الخميس - الموافق 28 مارس 2024م

زراعة المعرفة والتمكين المعرفي.. بقلم: د.مناهل ثابت

 
 
في ظل اقتصاد المعرفة تحولت المعلومات إلى أهم سلعة في المجتمع، وقد تم تحويل المعارف العلمية إلى الشكل الرقمي، وأصبح تنظيم المعلومات وخدمات المعلومات من أهم العناصر الأساسية لاقتصاد المعرفة، وفي ظل هذه الظروف الجديدة لم يعد الاقتصاد معنياً فقط بالبضائع أي بالتبادل التجاري للمنتجات المادية، بل ازداد اعتماده على تقديم الخدمات، وبالتالي اكتسب الاقتصاد سمة جديدة وهي إنتاج وتسويق وبيع الخدمات والمعلومات.
 
ويؤكد الباحثون أن امتلاك المعلومات هو شيء واستخدامها بصورة فعالة هو شيء آخر تماماً، وخاصة من المجتمعات التي تتطلع إلى امتلاك إدارة مدنية أو حضرية سليمة، ومع الإشارة إلى الاستخدام الفعال لأنظمة المعلومات فإنه ينبغي التنويه بأن فروقاً كبيرة قد نشأت في هذا المجال بين الدول المتقدمة والدول التي لا تزال في دور التطور.
 
ويصنف الباحثون الاقتصاديون اليوم الصناعات إلى صناعات هابطة وهي التي تعتمد على المواد الأولية أكثر من اعتمادها على التكنولوجيا، وتتميز بانخفاض القيمة المضافة على منتجاتها، وإلى صناعات صاعدة وهي التي تعتمد على المعرفة والتكنولوجيا والخدمات والعلاقات أكثر من اعتمادها على المواد الأولية، وتتميز بارتفاع متزايد في القيمة المضافة على منتجاتها، وثمة شركات لا تدخل فيها مواد أولية أبداً فالقيمة المضافة فيها هي بكاملها نتاج المعرفة مثل شركات التجارة الإلكترونية.
 
من هنا وكما ذكرت في مقالات سابقة أصبحت الحاجة إلى خلق مجتمع معرفي مُلحة جدا للتواؤم مع هذا الشكل الجديد من الاقتصاد القائم على المعرفة. فالمستثمرون في هذا المجال حاليا لا يجذبهم سوى وجود تلك الأرضية المعرفية المناسبة التي يمثلها المجتمع المعرفي للاستثمار فيها، وهو ما يحقق حالة ازدهار ورخاء اقتصادي للمجتمع أولا ثم للمستثمرين.
 
ولعل أهم السبل للتمكين المعرفي التي يمكن الحديث عنها بهذا الصدد، عدا أهمية إدارة المعرفة وقبلها، ما سمي بـ«زراعة المعرفة».
 
هذا المفهوم يقول في جوهره إن المشاركة هي أعلى مرتبة من مراتب المعرفة، وهو من المواضيع الحديثة كمفهوم ولكنها قديمة كتطبيق، وقد برز لأول مرة عام 1997على يد الكاتب Skyrme من خلال تركيزه على الدور القيادي للمؤسسات في إنشاء ورعاية المعرفة بشكل يساهم في عملية الإبداع والابتكار، وقد أشار إلى وجود مفهوم أوسع من إدارة المعرفة التي تركز على العمليات فقط أطلق عليه اسم «زراعة المعرفة» وتغذيتها، لجعلها تنمو على نحو مستدام ذي فائدة طويلة الأمد.
 
ويعبر أحد الباحثين عن هذا بالقول إن مستقبل الإبداع والابتكار يتم عبر زراعة المعرفة في المؤسسة. فعن طريق تنمية واستثمار المعرفة يكون النشاط الأساسي اللازم للابتكار، الذي يتم عبر التفاعل الذي يتم في العقل البشري بين المعرفة السابقة والجديدة المتحصل عليها بالمشاركة والتمكين.
 
وهنا تعد زراعة المعرفة عنصراً أساسياً في عملية التمكين المعرفي، وتمثل تصورا جديدا للبحث عن المعارف والمعلومات الكامنة التي تأتي من خلال المشاركة، وهو ما يتفق عليه طيف واسع من الباحثين بأن أهم عناصر نجاح نظم المعرفة وتحقيقها لأهداف المؤسسات هو نجاح الجزء المتعلق بمشاركة المعرفة، والذي يحتاج إلى مناخ مؤسسي داعم، ممكن أن يؤدي إلى امتلاك المؤسسة ميزة معرفية مستدامة، فلكي تصبح المعرفة أساساً للميزة المستدامة يجب العمل على جعلها جاهزة للمشاركة والانتشار داخل المؤسسة.
 
وعموما يعرف المختصون زراعة المعرفة بأنها الدور القيادي لإنشاء المعرفة ورعايتها ومشاركتها بشكل يساهم في دعم عمليات الإبداع والابتكار وتحقيق التمكين المعرفي.
 
إن زراعة المعرفة تتجسد بالمعرفة الضمنية المستندة للمقدرات الجوهرية والتي تودع عند أصحابها لغرض الانتفاع منها، وهي تمثل العلاقة التفاعلية بين المعرفة الموجودة والمعرفة الجديدة والمشارك بها عن طريق إضافة وتطوير مصدر تفكير جديد من خلال البيئة المحيطة، وبقول آخر هي تبني المعرفة ومواصلة عملية مشاركة المعرفة والمحتويات بين أعضاء الفريق الواحد.
 
وفي هذا السياق تعرف زراعة المعرفة بأنها عملية اكتساب وتحويل المعرفة الضمنية إلى معرفة ظاهرية والتصريح بها للأفراد الآخرين ومشاركتها معهم، والعمل على استكشاف المعرفة الجديدة ورعايتها وضمان نموها وتحقيق أهدافها داخل المؤسسة.
 
وتتم عملية زراعة المعرفة غالبا من خلال قيام العمال المالكين للمعرفة بنقل خبراتهم وتجاربهم إلى الآخرين وترسيخها ورعايتها داخل المؤسسة، وبهذا فمن المهم أن يمتلك العاملون الذين يدخلون مواقع ومراكز مهمة في المؤسسة المعرفة الكافية لنجاح المهام الموكلة إليهم، ومن هنا تدعم وتشجع المؤسسة العاملين الذين يمتلكون معرفة واسعة من أنشطة المنظمة لنقلها للآخرين وعدم احتكارها.
 
وهناك عدة نماذج بهذا الصدد منها نموذج التعاون المعرفي وهنا تلعب مشاركة المعرفة دورين أساسيين الأول يتمثل في تغذية عملية زراعة المعرفة وتحويلها والثاني انتشار المعرفة بعد زراعتها ونموها لضمان الاتصال السريع والكفء بين جميع الأفراد قبل وبعد عملية الزراعة.
 
والنموذج الآخر هو المجموعات العنقودية المستدامة الذي من خلاله تتم زراعة المعرفة بالاعتماد على الاتصالات المستدامة بين الأفراد وبالشكل العنقودي داخل مجموعات، وهذا ما يساعد إلى حد كبير على اقتناص وامتصاص المعرفة الجديدة من المصادر الخارجية وتداولها بسرعة بين الأفراد، بالإضافة إلى المعرفة المتبادلة والمتقاسمة والمشاركة بين الأفراد ضمن العنقود أو المجموعة الواحدة، والتي تساعد بشكل كبير في إيجاد معرفة جديدة وإطلاق القدرات الابتكارية.
 
أخيراً يمكن أن نختتم المقال بقول الحكيم الصيني (كيواه تزو) في القرن الخامس قبل الميلاد: إذا كنت تخطط لسنة فاغرس بذرة، وأما ذا كنت تخطط لعشر سنوات فازرع شجرة، وإذا كنت تخطط لمائة عام فعلّم إنساناً، لأنك عندما تزرع بذرة واحدة فإنك تحصد محصولاً واحداً، وعندما تعلّم الناس تحصد مئة محصول”. وللحديث بقية
منطقة المرفقات

 

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك