الجمعة - الموافق 29 مارس 2024م

سيكولوجية المنافقين في القرآن الكريم: بقلم: هند درويش

النفاق هو مرض في القلب وهو آفة تنال من صفاء نفس صاحبه، فالله سبحانه وتعالى أنزل سورة في القرآن تخبر المنافقين بما يبطنون في قلوبهم ” يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُم بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ ” (التوبة: 64). وفي قوله تعالى: ” أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا ” ( النساء: 63). ولعل من أبرز ملامح شخصية المنافق ما يلي:

1- الجهل وعدم التفقه في الدين، وهذه من أهم الصفات التي وصفهم الله بها في قوله تعالى: ” وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ” وفي آية آخرى ” وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ ” ( المنافقون :7) وهذا من أهم أسباب نفاقه.

2- ونتيجة لذلك يبتغي العزة في أعداء الإسلام ، وهذه الصفة قد بينها لنا الله في قوله تعالى: ” بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ” ( النساء: 139). إذن المنافق ليس لديه فقه في الدين ولذلك يبتغي العزة في الغرب وموالاة الأعداء وكسب رضاهم طلباَ للعزة، ويرد الله على هؤلاء المنافقون بأن العزة الحق في التمسك بدين الله وموالاة الله ورسوله والمؤمنين في قوله تعالى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ” (المنافقون:8).

3- صفة أخرى من صفاتهم يظهرون للناس شيئا ويضمرون في قلوبهم عكس ما يظهرون لخداع الآخرين وكسب ودهم والمكر بهم ” ” يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ” ( الفتح: 11).

4- المنافق والمنافقة قد يتمتعون بوسامة في الشكل وتناسق في الهيئة ” الجسم “، وقدرة عالية على التحدث بلباقة ولكن ليصد الناس عن سبيل الله، وهذا ما أكده الله في قوله تعالى: ” وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ” (المنافقون:4). ويحذر الله من هؤلاء بقوله ” هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ” ( المنافقون:4). ). تفسير السعدى: أي: من حسن منطقهم تستلذ لاستماعه، فأجسامهم وأقوالهم معجبة، ولكن ليس وراء ذلك من الهدى الصالح شيء، وهو مخادع ماكر، يزعم أنه منكم، وهو العدو المبين، وهؤلاء حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم منهم في قوله ” أَخْوَفُ مَا أَخَافَ عَلَى أُمَّتِي كُلُّ مُنَافِقٍ عَلِيمُ اللِّسَانِ ” .(حديث مرفوع) أى يستطيع التحدث بلباقة والتأثير في الناس بحلو منطقه وهو يبطن في نفسه ما يفسد على الناس دينهم.

5- المنافقون يثيرون الشائعات وخاصة في أوقات الحروب أو في الظروف العصيبة التي تمر بها البلاد لإثارة البلبة والريبة والشكوك في النفوس ولزعزعة الثقة مما يؤدي إلي شق الصفوف وهذا هو ما يسعى إليه الأعداء في كل زمان، فالإشاعات من أهم الوسائل المؤدية إلي الفتنة والوقيعة بين الناس لذلك يقول الله تعالى: ” وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ” (البقرة: 191). لأن الفتنة قد تهدم مجتمعات إنسانية بأكملها. ومن صفات المنافقين أيضاً إذا جاءهم خبر يوجب الأمن والطمأنينة، أو خبر يوجب الخوف ينشرونه ولقد نبهنا الله إلي ذلك الصفة في قوله تعالى: ” وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ” (النساء: 83). وينبغي على المؤمنين الصادقين أن لا ينشروا متل هذه الأخبار لأن هذه الصفة من صفات المنافقين، فإذا كان الخبر يوجب الأمن وأذيع به فإن العدو يستعد ويضاعف من قوته، وإذا كان الخبر يثير الخوف وتم نشره فقد تثبط من عزائم المسلمين، وتحطم من معنوياتهم فإذا علم العدو بذلك انقض على المسلمين، فالأفضل أن ترد هذه الأخبار لأولي الأمر وأهل العلم فهم الأعلم بما يقال وبما لا يقال ” فليس كل ما يعرف يقال ”

6- المنافقون اتخذوا إيمانهم “جنة ” أى يتسترون وراءه ويلصقون به ما ليس فيه لصد الناس عن سبيل الله وهذا مصدقا لقوله تعالى: ” ” اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ” (المجادلة:16). والمنافق هو الذى يعمل لصالح جهة أخرى ويتستر وراء الإسلام وهذا نتيجة لضعف شديد فى الإيمان وشك ارتاب قلبه وهذا بين في قوله تعالى ” وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ ” (التوبة: 56). ونتيجة لضعف إيمانهم فيصبحون مذبذين في انتمائهم ” مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَٰلِكَ لَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ وَلَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا” (النساء: 143).

7- المنافقون يدخلون في الإسلام ظاهرياً ويبطنون الكفر لتنفير الناس من الدين ولصد الناس عن سبيل الله من خلال إلصاق الشبهات وإفتراء الكذب على الله ليطفئوا نور شمس الرسالة المحمدية التي أضاءت العالم وأخرجته من ظلمات الجهل إلي أنوار العلم والمعرفة ، فإن أول مؤسس لشيعة هو عبد الله بن سبأ اليهودي الذي كان يهودياً فأسلم ظاهرياً وأخذ ينشر عقائد تنافي عقائد الإسلام وتهدف لتشويه والانتقام منه، وحذر الله ممن يدعي أنه ينتمي للإسلام ليثير الشبهات والإفتراءات على الله بقوله ” وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7) يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ” ( الصف: 7-8). ولقد أعترف أعدائنا بذلك في برتكولاتهم: انهم يدخلون في الديانات الأخرى كالإسلام وغيره ولا يعترفون أنهم من أصل يهودي ويؤلفون الجمعيات الدينية والاحزاب السياسية التي تهدف أولا لتشويه الأديان كمحاولة للقضاء عليها، فهى تهدف إلي خدمة مصالح العدو فقط.

8- فالمنافق يظن أنه يخدع الله بنفاقه، ويستطيع الكسب من كل الجهات، ويهتم بكسب رضا الناس على حساب رضا الله ويرائي بعمله، وهذا نتيجة لقلة علمه وضعف إيمانه ” إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ” (النساء:142). فالمنافق لا يصلي إلا إذا كان في مكان به الناس تصلي فيصلي مجاملة وهو في قمة الشعور بالكسل ” وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ ” (التوبة: 54). لا يحب الانفاق في سبيل الله ولا يعترف بذلك.

9- ومن أهم صفات المنافقين أيضاً أنهم لديهم سوء ظن بالله شديد وشكوك تجاه الإسلام، ولديهم شك دائم في نصر الله للمسلمين وذلك نتيجة لجهلهم وقلة علمهم بعظمة وقدرة الله على نصر المسلمين حتى ولو كانوا الأقل في الإعداد والتعداد لأن الله ينصر المؤمنين بإيمانهم ” إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (محمد:7)، أو نتيجة لقياس الأمور بنظرة مادية بحتة أي عندما ينظروا إلي ما وصل إليه العدو أو الغرب من قوة علمية وعسكرية فيفتن في دينه، وهذا كان حال المنافقين في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، فعندما ينظروا لقوة قريش الاقتصادية والعسكرية وأنهم الأكثر في الإعداد والتعداد، فظنوا أن النبي غير صادق في وعده للمسلمين بنصر الله لهم” وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا ” ( الأحزاب:12). فظنوا المنافقين أن لم ينفع المؤمنين إيمانهم وأن الله سيتخلى عن نصرهم ” إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ” ( الأنفال: 49). لذلك توعد الله بعذاب المنافقين يوم القيامة لأنهم أساءوا الظن بالله وظنوا أنه سيتخلى عن نصر الرسول والمؤمنين ” وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ” (الفتح:6)……ولقد اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى أن يجعل أعدائنا على مر التاريخ أكثر في الإعداد والتعداد ليختبر صدق وقوة إيماننا ولكي يعلم من سيقف في خندق المؤمنين ممن يوالي الكافرين ” وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ ” (العنكبوت:11).

بقلم: هند درويش
ماجستير في التفكر في القرآن الكريم وعلاقته بالتفكير الإبداعي

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك