الجمعة - الموافق 29 مارس 2024م

فى طريق الهدايه ومع الجهاد والإرهاب ( الجزء الثالث ) إعداد / محمــــد الدكـــــرورى

ونكمل الجزء الثالث مع الجهاد والإرهاب ونقول إن الإسلام يؤكد كل معنى الحماية للمدنيين والعزّل والضعفة ممن ليسوا أهلا للقتال، وليسوا في حال قتال، وإن ابن آدم الأول قابيل حين قتل أخاه ظلما فباء فإثمه وإثم أخيه، فقال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد الله بن مسعود عنه صلى الله عليه وسلم قال ” لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل منها، لأنه كان أول من سن القتل ” ويتحمل قابيل بن آدم كفلا من كل دم إنساني يسفح عدوانا في الماضي وفي الحاضر والمستقبل، فهى أكوام من الآثام المتراكمة، لماذا؟ لأنه أول من استباح دم نفس إنسانية، وأول من بسط يده بالقتل، وإن الإسلام يعظم حرمة الدم الإنساني، الويل ثم الويل لمن يقتل أنفسا، ويروع آمنين، ويدمر ممتلكات، يقصدهم في مساكنهم وأسواقهم.
ومرافقهم، في أسواق ومرافق تعج بالرجال والنساء والأطفال، وإن المسلمون حين يقفون مع العالم كله في هذا الشجب والإدانة والاستنكار للإرهاب ومحاربته، فإنما يشاركون في ضبط المسار، وترشيد الوجهة، والبعد عن صراع الحضارات، وإنها فرصة مناسبة لمراجعة الأوضاع، والنظر في السياسات في حقوق الإنسان، وضوابط الحرية، ومقاييس العدل، والتعامل مع كل هذه المبادئ، كقيم جوهرية، وحقائق ثابتة، بعيدا عن الانتقائية المصلحية، فإن المطلوب هو نظر شمولي يتوجه إلى معالجة المشكلة، لا إلى إيجاد مشكلة، أو مشكلات تكون أكثر أو أكبر، علاج بعيدا كل البعد عن عقلية الانتقام والقتل والتدمير، وإثارة نزاعات حضارية ودينية وعرقية، تضع العالم كله في ميدان حرب أو حروب لا نهاية لها.
بل تقودها إلى جرائم تولد جرائم، إن الأمر يحتاج إلى سياسات جديدة لا إلى حروب جديدة، يجب أن يسود العقل والمنطق والنظام، لا بد من تجاوز العواطف وردود الأفعال من أجل قرارات حكيمة، لا ينبغي أن تبنى السياسات الدولية على الثأر والانتقام فذلكم مصيدة مخيفة، وشراك مميتة، في عالم متقدم يسوده النظام والقانون، وحذار أن يدفع الإرهابيون عقلاء الأمم ليفكروا بالطريقة الإرهابية نفسها، وهى تلك الطريقة الحمقاء، التي تعتمد على الكراهية والتمييز والانتقاء، حذار من تسميم العقول، وتسميم الخطاب، وتسميم التفكير، فيا عقلاء العالم، إن الفرق كبير بين تحرّي العدل والعدالة، وطغيان عقلية الثأر والانفعالية، والبون واسع بين الرؤية الشمولية السالمة من الانتقائية والانحيازية، وبين اعتماد حلول عاجلة باطشة.
وهي أشبه بالمسكنات الآنية، ولكنها ربما تضاعف من ظاهرة الإرهاب، وتزيد من شراستها، وتغلغلها، الحذر من الوقوع في فخ الإرهاب حين علاج الإرهاب، ويجب أن تصدر الأحكام بأناة وهدوء، وتحر وتعقل، فلا تلقى باللائمة إلا في مكانها، وإذا لم يحافظ العقلاء وأصحاب القرار على جوهر الأخلاق في أيام المحن والأزمات فقد تتحول محاربة الإرهاب إلى إرهاب، ويقرن ذلك قرآنه بحق الله في إخلاص التوحيد، والخلوص من الشرك فيقول الله تعالى فى سورة الفرقان ( والذين لا يدعون مع الله إلها ءاخر ولا يقتلون النفس التى حرم الله إلا بالحق) ويقول أيضا سبحانه وتعالى فى سورة المائده ( من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ) وقد قال الشيخ محمد سيد طنطاوي رحمه الله.
” إن الفرق بين الجهاد في الشريعة الإسلامية وبين الإرهاب واضح كالفرق بين السماء والأرض، موضحا أن الشريعة الإسلامية تحض على الجهاد وتدعو إليه لأنه شُرع لأمرين هامين وهما الدفاع عن الدين والمقدسات والنفس والوطن والعرض والمال وكل ما أمرنا الله تعالى بالدفاع عنه، ولنصرة المظلوم ” أما الإرهاب فهو ما ترفضه وتمنعه الشريعة الإسلامية لأنه يروع المدنيين الأبرياء الآمنين دون أي ذنب، وبالطبع الإسلام يرفض كل أشكال الاعتداء على النفس الآمنة البريئة ويرى أن من يعتدي على نفس واحدة ويقتلها فكأنما قتل الناس جميعا، وقال أيضا ” إن الأديان والحضارات تتعاون وتتحاور فيما بينها عند العقلاء، ولا تتصارع كما يقول الأغبياء، فالمسلمون لا يؤمنون مطلقا بالنظرية الفاسدة.
وهى التي لا تهدف إلا للخراب والتصادم والتدمير ونشر الشر، فالحوار بين الأديان والحضارات لا يأتي إلا بالخير والنفع للبشرية لأن التعايش والتحاور، والتعارف بين الأمم من حكم الله تعالى، كما قال تعالى فى كتابه الكريم ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم، إن الله عليم خبير ) فالله سبحانه وتعالى، لم يقل هنا يا أيها المؤمنون وإنما قال يا أيها الناس فالنداء هنا عام لكل البشر، وعندما كان المسلمون يعيشون في مكة كانوا يتعرضون للتنكيل والتعذيب من كفار قريش بسبب إيمانهم واعتقادهم، واستمر هذا لمدة ثلاثة عشر عاما منذ بعثة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، حيث تعرض فيه المسلمون إلى شتى أنواع التعذيب والظلم.
فكان المسلمون يتعرضون للتعذيب والحرق والإغراق والقتل أحيانان وعلى الجانب الاقتصادي كان الظلم عن طريق مصادرة المال دون وجه حق واغتصابه بالقوة، والطرد من الديار، هذا بخلاف ظلم النفس بالسب والقذف وتشويه السمعة، وسلب الحرية بالحبس والعزل عن المجتمع، وقد أذن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، للمؤمنين بالهجرة أولا إلى الحبشة حيث كان يحكم فيها ملك نصرانى عادل، وقد سمح للمسلمين اللجوء إلى بلاده فعاش المسلمون الأوائل في بلاده في أمان، وكان بعد ذلك وإزاء هذه الظروف والابتلاءات في مكة أذن الله تعالى، لأتباع النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، الهجرة إلى المدينة المنورة، فلم يكن أمام المسلمون آنذاك إلا أصعب الحلول ألا وهو ترك الأهل والديار.
والبحث عن وطن جديد يؤويهم، وقد يكون أقرب وصف لوضع المسلمون حينئذ هو اللاجئون بلغة عصرنا هذا، وكان بدء خروجِهم إلى يثرب، وهو الاسم السابق للمدينة المنورة قبل الهجرة، في مطلع السنة الثالثة عشرة للبعثة النبوية الشريفه، إلا أن هروب المسلمون لم يعجب قريش التي لم تكف أذاها وأبت أن تترك المسلمون في سلام فأخذت تطاردهم حتى قتلت من قتلت ومنعت البعض من أخذ أموالهم وممتلكاتهم وعملت على تضييق الخناق عليهم بشكل عام ولذلك كان خروج المسلمون من مكة يتم في الليل وفي تخفي خشية من قريش حتى لا تمنعهم من الهجرة، وليَسلموا من أذاها حقنا لدمائهم وحتى يتمكنوا من إقامة شعائر دينهم والحياة في سلم، ثم هاجر الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.
من مكة إلى يثرب في العام الثالث عشر بعد بدء رسالته، وعندما وصل الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، إلى المدينة التي أحسن أهلها المسلمون، وهم يسمون الأنصار، استقبال اخوانهم المهاجرين، كان كل تركيزه في بناء مجتمع إسلامي قائم على المؤاخاة والسلام، فأول ما فعله الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، هو بناء المسجد النبوي الذي لم يكن موضعاً لأداء الصلوات فحسب بل كان بمثابة جامعا يتلقى فيها المسلمون تعاليم الإسلام مباشرة من الرسول، كما ألف الرسول بين مختلف قبائل يثرب وعلى الأخص بين قبيلتي الأوس والخزرج، التي لطالما كانت تفتتها الحروب والنزعات في عصر الجاهلية قبل الإسلام، ومع توثيق الرسول لقواعد المجتمع الإسلامي الجديد.

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك