الجمعة - الموافق 29 مارس 2024م

رساله الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام لسلطنة عمان الى طلبه العلم والعلماء

 توقير العلماء واحترامهم مطلب مهم.. والعلماء مطالبون بالتواضع

النبي الكريم ربّى أصحابه على الأخلاق الفاضلة.. فكانوا منارات هدى ومشاعل نور

 

 نبه  الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة طلبة العلم إلى التحلي بالأخلاق الفاضلة وملازمة حسن التعامل مع الناس، وحثهم على توقير العلماء واحترامهم، فقال: “إن على الطالب أن يوقر من يتعلم منه توقيره لأبيه، فهو الأب الروحي له”، ودعا العلماء والمربين إلى التزام التواضع في تعاملهم، موضحا أنه يجب على كل عالِم إذا ما ازداد علما أن يزداد تواضعا، فالعلم نفسه لا قيمة له إن لم يكن مصحوبا بالتواضع، فبقدر ما يرقى الإنسان في مراتب العلم عليه أن يزداد تواضعا للناس.

وأوضح أن الأخلاق هي مقياس التفاضل بين الناس، فبقدر ما يكون لها من أثر حميد في الحياة الدنيا، فإن أثرها في يوم القيامة أعظم.

 وذكر أن النبي الكريم ربى أصحابه على قيم الإسلام الخلقية، فانطلقوا في أرجاء الأرض، حاملين مشاعل دعوة الإسلام، مبشرين الإنسانية بالخير، داعين إلى الدين الصحيح، فذللت أخلاقهم كل وعر، وسهلت كل صعب، حتى وصلت هذه الدعوة إلى أرجاء الأرض. جاء ذلك في محاضرة له بعنوان : (وقفات مع أخلاق الدعاة)، فإلى الجزء الثاني من المحاضرة .

قال سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي: عندما نتأمل آيات القرآن الكريم، نجد فيها ما يبصرنا بعلاج مشكلات الإنسان الأخلاقية في أي عصر من العصور، وعصرنا هذا ينوء بمشكلات متعددة، ولو جئنا ننظر إلى كتاب الله سبحانه وتعالى؛ لوجدنا كأنما أنزلت آياته لتنقذ العالم مما هو فيه وعليه، يقول الله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا، رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا، وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا، إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا، وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا، وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا، إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا، وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا، وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا، وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا) عند نظرنا إلى هذه الآيات نجد أنها أنزلت لتعالج الوضع في العالم المعاصر .كما إن الأخلاق هي مقياس التفاضل بين الناس، ولا ريب أن هذه الأخلاق بقدر ما يكون لها من أثر حميد في هذه الحياة الدنيا، فإن أثرها في يوم القيامة أعظم، لأن مدار سعادة الإنسان على هذه التزكية التي يزكي بها نفسها: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا)، إذ يفوز بالخير العظيم من زكاها، ونرى أن النبي – صلى الله عليه وسلم – يبين أن منازل الناس يوم القيامة بقدر أخلاقهم، فهو يقول – عليه أفضل الصلاة والسلام -: « إن أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني الثرثارون المتفيهقون» وهذا دليل على ما للأخلاق من قيمة، وقد جاء عن أم سلمة أنها سألت النبي – صلوات الله وسلامه عليه -،: المرأة يكون لها أزواج متعددون في هذه الدنيا، ثم يجتمعون في الجنة، لمن تكون منهم، قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: تُخير فتختار أحسنهم خلقا» ثم قال لها: «يا أم سلمة ذهب حسن الخلق بخير الدنيا والآخرة» أي أن حسن الخلق جمع خير الدنيا والآخرة، ولم يترك لغيره شيئا، أتى على كل خير، بحيث إن من استجمع أحاسن الأخلاق؛ يستجمع كل خير في الدنيا وفي الآخرة، هذا دليل على ما للأخلاق من مكانة عالية.

كما ان منهج النبوة في تربة الصحابة على المنهج الأخلاقي فقال: لقد كان الرسول – صلى الله عليه وسلم – يربي أصحابه على الأخلاق الفاضلة، فهو نفسه – عليه الصلاة والسلام -، كان كما أخبرت عنه أم المؤمنين: خلقه القرآن، هذه الأخلاق منه صلوات الله عليه وسلم انعكست على أصحابه رضوان الله عليه، فكان خلق كل واحد منهم صورة من أخلاق النبي – صلى الله عليه وسلم -، ولذلك انطلقوا في أرجاء الأرض، حاملين مشاعل هذه الدعوة، مبشرين هذه الإنسانية بالخير، داعين إلى الدين الصحيح، وكانت أخلاقهم هي التي ذللت كل وعر، وسهلت كل صعب، حتى وصلت هذه الدعوة إلى حيث وصلت، بهرت هذه الأخلاق أعداء الإسلام، فاعترفوا بالأخلاق الفاضلة التي كان يتحلى بها المسلمون، المتقدمون منهم أو المعاصرون، اعترفوا بما كان من خلق رفيع على الناس، وكيف كان تأثير هذا الخلق على الناس، فكان تسابق الناس إلى اتباع هذا الحق، واعتناق هذا الدين، بسبب هذه الأخلاق الفاضلة، يقول أحد الفلاسفة الغربيين: «ما عرف التاريخ فاتحا أرقى من العرب» هؤلاء الذين كانوا جفاة، عراة رعاه الشاه في الجزيرة العربية، كانوا يتناحرون فيما بينهم، كما تتناحر الذئاب المسعورة، هؤلاء انقلبوا إلى خير أمة أخرجت للناس، خرجوا إلى آفاق الأرض، متحلين بهذه الأخلاق الرفيعة. وإذا جئنا إلى المتقدمين، فنجد كيف أنهم كانوا مبهورين بالأخلاق الرفيعة التي كان عليها المسلمون الأوائل، فهرقل عندما ضاق ذرعا بما كان يلاحقه من هزائم، وكان المسلمون يفتتحون بلاده بلدا بعد بلد، ضاق ذرعا بها، واجتمع بقادة جيشه لدراسة أسباب الهزيمة، فسألهم عن أحوال هؤلاء الناس الذين نازلوهم في ميادين المعركة، فقال له أحدهم: «هم رهبان بالليل، وفرسان بالنهار، لا يأكلون في ذمتهم إلا بثمن، ولا يدخلون إلا بسلام، يقضون على من حاربوا حتى يأتوا عليه، وآخر يقول: أما الليل فرهبان، وأما النهار ففرسان، يريشون النبل ويروونها، ويثقفون القنا، لو حدثت جليسك حديثا ما فهمه عنك لما علا أصواتهم بالقرآن والذكر» هذه الأخلاق هي التي فتحت القلوب الغلف، وبصرت العيون العمي، وأسمعت الآذان الصم، هي التي هدت الناس إلى الحق، وعلمتهم كيف يتبعون هذا الدين، لأنهم رأوا فيه الأخلاق، هذا ما صرح به العقلاء من العرب أنفسهم، عندما جاء أحد حكماء العرب يسأل إلى النبي – صلى لله عليه وسلم -، وتلا قول الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) بهره ما سمعه، فقال: هذا إن لم يكن دينا فهو أخلاق.

والنبى صلى الله عليه وصلى ربى أمته على خلق عظيم وهو توقير الكبير والرحمة بالصغير، فقال – صلى الله عليه وسلم -: (ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا) ، ولذلك فإن توقير الكبير واجب مقدس؛ فالنبي – صلى الله عليه وسلم – يعلن البراءة ممن لم يوقر الكبير، وكذلك بالنسبة إلى الرحمة بالصغير.وأضاف سماحته: إن هذه العلاقة نفسها ينبغي أن تكون بين المعلمين والطلبة، فعلى الطالب أن يوقر من يتعلم منه توقيره لأبيه، هو الأب الروحي له، وفي الوقت نفسه فإن على المعلم أن يحنو على طالبه ويبادله هذا الشعور، بحيث يشعر الطالب أنه بمثابة الابن، فيغمره بمشاعر الأبوة عندما يعامله، هكذا يكون التعاطف ما بين الكبار والصغار.

وقال سماحته: إن توقير أهل العلم مطلب مهم، فعلى الناس أن يوقروا علماءهم، والعلماء مطالبون بالتواضع، فإن كل واحد منهم إنما يجب عليه كل ما ازداد علما أن يزداد تواضعا، فالعلم نفسه لا قيمة له إن لم يكن مصحوبا بالتواضع، فبقدر ما يرقى الإنسان في مراتب العلم عليه أن يزداد تواضعا للناس، حتى يحس الناس أيضا بقيمة العلم، إذ لا قيمة للعلم مع عدم التواضع للناس، وكم كان الناس يوقرون العلماء وهم مع ذلك يشعرون بتواضع هؤلاء العلماء، والعلماء أنفسهم أيضا هم يحرصون كل الحرص على  تربية الناس على التوقير.

وتطرق سماحته إلى أهمية أن يتحلى طلبة العلم بالأخلاق فقال: إن طلبة العلم هم أجدر الناس بأن يراعوا الناس، ويراعوا الضيوف والغرباء الذين يأتون من أماكن بعيدة، هذا مما يجب، فالنبي – صلى الله عليه وسلم – كان يقول: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه)، إكرام الضيف ليس هو بالضيافة وحسب، وإنما بحسن الخلق أيضا، بالمعاملة الحسنة وباللطف وبالتوقير والتقدير، كل ذلك مما يجب أن ألا يفوت طلبة العلم، ويجب على الجميع أن يدركه ويحرص عليه، والآباء والأمهات بدورهم هم مسئولون عن تربية أبنائهم على الأخلاق، هذه التربية يجب أن تظهر في سلوك الآباء والأمهات؛ لأن التربية العملية التطبيقية هي أهم من التربية التعليمية القولية، ولذلك من الواجب على الآباء والأمهات في تربيتهم لأولادهم أن يحرصوا على ألا يخدشوا كرامتهم وان لا يقولوا لهم شيئا من الكلام الهجر، الناس كثيرا ما يستعملون الكلمات والعبارات النابية في مخاطباتهم مع أبنائهم. ومن الأهمية بمكان أيضا أن على الأبوين أن يحرصا على أن لا يعثر ولدهما في كلامهما على شيء من الكذب، لأن الولد عندما يسمع الكذب من أبويه، يعتقد أن الكذب شطارة ونباهة وفطنة وحسن أسلوب في المعاملة بين الناس، لكن حينما يسمع أبويه يتأففان من الكذب ولا يقبلان الكذب بأي حال من الأحوال، ويترفعان عن الكذب، لا ريب أنه يترفع عن الكذب، وكذلك بالنسبة إلى معاملة الآخرين، حتى معاملة الآخرين؛ حينما يسمع الولد أبويه يشتمان الآخرين أو يغتابانهم، أو نحو هذه الأشياء القبيحة المنهي عنها في الإسلام، فإنه يتأثر بذلك ويقلد أبويه، الولد أول ما يقلد يقلد أبويه، فلذلك كانت التربية العملية من قبل الوالدين هي التربية، وهذه العلاقة الحسنة بين الصغار والكبار يجب أن تكون على كل المستويات، فالمجتمع كله يجب عليه أن يكون مثالا للتعامل مع جميع شرائحه التعامل الحسن الذي يهذب الأخلاق ويسمو بالنفوس ويرقي المجتمع حتى يكون مجتمعا أخلاقيا من كل الجوانب وبكل الاعتبارات، وحملة العلم يجب أن يكونوا روادًا في هذا الأمر وأن يكونوا في تذكيرهم للآخرين أن يكونوا مدركين لهذا الأمر، وحريصين عليه.

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك