الخميس - الموافق 28 مارس 2024م

عبدالرحيم التلاوي يكتب: رواية “الثائر” لمحمد الغربي عمران

، رواية رحلة بحث.
رواية مغامرات عجيبة. 
رواية حرب.
رواية انتقام.

رواية اعتقال سياسي.
وهي رواية تعرية بالأساس.
إنها جماع كل هذا مادام أنها تنشد الحرية.
قمر الشخصية الأساسية، ومصفاة السرد، ومحور الحكي، شخصية ملتبسة، تعيش في المنطقة الفاصلة بين الذكورة والأنوثة، فهي لا رجل ولا أنثى، إنها خنثى كما خبرها شيخه، ونطق بها يوم أزهق روحه، وعلمتها الأرملة المطلقة حين وضعت يدها على عانته فأذركت أنها تحمل لسانا مقطوعا. التباسها يخلق فوضى التجنيس، وفي الوقت ذاته، نراها تتثور على وضعها بثورتها على منظومة قيم عجفاء في زمن حرب هي الأخرى ملتبسة؛ فهي حرب ضد الاستعمار، وفي الوقت نفسه، هي صراع بين طرفين متناقضين، يحملان مشروعين مختلفين، نتائجه المتبدية في النص، كارثية على الإنسان المسالم والأعزل، لأنه ليس سوى حطب لها. فكل طرف، رجعي أو تقدمي، لا يهتم بالإنسان، بل جل اهتمامه منصب على الانتصار؛ وليحقق ذلك، يقذف بالجميع في نار الحرب المستعرة، ويظل هو في منأى من لهيبها.
وترتسم ثورتها انطلاقا من صورة الغلاف الذي يقدم لنا صورتين لذات واحدة وقد مزق سيف بعف ذلك الوجه الجميل فشطره نصفين: نصف أنثوي، ونصف ذكري، مما يدل على الشرخ الذي ظل قمر يحمله طوال أحداث الرواية، وخلال مسيرة خوض تجارب أرغم عليها، وقذف في أتونها مكرها؛ وكان في كل ذلك، يسعى إلى إثبات حضوره، وبصم خصوصيته.
وقبل الحديث عن الحكي وأهميته في خلق التواصل، أشير إلى أن الرواية قد محتنا فرصة تلمس جسد اليمن، بقراءة مرتفعاته ومنخفضاته، بشم نسيم وديانه وعبق غاباته، بسماع هدير بحره وسمائه، لقد جعلتنا نتلمس خريطة هذا الوطن بالتعرف على مدنه، وبالأخص: صنعاء وعدت، وتعز، والتعرف على قراه وصحرائه وسواحله. وكانت لصعاء الحضور الأقوى، فقد كان جسدها شبيها بجسد امر’ تتعرى شيئا فشيئا.
ولأن الحياة هي تواصل مستمر، فإن الرواية لا يمكن أن تكون إلا من خلال هذا التفاعل البناء بين طرفي العملية التواصلية، الحاكي والمستقبل.
ولأنها رواية متعددة الأصوات، فإننا نجدها بوليفونية، ينهض بالحكي فيها أشخاص كثر، وإن كانت شخصية قمر هي المحور.
تقول الرواية في الصفحة 290: كيف يكون الإنسان إنسانا دون سماعه لغيره؟ ما نحن إن لم نسمع ما يعتمل حولنا؟ أن تفقد صديقا معناه أن تفقد طعم الحياة، ما طعم الحياة دون حكايات؟
لا تستقيم الحياة دون حكي، فقد خلقنا لنحكي، لأن الحكي تعبير عن إنسانيتنا، تعبير عن حضورنا في ها العالم، تأكيد على كينونتنا وحقنا في الحياة الكريمة الحرة والعادلة.
وفي الصفحة 309، يعود الحديث عن الحكي من جديد: ترى من اخترع الحكي؟ماذا لو أن الناس لم يتعلموا اصواتهم؟ كيف ستكون الحياة ؟!او أن الجميع يهجرون أصواتهم أو يفقدونها، ما جدوى العيش بدون صوت؟!
هي أسئلة حارقة ومهمة، فلا حياة دون حكي، ولا قيمة لها دون صوت، وما التواصل إلا أصوات تؤكد على حضور الإنسان، ومشاركة أخيه في هذه الحياة.
إن الحكي هو بمثابة تعر، وكشف للدات، بغاية بلوغ حالة التماهي مع الآخر، لكن الخداع يقتله، فالسارد حين يكتشف أن المستمع غشاش يحس بالندم، لأن فعل التعري لم يكن مناسبا؛ بمعنى أنه لم يحقق الهدف الأسمى المتمثل في الاندماج مع المتلقي، لأنه صار فضحا وفضيحة، فضحا للمستور، وفضيحة أخلاقية وسياسية وثقافية، لكونها تقود إلى كشف المتخفي لمن يترصده. فقمر بحسن نية قام بإعطاء قائة أسماء من يقفون ضد المستعمر، لقد خدعه المتلقي، ولم يكن يعرف أنه أذن المستعمر البريطاني إلا بعد فوات الأوان. ثم إنه أدرك هذه الحقيقة بواسطة الحكي، فقد أخبره أحد بحقيقة الجاسوس الذي لا يفارق السجن، ينتقل من عنبر إلى آخر، لجمع المعلومات من أفواه السذج.
رواية التعرية:
لا نقصد تعرية الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الذي عاشته اليمن طوال سنوات حروبها ضد المستعمر والرجعية، والذي نراه مازال متواصلا حتى اليوم، بل قصد تعرية واقع الدوائر المغلقة، والتي دخلها قمر مكرها لضعفه أو لهروبه من مخاطر محدقة؛ فواقع تلك الدوائر مفجع حقا، لأنه يحمل مؤشرات نفاق المجتمع ككل؛ هذا المجتمع الذي يظهر غير ما يبطن؛ يظهر ورعه، ويخفي فسقه، فالقصور كما عنابر المدارس والسجون، تكشف شذوذ روادها، وما قمر، وهو اسم يحمل الذكورة والأنوثة معا، إلا ضحية هذا الواقع العفن، كان من نتائجه، ضياع فحولته، فشيخه الذي التقطه من الجامع، مارس عليه شذوذه، وجعله يحمل بصمة الاغتصاب طوال حياته، ومن هنا مبرر ثورة شخصيتنا التي انخرطت في حروبها بكل جموح، وكأنها تريد الانتقام من الكل.
كما أنه كشف وقع النساء من خلال معايشته لانشغالاتهن، وبوحهن، إذ كشف ميولات البعض منهن السحاقية، كتلك الأرملة التي عبرت لقمر عن ميلها له كامرأة، وعشقته كأنثى لا غير.
قمر، إذن، من الأبطال الذين شوهتهم الطبيعة وأيدي البشر ورسمت بهم عاهات تحملوا وزرها كل حياتهم وقاسوا منها الأمرين حتى أنهم من فرط معاناتهم حاولوا الهروب منها بالانتقام والانتحار.
رواية الانتقام:
ما عاشته شخصية “قمر” من أحداث مؤلمة، تسببت في ضياع هويتها متعددة الأبعاد، دفعها إلى محور آثاره، بالتطهر منها عبر قتل المتسببين فيها، ومنهم: صاحب السوط، وشيخ القبيلة، وشيخ المدرسة، والصديق، وكل من تسبب في أذى، وما انخراطها في الحرب إلا رغبة مضمرة في الانتحار، لم تسع إلى بطولة، ولا إلى نيل أوسمة، وما الخطبة التي ألقتها يوم تتويجها، والتي جاءت في الفصل الأخير من الرواية، خير معبر، لقد كانت خطبة تطهر، والتخلص من أدران ما لحق بها من أوساخ.

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك