الجمعة - الموافق 29 مارس 2024م

فى طريق الاسلام .. مسلمه بن عبد الملك ( الجزء الثانى ) إعداد/ محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الحديث فى الجزء الثانى ومع الوالى مسلمه بن عبد الملك وكنا نتكلم عن النار البيزنطيه، ووقفنا عن استخدم اليونانيون النار الاغريقية لأول مرة في معركة سيلايوم البحرية عندما حاصر الأمويون المسلمون القسطنطينية في حملة أرسلها معاوية بن أبي سفيان في عام ثلاثه وخمسين من الهجره، بقيادة ابنه يزيد بن معاويه، لمحاولة فتح القسطنطينية، ويعتقد بعض المؤرخين أن النار الاغريقية كانت تشتعل عند ملامستها الماء، وربما كان أساسها مادة النافتا والجير الحي، وقد استخدمه البيزنطيون في المعارك البحرية بشكل كبير، حيث أن النار الاغريقية تستمر في الاحتراق أثناء طفوها على الماء، وقد كانت الميزة التكنولوجية التي قدمتها مسؤولة عن العديد من الانتصارات العسكرية البيزنطية الرئيسية، وعلى الأخص فك حصار القسطنطينية من حصار المسلمين مرتين.
وبالتالي تأمين بقاء الإمبراطورية حتي أتم السلطان محمد الفاتح فتح القسطنطينية، وقد استخدم المسلمون النار الإغريقية في تدمير مراكب الإمدادات الصليبية المتجهة من مدينة دمياط إلى قوات لويس التاسع ملك فرنسا في معركة المنصورة، ضمن معارك الحملة الصليبية التاسعة، على مصر، وقد كان الانطباع الذي أحدثته النيران اليونانية على الحملات الصليبية الغربية عليهم هو أنه تم إطلاق نفس الاسم وهو النار الاغريقية على أي نوع من الأسلحة الحارقة، بما في ذلك تلك المستخدمة من قبل العرب والصينيين والمغول، ومع ذلك، استخدمت هذه الخلائط صيغا مختلفة عن تلك المستخدمة في النار اليونانية البيزنطية، والتي كانت سرا للدولة ويخضع لحراسة مشددة، وقد استخدم البيزنطيون فوهات مضغوطة لإطلاق السائل على العدو بطريقة تشبه قاذف اللهب الحديث.
ثم اتجه مسلمه بن عبد الملك إلى القضاء على فتنة يزيد بن المهلب التي كادت أن تدمر الدولة الأموية فقضى عليه وأنهى الفتنة، وفي عهد هشام بن عبد الملك عاد لغزو الروم والخزر، وكان يترك الجبهة الرومية ويذهب لقتال الخزر في القوقاز، واستمر على هذا الحال حتى آخر عام من حياته وهو عام مائه وواحد وعشرين من الهجره، ويُعتبر مسلمة بن عبد الملك أحد أفضل القادة العسكريون في التاريخ الإسلامي، وهو أكبر القادة الذين تولوا غزو الإمبراطورية البيزنطية في تاريخ الدولة الأموية، وأعظم القادة العسكريين من بني أمية بعد معاوية بن أبي سفيان، وأعظم من حاصر القسطنطينية من القادة العرب، وقد قارنه المؤرخون المسلمين بالصحابي القائد خالد بن الوليد رضى الله عنه، في محاربته للروم، وكثرة حروبه، وانتصاراته الدائمة، وشدة بأسه وشجاعته.
وقد اعتبروه أحق أبناء عبد الملك بن مروان بالخلافة وأفضلهم، وقد كان يغزو كل سنة مرة وأحيانا مرتين في السنة ثم يعود للشام حتى توفي، وقد شملت فتوحاته وحروبه على سبعة بلدان وهم، تركيا، وروسيا، وداغستان، وجورجيا، وأرمينيا، وأذربيجان، والعراق، تحديداً في منطقتي الأناضول وهى آسيا الصغرى، والقوقاز، وكان خلال حروبه تمكن من تطهير وتأمين الحدود الشمالية والشرقية من أعداء الدولة الإسلامية الأموية، ودامت حروبه أكثر من خمسه وثلاثين عاما، ولكن من هو هذا القائد مسلمه بن عبد الملك، فهو مسلمة بن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان الأموي القرشي.
وكان يكنى أبو سعيد، وأبو الأصبغ، ووالده هو الخليفة عبد الملك بن مروان الذي وحد المسلمين بعد فترة طويلة من التفرق والصراع، وأعاد الدولة الإسلامية قوية وموحدة، وهو الذي أعاد حركة الفتوحات الإسلامية التي كانت قد توقفت عندما توفي الخليفة معاوية بن أبي سفيان لمدة ثلاثة عشرة سنة حتى أعادها الخليفه عبد الملك بن مروان مجددا، واستمرت مدة خلافة مسلمه بن عبد الملك لمدة واحد وعشرين سنة، وقد كانت والدته هى إحدى جواري عبد الملك غير معروف اسمها أو أصلها، وجده هو الخليفة الرابع للدولة الأموية مروان بن الحكم، وجدته من جهة والده هي الصحابية عائشة بنت معاوية بن المغيرة الأموية القرشية، ووالد جده هو الصحابي الحكم بن أبي العاص، وجده الأكبر هو أمية بن عبد شمس وهو أحد أشراف وأسياد قبيلة قريش.
ويلتقي نسب مسلمة بنسب النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، في عبد مناف بن قصي بن كلاب، ولقد كان لمسلمة الكثير من الإخوان والأخوات، ويُقدر عددهم تسعة عشر من الذكور والإناث، وجميعهم إخوة من جهة أبيه فقط، وهم، الوليد، وسليمان، ويزيد، وهشام، ومحمد، وسعيد، ومروان الأكبر، وعبد الله، ومروان الأصغر، ومعاوية، وبكار، والحكم، والمنذر، وعنبسة، والحجاج، وحمد، وفاطمة، وعائشة، وأم كلثوم، وقد ولد في خلافة أبيه عام سته وستين من الهجره، وقد نشأ مسلمة بن عبد الملك في مدينة دمشق عاصمة الدولة الأموية، وقد ترعرع منذ صغره في ظروف ملائمة ساعدت على تشكيل شخصيته، وساهمت بإكمال متطلباتها، وقامت بإعداده ليكون رجل دولة وقائد عسكري بالمستقبل، واستطاعت صقله من كل النواحي، فكريا وإداريا وسياسيا وعسكريا.
فهو من بيت السلطة والملك، وأهله أمراء وقادة وخلفاء، وظروفهم الإدارية والعسكرية والسياسية لا تخلو من مشاكل وصعوبات أعانت وساعدت مسلمة ليتعلم ويتدرب على الحياة السياسية والإدارية والعسكرية، وكان الخليفه عبد الملك بن مروان حريصا على تربية أبناءه تربية إسلامية خالصة، فعهد إلى عدد من كبار العلماء مهمة تعليم وتربية أولاده، وكان من ضمن أولئك المعلمون الذين أمضوا سنينا في تنشئة وتربية وتعليم أولاده، العالم والتابعي عامر الشعبي، والعالم والتابعي إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر المخزومي، حيث أسند لهما تعليم أولاده وتأديبهم، وخصيصا إسماعيل الذي أَدَب وعلَم أغلبية أولاده، وقد استخدم عبد الملك إسماعيل بعد أن نصحته الفقيهة هجيمة أم الدرداء، بأن إسماعيل لديه الأهلية لتعليم أولاده، والذين علمهم إسماعيل من أولاد عبد الملك.
والوالى مسلمة، والخليفة يزيد، وسعيد، ومروان الأصغر، ومعاوية، وأيضا علَم معهم ابن أخيهم العباس بن الوليد بن عبد الملك، ولقد وصى عبد الملك بن مروان، إسماعيل قائلا ” إني قد اخترتك لتأديب ولدي، وجعلتك عيني عليهم وأميني، فاجتهد فِي تأديبهم ونصيحتي فيما استنصحتك فيه من أمرهم، علمهم كتاب الله عز وجل، حتى يحفظوه، وقفهم على ما بين الله فيه من حلال وحرام حتى يعقلوه، وخذهم من الأخلاق بأحسنها، ومن الآداب بأجمعها، وروهم من الشعر أعفه، ومن الحديث أصدقه، وجنبهم محادثة النساء، ومجالسة الأظناء، ومخالطة السفهاء، وخوفهم بي، وأدبهم دوني، ولا تخرجهم من علم إلى علم حتى يفهموه، فإن ازدحام الكلام فِي السمع مضلة للفهم، وأنا أسأل اللَّه توفيقك وتسديدك ” وأوصاه أيضا ” علمهم الصدق كما تعلمهم القرآن، وجنبهم السفلة.
فإنهم أسوء الناس دعة وأقلهم أدبا، وجنبهم الحشم، فإنهم لهم مفسدة، وأخف شعورهم تغلظ رقابهم، وأطعمهم اللحم يقووا، وعلمهم الشعر يمجدوا وينجدوا، ومرهم أن يستاكوا عرضا ويمصوا الماء مصا، ولا يعبوا عبا، وإذا احتجت أن تتناولهم بأدب، فليكن ذلك في سر لا يعلم به أحد من الحاشية فيهونوا عليهم ” وكان عبد الملك يأمر إسماعيل بضرب مسلمة وإخوانه إذا كذبوا أو لم يحفظوا القرآن، وقال لإسماعيل يوما ” إنه والله ما يخفى عليَ ما تعلمهم وتلقيه إليهم، فاحفظ عني ما أوصيك به ” علمهم الصدق كما تعلمهم القرآن، واحملهم على الأخلاق الجميلة، وعلمهم الشعر يسمحوا ويمجدوا وينجدوا، وجنبهم شعر عروة بن الورد، فإنه يحمل على البخل، وأطعمهم اللحم يقووا ويشجعوا، وجز شعورهم تغلظ رقابهم، وجالس بهم أشراف الناس وأهل العلم منهم، فإنهم أحسن الناس أدبا وهديا.
ومرهم فليستاكوا، وليمصوا الماء مصا، ولا يعبوه عبا، ووقرهم في العلانية، وأدبهم في السر، واضربهم على الكذب كما تضربهم على القرآن الكريم، فإن الكذب يدعو إلى الفجور، والفجور يدعو إلى النار، وجنبهم شتم أعراض الرجال، فإن الحر لا يجد من شتم عرضه عوضا، وإذا ولوا أمرا فامنعهم من ضرب الأبشار، فإنه على صاحبه عار باق ووتر مطلوب، واحثثهم على صلة الرحم، واعلم أن الأدب أولى بالغلام من النسب، ولقد كان عبد الملك مواظبا على حث مسلمة وإخوانه على الرجولة ومكارم الأخلاق، وكان يتابع بين الفينة والأخرى تحصيل أبناءه وأثر التعليم فيهم ويمتحنهم ويسألهم بنفسه، وخلال نشأته حفظ مسلمة وتعلم القرآن الكريم، والسنة النبوية، وحفظ أخبار العرب وأيامهم، وأتقن علوم اللغة العربية، وفنون الأدب شعرا ونثرا.
ثم بدأ مسلمه بن عبد الملك بممارسة القضايا الإدارية والسياسية عن كثب، ورأى كيف تصرف الأمور وتُعطى القرارات، كما تدرب أيضا على ركوب الخيل والفروسية والسباحة، والرمي بالسهام والنبال، والمبارزة والضرب بالسيف، والطعن بالرماح والسنان، وقد ساهم عبد الملك بن مروان، بإرساء شخصية إبنه مسلمة بشكل كبير فبدت ملامحها واضحة جلية في وقت مبكر من عمره، وتلك الأسس كانت عبارة عن الدين والتفقه به والتمسك بتعاليمه، والعربية وإتقان علومها، والسياسة وممارسة قضاياها، والإدارة وحل مشاكلها، والعسكرية والتدريب على متطلباتها، فكان مسلمة بن عبد الملك نسخة طبق الأصل من والده عبد الملك بن مروان، وأشبه الناس به ما عدا أنه لم يتولى الخلافة كوالده.

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك