الجمعة - الموافق 29 مارس 2024م

فضل الوطن علينا

 

الوطن هو التاريخ ، هو الإنتماء والهوية ، الوطن هو الأم من ثراه خلقنا ، وإلى ثراه سنغط في يوم في سباتٍ طويل ، الوطن هو الحبل السري الذي يمدنا بأسباب الحياة نحمله في أعماقنا أينما توجهنا وطالت بنا سنين الإغتراب ليشدنا من جديدٍ ويعيدنا إلى أحضانه .

الوطن هو الشمس التي لا تغرب ، هو الجنة إن سلمت من أيدي الغزاة ، وهو الجحيم الذي يفتك بنا إن سقط أو تأوه ، أو أصابته أعاصير الحياة ، هو اللبنة الأولى التي نضعها لتأسيس حياتنا ، وهو الحلم الذي يسير بنا نحو تحقيق ذواتنا لنرقى به نحو الأمان والسلام والحضارة بعلمنا وعملنا وجهدنا .

الوطن هو أول الدروب الذي يوصلنا للكون ، فالإنسان بعلمه وعمله هو الوطن والمنتمي إلى الوطن ، والإنسان بجهله وسوء أخلاقه هو المدمر لهذا الوطن أو ذاك ، كخليةٍ سرطانية تبدأ بتدمير الجسد شيئاً فشيئاً ، وتلقي به أسير الضعف والتخلف والوهن والإستعباد .

الوطن الجميل هو المرآة الذي يعكس صورنا أمام الكون ، سواء أكانت معتمةً أم مشرقة ، فمن أحب رؤية صورته مشرقة جميلة ليحفظ في قلبه وطناً يسكنه وطناً كان سبباً لوجوده ، وطناً تسمى باسمه وله يعود كل انتمائه ، ومن أثر الصورة القاتمةَ لأرضه وللوطن ، ليلقي بنفسه إلى مقبرة الجحيم ، فلا وطن سيحويه ولا أرض ستتحمله ، ولا إسم سيفخر بأنه ينسب إليه ، من لا تعنيه كلمة الوطن في شيء فلا حياة تلزمه ولا سبيل لهذه الحياة ، ستلعنه الأيام وقبل هذا ستلعنه نفسه ، الوطن هو الروح والوريد والقلب الخافق ، لا حياة للإنسان دونما قلبٍ يخفق أو وطنٍ ينسب إليه أو يحيا لأجله ، أوطاننا هي المأوى لنا في الحياة ، والتراب الّي تختلط به ذرات أجزائنا بعد الفناء لتبقى أسمائنا تتردد بعدها في ثنايا الوطن

لا يتستطيع الإنسان العيش بدون وطن يحميه ويدافع عنه ويرعاه ويقدم له الخدمات المختلفة كالتعليم والصحة والارتقاء به كإنسان والسمو بأخلاقه وتهذيبها، فالانتماء لوطن معين هو غريزة في الإنسان، فالإنسان الذي يدعي أنه يستطيع العيش بلا هوية تحدده وبلا جنسية يحملها أو وطن يلم شمله وينتمي إليه ويلجأ إليه عندما يمر في أزمة معينة، هو إنسان خائب خاسر لا يوجد له مبدأ وحياته بلا معنى، فالانتماء شئ أساسي في الحياة والتي بدونها تختل الشخصية وتضطرب الأفكار والنفسية والمواقف.لما يوفره الوطن للإنسان من كرامة وحرية وعيش كريم وهانئ، فهو أيضاً يتوجب عليه أن يقدم واجبات عديدة للوطن، كالاهتام به والدفاع عنه والغيرة على مصالحه، فمعنى أن أكون محباً لوطني لا يفيد نهائياً تحقير الآخرين والإدعاء بالأفضلية والأحقية وفي أن أكون فقط،

الوطن بجباله ومياهه وترابه ورجع أصوات الأحبّة والأصدقاء، وبحديث الأجداد عن الأطلال، و لو لم يكن له سوى ذلك الحب والحنين الذي ينبعث في النفس لكفاه ذلك. قد يُظنّ أنّ هذا كلام يردد ويقال تكرارا لما ازدحم على أقلام الشعراء،و اختنق في أفواه الغرباء. إنّ ذلك الحبّ والحنين الدائم الذي يأفل ثمّ يبزغ من جديد بعد اشتداد الظلمة هو الذي يحافظ على الأمل، إنّه سكبة الماء على تلك البذرة، التي لولاها لماتت. ولعلّ الأمل هو الشيء الذي يعيش من أجله البشر، ومادام بهذا القدر من الأهمية يجب المحافظة على ما يحققه وينمّيه.

إن كان في الوطن أناس يضنّون ويبخلون، ويُهملون ويهمّشون، ويُبعدون ويستثنون فإنّ أرض الوطن تظل على العهد، وتظل تبسط يدها طالبةً الحبّ والوصال، وليس أدلّ على ذلك من ذلك النداء الخفيّ الذي يبقى يتردد في النفس حين يتغرّب الإنسان عن وطنه، فيسمع نداء يشبه نداء المحبوبة التي تطلب نجدة حبيبها لرؤية طيفه. إذن الوطن لا يرتبط بشخوص؛ فهذا نبيّ أمتنا الكريم يخرج من مكّة مجبرا ويقف على الحزورة فيقول: ” علمت أنك خير أرض الله وأحب الأرض إلى الله، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت”. لقد فرّق النبي صلوات الله عليه وسلامه بين الأرض والأهل، ولم يكن خروجه إلا إكراها.

إذا كان حبّ الوالدين واجبا فحبّ الوطن أوجب؛ أليس الإنسان طفلا رضع مياه الوطن وكبر على ذراعه، ألم يشتمّ عبق وروده و أشجاره، ألم يضمّه ضمّات حنان، ويرتب ملابسه وشعره قبل أن يدخل المدرسة، ويساعده في تصفّح الكتب وفهم العناوين، ألم يغنِّ له (ريما الحندقّة) قبل النوم ويسرد له الحكايات والقصص، أليس الوطن الأب الذي يمشي بجانب ولده، ولا يغيب ظله عنه فيشعر الولد بالطمأنينة وهو يقفز من ربوة إلى أخرى، ويأمن من المكر وهو يغرس جسده بين الدروب الضيّقة، ويطلق العنان للسانه دونما خوف. الوطن الأخ الكبير والصغير أيضا، هو الذي تناجيه ويعرف ما لايعرفه الآخرون، وهو الحبيبة التي تربّي وتعلّم اللطف واللباقة دائما، وتظلّ عيونها الجميلة تجذبك نحوها، ويديها الناعمتين تغريك بسجنهما بين يديك.

 

فضل الوطن على الإنسان هو مجموع فضل كل من يعرف، فالوطن هو الحامي، والباعث على الطمأنينة، وهو المؤنس الذي يصغي باهنمام ، وهو الصديق الذي يلقاك بجناحيه ويحتضنك مهما أطلت الغياب، ومهما حصل منك جفاء وصدود، وهو الصورة الباهية التي لا يعلوها الغبار لو مرت السنون، والصفحة التي تظلّ حروفها ناصعة مترابطة على مر القرون.

 

جمع واعداد

د/ عبد العليم سعد سليمان دسوقي

قسم وقاية النبات – كلية الزراعة – جامعة سوهاج

رئيس فرع الاتحاد العربي للتنمية المستدامة والبيئة بمحافظة سوهاج- مصر

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك