الجمعة - الموافق 19 أبريل 2024م

شعاع من نور الله نوح ” الجزء الرابع” إعداد / محمـــد الدكـــرورى

Spread the love

ونكمل الجزء الرابع مع نبى الله نوح عليه السلام، وقد أرسل الله عز وجل نبيه نوح عليه السلام إلى قومٍ يعبدون الأصنام المتمثلة في تماثيل أو أوثان صنعها القوم لأناس صالحين، ولكن الشيطان خطا بهم خطواته، وزين لهم الأمر شيئا فشيئا، وسلك معهم سبيل التدرج حتى عبدوا التماثيل التي صنعوها لهؤلاء الرجال الصالحين، وتشبثوا بعد ذلك وأصروا على هذا الصنيع، ويشرح لنا ابن كثير رحمه الله تعالى تلك الخطوات الموصلة إلى عبادة الأصنام، وأن هذه التماثيل كانت لقوم صالحين ورجال محببِين إلى الناس، فلما ماتوا عكفوا حول قبورهم يزورونهم ويتذكرون كلامهم الطيب، وبمرور الزمن جاء جيل بعد الجيل الأول زين لهم الشيطان فكرة أن يصنعوا لهم صورا، ثم تطورت الفكرة إلى أن جعلوا تلك الصور تماثيل ثابتة أبقى من الصور، ثم بعد مجيء أجيال جديدة سلكوا سبيل التطور فعبدوا الأصنام من دون الله، ويقول ابن كثير رحمه الله، إن ودا، كان محببا في قومه، فلما مات عكفوا حول قبره في أرض بابل، وجزعوا عليه، فلما رأى إبليس جزعهم عليه تشبه في صورة إنسان، ثم قال إني أرى جزعكم على هذا الرجل.
فهل لكم أن أصور لكم مثله فيكون في ناديكم فتذكرونه به؟ قالوا نعم، فصور لهم مثله، قال ووضعوه في ناديهم يذكرونه، فلما رأى ما بهم مِن ذكره، قال هل لكم أن أجعل في منزل كل واحد منكم تمثالا مثله ليكون له في بيته فتذكرونه قالوا نعم، قال، فمثل لكل أهل بيت تمثالا مثله، فأقبلوا فجعلوا يذكرونه به، قال وأدرك أبناؤهم، فجعلوا يرون ما يصنعون به، قال وتناسلوا ودرس أمر ذكرهم إياه، حتى اتخذوه إلها يعبدونه من دون الله، وبهذا تعمقت جذور الكفر، وتأصلت عبادة الأصنام في عقول وقلوب الناس بفعل الإضلال الشيطاني، ليتبين لنا أن زرع الأفكار وبناء العقائد أو تغييرها لا يمكن أن يتم فجأة أو دفعة واحدة وإنما يكون على مراحل وبتدرج، ولهذا كانت المهمة صعبة، والظروف قاسية بالنسبة لنوح عليه السلام، فلقد ظل يدعو قومه ليلا ونهارا، وسرا وجهارا، ومكث بين قومه ألف سنة إلا خمسين عاما، ولقد كانت مراحل دعوة نبى الله نوح عليه السلام هى البدء بتوحيد الله عز وجل ونبذ عبادة الأصنام، ومواجهة الملأ الذين تصدوا لدعوته، وطول أمد الدعوة مما استدعى تنويع أساليبها وتدرجها من استعمال الرفق واللين والترغيب.
ثم التأنيب والتوبيخ، ومواجهة ذلك منهم بالاستخفاف والاستهزاء والسخرية، وتعرضه عليه السلام للمساومة كي يطرد المؤمنين الفقراء، واليأس من إيمانهم بعد إخبار الله تعالى له والدعاء عليهم، ثم هلاك المكذبين، وقد بدأت مراحل دعوة نبى الله نوح عليه السلام، ولقد كانت المرحلة الأولى هي الدعوة إلى التوحيد، وقد سبق أن ذكرت أن أرض الدعوة كانت وثنية، فالقوم يعبدون عدة آلهة، وقد وجدوا على ذلك آباءهم وأجدادهم، حتى كان الآباء يوصون أبناءهم بالتمسك بعبادة تلك الأصنام وعدم التخلي عنها، وعلم ذلك نبى الله نوح عليه السلام، وقد ذكر الرازي، وكان الرجل منهم ينطلق بابنه إليه، ويقول احذر هذا فإنه كذاب، وإن أبي أوصاني بمثل هذه الوصية، فيموت الكبير وينشأ الصغير على ذلك، ويقول الله تعالى فى كتابه الكريم فى سورة الأعراف ” فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إنى أخاف عليكم عذاب يوم عظيم ” وهنا نتجه إلى سورة الأعراف، لنتعرف على بعض مراحل الدعوة، والتى كان أولها هو الدعوة إلى توحيد الله عز وجل، ويقول الرازي في الآية فوائد، وهو أنه عليه السلام أمرهم بعبادة الله تعالى.
وأنه حكم أن لا إله إلا الله، والمقصود من الكلام الأول إثبات التكليف، والمقصود من الكلام الثاني الإقرار بالتوحيد، وأنه حذرهم عذاب يوم عظيم، وهو إما عذاب يوم القيامة، وإما عذاب يوم الطوفان، وأما المرحلة الثانية، وهى رد الملأ ومواجهتهم، لما دعاهم إلى عبادة الله وحده، وخوفهم عذابه، فاتهموه بالضلال في بداية الأمر فقال تعالى ” إنا لنراك فى ضلال مبين” واتهموه بالجنون كما ورد في سورة المؤمنون ” إن هو إلا رجل به جنة فتربصوا به حتى حين ” ويقول الله تعالى في سورة القمر ” كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر” واتهموه بالكذب كما في قوله تعالى فى سورة هود ” فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أرازلنا بادى الرأى وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين ” وسخروا منه كما في قوله تعالى فى سورة هود ” ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه ” فكان هذا بعض ما فعله وقاله الملأ، ولكن لماذا الملأ هم أعداء الرسل والرسالات؟ والجواب قاله المفسرون وهو أن الملأ هم الكبراء والسادة الذين جعلوا أنفسهم أضداد الأنبياء.
وهم الذين يملؤون صدور المجالس، وتمتلئ القلوب من هيبتهم، وتمتلئ الأبصار من رؤيتهم، وتتوجه العيون في المحافل إليهم، وهذه الصفات لا تحصل إلا في الرؤساء، وذلك يدل على أن المراد من الملأ الرؤساء والأكابر، ولما اتهموه بالضلال قال ” ليس بى ضلالة ” وما أعظم هذا الرد، وما أبلغه، ويقول الرازي، فكان هذا أبلغ في عموم السلب، ثم إنه ولما نفى عن نفسه العيب الذي وصفوه به، ووصف نفسه بأشرف الصفات وأجلها، وهو كونه رسولا إلى الخلق من رب العالمين، فذكر المقصود من الرسالة، وهو التبليغ والنصيحة فقال ” أبلغكم رسالات ربى وأنصح لكم” والفرق بين تبليغ الرسالة وبين النصيحة، هو أن تبليغ الرسالة معناه أن يعرفهم أنواع تكاليف الله وأقسام أوامره ونواهيه، وأما النصيحة، فهي أن يرغبه في الطاعة، ويحذره من المعصية، ويسعى في تقرير ذلك بالترغيب والترهيب بأبلغ الوجوه، وهؤلاء الملأ من علية القوم وصفوة المجتمع، أصحاب المصالح، أعداء الإصلاح، اتهموا نبى الله نوح عليه السلام بأنه ما اتبعه إلا الفقراء والعوام وأصحاب الحرف، وطلبوا منه أن يطردهم، ليكون المجلس مجلس الملأ.
فهم الذين يملؤون القلوب هيبة، والمجالس أبهة، ولا يليق أن يجالسهم الأراذل، ويقول الرازي، طعنوا في نبوته بثلاثة أنواع من الشبهات، فالأولى أنه بشر، والثانية كونه ما اتبعه إلا أراذل من القوم كالحياكة وأهل الصنائع، وقالوا ولو كنت صادقا، لاتبعك الأكياس من الناس والأشراف منهم، ونظيره فقال تعالى فى سورة الشعراء ” قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرزلون ” وأما عن الشبهة الثالثة وهى لا نرى لكم علينا من فضل لا في العقل، ولا في رعاية المصالح العاجلة، ولا في قوة الجدل، وأما الرد على هذه الاتهامات وتلك الشبهات، فقد سجله القرآن الكريم، وكان لما دعا نوح قومه إلى عبادة الله وحده، وخوفهم عذابه وانتقامه، واتهموه بالضلال، فنفى عن نفسه الضلال، وأخبرهم أنه مُبلغ عن الله تعالى، وأنه ناصح لهم، ثم نتأمل الترتيب في قوله تعالى وهو يخاطبهم فى سورة الأعراف ” أو عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ولعلكم ترحمون” ويقول الرازي رحمه الله، لقد بين الله تعالى ما لأجله يبعث الرسول، فقال تعالى ” لينذركم ” وما لأجله ينذر، فقال ” وليتقوا ” وما لأجله يتقون، فقال تعالى ” ولعلكم ترحمون ”
وهذا الترتيب في غاية الحسن، فإن المقصود من البعثة هو الإنذار، والمقصود من الإنذار التقوى عن كل ما لا ينبغي، والمقصود من التقوى الفوز بالرحمة في دار الآخرة، ولقد كانت الدعوة بالليل والنهار، والسر والجهار، ولعله فهم ما لهذا الأسلوب من أثر على النفوس البشرية إذ من الناس من يكون وعيه وإدراكه في النهار أكثر من الليل، ومنهم من يكون على العكس، فالصنف الأول دعاه بالنهار، والآخر دعاه بالليل، كما أنه لاحظ اختلاف طبائع الناس، فوجد أن منهم من إذا وُجهت له الدعوة جهرا أمام الناس، تأخذه العزة والأَنفة، ولا يمتثل للأمر المدعو إليه تكبرا أو تعاليا، وصلفا وغرورا، وخوفا من معايرة أهله وعشيرته، فهذا إذا دعي سرا، فإنه قد يمتثل إليه، وقد يخفيه سرا فترة من الزمن، وكان عليه السلام يوجه الدعوة جهرا لمن يلمس فيه الشجاعة والاحترام وعدم المبالاة والخوف من أحد، طالما اقتنع بصحة ما أقدم عليه، وإن إقامة الأدلة على قدرة الله تعالى في الخلق، والتنبيه على كثرة نعمه وآلائه، وذلك في قوله تعالى فى سوة نوح ” وقد خلقكم أطوارا” وكذلك الترغيب في الطاعة وبيان ثوابها العاجل والآجل في الدنيا والآخرة، وذلك في قوله تعالى فى سورة نوح ” فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا، ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا”

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك