الجمعة - الموافق 29 مارس 2024م

ضريبة الارهاب بقلم :- الدكتور عادل عامر

أن الدولة المصرية تواجه حربا ضروسا فى سيناء، تقودها أجهزة مخابرات تهدف لإدخال المنطقة كلها في حالة من الفوضى، أن الجيش المصري يدفع ضريبة رفضه أن يجتاح الإرهاب المنطقة العربية كلها.

أن الضحية الأولى للإرهاب هي الدول النامية وعلى رأسها دولنا الإسلامية، نظرا لقلة التنوع في هذه الاقتصاديات، بخلاف الاقتصاديات الكبرى والغنية التي تتمتع بقدرة أكبر على تحمل آثار الهجمات الإرهابية، مما يضع المتطرفين -الذين يرون في هجماتهم على الغرب نوعاً من العقاب له على أجندته السياسية

وتدخلاته في عالمنا الإسلامي-أمام معضلة أن أكثر الدول والشعوب المتضررة من أعمالهم هم المسلمون أنفسهم والدول الإسلامية تباعاً، فعلى سبيل المثال أدت هجمات 11 سبتمبر 2001 المأسوية إلى خسائر في الاقتصاد الأمريكي بنحو 80 مليار دولار أمريكي، إلا إن هذه الخسائر على ضخامتها، لم تكن غير جزء ضئيل حيث مثّلت أقل من 0.1% من إجمالي الانتاج المحلي الأمريكي الذي كان يبلغ نحو 10.6 تريليون دولار أمريكي في عام 2001،

وبشكل عام خلصت دراسة متخصصة أجرتها وكالة بلومبرج الاقتصادية عام 2004 وخلصت فيها إلى أن آثار الهجمات الإرهابية العابرة للحدود كانت طفيفة إلى حد ما في المتوسط في 177 بلداً خلال الفترة 1968 – 2000، بحيث لو نجح الإرهاب في تعطيل أنشطة إنتاجية في قطاع واحد في الاقتصادات الكبرى، فإن الموارد تتدفق بسهولة إلى قطاع آخر لم تتضرر وإضافة إلى ذلك، تملك الاقتصادات الأغنى قدراً أكبر وأفضل من الموارد لتخصصها لجهود مكافحة الإرهاب، وهو ما يؤدي على الأرجح إلى خفض عدد الأنشطة الإرهابية التي يتعين عليها التعامل معه، وهو الأمر الذي يسحب البساط من دعوى الإرهابين أنهم يلحقون الأذى بالدول القوية – حسب زعمهم- عقاباً لها على تدخلها في دولهم، أو انحيازها لإسرائيل مثلا في الصراع العربي الإسرائيلي المستمر من عقود.

بينما تقل هذه الحصانة في الدول النامية ومنها أغلب الدول الإسلامية حيث تتكبد اقتصاداتها خسائر كبرى نتيجة ضعف هذه الاقتصاديات المحصورة في بضعة قطاعات، فالموارد كالأيدي العاملة أو رأس المال عادة تنفر من القطاعات المتضرر إلى أنشطة أقل إنتاجية داخل البلد أو ينتقل إلى بلد آخر بصورة كاملة. كما هو حاصل في العديد من دولنا الإسلامية التي تنخفض دائما تصنيفتها الانمائية بسبب تنامي موجات العنف فيها، وتدخل في معظمها في موجة ركود اقتصادي يؤثر على حياة العامة من الناس أكثر من الطبقات الحاكمة التي عادة ما تستهدف العمليات الإرهابية الإضرار بها، وكمثال على ما قلناه أشارت مؤسسة موديز العالمية للتصنيف الائتماني

أن حادث سقوط الطائرة الروسية في مصر سيؤثر بشكل سلبي على التصنيف الائتماني للدولة، بعدما قرر عدد من منظمي الرحلات في العالم تعليق رحلاتهم السياحية لمصر، مبررة ذلك بتقليل معدلات السياحة الوافدة لمصر، الأمر الذي يساهم في تقليل موارد العملة الأجنبية والتأثير على موقف مصر الائتماني تمتد الخسائر في واقع الأمر إلى قطاعات أخرى مثل سوق الأوراق المالية أي «البورصة»، والتي ارتفعت خسائرها إلى أكثر من مليار دولار بعد وقوع حادثة الطائرة الروسية في شرم الشيخ.

وتقف الجزائر كنموذج حي على هذا الوضع، حيث أدخلت فترة العنف والإرهاب (1991-2000) البلد في حالة ركود رهيبة وعزلة اقتصادية لم يتنفس الجزائريون منها الصعداء إلا بعد استتباب الوضع الأمني والقضاء على أغلب النشاطات الإرهابية، ينطبق الأمر نفسه على أفغانستان، باكستان، العراق، وسوريا،

وغيرها من الدول الإسلامية. التي تعاني زيادة على الخسائر المباشرة للعنف من تكاليف أخرى تكبدها إياها فواتير اقتناء المواد المتخصصة لمكافحة الإرهاب مثل معدات المراقبة وبرامج التدريب لقوات الشرطة والتكنولوجية المتقدمة لمكافحة هذه الظاهرة، وهو ما يثقل أكثر كاهل المواطن البسيط.

يشير تقرير مركز الاقتصاد والسلام إلى أن التكلفة السلبية للعمليات الإرهابية سنة 2015 وصلت إلى نحو 53 مليار دولار، ويقيس المؤشر الذي يعتمده المركز العوامل المسؤولة عن الإرهاب في كل بلد، ويعطيها درجة تعبر عن أوضاعها بالنسبة لتلك العوامل في متوسط خمس سنوات، وكلما تقدم وضع الدولة على المؤشر كلما عكس ذلك تعرضها لعمليات إرهابية أكثر. ومما خلص له المركز في هذا التقرير المهم والمحكم أن الموجة الإرهابية الحالية (2015)، قد بلغت تكلفتها أعلى خسارة سنوية على الإطلاق، وأعلى من كان عليه 2014 بنسبة 60% وعشر مرات من الخسائر المسجلة سنة 2000، والمثير للانتباه والمؤسف أيضاً أن أغلب هذه الخسائر تتكبدها الدول الإسلامية التي تقع في أراضيها هذه الاعتداءات.

هذه 53 مليار دولار ليست التكلفة الشاملة للإرهاب حيث تضاف لها 117 مليار دولار كتكلفة لمحاربة الإرهاب. هذه الأرقام التي يعرضها مركز الاقتصاد والسلامـ تبدوا متواضعة أمام ما تعرضه الأرقام الصدارة عن الجهات العربية المتخصصة حيث أ كد نور الحراكي سفير المنظمة الدولية للتنمية وحقوق الإنسان، ورئيس المنتدى العربي العالمي للثقافة والسلام، أن الاقتصاد العربي يتعرض لخسائر تصل إلى 300 مليار دولار سنويا بسبب الإرهاب الداخلي والخارجي في العالم العربى، بينما يشير التقرير المطول الذي نشره موقع “زاوية” الاقتصادي التابع لوكالة رويترز للأنباء، أن تنظيم “داعش” كبد المنطقة العربية خسائر فاقت ترليون دولار (ألف مليار دولار) خلال العام 2014. و أنه بعد مرور عام على إعلان دولة الخلافة الإسلامية بقيادة تنظيم “داعش” تجاوزت خسائر المنطقة العربية اقتصادياً أكثر من تريليون دولار، في قطاعات أهمها النفط، والسياحة والبُنى التحتية،

فخلال عام واحد من المواجهات العسكرية المباشرة وغير المباشرة مع تنظيم داعش، تراجع إجمالي الناتج المحلي في دول مثل سوريا، والعراق، وتونس وزاد حجم الإنفاق العسكري بأكثر من 40 بالمئة في عدة دول عربية تتصدرها السعودية والإمارات وقطر. ويتكبد العراق أكبر فواتير هذه الظاهرة إذ تشير بعض التقارير الحكومية العراقية إلى إن خسائر العراق المباشرة من دخول داعش خلال عام فاقت الـ200 مليار دولار شملت قطاعات الطاقة والبنية التحتية والمؤسسة العسكرية وممتلكات خاصة وعامة، بينما تسببت أعمال العنف في أحداث ضربة قاصمة لقطاع السياحة في تونس والتي تعتمد عليه بشكل جذري كمصدر للدخل، مما أثر على القدرة الشرائية للمواطن التونسي البسيط. كما تسببت الحرب ضد داعش في أضرار مباشرة للأردن حيث أوقفت أكبر مشروع استثماري مشترك بين العراق والأردن تقدر تكلفته بنحو 18 مليار دولار، لنقل النفط العراقي من قضاء حديثة غرباً إلى ميناء العقبة الأردنى كان من شأنه أن يوفر الكثير على الخزينة الأدرنية.

ومن المفارقات في الموضوع أن هجمات 11 من سبتمبر والتي هدفت منها القاعدة إلى إيذاء الولايات المتحدة وتكبيدها خسائر مادية عميقة أدت إلى نتيجة عكسية تماماً حيث اعتمد الكوتغرس بداية من سنة 2001 ميزانيات ضخمة لتطوير وزارة الأمن الداخلي بلغت 589 مليار دولار ، وميزانية فلكية لتمويل الحرب على الإرهاب بلغت 1.6 تريليون دولار ، وميزانية أخرى لتغطية تكلفة استمرار تلك الحروب ورعاية المحاربين بلغت 867 مليار دولار وهو ما سبب كوارث اقتصادية وبشرية للعديد من الدول الإسلامية التي كانت ميدان لهذه الحرب التي أعلنتها الولايات المتحدة بعد 11 من سبتمبر

أمام هذا الجرد السريع لهذا الكم الهائل للخسائر الاقتصادية نحتاج لدعوة تأمل فيما جرّه الإرهاب على العالم وعلينا نحن المسلمين بشكل خاص من كوارث، في تناقض تام مع تعاليم الشرع الكريم التي تأمر وتحرص على إقامة ركيزتي حفظ النفس وحفظ المال كأحد أهم مقاصد التشريع.

إن المسلمين يدفعون ثمن الإرهاب أضعاف ما يدفعه غيرهم في بعض البلدان التي يضربها العنف، موضحا أن الإرهاب يعنيه الآن الانتقاص من سمعة الإسلام وتشويه صورته. يواجه الإرهاب على المستوى الفكري والإعلامي وعلى مستوى التعليم،

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك