الجمعة - الموافق 19 أبريل 2024م

دور الاعلام في التنمية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بقلم :- الدكتور عادل عامر

Spread the love

لا شك أن التنمية السياسية والتنمية الثقافية والاجتماعية تخلق تنمية اقتصادية ومن خلال دور الاعلام في التنمية السياسية والثقافية فإنه وبلا شك يصبح له دور التنمية الاقتصادية . ودعونا نضرب لذلك مثل بسيط وهو ذلك العامل الذي يعمل في مصنع ما او في اي هيئة حكومية , فعندما يرجع ذلك العامل من عمله في نهاية النهار ويشاهد التليفزيون بما يتضمنه من برامج ومسلسلات وافلام تحثه على الاتقان في العمل مبينة اثر ذلك عليه وعلى المجتمع ولا تحثه وحسب بل وتقنعه بذلك بشتى وسائل التأثير فإنه لابد ان ينعكس ذلك على اداءه في العمل بالإيجاب مما يؤدي في النهاية الى تنمية اقتصادية حقيقية . لا يمكن تعريف أدوار الإعلام بوسائله المختلفة في العصر الحديث دون تحديد لمسئوليته الاجتماعية والثقافية تجاه الفرد والمجتمع خاصة في مجتمعات الدول النامية والعربية.

فالإعلام والاتصال الجماهيري وفقاً لمدارس الفكر الاجتماعي الحديث هو أحد دعائم الديمقراطية بجميع أنواعها، ووسيلة من وسائلها وشرطاً أساسياً من شروطها، ومظهراً من مظاهرها. فالإعلام والاتصال الجماهيري يؤدي وظائفه بطريقة فعالة عن طريق المشاركة والتفاعل حول القضايا المحورية المختلفة في المجتمع، والتأثير الاجتماعي وتأكيد القيم والمفاهيم المختلفة وترسيخها، وتثبيت عناصر الهوية القومية.

فهناك اتفاق ضمني بين القائم بالاتصال والرأي العام بجميع طبقاته تؤهل للطرف الأول ضرورة طرح وتبني وتفسير القضايا الحقيقية وشرحها للرأي العام، لإشراكه في وضع أنسب الحلول لمواجهتها.. فإذا لم تتحقق تلك الوظائف أصبح الإعلام عديم النفع، وتنافت أهم مسئولياته الاجتماعية، وانعدمت أهم عناصر الديموقراطية الإعلامية والثقافية في المجتمع، وأصبحت تلك المفاهيم مجرد شعارات زائفة، وأصبح الفرد في المجتمع منعزلاً عن قضايا عصره وفريسة لمعلومات الدعاية المغلوطة التي قد تروجها بعض القوى المعادية للديموقراطية والحرية داخل الحدود القطرية والإقليمية وخارجها، وذلك بالتسلل إلى عقول الجماهير عن طريق وسائل الإعلام والثقافة والمعرفة المتعددة القطرية منها والدولية خاصة في عصر العولمة والتطور الهائل في تكنولوجيا الاتصال والمعلومات.

غير أن هناك محددات لفاعلية العملية الإعلامية في ممارسة مسئولياتها الاجتماعية والثقافية المختلفة، وفي تحقيق المشاركة والتفاعل الاجتماعي والديمقراطية الثقافية، ولعل أهمها توافر نظام متكامل للتربية والتعليم، قادر على تحقيق بيئة اجتماعية واعية للمشاركة الفعالة. ففي غياب هذا النظام التربوي والتعليمي تتنافى أهداف العملية الإعلامية، ومسئوليتها في تكوين رأي عام فاعل يشارك في طرح الحلول حول القضايا المحورية في المجتمع. ذلك لأن التعليم وفقاً للتراث العلمي في مجالات علوم الاجتماع والتربية والاتصال الجماهيري أحد الشروط الهامة لفاعلية العملية الإعلامية في تحقيق أدوارها الوظيفية التنموية والمعرفية – كما سنوضح في نقطة قادمة.

كما أن للتعليم وتطوره دور كبير في نشأة الحركات الإصلاحية الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، فمن خلال التوسع في إنشاء المدارس والمعاهد العليا وإدخال نظم التعليم الحديث وتعدد اتجاهاته في مصر منذ العقد الأول من القرن التاسع عشر وحتى منتصفه، مثل الدعامة الهامة لنشأة الصحافة المصرية في منتصف القرن التاسع عشر. فكان فضل التعليم كبير في تحقيق هذا الانتشار الإعلامي والثقافي والمعرفي من خلال الصحيفة، والتي عملت بدورها على نشر الفكر، وتأكيد الديموقراطية الفكرية عن طريق تلك الأقلام الحرة والمستنيرة المصرية والعربية، والتي وجدت في صحافة العصر منبراً هاماً لتنمية الوعي القومي المصري بتلك التوجهات السياسية والعلمية والفكرية المساندة للتنمية والتحرر الفكري والثقافي.

ومثلت تلك النهضة نقطة الانطلاق لمزيد من الاجتهاد الثقافي والعلمي الذي نقل المجتمع المصري نقلة معرفية، انطلقت من خلالها إلى آفاق فكرية بعيدة خاصة في مجالات الإعلام والفنون والعلوم. كل ذلك لم يكن ليتحقق إلا بفضل نهضة التعليم الأساسي والثانوي والعالي. فعلى الرغم من أن نظم الإعلام المختلفة هي من نتاج عملية التحديث الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والفكري في مصر منذ بدايات القرن التاسع عشر وبصفة خاصة من نتاج عملية التطور الفكري والتحديث في قطاعات عديدة ومن أهمها قطاع التعليم، فهذا لا يعني أو يؤكد على أن نظم التعليم قد حافظت على عمليتي التطوير والتحديث واستمراريتها، للعديد من الأسباب السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، والتي أثرت إلى حد كبير على العديد من المكتسبات المعرفية والثقافية والاجتماعية والفكرية، ولا يتسع المجال في هذا المحور لحصرها، ولكن سيكون اهتمامنا منصباً على تحديد بعض المفاهيم المشتركة التي نرى أهميتها في تحليل قضايا التعليم ومشكلات الإعلام في العصر الحديث، عصر العولمة، «عصر تتهاوى فيه النظم والأفكار وتتقادم فيه الأشياء وهي في أوج حدتها، عصر تتألف فيه الأشياء مع أضدادها».

تلك القضايا والتحديات العديدة التي تواجه مجتمعاتنا العربية يمكن بلورتها واختزالها في إطار التحدي الثقافي والمعرفي، وتمثل قضايا التعليم والإعلام جوهر هذا التحدي، والذي أصبح حقيقة واقعة في عصر العولمة، التي أزالت الحدود وحولت العالم إلى قرية كونية يتحكم في مصيرها قطب أوحد، يهدف إلى إذاعة ونشر القيم التي تمثل القاعدة المحورية لهيمنة الحضارة الغربية.. وبهدف نشر القيم المقبولة من جانبه، ورفض ونبذ الأشكال الاجتماعية والثقافية والقيمية الغير مقبولة من المجتمع الغربي الذي تنتمي إليه الدول الصناعية الرأسمالية الكبرى.

ومن ثم فالتعاون الدولي الذي يجمع هذه الدول المسيطرة يتجه نحو قبول تفسير محدد لبعض القيم وذلك عن طريق عزل وإدانة الدول التي تفسر هذه القيم بطرق مختلفة.. وفي ذلك يقول “عبد الإله بلقزيز”: «أن العولمة ما هي إلا التعبير المكشوف عن السيطرة الثقافية الغربية التي توظف مكتسبات الثورة المعلوماتية لهذا الغرض. وفي ذات المعنى يشير “سمير أمين” أن: «العولمة طرحت نفسها كأيديولوجيا تعبر عن النسق القيمي للغرب على حسب النسق القيمي للحضارات الأخرى».

 والخطورة هنا أن أفراد مجتمعاتنا العربية نتيجة للأعداد الهائلة من الأميين، ولغياب نظام تعليمي فعال غير محصنين بأي نوع من أنواع المعرفة القادرة على المواجهة والتصدي في هذه القضايا الهامة والأكثر خطورة على هويتنا وتاريخنا، نتيجة لضعف المناهج التعليمية خاصة، وقضايا أخرى مثل ديموقراطية التفكير والمعرفة الحرة.. والتي لا يمكن التطرق لمثلها في هذا المقام، ولكن سنشير إليها في سياق تحليل النقاط التي وضعناها لحصر أبعاد هذه القضية الهامة. وبالرغم من أن هناك العديد من العناصر التي تثار حول مفهوم الرأي العام قديماً وحديثاً. إلا أننا سنكتفي بالإشارة إلى أهم المقومات التي نرى أهميتها في تأكيد هذا الترابط بين مفهوم الرأي العام ومفهوم المسئولية الاجتماعية.

ولعل أهم هذه المقومات هو وجود نظم إعلامية وطنية تعمل على طرح جميع القضايا التي تهم جمهور وسائل الاتصال المختلفة في المجتمع بموضوعية علمية وتتناول جميع العناصر المرتبطة بتلك القضايا، لتحقيق مبدأ المصداقية في تناولها، حتى لا يلجأ الأفراد إلى مصادر أخرى قد تسرب إليه معلومات تزيد من خطورة المواقف أو تغيب من وعيه وتضعه على طريق عدم اليقين بواقعه، ويفقد بذلك المجتمع ركناً هاماً من أركان المسئولية الاجتماعية للإعلام، وقدرتها في تكوين رأي عام مستنير، يدعم مسيرة الديموقراطية والتقدم الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والسياسي.

ونظراً لأن القضايا التي تؤثر في تشكيل الرأي العام في العصر الحديث على المستوى الدولي والإقليمي والقطري… هي قضايا ترتبط، بالمعلومات والقدرة على تجميعها وإعادة تشكيلها، أي ترتبط بالبحث العلمي والتطور في العلوم والتكنولوجيا خاصة فيما يتعلق بالتطور في وسائل نقل المعرفة. فإننا نؤكد في هذه النقطة على أهمية التليفزيون كأهم وسيلة في دول العالم النامي والعربي الأكثر انتشاراً وتأثيراً في الرأي العام على تحقيق أركان المسئولية الاجتماعية للاتصال الجماهيري، نظراً لانخفاض نسب القراءة وارتفاع مستوى الأمية، وإلى جانب كل ذلك فهو من نظم الاتصال التي تضم جميع العناصر والمقومات المكونة لعنصر التأثير والإقناع، خاصة جمهور مجتمعات الدول النامية،

حيث لا تتوافر في تلك المجتمعات بيئة اجتماعية حديثة مواتية تستطيع تقييم الخطاب الغربي الموجه، والتي تتطلب أكثر ما تتطلبه عناصر محددة معرفية واجتماعية وثقافية واقتصادية وأيضاً إعلامية، تعمل على تهيئة البيئة الاجتماعية وتطورها، إلى جانب بعض القضايا التي ترتبط بالبحث العلمي الموضوعي بمناهجه الحديثة داخل المجتمع، واستخداماته في مجالات الإنتاج الإعلامي والثقافي كخطوة أولى ضرورية لصياغة مضمون قادر على بناء الفكر الناقد الواعي للأبعاد المختلفة للقضايا والمشكلات المستجدة داخل المجتمع وخارجه، لمناقشتها بموضوعية ولتكوين رأي عام مستنير تجاهها.

مسئولية الاعلام تجاه عملية التنمية المستدامة هي تزويد المجتمع بأكبر قدر من الحقائق والمعلومات الدقيقة التي يمكن للمعنيين بالتنمية التحقق من صحتها والتأكد من دقتها والتثبت من مصدرها ، وبقدر ما في الاعلام من حقائق ومعلومات دقيقة ، بقدر تحقيق اهداف التنمية ، ويركز الكثير من العلماء المهتمين بدور الاعلام في التنمية علي هذه النقطة ويسمون الدور الذي يضطلع به الاعلام في تطوير المجتمعات باسم الهندسة الاجتماعية للأعلام الجماهيري ، خاصة وان هذا الدور ينصب علي كيفية توجيه الجمهور لخدمة الرخاء الانساني.

وتتضح المعادلة التي دعت الي تسمية دور الاعلام “بالهندسة الاجتماعية ” اذا عرفنا ان الهدف الجوهري للتنمية الاجتماعية لا يستطاع تحقيقه بدون رفع المستوى الاقتصادي باستخدام برامج ومشروعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية لتوفير الخدمات واشاعة العدالة ، تلك التي تثير في نفوس افراد المجتمع مشاعر الولاء لمجتمعهم ، والذي ترتبط به كل مصالحهم الحيوية ارتباطا قويا ، وما دامت تنمية افراد المجتمع وبيئتهم المادية من الاهداف الاساسية للتخطيط ، فمن الضروري ان يتم انجاز هذه المسئوليات وفق خطة مدروسة قائمة علي تخطيط شامل لكافة الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والاعلامية والبيئية .

وتتضمن الخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية دائما القدر الاسمى من الاهتمام بالقوى البشرية والسياسات التعليمية . ولا شك ان تحليل السياسات العامة للخطط المختلفة لتنمية الموارد البشرية امر لا يمكن الاستغناء عنه عند وضع خطة جيدة للتنمية ، وبدون ذلك لن يتسنى أي نجاح للتخطيط . صحيح ان التخطيط العام للتنمية الاقتصادية والاجتماعية يتضمن دائما قدرا من الاعتبار للقوى البشرية المتوافرة والمطلوبة ولكن هذه الخطط التي تقتصر علي السياسات الاقتصادية فقط ينبغي ان تعالج الموارد البشرية علي انها عوامل رئيسية للإنتاج ، ولا خلاف في ان جميع المخططين في المجال الاقتصادي – مهما يبلغ اطار التحليل عندهم من الضيق – فهم يدركون اهمية توفر العنصر البشري خصوصا ما يتعلق بالتعليم والتدريب بوجه عام .

 ويقف التخطيط الاعلامي هنا ليعمل علي تزويد المعنيين بالتنفيذ بأكبر قدر ممكن من المعلومات الدقيقة الصحيحة والحقائق الواضحة ، وللتخطيط الاعلامي اهدافه ومسئوليته المحددة الابعاد ، ولا يخرج التخطيط الاعلامي عن الدور الذي قصده ماكس ميليكان فهو يقرر تسمية الدور الذي يضطلع به الاعلام والاتصال الجماهيري في ميدان التنمية بالهندسة الاجتماعية للاتصال الجماهيري وكيفية توجيه الاتصال الجماهيري لخدمة الرخاء الانساني في المجتمع التقليدي .

وانطلاقا من هذا المفهوم فان القوى البشرية تمثل اهمية كبري في التخطيط الاعلامي علي اعتبار ان المتلقين من افراد المجتمع (قراء – مشاهدين – مستمعين)هم هدف التخطيط الاعلامي ، من اجل ربطهم بأهداف خطة التنمية بنوعيها الشامل والمحلي ، وفي مجاليها الاقتصادي والاجتماعي ، وسواء كان العنصر البشري وسيلة التنمية او غايتها والنقطة الرئيسية في كل من التخطيط الاعلامي والتخطيط للتنمية المستدامة هو ان هذين النوعين من التخطيط ، يهدفان اساسا الي تطوير الشخصية الانسانية من الجمود الي الحركة ومن التقليدية الي التقدمية ، فالمحور الرئيسي في التنمية هو الناس انفسهم ، والتخطيط للتنمية هو ترتيب وتنظيم ذلك بوضوح ،

 واذا كان الاعلام هو محاولة لربط افكار افراد المجتمع وتصوراتهم وقيمهم واعتقاداتهم بالتخطيط للتنمية وبأسلوب التنفيذ ، ووضع المستويات الاقتصادية والاجتماعية في الاعتبار ،فان التخطيط الاعلامي هو ايضا ترتيب وتنظيم ذلك بوضوح اعتمادا علي ان الاطار الثقافي هو الذي يخلق فكر كافة افراد المجتمع بكل ما فيها من اهتمام بالماضي وتحليل الحاضر الواقعي ونزوع الي العمل ومن الطبيعي ان يكون ذلك من اخص مبادئ الاتصال الجماهيري ، ومن الطبيعي ايضا ان يكون ذلك من اكثر خصوصيات التخطيط الاعلامي ، اذا ان الانسان العصري في المجتمع الحديث يتميز بعقلية تختلف كلية عن الانسان التقليدي

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك