السبت - الموافق 20 أبريل 2024م

دور الشباب في تنمية الصحراء

Spread the love

 

تعتبر فكرة تَعمِير الصحراء فكرةٌ تَحمِل في طيَّاتها كثيرًا من الحلول والآمال للأجيال الحاليَّة، والأجيال القادِمة خاصَّة، وإنْ زاد الطَّلَب على هذه الفكرة وتطبيقها في الأزمنة الأخيرة؛ نتيجةً لما يمرُّ به العالم من أزمات متعدِّدة،

تَتمثَّل في أزمة الغذاء والطاقة، ومُواجَهة ظاهرة تغيُّر المناخ، وعندما سأَل أحد الصحفيين الدكتور فاروق الباز في حلِّ هذه المشكلة بالنسبة لمصر، أجاب ودون تردُّد: “الحل في الصحراء”.

هكذا أجاب الدكتور فاروق الباز، وهكذا يُبادِرك أيُّ شخصٍ تسأَلُه عن حَلِّ مشكلة ضِيق العاصمة أو مساكن الشباب، سرعان ما يتفوَّه بهذه العبارة: “الحل في الصحراء”، ولكنَّ الفارق بين العبارتين هو مَن يقولُها؛ حيث يقولها الأوَّل عالِمٌ بتلك الصحراء، فتستمد بذلك رصانة وقوَّة، ويقولها الآخَر شخصٌ عنده جهلٌ نسبيٌّ بالصحراء وطبيعتها.

وقد وهَب الله مصر جوًّا جميلاً مُتميِّزًا، يتمثَّل ذلك في المصادر الطبيعية التي تنعم بها بلادنا؛ مثل: البحر الأحمر، والبحر المتوسط، وشريان الحياة “نهر النيل”، وبالرغم من ذلك لا نُجِيد استخدامَ تلك الثروات إلاَّ على نِطاق 5%، هي جملةُ ما نعيش عليه، جمهوريَّة مصر العربية تبلغ مليون كم2، نعيش نحن جميعًا – 80 مليون نسمة حسب إحصاء 2007 لتعداد السكان – على 5% من هذه المساحة، ونترك 95% صحراء بلا استِخدام، والصحراء الغربيَّة والصحراء الشرقيَّة وصحراء شبه جزيرة سيناء؛ لذا كان لا بُدَّ أنْ نفكِّر في تعمير الصحراء.

ولم تكن فكرة تعمير الصحراء جديدةً مُستَحدَثة في أيَّامنا هذه، فأوَّل مَن فكَّر في تعمير الصحراء هو محمد علي عند توليته حكم مصر عام (1805م)؛ حيث أراد أنْ يبني كيانًا زراعيًّا في مصر، ومن عائد هذا الكيان يبدأ في تحديث مصر صناعيًّا، كما فعلت أوربا في ذلك الوقت، ومن أجل ذلك بنى محمد علي القناطر الخيريَّة لتَوفِير المياه لهذه الزراعة، ومن بعد محمد علي جاء الإنجليز وواصَلُوا هذه التنمية الزراعية، وكان ذلك بالطبع ليس حبًّا في مصر، ولكن طمعًا في ذهبها الأبيض، وهو القطن المصري، ثم جاءَتْ ثورة يوليو 1952 وتبنَّت فكرة التعمير للصحراء، وكان فكرُهم هو استصلاح 3 مليون فدان في السودان، ولكن تبدَّد حلمُهم، وجاءَت الحركة التي انتهَتْ باستقلال السودان عام 1956، ولكنَّهم لم ييْئَسوا وأقامُوا “هيئة تعمير الصحراء” عام 1959، وكان أوَّل مشروع جدي نفَّذته هذه الهيئة للخروج من الوادي الضيِّق هو إنشاء وادٍ جديد في الصحراء الغربية يَجمَع الواحات الداخلة والخارجة والفرافرة، وبالفعل تمَّت المُوافَقة على جميعها في وادٍ واحد “الوادي الجديد حاليًّا”، وتَمَّ حفرُ ألفي بئرٍ في هذا الوادي من الفترة (1960-1974م)، وتَمَّ إنشاء السدِّ عام 1969 للاستِفادة من حصَّة مصر في نهر النيل البالِغ مقدارُها 55,5 مليار م3، كان يَذهَب هباءً منها 32 مليار م3 إلى البحر الأبيض المتوسط، وللاستِفادَة منها كانت الخطَّة الموضوعة في هذه الواحات هي استِصلاح 2,8 مليون فدان.

 وفي العصر الحالي تُواصِل الحكومة مشروعاتها في تعمير الصحراء، فأقامَتْ مشروعات عديدة؛ منها: مشروع توشكى، وترعة السلام، وترعة الحمام، وترعة الشيخ زايد… إلخ، ولكن ما هو دور الشباب في تعمير الصحراء؟

  • يمكنني أنْ أُوجِز دور الشباب في نِقاطٍ، وقبل أنْ أشرع في شرح هذه النِّقاط لا بُدَّ وأنْ أشير إلى أنَّ تعمير الصحراء مشروعٌ قومي كبير، يُمكِن أنْ يبدَأَه الشباب، ولكنَّ المسؤوليَّة مزدوجة، فلا بُدَّ أنْ يُسانِده صاحب القرار “الحكومة”، فالمشكلة في مُعظَم الأحيان لا تكون في الشباب، ولكنَّ المشكلة في تَوجِيه الشباب، فالشباب قُوَى موقوتة يُمكِن استِثمارُها في أيِّ مَجال تُوجَّه فيه، وستُؤتِي ثمارًا يانعةً بإذن الله، وأرجع إلى نِقاط الشباب والنِّقاط التي حدَّدتها، وأوَّل هذه النِّقاط هي الوعي القومي للشباب بأنَّ الصحراء هي ملجأ ومَلاذ المستقبَل، وقد تغدو ثروة لا يقدرها مال بعد ذلك.
  • الإباحة العاقلة المحدودة للشباب باستِصلاح أراضٍ صحراويَّة، ولا شَكَّ أنَّ هذه فكرةٌ ستُؤدِّي لفائدةٍ عظيمة، مثلما حدَث من قبلُ عندما صدَر القانون المدني عام 1949 رقم 874 حيث نَصَّ على “أنَّ الأرض غير المزروعة التي لا مالك لها تَؤُول ملكيَّتها للدولة، ولكن في حالة زراعتها من قِبَل مصري يتمُّ تمليكها له وتمليك أيِّ مبانٍ سكنيَّة أقامَها في هذه الأرض”.

 

وقد كان لهذه المادَّة أثرُها البالغ حيث شهدت البلاد نهضة عمرانيَّة وزراعيَّة في الصحراء كبيرة جِدًّا، شملت محافظات بأسرها؛ مثل محافظة كفر الشيخ ومناطق من محافظات الشرقيَّة والبحيرة، وامتداد القاهرة شرقًا “مصر الجديدة”، وامتِداد الإسكندرية، وكذلك امتِداد مدن القناة.

  • الاستفادة القُصوَى من المشروعات المقامَة، يتمثَّل ذلك في إبراز دور قِيادات شبابيَّة في المشروعات العِملاقة؛ مثل: توشكى، وترعة السلام… إلخ، ممَّا يشجِّع الآخَرين على حذو طريقهم.
  • تبنِّي مشروعات جديدة مثل مشروعي “ممر التنمية والتعمير”، و”مشروع نقل 30 مليون مصري إلى سيناء”، وهذان المشروعان للدكتور فاروق الباز، ووضع آليَّات جديدة لدور الشباب في هذه المشاريع، تتمثَّل في أنْ يكون لهم النصيب الأكبر من الاستِفادة والخبرة والإنتاج في الوقت نفسه، ويتمثَّل مشروع ممر التنمية والتعمير في إقامة طريق موازٍ لنهر النيل، يَبعُد عن ضفَّتي النيل بحوالي نصف كيلو متر واستِزراعه، على أنْ يتمَّ التوسُّع تدريجيًّا نحو الصحراء بعيدًا عن النهر، ويتم ريُّ هذه الأراضي عن طريق المياه الجوفيَّة، وعن طريق مدِّ خطوط أفقيَّة “ترع” من النيل إلى هذه الأرض.
  • أنْ نَثِقَ بالشباب الثقة الكافية، أنْ نَثِقَ بقدرتهم ونجاحهم، وأنْ نُعطِيَهم الفرصةَ، فالشباب قادرٌ على العَطاء، وأنْ نُعِينهم وأنْ نَنظُر إليهم بعين الأمل لا بعين الحسرة، فالمسؤوليَّة إذا أردتم أنْ تَضَعُوها على كاهِل الشباب، فألقوها والشباب عليها قادِرٌ، وستَجِدون نتائِجَ مُذهِلة تضخُّ جميعُها في نهضة بلادنا العظيمة “مصر” – حَفِظها الله ورَعاها.

.

جمع واعداد

د/ عبد العليم سعد سليمان دسوقي

قسم وقاية النبات – كلية الزراعة – جامعة سوهاج

رئيس فرع الاتحاد العربي للتنمية المستدامة والبيئة بمحافظة سوهاج- مص

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك