الجمعة - الموافق 29 مارس 2024م

سلطنة عُمان ورؤية استباقية للأمن الإقليمي بمناسبة القمة الخليجية الأربعين

مسقط، خاص: محمد زكى

مع احتضان الرياض الأسبوع المقبل قمة قادة دول مجلس التعاون الخليجي الأربعين، تكتسب رؤية سلطنة عُمان الاستباقية للأمن الإقليمي، أهمية محورية في استمرار هذا الكيان الخليجي حتى الآن.

فقد حظيت قضية الأمن الإقليمي لدول الخليج العربي بالأولوية والاهتمام غير المسبوق من قبل السلطان قابوس بن سعيد سلطان عُمان منذ مطلع السبعينيات وحتى الآن وعلى مدار نصف قرن تقريباً، حيث سعى إلى إطلاق فكرة إقامة التعاون الإقليمي باعتباره يعزز الكتلة الخليجية في الجوانب السياسية والاقتصادية والأمنية، وباتت تلك الرؤية العمانية، أحد العناصر الرئيسية للسياسة العمانية تجاه دول مجلس التعاون الخليجي.

وتشكلت النظرة العمانية تجاه القضية الأمنية في الخليج العربي من مصدرين: أولهما: ما فرضته الحقائق الجيواستراتيجية، المتمثلة بموقع سلطنة عُمان على مدخل الخليج العربي (مضيق هرمز)، حيث إنها تشرف على الجهة الغربية من هذا المدخل، وهي الجهة المؤثرة والمهمة، حيث يمر فيها معظم خطوط الملاحة الدولية العابرة لهذا المضيق، الأمر الذي حمّل سلطنة عُمان مسؤولية أمنية وسياسية إقليمية كان عليها أن تتعامل إزاءها بكل وعي، لحماية مصالحها الوطنية أولاً، وإسهاماً منها في حماية الملاحة الدولية ثانياً.

وثانيهما: هو تلك الخبرة التاريخية التي تكونت لدى سلطنة عُمان من خلال تجاربها مع القوى الدولية والإقليمية في مياه الخليج العربي والمحيط الهندي، بحكم موقعها الجغرافي.

ومن هنا كانت سلطنة عُمان مدركة منذ وقت مبكر أهمية قيام جسم إقليمي يساعد في خدمة العديد من الأهداف ومن أبرزها المسائل الأمنية وقضايا الأمن والاستقرار في المنطقة، ومن هنا كان الاجتماع الشهير الذي عقد في مسقط عام 1976 بدعوة من السلطان قابوس بن سعيد وحضره وزراء الخارجية في دول المجلس العربية، بالإضافة إلى العراق وإيران، حيث كان للسلطنة رؤية مبكرة ومتسعة في النظر إلى مفهوم الأمن الإقليمي.

وخلال مسير نصف قرن، ظلت سلطنة عُمان وسط أمواج الاضطراب في المنطقة العربية وانعكاساتها على الإقليم الخليجي، تؤمن بالسلام والاستقرار والعمل الجاد لأجل مصلحة الجميع وفق مراعاة الشؤون الداخلية لأي طرف من الأطراف، وأن التكامل الحقيقي لابد أن يأتي بالمصالح المشتركة ويحترم خصوصيات الآخرين، ولهذا ظل هناك حرص مستمر على التعاون والترابط الذي يتشكل دافعه أخويا ينبع من رابطة الدم ووحدة الثقافة قبل أن يتبلور في الصيغ الحديثة له في شكل الدولة المعاصرة.

وقد أثبتت تطورات الأحداث في الخليج والمنطقة العربية أن سلطنة عُمان قد أخذت بمفهوم التكتل والتوحد والتجمع المشترك أساسا لمبادراتها، وأسست سياستها الخارجية على أساس ثابت، هو إقامة علاقات سلمية وتعاونية بكل دول العالم، مدركة أهمية موقعها الجيوستراتيجي، والتبعات التي تترتب على ذلك من مسؤوليات وأعباء في حماية مضيق هرمز، الذي تعد مياهه من أهم المياه الدولية، وفي الممارسة السياسية، انطلقت عُمان في تعاملاتها من القضايا المتفق عليها، وتركت الأمور الخلافية منها إلى التطورات مع الاستمرار، حتى يمكن التوصل إلى تفاهمات وقناعات حولها لدى جميع الأطراف.

وقد استثمرت سلطنة عُمان جميع إمكانياتها وقدراتها في سبيل إيصال التعاون الخليجي إلى أهدافه، وأثبتت قدرة كبيرة في قيادة الكثير من التوجهات الخليجية في فض المنازعات، لا سيما ما تعلق منها بأزمات أو قضايا إقليمية، كما استطاعت أن تفرض منهجيتها الهادئة في حل المنازعات الخليجية.

ولذلك اتجه المجلس إلى تمكين المسائل والحلول الاقتصادية لإيجاد التكامل بين شعوب ودول المنطقة، وخلال تلك العقود الماضية فقد شهدت دول الخليج نهضة غير مسبوقة في كافة الأصعدة تؤهلها فعليا لدخول مكانة مرموقة لا تقل عن الاتحاد الأوروبي وغيرها من الاتحادات الكبيرة التي تسعى إلى تشكيل أفق متسع للرؤية في التعاون الاقتصادي والتجاري في عالم اليوم، وحققت المسيرة نتائج إيجابية قياساً بالكثير من العوامل الداخلية والخارجية التي تحكم الظروف العامة السياسية والاقتصادية والأمنية في منطقة الخليج.

أخيراً تبقى الآمال والطموحات بأن تكون قمة الرياض المقبلة ذات أثر إيجابي على دفع المزيد من التطلعات المشتركة نحو التعاون والتنسيق والعمل لأجل مصلحة دول المجلس وفاعليتها الكلية ودورها في العالم على كافة الأصعدة.

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك