الجمعة - الموافق 29 مارس 2024م

فى طريق الاسلام ومع عبيد الله بن عمر بن الخطاب (الجزء الخامس) إعداد/ محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الخامس مع عبيد الله بن عمر بن الخطاب، وقد توقفنا عندما كان عدد من الفرس الذين بقوا على المجوسية يضمرون الحقد والكراهية لقائد الدولة الإسلامية التي دحرت جيوشهم وقضت على إمبراطوريتهم واسعة الأطراف، وهو الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه وأرضاه، فعندما اتجه عمر لأداء الحج في مكة حيث يُعتقد أن مخططي الاغتيال اتبعوه حتى جبل عرفة، حيث سُمع صوت يهتف أن عمر لن يقف مرة أخرى على الجبل، وفي رواية أخرى شوهد رجل وهو يهتف أن هذا حج الخليفة الأخير، وفي أخرى أن إحدى الجمرات أصابت رأس ابن الخطاب خلال الرجم وسُمع صوت أحدهم يقول أنه لن يحج مجددا، وفي جميع الأحوال، يتفق المؤرخون أنه بعد عودة عمر بن الخطاب إلى المدينة المنورة طعنه أبو لؤلؤة، فيروز الفارسي بخنجر ذات نصلين ست طعنات، وهو يُصلي الفجر بالناس.
وكان ذلك يوم الأربعاء فى السادس والعشرين من شهر ذي الحجة سنة ثلاثه وعشرين من الهجره، ثم حُمل إلى منزله والدم يسيل من جرحه وذلك قبل طلوع الشمس، وقد حاول المسلمون القبض على القاتل فطعن ثلاثة عشر رجلا، وقد مات منهم ستة رجال، فلما رأى عبد الرحمن بن عوف ذلك ألقى رداء كان معه على أبي لؤلؤة فتعثر مكانه وشعر أنه مأخوذ لا محالة فطعن نفسه منتحرا، وبذلك دفن أبو لؤلؤة فيروز الفارسي أخبار المؤامرة والدوافع إليها، فاختلفت الروايات حسب ما يستنتجه المؤرخون، وأما عن قبائل ِحمير فهى مملكة سبأ وذو ريدان وحضرموت ويمنت وأعرابهم في المرتفعات والتهائم، ومملكة حِمير هى مملكة قديمة نشأت في ظفار يريم واستطاعت القضاء على ممالك اليمن القديم الأربعة وضمها وقبائلها في مملكة واحدة هي آخر مملكة يمنية قبل الإسلام وكانت لهم علاقة وثيقة بمملكة كندة عن طريق تحالف بينهم.
ويعود ذلك للقرن الثاني قبل الميلاد، والحميريون بالأصل هم قبائل سبئية اعتنقت الديانة اليهودية، وكانت تنتشر في مناطق ريمة وهى تعز، وإب، وذمار وأجزاء من صنعاء ومأرب، وعاصمتهم ظفار في محافظة إب، وما زالت معارف الباحثين ضئيلة عن تاريخ هذه المملكة السياسيه وتاريخ اليمن القديم بشكل عام فالمُكتشف يمثل نسبة ضئيلة للغاية وعثر على غالبه بظاهر الأرض، وكان أحد أبرز آثار الحميريين عبر تاريخ اليمن هو إقدامهم على التخلي عن الوثنية في اليمن القديم وعبادة إله واحد هو الرحمن، وكان الحِميريِّون وثنيين في بدايتهم ثم تحولوا لليهودية واعتنقوا الإسلام في القرن السابع الميلادي، وكان اقتصادهم يعتمد على الزراعة والتجارة بالبخور واللبان والصمغ وتمتلئ كتاباتهم القديمة عن التجارة وأقاموا عددا من السدود الصغيرة بالإضافة لترميمهم سد مأرب القديم، وقد مرت المملكة بعدة تحديات لعل أبرزها.
وكان ذلك في بدايات القرن السادس للميلاد من استقلال زعماء القبائل ودخولهم في حروب ضد بعضهم البعض أضعفت الحِميريِّين كثيرا، ولم يستطيعا الأخوان عبد الله بن عمر وعبيد الله بن عمر فى التعامل مع الأمويين، مع تناقضهما فى كيفية هذا التعامل، فقد كان تأييدا بالسيف قام به عبيد الله بن عمر متحالفا مع معاوية فى صفين ضد الإمام على بن أبى طالب رضى الله عنه، وقيل أنه كان هناك سكوتا عند عبد الله بن عمر عن مظالم الأمويين مقابل المال والعطايا، وقد قيل أنه كان عبيد الله ظالما، وكان أخوه الأكبر عبد الله ساكتا عن الظلم، ودفع كلاهما الثمن قتلا، وأما عن عبيد الله بن عمر، فكان فى أواخر خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب كانت المدينة تغص بالرقيق الأطفال ذكورا وإناثا من السبى الذى جىء بهم من بلادهم الأصلية بعد إنتصارات الصحابة فى الفتوحات العربية، وكانت العادة تقسيم الغنائم والسبى من النساء والأطفال والأسرى الكبار أخماسا.
فيتم توزيع اربعة أخماس السبى والغنائم على جنود الجيش، ثم يرسل الباقى الى المدينة للخليفة عمر بن الخطاب، وقد منع عمر أن يوجد فى المدينة من السبى والأسرى من بلغ منهم الشباب حتى لا ينتقموا من أهل المدينة، ولكن عرض عليه المغيرة بن أبى شعبة أن يرسل اليه رجلا من السبى هو أبو لؤلؤة المجوسى كان ماهرا فى الحدادة والصنائع، فسمح عمر باستقدامه إستثناءا من القاعدة، وجاء أبو لؤلؤة الى المدينة فوجدها تغص بأطفال السبى فى معسكرات خاصة بهم بعد أن رأوا قتل عائلاتهم وتفريق أمهاتهم وأخواتهم على الجنود، ونزعهم من أحضان الامهات، ثم تسييرهم آلاف الأميال ليؤتى بهم رقيقا للمدينة وهم فى عمر الزهور، وكانوا يبكون ويشتكون ولا يأبه بهم أحد، وقد جاء أبو لؤلؤة للمدينة فكان يبكى لبكائهم، وقد كان هو نفسه من قبل من السبى، وشكى أبو لؤلؤة للخليفة عمر بن الخطاب، إجحاف مولاه المغيرة بن أبى شعبه.
وكان ذلك لما فرضه عليه من ضريبة يدفعها فرأى عمر بن الخطاب، أن سيده المغيرة لم يظلمه فيما فرضه عليه، فزاد هذا من نقمة أبى لؤلؤة ودفعه الى قتل عمر بن الخطاب، وقبيل صلاة الفجر والخليفة عمر كان على وشك أن يؤم الناس طعنه أبو لؤلؤة المجوسى، وحاول بعضهم الامساك به فقتل أبو لؤلؤة وجرح بخنجره عدة منهم، وتمكن أحدهم من الامساك به من الخلف فما كان من أبى لؤلؤة إلا نحر نفسه بنفس الخنجر، هنا قفز عبيد الله بن عمر بن الخطاب الى سطور التاريخ حين اندفع فقتل من إعتقد أنهم شركاء أبى لؤلؤة فى الجريمة، وتقول إحدى الروايات إن الهرمزان وجفينة كانا قد أسلما وفرض لهما عمر العطاء كبقية المسلمين، وبعد قتلهما انطلق عبيد الله فقتل ابنة صغيرة مسلمة لأبي لؤلؤة، وأراد عبيد الله أن لا يترك سبيا بالمدينة إلا قتله، أى يقتل كل أطفال السبى، ولكن منعه الصحابة، وتقول الرواية عن عبيد الله.
فأرسل إليه عثمان فأتاه فقال ماحملك على قتل هذين الرجلين وهما في ذمتنا فأخذ عبيد الله عثمان فصرعه حتى قام الناس إليه فحجزوه عنه، أى ردّ عبيد الله بن عمر على سؤال عثمان بالهجوم على عثمان وطرحه أرضا مما استدعى تدخل الحاضرين وأنقذوا عثمان، وتقول الرواية أن عبيد الله كان حين بعث إليه عثمان قد تقلد السيف، فعزم عليه عبد الرحمن أن يضعه فوضعه، وهناك رواية تنسب لعبد الله بن عمر قوله يرحم الله حفصة فإنها ممن شجع عبيد الله على قتلهم، أى يتهم شقيقته السيدة حفصة أم المؤمنين بتحريض أخيها غير الشقيق عبيد الله على قتل الهرمزان وجفينة والطفلة بنت أبى لؤلؤة المجوسى، وكانت حياة عبد الله بن عمر قد طالت أكثر من أخيه الأصغر فشهدت ذروة الاسلام وذروة عطائه الشخصى فى هذه الفترة ، ثم إستكان وأسلم نفسه للظلم القائم فى فترة الظلم الأموى وغياب الاسلام، وقد بدأ عبد الله بن عمر حياته بالإسلام والتحرك الإيجابي مع أبيه عمر بن الخطاب.

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك