الجمعة - الموافق 29 مارس 2024م

فى طريق الهدايه ومع النبى إرميا ( الجزء الأول ) إعداد / محمـــد الدكـــرورى

لقد عرف الإنسان منذ القدم كلمة النبوة، فقد وجدت في جميع اللغات واللهجات، غير أن استعمالاتها تعددت وتنوعت، وهي كلمة جاءت في القرآن الكريم كثيرا، وهى تعني لغة اخبار البشر من قبل الله تعالى، بالاحداث والوقائع المقبلة معهم، وكان لكل نبي سفره في العهد القديم، أى كتابه، وكتبهم هى موضع دراسة لمعرفة نبؤاتهم للمستقبل، وأما عن النبوة فى اللغه فالنبوة والنباوة هو الارتفاع، أو المكان المرتفع من الأرض، والنبى هو العلم من أعلام الأرض التي يهتدى بها، ومنه اشتقاق قول النبى، لأنه أرفع خلق الله تعالى، وذلك لأنه يهتدى به، ومعنى كلمة النبأ؟ هو الخبر، ويقال نبأ، وأنباء أى أخبر، ومنه النبى، لأنه أنبأ عن الله تعالى، وحين نزل القرآن الكريم على رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، فقد حدد معنى كلمة النبوة، فوضح أن النبى هو من نزل عليه وحي الله عز وجل، وأمر بتبليغه للناس، فهو ليس ساحرا.
لأن الفلاح لايكون حليفه، ويقول الله تعالى في القرآن الكريم فى سورة طه (ولا يفلح الساحر حيث أتى ) وكما أن مايبلغه عن ربه ليس شعرا، فيقول الله عز وجل في القرآن فى سورة الحاقه ( وما هو بقول شاعر قليلا ماتؤمنون ) فلا ينبغى أن يقرن النبى بالشاعر، أو بمن يلقى الكلام بصوت جهورى، كما كان ذلك معروفا عند اليونان، وكما أنه ليس كاهنا كما كان معروفا عند قدماء المصريين، إذ نص القرآن الكريم عنه هذه الصفة، فذكر الله تعالى فى القرآن الكريم فى سورة الحاقه ( ولابقول كاهن قليلا ماتذكرون ) فإذا بين القرآن الكريم أن النبى ليس شاعرا ولاكاهنا، فالأولى أن ينفى عنه وصفا كان يطلقه بعض الناس على المشعوذين باسم الدين، وهو الجنون المقدس، فذكر الله تعالى فى القرآن الكريم فى سورة القلم ( ما أنت بنعمة ربك بمجنون ) أي ما أنت بهذا الذي نزل عليك من الله بواحد من هؤلاء الذين كانوا
يعرفون بين الناس بأنهم مجاذيب، أو لديهم جنون مقدس، وأخيرا لست ممن يتخذون العرافة والتنبؤ بالغيب حرفة لهم، فلا يلتبس ما تبلغه عن الله بكلام من يدعون أنهم يعرفون الغيب، فيقول الله تعالى فى كتابه الكريم فى سورة يونس ( فقل إنما الغيب لله فانتظروا إنى معكم من المنتظرين) ويقول الله عز وجل فى كتابه العزيز فى سورة الأنعام (وعنده مفاتح الغيب لايعلمها إلاهو ) ويقول الله عز وجل فى سورة الأنعام أيضا ( قل لا أقول لكم عندى خزائن الله، ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إنى ملك، إن أتبع إلاما يوحى إلى، قل هل يستوى الأعمى والبصير أفلا تتفكرون ) وبهذا فرق الإسلام بين النبوة الإلهية، وبين ملابساتها من الكهانة، والعرافة، والقيافة، والفراسة، كما أنه حدد استعمالات الكلمة، فلا تطلق إلا على من نزل عليه الوحي من الله تعالى، فلم يعد من المستساغ عقلا، ولا من الجائز شرعا أن تطلق على الكهنة.
أو على من يدرسون الشريعة ويعلمونها للناس، بالتالى لا تطلق على السحرة والمنجمين، ولا على المجانين والمشعوذين في طريق الدين، فلم يبق من الاستعمالات القديمة لكلمة النبوة، إلا إطلاقها على أصحاب الرؤيا الصالحة، التي تكون مقدمة وإرهاصا لنزول الوحى على من اختصه الله تعالى، بهذه الرؤيا، كما حدث لنبى الله يوسف عليه السلام، حيث يقول الله تعالى فى سورة يوسف ( إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إنى رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لى ساجدين) والنبوءة” أو النبوة، وهى الإخبار عن الغيب، أو المستقبل بالإلهام، أو الوحى، وأما عن المقصود بأولي العزم من الرسل، فإنهم الأنبياء الذين حملوا الدعوة من الله تعالى، إلى جميع البشر ولم يقتصر التبليغ عندهم على فئة أو قرية أو مكان كغيرهم من الرسل، وقد ورد ذكرهم بالقرآن الكريم وهم، نبى الله نوح، ونبى الله إبراهيم، ونبى الله موسى.
ونبى الله عيسى، ونبى الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وعلى جميع الأنبياء والرسل الكرام، وأولو العزم هم أهل الصبر وقوة تحمل المشاق من المرسلين الذين ذكرهم الله في القرآن الكريم فيقول الله تعالى ﴿فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل﴾ وللعلماء في تحديد أولي العزم من الرسل أقوال كثيرة مردها إلى اختلافهم في المراد بـلفظ مِن، في قوله تعالى (من الرسل) فهل هو التبعيض أو بيان الجنس، فعلى أن المراد بها التبعيض فأصح الأقوال في ذلك أنهم خمسة أنبياء، وهم رسول الله محمد ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى، عليهم الصلاة السلام، والدليل على هذا أن الله تعالى، ذكر الأنبياء ثم عطف عليهم هذه المجموعة وعطف الخاص على العام يفيد أن للخاص زيادة في الفضل وذلك في قوله تعالى فى سورة الأحزاب ﴿وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم﴾
وعلى أن المراد بلفظ من، والبيان فالمعنى، فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل الذين هم الرسل وعلى هذا فالمراد كل الرسل لأن الكل أصحاب عزم، والله تعالى أعلم، وإن القرآن الكريم اشترط قداسة سيرة من استحق اسم نبي حينما قال على لسان رسول الله الكريم محمد عليه الصلاة والسلام في القرآن الكريم فى سورة يونس (فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون) ففي هذا النص تنبيه للأذهان إلى استيفاء شخصية محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، عنصر طيب السيرة قبل النبوة، حتى سماه قومه بالصادق الأمين، وما قول قوم صالح ( لقد كنت مرجوا فينا ) إلا اعتراف منهم بطيب سيرة النبي صالح قبل أن آتاه النبوة، وحاز هو وجميع أنبياء الله الكرام مقام النبوة الروحي الرفيع، وكما أن القرآن الكريم اتفق مع اللغويين بأن جميع الأنبياء كانوا قبل نبوتهم ملتزمين بفلسفة حياتية واحدة، وكان نهجهم واضحا وكان طريقهم
مختلفا عن فلسفات الماديين، فقد كان جميع الأنبياء قبل نيلهم مقام النبوة يؤمنون بوجود خالق لهذا الكون، وأن المقصد من خلقهم أن يصبحوا عبادا للرحمن سبحانه وتعالى، وأن الإنسان يحاسب على أعماله من بعد موته، وهناك من زعم غير هذا، مستدلا على زعمه بقول الله تعالى (ووجدك ضالا فهدى) وبقول الله عز وجل فى القرآن الكريم فى سورة الشورى (ما كنت تدري ما الكتاب وما الإيمان) وزعمه هذا يضرب القرآن بعضه ببعض، وما دام الله تعالى، قد قال عن رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم (ما ضل صاحبكم وما غوى)، فلا يجوز لنا والحال هذه أن نفس قوله ضالا، بمعنى غير مهتدي، بل يقصد من قوله ضالا، هنا مندفعا بكليتك للاتصال بربك ومعرفته إذ يقال هذا ضال في محبة فلانة أي مندفع بكليته للقائها والتعرف إليها، ثم إن قول الله عز وجل فى القرآن الكريم.
(ما كنت تدري ما الكتاب وما الإيمان) لا ينفي ما ذكرناه لأن القرآن الكريم ورسالته لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد تلقاها قبل فوزه بمقام النبوة الرفيع، وهكذا يتبين لنا إن النبوة أيضا تحمل نفس عناصر كلمة نبي ومعانيها، وقد رأينا توافق اللغة والقرآن الكريم في موضوع معاني كلمة نبي، فننظر إليها بميزان العقل والمنطق، فنراها لا تتهافت بل تعظم في أعيننا، ونرى ضرورة اجتماعها في شخص من توسد إليه مهمة رسالة سماوية هامة تضطلع بدور كبير جدا في تغيير مسار تاريخ الشعوب، وبمنظار العقل والمنطق يرى المرء أنه لابد من اجتماع هذه الأمور الأربعة التي قررتها اللغة العربية لكلمة نبي في شخص من استحق مقام النبوة السامي، فلا يعقل أن تكون سيرته فاسدة ومن ثم يستحق نيل قرب الله القدوس، ولا يعقل أن يكون في سيرته غير متقيد بفلسفة محددة روحية ومنهجية واضحة.
توصله إلى لقاء الله وقربه، ولا يعقل أن يجوز مقام القرب الإلهي ولا يكلمه ربه ولا يطلعه على مغيبات الأمور، كما لا يعقل أن يكلمه ربه ويفوز بمقام قربه ولا يمنحه لقب نبي في خطابه إياه، وهذه الأمور الأربعة التي يقتضيها العقل تتفق والمنطق السليم أيضا، فمن المنطق أن يثبت الله عز وجل وجوده بفضل أمثال هؤلاء الأنبياء، كما يثبت عظمة ما يحمله من أسماء حسنى، فالمندوب والسفير والرسول يأتي على مستوى من انتدبه وجعله سفيرا ورسولا، وسوف نتحدث عن واحد من الشخصيات التاريخية المختلف عليها فى التاريخ الدينى هو شخصة النبى أرميا أو كما ينطلق أحيانا إرميا، فسمة اختلافات كبيرة حول هذا الشخص، هل هو نبى من عند الله، أم رجل صالح دعا الناس إلى الله بدون رسالة أو وحى من السماء، أم أنه أحد الأنبياء الذين ذكروا فى القرآن الكريم سواء بأسمائهم أو صفاتهم.

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك