الجمعة - الموافق 29 مارس 2024م

علاج الفساد الإداري من منظور الإدارات الحديثة بقلم :- الدكتور عادل عامر

تتعدد وتتنوع الإدارات الحديثة والتي انتقلت إلينا عبر العولمة وعصر الانفتاح التكنولوجي المتسارع الذي نعيشه، ومن وجهة نظري الشخصية أرى أنه من الضروري الاستفادة مما جلبته لنا رياح الفكر الإداري غير الإسلامي بعد تمحيصه وتطويعه وفق مبادئنا وقيمنا المستقاة من كتاب الله وسنة نبيه – صلى الله عليه وسلم –.

 ومن هذه الإدارات التي يمكن استخدامها كمدخل لعلاج ظاهرة الفساد الإداري، ما يلي:

1. إدارة الصراع:

يذكر (بحر: 4) أن نفس الإنسان تختلج فيها جوانب الخير والشر، وإن النفس أمارة بالسوء ولذلك نجد الإنسان في صراع دائم مع النفس، ولقد جاء وصفه في القرآن الكريم بأنه: {إذا مسه الشر جزوعا * وإذا مسه الخير منوعا} (المعارج: 20 – 21).

فلابد لنا من إدارة الصراع الداخلي الذي يشعر به الفرد عن طريق ما يلي:

•تزويد الفرد بالقيم والاهتمام بالتنشئة الاجتماعية السلمية المدعمّة للقيم والمفاهيم الإسلامية في مجال العمل.

•العمل على تحديد معيار للرواتب يوافق مستوى المعيشة السائد في المجتمع وظروف الغلاء حتى يشعر الفرد بالرضا عما يتقاضاه ولا يشعر بالصراع بين قوى الشر المتمثلة في الرشاوى والتزوير وغيرها وبين قوى الخير النابعة من فطرته القومية التي فطر الله الناس عليها.

2. إدارة الذات:

إدارة الذات أمر مهم جدا، ويقصد بها ” الطرق والوسائل التي تعين المرء على الاستفادة القصوى من وقته في تحقيق أهدافه وخلق التوازن في حياته ما بين الواجبات والرغبات والأهداف”

فيجب على الفرد أن يعمل جاهدا في إدارة ذاته ليبعدها عن الشبهات وطريق الحرام محققا بذلك أهدافه بالحلال ومبتعدا عن طريق الحرام.

3. إدارة التغيير:

يقصد بإدارة التغيير: ” سلسلة من المراحل التي من خلالها يتم الانتقال من الوضع الحالي إلى الوضع الجديد، أي أن التغيير هو تحول من نقطة التوازن الحالية إلى نقطة التوازن المستهدفة “. ومن ضمن المتغيرات التي تفرض على المجتمع التغيير: (درجة المعاناة من قسوة الوضع الحالي – مدى وضوح الفوائد والمزايا التي سيحققها التغيير).

وبالنسبة لموضوع البحث وهو (الفساد الإداري) نجد أن درجة المعاناة من قسوة الوضع المعايش بسبب الفساد الإداري يتوجب علينا الاستفادة من إدارة التغيير للانتقال بالوضع إلى نقطة توازن أفضل.

4. إدارة الأزمات:

لا يعتبر الفساد الإداري أزمة بحد ذاته فقط بل هو مولد لأزمات متعددة داخل المنظمة , ولعلاج الفساد الإداري من منظور ( إدارة الأزمات ) يمكن إتباع الخطوات التالية :

•تكوين فريق عمل متكامل يعمل بتعاون للقضاء على الفساد الإداري ومسبباته داخل المنظمة

•حل المشكلات المصاحبة للفساد الإداري بتحديد المشكلة وإجراء المشورة ومن ثم اختيار الحل الأنسب من الحلول المتاحة للخروج من الأزمة.

5. الإدارة بالأهداف:

وهذا المدخل يؤكد على ضرورة العمل الجماعي بروح الفريق، والمشاركة الفعالة والإيجابية بين الرئيس والمرؤوس، ويحقق الرقابة الذاتية من أجل تحقيق الأهداف. وحيث أنه من أحد أسباب الفساد الإداري غموض الأهداف وعدم وضوحها، وجب على كل منظمة تسعى إلى علاج ظاهرة الفساد الإداري أن تمارس أسلوب الإدارة بالأهداف.

6. إدارة الاتصالات:

ويعني الاتصال تبادل المعلومات ووجهات النظر والتعبير عن المشاعر والأحاسيس، وفي إدارة الاتصالات يجب تشجيع الأسئلة وتبادل الأفكار المطروحة بين الموظفين وتوجيه النقد للعمل الخاطئ في الوقت المناسب وإيجاد مناخ إيجابي للاتصال يسمح بتقبل أفكار الآخرين وحيث أنه من أحد مسببات الفساد الإداري هو عدم كفاية الاتصالات بين الرئيس ومرؤوسيه، كان لابد من الاهتمام بإدارة الاتصالات وممارستها بفعالية حتى يستطيع المدير أن يقوم الوضع الخاطئ داخل المنظمة في الوقت المناسب.

7. الإدارة بالمشاركة:

ويقصد بالإدارة بالمشاركة: ” المشاركة في القدرات والأداء مع الجميع والاعتماد على الإجماع “، فيجب على كل فرد في المنظمة أن يكون له رأي وصوت مسموع حتى يعتبر نفسه جزء من المنظمة ويتولد في داخله الولاء لها (الصعوبات في تنفيذ الإدارة بالمشاركة:).

إن هذا الاتجاه حث عليه الإسلام قبل الإدارات الحديثة، يقول جل وعلا: {فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين}.

8. إدارة الجودة:

تسعى إدارة الجودة إلى التحسين المستمر، والتحسين المستمر الذي تسعى إليه الجودة لا يقتصر فقط على الخدمة أو السلعة، بل يتعداه ليشمل مستوى الكفاءة في الأداء الوظيفي وتنمية العلاقات المبينة على المصارحة والثقة بين العاملين في المنشأة.

وهذا الاتجاه ليس بجديد على الفكر الإسلامي، يقول تعالى في وصف القرآن: {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن الكريم لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا} (الإسراء: 88)، ويقول – صلى الله عليه وسلم –: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه).

فإذا راعت المنظمة الجودة في أدائها على المستوى الذاتي وعلى مستوى المنظمة ابتعدت عن أحد مسببات الفساد الإداري.

9. إدارة الإبداع:

حيث أن أحد مسببات الفساد الإداري هو قتل الرئيس للإبداع لدى المرؤوسين خوفا من ارقيهم وخوفا على منصبه من الضياع، فيمن للمدير الناجح أن يستخدم أسلوب إدارة الإبداع وعدم كبت المواهب داخل الموظفين وإدارتها على الوجه الأكمل بما يخدم مصلحة العمل وليس كبتها لخدمة المصالح الذاتية.

10. الهندرة (إعادة هندسة العمليات الإدارية):

وتعرّف على أنها: (إعادة التفكير الأساسي وإعادة التصميم الجذري للعمليات الإدارية لتحقيق تحسينات جوهرية في معايير قياس الأداء الحاسمة مثل التكلفة والجودة والخدمة والسرعة، وهو منهج لتحقيق تطوير جذري في أداء الشركات في وقت قصير نسبيا ” المنظمات ذات الوضع المتدهور والأداء المتدني هي من أكثر المؤسسات التي تحتاج إلى عملية الهندرة وإعادة هندسة العمليات الإدارية، وهذا الوصف ينطبق على المنظمات التي تعاني من الفساد الإداري.

11. الإدارة بالاتفاق:

ويقصد بهذا الاتجاه ” مجموعة من التوقعات المشتركة بين إدارة المدرسة والعاملين بها بحث ينظر إليها بعد الاتفاق على أساس أنه عقد نفسي بينهما مع الالتزام به سلوكيا، بحيث يتولد عن هذا الاتفاق ثقة متبادلة بشرط أساسي وهو الإيمان المتبادل بالشخص وبقدراته وإمكاناته واستعداده، أن الإدارة بالاتفاق تقوم على:

•وضع تصور لمتطلبات العاملين في المنظمة وطرق الوفاء به.

•وضع تصور لمتطلبات المنظمة من العاملين.

•تحديد متطلبات كل فرد داخل المنظمة تجاه الآخرين عن طريق الاتفاقات الفردية والجماعية. إن الطريق لعلاج ظاهرة الفساد الإداري يحتاج إلى هذا الأسلوب لتحديد متطلبات العاملين تجاه بعضهم البعض وتجاه المنظمة، ومتطلبات المنظمة من عامليها لتكون الصورة واضحة بعيد عن الغموض

 وليشعر الفرد بالولاء للمنظمة التي يعمل بها ويبعد عنه الصراعات الداخلية التي يمكن أن يشعر بها نتيجة تصارع قوى الخير والشر داخله.

الإصلاح الإداري للفساد في المجتمع

إن الفساد الإداري آفة لا تقل خطورة عن أي آفة مهلكة، وأي آفة لا نتصدى لها ونجتث جذورها فإنها لا تُبقي ولا تذر، وتقتل كل الإمكانيات المتاحة للأمة سواء المادية منها أو القدرات البشرية، وكم من أمة من الأمم أفِل نجمها بل وزالت من الوجود بسبب الترهل الذي سببه تراخيها عن مقارعة تلك الآفة.

ومن الثابت بأن الفساد الإداري والمالي هو أكبر معوق للتنمية، وقد ازداد الاهتمام بهذا الموضوع لأسباب متعددة، منها: (انفتاح الدول بعضها على بعض – سرعة انتشار المعلومات – زيادة مشاركة الشعوب في صنع القرار – تأثر مصالح الدول الصناعية والنامية من انتشار هذه الظاهرة).

ويذكر (موسى: 9) تعريف الإصلاح الإداري على أنه: ” إدخال تعديل في تنظيمات إدارية قائمة، أو استحداث تنظيمات إدارية جديدة وإصدار الأنظمة والقوانين واللوائح اللازمة لذلك ” وهناك بعض الآليات والسياسات والإجراءات التي يمكن إتباعها لتحقيق الإصلاح للقطاعات التي عانت من الفساد الإداري.

عدد من الآليات المقترحة وهي:

1. إصلاح النظام المصرفي والسيطرة عليه لمنع سارقي المال العام من الاختباء والتخفي فيه.

2. تكوين مؤسسات رقابية مستقلة تشرف على مراقبة العمل في الهيئات الحكومية والخاصة على حد سواء.

بعض الإجراءات، مثل:

3. الحد من البيروقراطية المعقدة الروتين والحد من وضع العراقيل أمام مصالح الناس، فهذا الأمر يجعل المواطن يلجا إلى طرق ملتوية لإنهاء معاملته وتيسير أمره الرشوة مثلا.

4. الردع القانوني.

5. تحسين الوضع المادي للموظف حتى لا يحتاج ويذهب لأخذ الرشوة.

أن هناك عددا من الإجراءات التي يجب إتباعها للحد من هذه الظاهرة، منها:

6. تطوير القواعد النظامية المطبقة.

7. تبني نظم حديثة توفر حماية أفضل.         

8. إزالة جميع المعوقات التي تمنع من الحصول على التعويض ومحاسبة الجاني.

9. الاهتمام بأخلاقيات الوظيفة العامة.

10. شعار الموظف العام بالمسؤولية الملقاة عليه.

11. تكثيف الجهود الخاصة بالتوعية الإدارية.

12. تفعيل دور التدريب العملي لكي يؤدي دوره في توجيه الموظف إلى سبل اكتساب الأخلاقيات الإدارية الحميدة والالتزام بها سلوكيا ومهنيا.

 

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك