الثلاثاء - الموافق 16 أبريل 2024م

دور الامم المتحدة المتخاذل عن مهامه في حماية السلم العالمي بقلم :- الدكتور عادل عامر

Spread the love

حفظ السلام هو واحد من طائفة من الأنشطة التي تضطلع بها الأمم المتحدة لصون السلام والأمن الدوليين. كان للأمم المتحدة قصب السبق في مجال حفظ السلام بأن أنشأت في عام 1948 هيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة في الشرق الأوسط. وبلغ عدد عمليات حفظ السلام التي اضطلع بها منذ ذلك الحين 64 عملية في جميع أنحاء العالم. يواصل حفظ السلام التكيف مع التحديات الجديدة والواقع السياسي. وفي مواجهة الطلب المتزايد على عمليات السلام المركبة فإننا نعمل على إجراء إصلاح شامل لحفظ السلام. تضطلع الجمعية العامة بدور رئيسي في تمويل حفظ السلام. تقع على عاتق مجلس الأمن مسؤولية رئيسية، بموجب ميثاق الأمم المتحدة، عن صون السلام والأمن الدوليين. يتطلب الأمر اتخاذ عدة خطوات قبل نشر عملية جديدة من عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام.

إن عبارة تهديد السلم عبارة عامة تدخل فيها عدة افتراضات وعلى ما يبدو أن ورودها على هذا النحو كان متعمدا والهدف منه توسيع مجال تدخل مجلس الأمن وإعطائه سلطة تكييف أوسع. وتهديد السلم بمفهومه الواسع هذا يمكن أن ينتج عن عدة أسباب كأن تنهج دولة ما سلوكا استفزازيا اتجاه دولة أخرى، أو أن تتبع سياسة داخلية غير مقبولة من طرف جيرانها من الدول، كما حدث بالنسبة للدول الإفريقية تجاه سياسة الميز العنصري التي كانت تنهجها كل من روديسيا الجنوبية وجمهورية جنوب إفريقيا، والممارسة التي كشفت النقاب عن مدى تدخل الاعتبارات السياسية في عملية تكييف حالات تهديد السلم،

 وهكذا نجد أنه في حين أقر معظم أعضاء اللجنة المكلفة من طرف مجلس الأمن للنظر في الشكوى التي تقدمت بها اليونان ضد ألبانيا وبلغاريا ويوغوسلافيا، إلى أن مساندة المعارضة المسلحة الموجودة في دولة ما والتي تمر إلى دولة يشكل تهديدا للسلم، عارض الاتحاد السوفياتي ذلك واستعمل حق النقض ضد مشروع القرار المقدم من طرف المندوب الأمريكي الذي كان يكيف المساعدات المقدمة من طرف الدول الثلاث للثوار في اليونان على أنها تهديدا للسلم.

والخلاف بخصوص هذه الحالة لم ينحصر في دواليب مجلس الأمن بل تعداها لتعارض وجهات النظر بين هذا الأخير والجمعية العامة والتي كانت تضغط دوما عليه من اجل اتخاذ عقوبات صارمة ضد الدول المعارضة لحق تقرير المصير والتي تنتهج سياسة الميز العنصري باعتبارها تشكل تهديدا للسلم الدولي في الوقت الذي كان المجلس أكثر تحفظا بخصوص التكييف الذي تقوم به الجمعية العامة.

إن الجهود التي بذلها مجلس الأمن في حل النزاعات الدولية خلال هذه المرحلة كانت ضئيلة ولم ترق إلى المستوى المطلوب، وذلك على ما يبدو راجع لظروف الحرب الباردة وما خلفته من آثار على المنظمة الأممية، وكذا إلى تركيبة هذا المجلس وأثرها على عمله، فتشكله من دول دائمة العضوية وأخرى غير دائمة أثار حفيظة مجموعة من الدول التي أصبحت تطالب هي الأخرى بوضع متميز من داخل المجلس وذلك بامتلاك مقاعد دائمة وحق الفيتو الذي يمكن اعتباره امتياز حرب منح للدول المنتصرة. يغطي مفهوم الإخلال بالسلم لكل الحالات التي تنسب فيها أعمال الحرب وتستعمل فيها القوة، وهو يشمل حتى العدوان حيث يصعب في أغلب الحالات التمييز بينهما، لأنه من النادر أن لا يوجد إخلال بالسلم لا يكون مترتبا عن عمل عدواني وهناك من ذهب إلى القول إن الإخلال بالسلم يتضمن العدوان بالاستناد إلى منطوق المادة الأولى من الميثاق.

أما بالنسبة لممارسة مجلس الأمن فقد تميزت بقله الحالات التي كيفت على أنها تشكل إخلالا بالسلم والسبب في ذلك يرجع كالعادة إلى الاعتبارات السياسية التي تؤدي إلى تعارض وجهات نظر أعضائه، ومن هذه الحالات حالة كوريا، وقد تم ذلك في ظل مقاطعة الاتحاد السوفياتي لأشغال مجلس الأمن بسبب اعتراضه على تمثيلية الصين الوطنية، تايوان حاليا-في المجلس وأيضا حالة غزو الأرجنتين لجزر المالوين، فرغم أن الأمر تعلق بغزو عسكري والذي يندرج مبدئيا في إطار العدوان، إلا أن مجلس الأمن كيفه على أنه إخلال بالسلم، وقد فسر الاتفاق على هذا التكييف، بغياب أي ارتباط إيديولوجي بين الدولة المتهمة بارتكاب فعل الإخلال وهي الأرجنتين وأي من أعضاء المجلس الدائمين، وذلك على الرغم من توخي الأرجنتين الحصول على دعم الاتحاد السوفياتي داخل مجلس الأمن بسبب العلاقات التجارية المتميزة التي تجمع بينهما، وتبعا لذلك تبقى الدولتان المتنازعتان الأرجنتين وبريطانيا تنتميان لنفس الكتلة الغربية.

ففي ظل توسع الخلافات بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأمريكية وتبني هذه الأخير لسياسة الاحتواء ، أصبح الاتحاد السوفياتي معزولا غير قادر على الدفاع عن مصالحه، فأصبح بذلك الفيتو هو سلاحه الوحيد لتحصين تلك المصالح غير أن طبيعة مرحلة الحرب الباردة لم تعرف الاستقرار في مجال التحالفات أو السياسات حيث كانت تطرأ دوما تغييرات على هذا المستوى، فبعد أن كان الاتحاد السوفياتي الأكثر استخداما للفيتو، بالمقارنة مع الدول الأخرى في الستينات بدأ الأمر ينعكس فيما بعد حيث أصبحت الدول الغربية وخاصة لولايات المتحدة الأمريكية أكثر استخداما للفيتو.

إن كثرة استخدام الفيتو شكل عقبة أمام عمل المجلس وحال مانعا دون قيامه بالوظائف والمهام الملقاة على عاتقه، فلم يستطع بذلك التدخل في مجموعة من النزاعات وخاصة تلك التي دارت رحاها في منطقة النفوذ المباشر لإحدى العظميين، أو التي شكلت فيها طرفا مباشرا كما يمكن اعتبار الاستعاضة عن نظام الأمن الجماعي بمناطق النفوذ أحد أسباب تراجع دور مجلس الأمن فبعد تجميد عمل لجنة الأركان وكثرة استعمال الفيتو أصبح الشلل يصيب المجلس الأمر الذي جعل الدول تفقد ثقتها في نظام الأمن الجماعي، ثم بدأ البحث عن البديل، الذي تمثل في إنشاء نظام تحالفات حيث أنشأ كل قطب حلفه العسكري الذي يضم الدول المنضوية في صفوف معسكره.

فبالفعل هذا ما حدث وكان من مظهراته سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية على عمل المنظمة والتي أصبحت تشكل في أغلب الأحيان مظلة شرعية تستظل بها الأولى من اجل تحقيق مصالحها والضرب بقوة على يد كل من يحاول التعرض لهذه المصالح، ولم يقف الأمر عند هذا الحد حيث بدأت الدولة المذكورة تتجاوز كل قواعد الشرعية الدولية والقانون الدولي كما حدث عقب تدخلها في الإطاحة بالنظام البعثي في العراق مع الإشارة إلى إمكانية تدخلها لتحقيق نفس الغرض في كل من سوريا وكوريا الشمالية وإيران.

إن الوضع الدولي الراهن يتميز ببروز قوى اقتصادية عالمية جديدة تمتلك من القوة ما يمكنها من لعب دور ريادي على المستوى العالمي من خلال قدرتها على التأثير في القرارات الدولية حيث أصبحت تطالب بإتاحة الفرصة لكي تفعل وبالتالي تفرض توجهاتها السياسية عالميا، الأمر الذي يتطلب إعادة النظر في تشكله المنظمة وقواعد اشتغالها الأمر الذي طالبت به مجموعة من الدول التي تسعى للحصول على مقاعد دائمة وحق الفيتو من داخل مجلس الأمن ، وبدأت تتسارع مقترحات إصلاح منظمة الأمم المتحدة من جميع الاتجاهات سواء من طرف الدول أو أجهزة المنظمة ذاتها، وكذا من طرف الأمناء العامين.

إن كل ما سبق ذكره يعتبر تمظهرا أو انعكاسا للحرب الباردة على الأمم المتحدة وعملها لكن السؤال المطروح يبقى هو هل سيتغير الوضع بعد نهاية الحرب؟

كان الدافع الرئيسي لإنشاء الأمم المتحدة هو إنقاذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب، حيث شهد مؤسسي المنظمة الدمار الذي خلفته الحرب العالمية الأولى والثانية. ومنذ إنشاء الأمم المتحدة، كثيرا ما طلب منها القيام بمهمة منع تصعيد الخلافات ووقف الحروب، أو المساعدة في استعادة السلام عندما ينشب الصراع المسلح، وتعزيز السلام الدائم في المجتمعات التي انتهت من الحرب.

 تعتبر الدبلوماسية الوقائية ونزع السلاح من الاستراتيجيات الرئيسية لمنع تصاعد المنازعات إلى الصراع، ومنع تكرار تكراره. وتشير الدبلوماسية الوقائية إلى الإجراءات المتخذة لمنع نشوء منازعات أو من تحولها إلى صراعات، والحد من انتشار الصراعات عند وقوعها، وقد تأخذ شكل الوساطة أو التوفيق أو التفاوض. ويعتبر بناء سلام دائم في المجتمعات التي مزقتها الحروب هو من بين الأكثر التحديات صعوبة تواجهه السلم والأمن العالميين. ويتطلب بناء السلام استمرار الدعم الدولي للجهود الوطنية من خلال مجموعة واسعة من الأنشطة -كمراقبة وقف إطلاق النار، وتسريح وإعادة دمج المقاتلين، والمساعدة في عودة اللاجئين والمشردين؛ والمساعدة في تنظيم ومراقبة الانتخابات لتشكيل حكومة جديدة، ودعم إصلاح قطاع العدالة والأمن؛ وتعزيز حماية حقوق الإنسان، وتعزيز المصالحة بعد وقوع الفظائع الماضية.

ويتضمن بناء السلام بذل الجهود من قبل مجموعة واسعة من مؤسسات منظومة الأمم المتحدة، بما في ذلك البنك الدولي واللجان الاقتصادية الإقليمية والمنظمات غير الحكومية وجماعات المواطنين المحليين. وقد لعب بناء السلام دورا بارزا في عمليات الأمم المتحدة في البوسنة والهرسك وكمبوديا والسلفادور وغواتيمالا وكوسوفو وليبيريا وموزامبيق، وكذلك في أفغانستان وبوروندي والعراق وسيراليون وتيمور الشرقية في الآونة الأخيرة. وكانت بعثة الأمم المتحدة في إثيوبيا وإريتريا مثالا على بناء السلام بين الدول.

لقد أقر نظام الأمن الجماعي مجموعة من الجزاءات تكفل قمع المنتهكين لقواعد الشرعية الدولية توقع في إطار الأمم المتحدة وذلك في حالات معينة ترك أمر تكييفها لمجلس المن المتمتع في مثل هذه المسائل بسلطة تقديرية واسعة نسبيا، حيث منح له وحده تحديد كل ما يعتبر انتهاكا لميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي.

يعتبر التدخل الدولي بصفة عامة، وتدخل الأمم المتحدة بصفة خاصة في النزاعات المسلحة من المسائل التي أثارت جدلا كبيرا بين الدول والفقه والقضاء الدوليين كما اختلفت حولها موافق المنظمات الدولية العالمية والإقليمية، لأن تعريف التدخل الدولي ومدى مشروعيته لازال محل خلاف من جانب العديد من الدول، وهذا الخلاف قد تأثر إلى حد بعيد بالأحداث والتطورات الدولية سواء تلك التي حدثت قبل قيام الأمم المتحدة أو بعدها خاصة في الفترة التالية، على انتهاء الحرب الباردة 1990 باعتبارها الفترة التي شهدت العديد من الصراعات المسلحة غير ذات الطابع الدولي خاصة.

كما شهدت أيضا العديد من صور التدخل الدولي في تلك النزاعات من طرف بعض الدول أو بعض المنظمات الدولية خاصة منظمة الأمم المتحدة وهو الأمر الذي أثار العديد من التساؤلات بين الفقه والدول حول مدى مشروعية هذا التدخل وحول إمكانية اعتباره إنشاء القواعد قانونية دولية جديدة، أم تعديلا الأحكام والقواعد القانونية التي تتضمنها مواثيق المنظمات الدولية وغيرها من القواعد الدولية التي تحكم علاقة الدول بالمنظمات الدولية في الصراعات. وقد توسعت هذه التدخلات بعد سنة 1990 نظرا لما شهدته العلاقات الدولية من تطورات غاية في السرعة والخطورة خاصة فيما يتعلق بالتدخل في شؤون الدول حال قيام صراعات مسلحة داخلية. ذلك لأنه بعد انهيار الاتحاد السوفياتي

وقيادة الولايات المتحدة الأمريكية للعالم وإملاء وجهة نظرها وفلسفتها للأمور السياسية والاقتصادية الدولية وأيضا النواحي الثقافية على الدول الأخرى من خلال التصرف الفردي، والمباشر من جانبها وكذلك من خلال استخدام الأمم المتحدة لإضفاء نوع من الشرعية على تصرفاتها عن طريق الترويج لشعارات معينة مثل الحماية الإنسانية وحماية النظم الديمقراطية وحفظ السلم والأمن الدوليين، وهي المسائل التي مازالت محل خلاف على مستوى الفقه الدولي وكذا الدول المختلفة. وأيضا شهدت هذه الفترة عمليات عديدة لاختراق سيادة الدول وانتهاكا لاستقلالها بكيفية أثارت القلق لدى العديد من الدول الأخرى خاصة النامية كما حدث من عمليات تدخل باسم الأمم المتحدة. الشيء الذي أثار اختلافا فقيا حول مدى مشروعية التدخل الإنساني، حيث انقسم الفقه إلى مؤيد ومعارض لعمليات التدخل.

 ومن المعلوم أن ميثاق الأمم المتحدة نص في (م 2/7) على مبدأ عدم التدخل الدولي في شؤون الدول الأعضاء، وهذا ما يؤكد لنا أن الأمم المتحدة أخذت على عاتقها تحريم التدخل الدولي في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء سواء من قبلها أو غيرها من الدول الأعضاء لدرجة اعتبارها أن أي أمر يعرض بهذا الخصوص أمام أجهزة الأمم المتحدة يعد أمرا غير مشروع لتشكيله نوعا من التدخل الدولي.

فمجلس الأمن يعتبر الهيئة الدولية الرئيسية المعنية بحفظ السلم والأمن الدوليين من خلال سلطاته الواسعة المخولة له في هذا المجال كان ولا يزال معنيا بالإرهاب، فقد اعتمد قراره رقم 1373 في 28 شتنبر 2001 معيدا فيه تأكيده لإدانة الهجمات الإرهابية الواقعة في 11 شتنبر واضعا بموجب ذلك تفصيلا استراتيجيا كاملا لمحاربة الإرهاب الدولي. كما أن قراره رقم 1333 لسنة 2000 طلب فيه من سلطات حركة طالبان الأفغانية العمل على إغلاق كافة المخيمات التي يتدرب فيها الإرهابيون على اعتبار أن الأعمال التي يقومون بها جنائية وغير مبررة.

وأنشأ مجلس الأمن لجنة خاصة وفقا للمادة 28 من نظامه الداخلي مشكلة بذلك خطوة هامة لمكافحة الإرهاب تتألف من جميع أعضاء المجلس، لكن رغم تظافر الجهود الدولية لمنع وقوع أعمال الإرهاب إلا أن هذه الجهود ليست كافية لاستئصال الظاهرة الخطيرة. فقد ندد فقهاء القانون الدولي بالتجاوزات البالغة والخطير لهذا الأخير عندما تم تكييف أحداث 11 سبتمبر بأنها فعل حربي يتطلب رد عسكريا في إطار نظلم الأمن الجماعي وما تم التنصيص عليه في المادة 51 من الميثاق. حيث اعتبر الفقهاء بأن هذه الأحداث ليست بحرب والانفجارات التي وقعت على أمريكا لا يمكن اعتبارها إعلان للحرب وأن ذلك التدخل باسم المادة 51 يفتقر إلى القاعدة القانونية.

وهنا نشير إلى الاعتراف الذي قامت به الولايات المتحدة الأمريكية بأن هذه الهجمات لم تنفذها أية دولة من الدول بينما نفذتها عناصر تابعة لتنظيم القاعدة المتزعمة من طرف أسامة بن لادن، والمقيم في ذلك الوقت بأفغانستان. وبالتالي فهذه الهجمات إذا نظرنا إلى الجهة التي نفذتها فهي تشكل للأمن والسلم الدوليين بناءا على ما أكدته قرارات مجلس الأمن في هذا الشأن ولكنها لا تشكل حربا بمفهوم القانون الدولي أو بحسب المعنى المتعارف عليه دوليا وهو قيام صراع مسلح بين الدول.

تلعب محكمة العدل الدولية دورا فعالا في الحفاظ السلم والأمن الدوليين، حيث تقوم بالتسوية القضائية للمنازعات الدولية ذات الطبيعة القانونية التي تتميز بإعطاء حلول ملزمة يتم التوصل إليها من داخل هذا الجهاز المختص والمستقل الذي يضمن العدالة للمتقاضين ومع اتساع ظاهرة الإقليمية أصبحت مهمة المحافظة على السلم والأمن الدوليين من أولويات المنظمات مما دفع الأمم المتحدة إلى استعمال المنظمات الإقليمية وسواء السياسية أو المختصة لتحقيق هذا الهدف.

وغير الاعضاء في مجلس الامن للاشتراك في مناقشته طبقاً للمادتين32،31 من ميثاق الامم المتحدة ولكن الاتحاد السوفيتي عارض قرار الجمعية العامة باعتباره يمثل تعديلاً في ميثاق الامم المتحدة من شأنه تعديل احكام المادة 108 من الميثاق، ولم يأخذ القرار سبيله الى التنفيذ نتيجة تمسك الدول الكبرى بالتصريح المشترك في سان فرانسيسكو الذي تضمن ان امر الفصل في تحديد طبيعة المسألة المعروضة (اجرائية او موضوعية) يدخل في نطاق المسائل الموضوعية التي يجب فيها اجماع الاعضاء الدائمة.

قد قدمت غطاءا دوليا لحرب انتقامية غير منتهية من حيث الزمان والمكان، والأهداف وبعيدا عن الضوابط القانونية المتعارف عليها علنيا فالمشكلة المطروحة لا تتعلق بمدى مشروعية اللجوء إلى الدفاع عن النفس باعتبارها أساسا قانونيا للرد العسكري على الاعتداءات وإنما تتعلق أيضا بمشروعية التدابير المسلحة المتخذة ضد الإرهاب بدعوى القضاء عليه، وبهذا الصدد يأتي الحديث عن حدود الشرعية الدولية للتدخل العسكري الأمريكي في أفغانستان، وتتجلى هذه الشرعية في مطابقة التصرف للقاعدة القانونية الدولية والمتجسدة في المواثيق والمعاهدات الدولية وقرارات وتوصيات المنظمات الدولية والإقليمية ومبادئ القانون الدولي وأحكام المحاكم الدولية

ونشير إلى أن القانون الدولي لا يجيز الإطاحة بحكومة قائمة في دولة ما بواسطة تدخل عسكري أجنبي لمجرد إيوائها لمطلوبين للعدالة حتى ولو كان هؤلاء المطلوبون يوصفون بالإرهابيين كأسامة بن لادن، فحكومة طالبان لم توجه لها أي تهمة غير توفير الملجأ للإرهابيين وإيوائهم، وشن الحرب ضدها والإطاحة بحكومة الدولة وتتمثل خطورة هذا الأمر في كونه سيؤدي مستقبلا إلى قيام نزاعات وحروب مسلحة قد تستخدم فيها أسلحة الدمار الشامل، وهذا ما بدا واضحا في أزمة أفغانستان وهو الأمر الذي يشكل انتهاكا واضحا لحقوق الإنسان الجماعية

وبالتالي فمن الخطأ النظر إلى الحرب الأمريكية على أفغانستان على أنها مجرد حرب انتقامية من اجل القضاء على الإرهاب بل إن الهدف المتوخى من هذه الحرب يشمل تكريس الدول القيادي العالمي للولايات المتحدة الأمريكية وتثبيت الزعامة الأحادية. ادى اسراف الدول الكبرى في استخدام حق الاعتراض الى عجز مجلس الأمن عن اداء وظيفته في حفظ السلم الدولي في كثير من الاحوال،

فلو ان الدول الخمس الكبرى ظلت متفقة فيما بينها على الاقل فيما يتعلق بوجهة نظرها في القضايا الاساسية كما ان المجتمع الدولي عند اعداد الميثاق، لكان من الممكن ان يحقق شرط اجماع هذه الدول لمصلحة الجماعة الدولية في حفظ السلم الدولي والا يلحق اضراراً بالمصالح المشتركة والخاصة بأعضاء المجتمع الدولي الا ان ذلك لم يتحقق نتيجة ظهور الازمات بين المعسكرين الشرقي والغربي منذ السنوات الاولى لقيام الامم المتحدة، وقد اوصت الجمعية العامة الدول الخمس الكبرى بان تعد من المسائل الاجرائية قرارات المجلس الخاصة بإحالة مسالة تتعلق بالسلم والامن الدوليين الى الجمعية العامة ودعوة الجمعية العامة لأبداء توجيهاتها في نزاع او موقف معروض على مجلس الامن، وانشاء اللجان ودعوة اعضاء الامم المتحدة

   وقد هاجم عدد كبير من الدول والفقهاء وجود حق الاعتراض في نظام الامم المتحدة وعده خاصة عند التعسف في استعمال اساس فشل المجلس في حفظ السلم والامن الدوليين ومن ثم يطالب بإلغائه او تقييد حالات استعماله، الا ان رأيا آخر ينادي بضرورة الابقاء على هذا الحق كميزة للدولة الكبرى التي تساعد على تحمل مسؤولياتها الكبيرة في حفظ السلام العالمي او كسلاح تدافع به هذه الدول عن نفسها ضد تعسف الاغلبية، وواقع الامر انه لما كان نظام حق الاعتراض قد نشأ استناداً الى فكرة توافق الدول الكبرى التي يقوم عليها ميثاق الامم المتحدة، فأن حسن ادائه للأهداف المرجوة منه يتوقف بالدرجة الاولى عل طبيعة العلاقات بين هذه الدول، وقد استخدمت الدول الكبرى بصورة مبالغ فيها خاصة خلال فترة الحرب الباردة بين الكتلتين الغربية والشرقية، مما ترتب عليه فشل مجلس الامن في حل الكثير من المنازعات الدولية او قمع العدوان، واستحالة تطبيق احكام الفصل السابع في مواجهة عضو دائم او دولة تتمتع بحماية أحد الاعضاء الدائمين، وقد دعت هذه الاوضاع الجمعية العامة الى تطور سلطات وخاصة استناداً الى قرار الاتحاد من اجل السلم لنقل بعض سلطات مجلس الامن في مجال حفظ السلم اليها، وإذا كان مجلس الامن قد فقد بالفعل اهمية دوره في هذا المجال خال فترة طويلة انصرفت فيها الدولة عنه الى الجمعية العامة او الى الاعتماد على منظماتها الاقليمية وخاصة الاحلاف العسكرية، الا ان المجلس بدأ في السنوات الاخيرة يستعيد دوره وسلطاته في حفظ السلم الدولي

واقترن تعامل الأمم المتحدة مع هذه الملفات الساخنة بالإعراب المستمر عن القلق، وتعيين مندوبين دوليين لمناطق النزاع، وفي حين كان المتغير الأبرز تناوب عدد من “الموظفين” على هذا المنصب في سوريا واليمن وليبيا، كان الثابت الوحيد استمرار الأزمات والعنف. وبات إعراب الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون وخلفه أنطونيو غوتيريس عن قلقهم مثار تهكم للمتابعين، بينما أثيرت شكوك حول آلية عمل مندوبي المنظمة إلى مناطق النزاع والمنظمات المرتبطة بها، لاسيما بعد سلسلة من الفضائح والإخفاقات.

ليبيا. تعقيد الأزمة بدل حلها

وفي ليبيا، تعاقب على تمثيل الأمم المتحدة منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011، أربعة شخصيات، لم يفشلوا فقط في حل النزاع بل عمدوا إلى تأزيم الموقف، وتمكين الميليشيات والجماعات المرتبطة بالإخوان من إحكام قبضتها على مناطق سيطرتها.

ويبرز في هذا السياق، تحالف ميليشيات مع المجلس الرئاسي الذي تمخض عن اتفاق منقوص رعاه مبعوث الأمم المتحدة السابق، مارتن كوبلر، في الصخيرات بالمغرب في ديسمبر 2015. وبعد أن كان المشهد في ليبيا تتصدره حكومة شرعية برئاسة عبد الله الثني منبثقة عن البرلمان وسلطة قوى أمر واقع متحالفة مع جماعات متشددة، أوجد الاتفاق المنقوص سلطة ثالثة هي حكومة فايز السراج.

والسراج اتخذ من العاصمة الليبية طرابلس مقرا لحكومته بعد أن تحالف، بمباركة كوبلر، مع الميليشيات التي قاتلت الجيش الليبي الوطني، ما يطرح علامات استفهام عن نهج الأمم المتحدة. وبعد نحو عامين على اتفاق الصخيرات، لاتزال ليبيا تعاني من العنف والفوضى وتعاظم نفوذ الميليشيات والانقسامات دون أي تغيير في المشهد، باستثناء تعيين غسان سلامة مبعوثا للأمم المتحدة خلفا لكوبلر.

سوريا. فشل ذريع

أما سوريا، فتعد بدورها دليلا واضحا على عجز الأمم المتحدة التي عينت أكثر من مبعوث فشلوا جميعهم في التعامل مع النزاع الذي حصد منذ مارس 2011 أكثر من 350 ألف قتيل وشرد الملايين. وعجز الأمم المتحدة عن إدارة الملف وتخبط بعثتها في التعاطي مع الفرقاء والانحياز للنظام في أكثر من مناسبة والتعامل الخاطئ مع الجماعات المتشددة، ساهم في إطالة أمد النزاع الدامي. واكتفت الأمم المتحدة ممثلة بمبعوثيها الذين تعاقبوا على المهمة وآخرهم ستيفان دي ميستورا بعقد جلسات صورية في جنيف، بينما كانت آلة القتل تحصد مزيدا من الضحايا والدمار. ولم يقف تخبطها عند هذا الحد، فقد اتهمت مرارا بالتعاون مع منظمات محلية مرتبطة بالنظام خلال عمليات توزيع المساعدات، ما أدى إلى بروز فضائح عدة، بينها وصول مواد غذائية غير صالح للاستخدام البشري لمناطق محاصرة. وكانت الأمم المتحدة في أكثر من مناسبة شاهدة بل راعية لتغيير ديمغرافي في المناطق السورية، قادته إيران التي تعد الداعم الأبرز للرئيس السوري بشار الأسد، والساعية إلى التوسع بالمنطقة عبر نشر الفوضى ودعم الجماعات المتشددة. وفشل الأمم المتحدة شجع دول فاعلة بالنزاع السوري هي روسيا وإيران الداعمتان للنظام وتركيا المساندة لفصائل معارضة، إلى خلق مباحثات موازية لجنيف، ألا وهي مفاوضات أستانة. ورغم أن الملف السوري بات خارج سيطرة الأمم المتحدة حيث تعمل الدول الفاعلة على تثبيت نفوذها في الميدان السوري بعد اتفاق مناطق التهدئة، فإن دي ميستورا لايزال مصر على لعب دور المبعوث الدولي الذي بات أشبه بدور شاهد الزور.

اليمن. انحياز وكذب

في اليمن، عملت الأمم المتحدة من حيث تدري أو لا تدري على قلب الحقائق ونشر معلومات مضللة كان آخرها الفضيحة المتمثلة بتقرير “غير دقيق ومضلل” عن التحالف العربي الداعم للشرعية. والتحالف العربي الذي أطلق بقيادة السعودية عام 2015 بناء على طلب من إدارة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، جاء كنتيجة حتمية لفشل الأمم المتحدة متمثلة بمندوبها جمال بنعمر. وكان بنعمر اتخذ موقفا منحازا ومتخاذلا قبل عام أمام اجتياح قوات صالح وميليشيات الحوثي المرتبطة بنظام ولي الفقيه في إيران للعاصمة صنعاء والانقلاب على الشرعية، ضاربة العملية الانتقالية في هذا البلد. وسمح موقف الأمم المتحدة المتخاذل، والتي كان من المفترض أن تشرف على العملية الانتقالية بعد تنحي الرئيس علي عبد الله صالح، أن تسقط البلاد في قبضة الميليشيات المذهبية والفوضى.

وأمام عجز أو حتى تواطؤ الأمم المتحدة على وقف انهيار العملية الانتقالية وانهيار الدولة، طلب هادي مساندة دول الجوار، التي سارعت إلى تشكيل تحالف عربي نجح في الأشهر الأولى في إعادة مناطق واسعة من البلاد إلى حضن الشرعية. وضخ التحالف في موازاة دعمه العسكري للجيش الوطني ذلك مليارات الدولارات لإعادة إعمار ما دمرته الميليشيات الانقلابية من مرافق عامة وطبية، وبنى تحتية وإعادة العجلة الاقتصادية للبلاد.

وقابلت الأمم المتحدة التضحيات الجمة التي قدمها التحالف العربي لحماية اليمن من السقوط في الفوضى وقبضة الميليشيات المذهبية والسير قدما بالعملية السياسية بسلسلة من الضربات الغادرة. وكان آخرها تقرير اعتمد على معلومات مضللة، حسب ما قال مندوب السعودية في المنظمة الدولية عبد الله المعلمي. والاعتماد على المعلومات الكاذبة والمضللة ليس بالأمر المستغرب. فسجلات الأمم المتحدة في هذا السياق حافلة بتقارير مغلوطة بسبب اعتمادها على منظمات ومؤسسات محلية إما خاضعة لقوى أمر الواقع المتمثلة بالحالة اليمنية بالميليشيات المسلحة، أو موالية لقوات مرتبطة بنظام شمولي يعمل على استمالتها عبر سياسة العصا والجزرة. وتحولت بذلك الأمم المتحدة إلى سلاح بيد الميليشيات المتمردة ضد الشرعية والتحالف العربي الذي يحرص على العمل وفق المواثيق الإنسانية والتعاون مع الأمم المتحدة وحماية المدنيين.

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك