الخميس - الموافق 28 مارس 2024م

فى طريق الايمان ومع هادم اللذات ” الجزء الأول ” بقلم / محمـــد الدكـــرورى

إن الموت هو تلك الحقيقة التي يوقن بها كل عبد، ويعرف أنه منته إليها لا محالة، طال عمره أم قصر، فلا بد من ساعة الرحيل، وسكنى ذلك القبر الموحش فقال تعالى “كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور” فكم من صاحب قريب كنا نأنس بقربه ونستعذب حديثه، هو الآن في ظلمة القبور لقد تخطانا الموت إليه، ولا بد من ساعة يتخطى غيرنا إلينا، فعلى أي حال سنكون؟ وماذا أعددنا لذلك اليوم ؟ فلقد خوّفنا الموت بمن أخذ منا ووعظنا بأخذهم أعظم موعظة، وحذرنا أشد تحذير فهل اتعظنا ؟ فما لنا فى كل يوم نشيع غاديا إلى ربه ونرجع وكأن شيئاً لم يكن؟ نرجع للغفلة والنسيان وركوب بحر التمني، فإن الموت وعد صادق، وحاكم عادل، وكفى به مقرحا للقلوب، ومبكيا للعيون، ومفرقا للجماعات، وهادما للذات، وقاطعا للأمنيات، فهل تفكرت في يوم مصرعك وانتقالك من سعة إلى ضيق وقد فارقت الصاحب والرفيق وهجرك الأخ والصديق وأخذت من فراشك وغطائك ولين لحافك،وغطوك بالتراب؟ فيا من جمعت الأموال وأسرفت على نفسك بالمعاصي والآثام هل أنقذك مالك من الأهوال؟ كلا بل تركته خلف ظهرك وقدمت بأوزارك على الملك الديان، فسبحان من تعزز بالقدرة وقهر الجبابرة بالموت فروي عن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم قال.
“أول ما يبشر به المؤمن روح وريحان وجنة نعيم، وأول ما يبشر به المؤمن أن يقال له أبشر ولي الله برضاه والجنة قدمت خير مقدم، قد غفر الله لمن شيعك، واستجاب لمن استغفر لك وقبل ممن شهد لك، وما من ميت يوضع على سريرة فيخطى به ثلاث خطى إلا نادي بصوت يسمعه من يشاء الله، يا أخوتاه، ويا حملة نعشاه، لا تغرنكم الدنيا كما غرتني ولا يلعبن بكم الزمان كما لعب بي، أترك ما تركت لذريتي، ولا يحملون عني خطيئتي، وأنتم تشيعوني ثم تتركوني، والجبار يخاصمني” فأنتم شهداء الله في أرضه من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة، ومن أثنيتم عليه شرا و جبت له النار، وإنما تثنون على المرء حقا بعد موته وانقطاع أملكم منه فلا ترجونه ولا تخافونه فتجاملونه، والثناء بحسب البينة لا بالأمنية فمن أثنيتم عليه بكثرة ذكر الله وطاعته، وحسن معاملته لعباده وإحسانه إلى مستحقه، وكف الأذى عن ليس أهلا له فتلكم الشهادة بالجنة، ومن ذكرتموه بالغفلة عن الذكر وهجران المساجد، والعقوق وقطيعة الرحم والإساءة إلى الجيران وظلم الخلق والجشع وبذاءة اللسان فتلك شهادة له بالنار وثبت في مسند الإمام أحمد وغيره قول النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ” ما من مسلم يموت فيشهد له أربعة أهل أبيات من جيرانه الأدنين أنهم لا يعلمون منه إلا خيرا إلا قال الله تعالى قد قبلت علمكم فيه وغفرت له ما لا تعلمون” فالمؤمن المشهود له بالخير .
يستريح بالموت من عناء الدنيا وتعبها إلى الجنة وما أعد الله تبارك وتعالى له فيها من كريم المثوبة والرضوان، فإنما يستريح من غفر له وتقبل عمله، وأما الفاجر فإنه إذا مات يفضي إلى السخط والعذاب، ويستريح منه العباد والشجر والدواب فاعتبروا يا أولي الألباب، واستعدوا ليوم الحساب ولا تغفلوا فإنه ليس بمغفول عنكم ولا بد لكم من الإياب فقال تعالى ” إن إلينا إيابهم، ثم إن علينا حسابهم ” فالحمد لله الذي أوجد الكون من عدم ودبره، وخلق الإنسان من نطفة فقدره، ثم السبيل يسره، ثم أماته فأقبره، ثم إذا شاء أنشره، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل أصحابه عن ذكرهم للموت كما كان يوصيهم بأي منقبة أخرى، ومن كان قليل الذكر للموت كان الرسول صلى الله عليه وسلم يُسقطه من عينه كما في بعض الروايات، وعن الإمام علي بن أبى طالب رضى الله عنه، لابنه الحسن بن على “يا بني أكثر من ذكر الموت، وذكر ما تهجم عليه وتفضي بعد الموت إليه، حتى يأتيك وقد أخذت منه حذرك وشددت له أزرك، ولا يأتيك بغتة فيبهرك” فكثرة ذكر الموت تجعل من الإنسان دائم الإستعداد للموت، مجانبا للغفلة والسهو واللعب والضحك واللامبالاة، وقد جاء في الرواية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بمجلس وهم يضحكون فقال صلى الله عليه وسلم “أكثروا ذكر هادم اللذات، فإنه ما ذكره أحد في ضيق من العيش إلا وسّعه، ولا في سعة إلا ضيّقه عليه”
وعن الإمام علي بن أبى طالب رضى الله عنه “أوصيكم بذكر الموت وإقلال الغفلة عنه، وكيف غفلتكم عما ليس يغفلكم، وطمعكم فيمن ليس يمهلكم، فكفى واعظا بموتى عاينتموهم” وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “أكثروا من ذكر هادم اللذات، فقيل يا رسول الله فما هادم اللذات ؟ قال الموت، فإن أكيس المؤمنين أكثرهم ذكرا للموت، وأشدهم له استعدادا ” فيا أيها الناس أوصيكم ونفسي بتقوى الله وأن نصلح دنيانا ونعمل لآخرتنا كأننا نموت غدا فتلكم وصية من وصايا نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، لنا ومما يروى عنه صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن قوله صلى الله عليه وسلم “أفضل الزهد في الدنيا ذكر الموت، وأفضل العبادة التفكر فمن أثقله ذكر الموت وجد قبره روضة من رياض الجنة” وقوله صلى الله عليه وسلم “أكثر ذكر الموت فما من عبد أكثر ذكره إلا أحيا الله قلبه وهون عليه الموت وإنه لا يكون في كثير إلا قلله، ولا في قليل إلا أجزاه” وقوله صلى الله عليه وسلم “أكثروا ذكر هادم اللذات يعني الموت، فإنه لم يذكره أحد في ضيق من العيش إلا وسعه عليه ولا في سعة إلا ضيقها عليه” يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم “أكثروا ذكر الموت فإنه يمحص الذنوب، ويزهد في الدنيا، فإن ذكرتموه عند الغنى هدمه، وإن ذكرتموه عند الفقر أرضاكم بعيشكم” وقال صلى الله عليه وسلم “أتتكم المنية رابية لازمة جاء الموت بما جاء به.
جاء بالروح والراحة والكرة المبارك لأولياء الرحمن من أهل دار الخلود الذين كان سعيهم ورغبتهم فيها لها، ألا وإن لكل ساعي غاية، وغاية كل ساع الموت فالناس سابق ومسبوق” والمتأخر لا بد له من اللحوق، ولكن جعل الله له في تأخره عبرة وعظة ليستعد للموت قبل نزوله، وليتهيأ للقاء ربه فمن لم يعتبر ويتعظ فهو لاه شقي وعن مصيره غبي، فكفى بالموت واعظا وباليقين غنى فروي عن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم قال لي جبريل ” يا محمد عش ما شئت فإنك ميت، واحبب من أحببت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك ملاقيه” وفي الصحيح عن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم قال” من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه وإنما يكون ذلكم عند الموت حين يرى المحتضر ما يبشر به بحسب عمله” فإنكم في دار هدنه، وأنتم على ظهر سفر، والسير بكم سريع، وإن هذه القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد إذا أصابه الماء وجلاؤها كثرة ذكر الموت وتلاوة القرآن، وإنكم لو رأيتم الأجل ومسيره، لأبغضتم الأمل وغروره، وفي مسند الديلمي رحمه الله عن زيد بن ثابت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال “وما من أهل بيت إلا وملك الموت يتعاهدهم في كل يوم مرتين فمن وجده قد انقضى أجله قبض روحه فإذا بكى أهله وجزعوا قال لم تبكون ولم تجزعون فو الله ما نقصت لكم عمرا.
ولا حبست لكم رزقا وإن لي فيكم لعودة ثم عودة ثم عودة حتى لا أبقي منكم أحدا” وروي عنه صلى الله عليه وسلم قال “احضروا موتاكم ولقنوهم لا إله إلا الله وبشروهم بالجنة، فإن الحليم من الرجال والنساء يتحير عند ذلك المصرع، والذي نفسي بيده لمعاينة ملك الموت أشد من ألف ضربة بالسيف، والذي نفسي بيده لا تخرج نفس عبد من الدنيا حتى يتألم كل عرق منه على حياله، وفي سنن النسائي رحمه الله عن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم قال “إذا حضر المؤمن، أي عند قبض روحه، أتته ملائكة الرحمة بحريرة بيضاء فيقولون أخرجي راضية مرضيا عنك إلى روح وريحان ورب غير غضبان فتخرج كأطيب ريح المسك حتى أنه ليناوله بعضهم بعضا حتى يأتوا به باب السماء فيقولون ما أطيب هذه الريح التي جاءتكم من الأرض فيأتون به أرواح المؤمنين فلهم أشد فرحا من أحدكم بغائبه يقدم عليه، فيسألونه ماذا فعل فلان، ماذا فعلت فلانة فيقولون دعوه فإنه كان في غم الدنيا، فإذا كان، يعني ميتا، قال أما أتاكم قالوا ذهب الأمة الهاوية وإن الكافر إذا حضر أتته ملائكة العذاب بمسح أي كفن من النار، فيقولون أي لروحه، اخرجي ساخطة مسخوطا عليك إلى عذاب الله فتخرج كأنتن ريح جيفة حتى يأتوا بها باب الأرض فيقولون ما أنتن هذه الريح حتى يأتوا بها أرواح كفار يعني في السجن أسفل سافله وفي مسند الإمام أحمد رحمه الله .
عن رجل من الصحابة رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال “من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه، قالوا إنا نكره الموت، قال ليس ذلك ولكنه إذا حضر فأما إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة نعيم فإذا بشر بذلك أحب لقاء الله، والله عز وجل للقائه أحب وأما إن كان من المكذبين الضالين فنزل من حميم فإذا بشر بذلك كره لقاء الله، والله للقائه أكره” فإن الواجب على المسلم الفطن أن يتفكر في أحوال الأمم السابقة والقرون الماضية وقد بنوا المدائن وجمعوا الخزائن وحفروا الأنهار، وشيدوا القصور وعمروا الديار ولربما ظنوا أنهم في هذه الدنيا مخلدون وما هم عنها براحلين، فبينما هم يعيشون مرفهين في هذا الحلم إذ هجم عليهم هادم اللذات ومفرق الجماعات وهو الموت، فأصبحوا عظاما رميما، ورفاتا هشيما وإذ بمنازلهم خاوية وقصورهم خالية، وأجسادهم بالية، وأصواتهم خافتة، فأصبحوا لا يُرى إلا مساكنهم وقد خلفوا كل شيء وراءهم، لم يأخذوا معهم مالا ولا جاها ولا منصبا إلا الصاحب الملازم وهو العمل، وها هم قد سكنوا القبور الموحشة حيث لا أنيس ولا صاحب وقد تساوى في سكناها جميع الناس غنيهم وفقيرهم، شريفهم وحقيرهم، وهكذا فإن الموت أعظم واعظ وأبلغ زاجر وقد أوصى رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بالإكثار من ذكره لما فيه من دفع المرء لعمل الصالحات.

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك