الثلاثاء - الموافق 16 أبريل 2024م

دلالة الخروج الامريكي من الاتفاق النووي الايراني بقلم :- الدكتور عادل عامر

Spread the love

في البداية نود ان نقول ان الاتفاق النووي عبارة عن اتفاقية متعددة الأطراف حيث عقدت إيران والدول الست (الصين وروسيا وأمريكا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا) مفاوضات ماراثونية من 26 مارس لغاية 2 ابريل 2015 في مدينة لوزان السويسرية من اجل التوصل إلى تسوية شاملة تضمن الطابع السلمي للبرنامج النووي الإيراني، والغاء جميع العقوبات علي إيران بشكل تام بمجرد تحقق الوكالة الدولية للطاقة الذرية من أن إيران تحترم التزاماتها. وعلى الرغم من أن القانون الدولي وخاصة اتفاقية فينا لقانون المعاهدات بين الدول لعام 1969م، وكذلك اتفاقية فينا لقانون المعاهدات بين الدول والمنظمات أو بين المنظمات الدولية 1986م قد نصتا على أن:

” 1- المعاهدة التي لا تتضمن نصا بشأن إنهائها والتي لا تنص على إمكان إلغائها أو الانسحاب منها لا تكون محلا للإلغاء أو الانسحاب إلا : أ- إذا ثبت اتجاه نية الأطراف فيها إلى إمكان إنهائها أو الانسحاب منها .ب- إذا أمكن استنباط حق الإلغاء أو الانسحاب من طبيعة المعاهدة

2- على الطرف الراغب في إنهاء المعاهدة أو الانسحاب منها طبقا للفقرة (1) أن يخطر الطرف الآخر بنيته في ذلك قبل اثني عشر شهرا على الأقل ).

ومن خلال هذه المادة يمكن القول إنها ـ أي المعاهدة ـ سمحت بالانسحاب الضمني وهذا يستدل من طبيعة المعاهدة والأعمال التحضيرية للكشف عن نية أطراف المعاهدة ، مع أن القانون الدولي لا يجيز الانسحاب أو التحلل من أحكام معاهدة دولية بالإرادة المنفردة بيد أنه يجوز للدول الأطراف أن تتنازل عن حقها من طرف واحد  .

 وتشمل النية التي أشارت إليها اتفاقية فينا، نية أطراف المعاهدة جميعا، أو نية الطرف الذي يرغب في الانسحاب دون اعتراض من بقية الأطراف، أما ما جاء في الفقرة (باء) من المادة 56″.

اختصاراً، يمكن الجزم أن أيا من أطراف هذا الاتفاق ـ عدا الولايات المتحدة ـ لا يرغب بالانسحاب من الاتفاق حرصاً على مصالحهم الخاصة، وبالتالي يٌشكل الانسحاب مخالفة واضحة للقانون الدولي العام الذي تضرب به الولايات المتحدة دائماً عرض الحائط.

من هنا نعود للسؤال الأساسي للموضوع حول ما يرغب ترامب في تحقيقه من هذا الانسحاب؟ من الأهمية بمكان أن نشير هنا لما أثاره “ناتنياهو” من رفض منذ البدايات الأولى لهذا الاتفاق مما أدى إلى إحداث نوع من التوتر من العلاقات مع الرئيس السابق أوباما، كذلك حرص “ناتنياهو” على استخدام ضغط اللوبي الإسرائيلي على الرئيس الحالي ترامب أثناء ترشحه للرئاسة الأمريكية في هذه القضية إضافة إلى الاعتراف “بيهودية الدولة” واعتبار القدس “عاصمة للاحتلال ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس” وقبل أيام قليلة كان الحرص بدق المسمار الأخير في نعش الاتفاق من خلال نشر ما يسمى “بالأرشيف النووي الإيراني” الذي يزعمون بأن “الموساد الإسرائيلي” قد نجح في الاستيلاء عليه من طهران، والذي تم دعوة العديد من الوفود الاستخبارية لاستعراضه في “تل أبيب”.

وكأن التاريخ يعيد نفسه قبل الغزو الأمريكي للعراق في سنة 2003. لابد من نشر أجواء الفزع حول أخطار ليس لها أساس في الواقع وتسويقيها على أنها وقائع لا يمكن ضحدها، وبالتالي تضع الأساسات الأولية للعدوان.

وكما يبدو أيضا بأن ترامب لم يشبع نهمه من أموال الخليج ومن الاستيلاء على موارده المالية والطبيعية، وأنه لازال من المفروض على الدول الخليجية الدفع حتى الدينار الأخير لترامب ويظهر ذلك جلياً في العديد من الإشارات والأقوال التي يصرح بها في غياب وحضور المسؤولين الخليجيين دون أن يرف له طرف!

لذلك كان يجب من أن يرفع مستوى الخطر في مواجهة هذه الدول مع إيران فتسارع في إرضاء ترامب وفتح خزائنها لشراء الحماية الوهمية وإغراق المنطقة بالقوات الغربية وبأطنان من أسلحة الدمار، ومن ثم يخرج ترامب والاحتلال منتصران في فرض هذا الواقع، وإبقاء الترسانة النووية الإسرائيلية هي الوحيدة المسيطرة في المنطقة مع العمل على تمدد الاحتلال على مساحات أخرى من الأرض العربية في ظل من الخنوع العربي، ولعل من المأساة أن أولى العلامات والنتائج لهذا الخنوع تتمثل في ضياع القدس بدايةً في نقل السفارة الأمريكية إلى القدس خلال الأيام القليلة القادمة.

الأزمة مع إيران ستراوح ما بين “العصا والجزرة” نظراً للعديد من العوامل والظروف التي تحيط بها وخاصة الدور الأوروبي وحرصه على حماية مصالحه الاقتصادية مع إيران، إضافة إلى قدرة النظام الإيراني إلى التعامل مع التهديدات أو العقوبات الأمريكية، ويبقى الخاسر الوحيد في هذه الأزمة الطرف العربي لما سيدفعه من أثمان في ظل الحرب ـ باردة أو ساخنةـ وفقاً لما يشتهيه ترامب لإشباع نهمه ورغبة الصهيونية من خلفه.

ان تقارير الوكالة الدولية للطالقة الذرية خلال الفترة ما بعد الاتفاق النووي، اكدت باستمرار التزام ايران ببنود الاتفاق، ولم تلق مزاعم ترامب المتكررة حول استمرار النشاطات النووية الايرانية بشكل سري اي اهتمام في الاوساط الدولية وحتى في داخل الولايات المتحدة، وقد استغل ترامب المسرحية الاخيرة لرئيس حكومة الاحتلال الاسرائيلي بنيامين نتانياهو، التي ادعى فيها انه يملك نصف طن من المتمسكات والوثائق حول مساعي ايران لصناعة قنبلة نووية، محاولا عدم اضاعة هذه الفرصة لإعطاء افكاره الوهمية صبغة منطقية.

وفي هذا الاطار يمكن ان يأتي تأكيد وسائل الاعلام الاسرائيلية قبيل ساعات من اعلان ترامب ان الاخير اخبر نتنياهو بقراره، ليكشف عن التخطيط والتنسيق المشترك في الخطوات بين نتنياهو وترامب. ويتمثّل الجانب السلبي لهذا الخيار بإعلان إيران أنها ستردّ على أي عدم امتثال أمريكي بالاتفاق بانتهاكاتها الخاصة – المسموح بها تحديداً في المادة 36 من «خطة العمل الشاملة المشتركة» – مثل تسريع تخصيب اليورانيوم. وبالإضافة إلى ذلك، تلزم اللغة المبهمة في المادتين 29 و33 من «خطة العمل الشاملة المشتركة» الولايات المتحدة بدعم الاقتصاد الإيراني، ويمكن القول إن الأمريكيين ينتهكون هذا الحكم بالفعل.

وقد تواجه واشنطن بالتالي “مبادلةً سيئة” – ضغط نظري “رمزي” إلى حد كبير على الاقتصاد الإيراني من خلال عدم الامتثال المحدود للولايات المتحدة، مقابل تخفيف ملموس لالتزامات إيران بموجب الاتفاق والأسى لدى حلفاء الولايات المتحدة. وسيصعب الاستمرار في هذه السياسة إلى أجل غير مسمى مع الضغط الذي تتعرّض له الولايات المتحدة إما للعودة إلى الاتفاق أو اقتراح نظام نووي جديد.

 (وبدلاً من ذلك، تستطيع إيران ببساطة مواصلة الامتثال للوقيعة بين دول «مجموعة الخمسة زائد واحد» الأخرى – أي بريطانيا والصين وفرنسا وروسيا وألمانيا – والولايات المتحدة).انسحاب الولايات المتحدة من دون “تدمير” الاتفاق: ينطوي خيار بديل عن الانقضاء على انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق، خاصة إذا أرادت واشنطن وقف امتثالها من دون إنهاء الاتفاق بالضرورة.

وتشكّل «خطة العمل الشاملة المشتركة» رسمياً تفاهماً غير موقّع حول الإجراءات المتبادلة بين عدد من الدول “يدعمه” قرار مجلس الأمن رقم 2231 “ويحث على تنفيذه الكامل”، ولكن ليس بموجب القانون الدولي – أي ليس بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. وبالمقارنة، تتمتع إجراءات مجلس الأمن وفقاً للاتفاق – التي تبطل بشكل أساسي قراره السابق المتعلق بإيران – بقوة القانون بموجب المادة 41 من الفصل السابع. وفي حال انسحب مشارك واحد من «خطة العمل الشاملة المشتركة» (باستثناء إيران) من الممكن أن تستمر التزامات الاتفاق وتفاهماته من دون شك.

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك