء أذاه بعدم التعامل معه إلا ضمن الحدود الدنيا، أما إذا كان رد الأذى بالأذى أصبحت العلاقة بين الجيران حربا لا تريح أحدهما ولا ينتصر فيها جار على الآخر، بل هي مرهقة لكليهما، فإذا كان الأذى في ما هو مادي يلجأ الجيران إلى حكم أو إلى القضاء إذا لم يبق سبيل للتفاهم، وأما إذا كان فيما هو معنوي يلجأ الجيران إلى العتاب والجدال بالتي هي أحسن، وقد علمنا من أخبار الأولين أن فلانا باع بيته لجيرته السيئة وهذا آخر الطب بعد أن تسد كل أبواب التفاهم بين الجيران، وقيل أن في بلاد الشام قديما كان هناك رجل من الصالحين له زوجة صعبة الطبع بخيلة سليطة اللسان وكان له منها من الأولاد ثلاثة، وكان يجاهد نفسه فيها بالصبر من اجل أولاده ويدعو الله لها بالهداية، وعند اقترب العيد كان الرجل يعمل بجد من اجل شراء خروف العيد، فأكرمه الله واستطاع أن يُدبر ثمن الخروف قبل العيد بأيام قليلة، فذهب إلي السوق واشتري خروف طيب الحجم كثير الفروة، وفرح به كثيرا وقال في نفسه.

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك