السبت - الموافق 20 أبريل 2024م

حديث فى السلطة المعرفية ( سلطة النص ) – للاستاذ الدكتور حسن عبدالعال

Spread the love

متابعة : أحمد عبد الحميد
السؤال الذى يتبادر إلى الذهن حين يقرأ الانسان ما أصبح متداولا فى الفضاء الثقافى المعرفى عن سلطة المعرفة او سلطة النص هو : هل هناك سلطة معرفية ؟ هل هناك سلطة للنص المقروء تمارس على القارىء ؟
لقد ارتبطت السلطة فى العادة بالحكم بالسلطة السياسية وهى تمارس فعلا فى الميدان السياسى ، لكنه بات معروفا الآن أن لكل مجال سلطته ، فهناك السلطة الدينية مثلا ، والسلطة او الهيمنة الاقتصادية وهناك كذلك السلطة الثقافية التى تمارس من خلال النصوص والخطاب الثقافى ، وهى تمارس على من يوجه إليه الخطاب أو من يتعامل مع النص وهو القارىء .
إن لكل كتابة بعدها السلطوي ، والبعد السلطوي ملازم دائما للفعل المعرفى ، خذ مثلا الشعراء والأدباء والكتاب هل تعتقد أنهم بأنهم يتنافسون أو يتصارعون حبا للمعرفة أو حرصا على الحقيقة فقط ، إن من السذاجة الاعتقاد بذلك ، أن من تبسيط الأمور ومن السذاجة مثلا ان نعتبر ان المعارك الأدبية التى كانت تجرى فى الفضاء الأدبى أو الثقافى بين طه حسين ومصطفى صادق الرافعى ، او بين لويس عوض ومحمود شاكر او بين العقاد وخصومه والشيخ على عبد الرازق ومناوؤه من أنصار الخلافة ، او بين محمد عمارة وفؤاد زكريا ونصر حامد ابو زيد ، وغيرها وغيرها مما دارت رحى معاركه فى ساحة الثقافة المصرية ، مما لا يتسع المجال لحصرها وذكر مساجلاتها ، من السذاجة ان نرى أن ذلك الصراع وتلك المعارك الشرسة كانت فقط حبا فى المعرفة ودعما للحقيقة وانتصارا لها ، إنما كانت معارك للسيطرة الفكرية والنفوذ المعرفى ، كانت من أجل انتزاع المرجعية ، إنه لا شك أن معارك هؤلاء الأعلام كانت تشكل صراعات بين وجهات نظر ورؤى عقلية او تاويلات مختلفة ومتضادة ، لكن إغفال الجانب السلطوى هو طمس لحقيقتها ، وكذلك الأمر فى كل صراع ثقافى . أن القارىء الذى يتوجه إليه الخطاب هو من يتنازع عليه أهل الكتابة ، انطلاقا من ادعائهم الصريح أو الضمنى أنهم يعرفون مالا يعرف ، او أنهم يرون مالا يرى ، يكشفون له ما لا يكشفه هو بنفسه .
وقد تساءل من أقر من المفكرين بسلطة النص عن الفرق بين كاتب وآخر ، اذا كان يمارس سلطته على القارىء ، وتعددت الاجابات عن السؤال ، لكن ربما كان المفكر على حرب من أكثرهم اقناعا إذ راى ان الفرق هو فرق بين كاتب يتقن اللعبة ، وآخر لا يتقنها أو هو أقل اتقانا ، بين مؤلف يمتلك السلاح الأقوى والأكثر فعالية ، واخر لا يمتلك مثل هذا السلاح أو يملك ماهو أقل منه فعالية وتأثيرا ، والمراد بالسلاح هنا الأدوات التعبيرية والأجهزة المفهومية ،إذ المسالة هى فى المقام الاول عدة معرفية او أداة أسلوبية او تقتية جمالية ، وبالطبع من تحصيل الحاصل القول بأن الأعمال الفكرية والأدبية تحتاج إلى الذكاء والموهبة او القريحة ، ولكن لا جدوى من ذلك كله إذا لم يمتلك المؤلف او لم يبتكر الأدوات التى يصنع بها ذاته او فكره او فنه او فلنقل نصه .
وتختلف النصوص تبعا لذلك اى من حيث فرض السلطة والهيمنة على القارىء ، فبعض النصوص تمارس سلطة إرادة وقوة على القارىء أكثر وأقوى من غيرها ، خذ مثلا نصا من نصوص محيى الدين بن عربى او الغزالى أو قصيدة للمتنبى أو أبى العلاء المعرى او لأمل دنقل ، اومقالا لعباس العقاد او قصة لنجيب محفوظ ، تجد أنها فى ساعتك هذه مازالت تستدعيك إليها وتحضك على قراءتها ، قراءة جديدة ، ذلك لأنها أعمال قوية جميلة تفيض جودة ، وقد قرىء أفلاطون قراءات جديدة متعددة وتوالت قراءة نصوصه ، لتحمل معان عصرية حديثة ، وكانت نتائجها اى القراءة الحديثة المعاصرة رائعة ، إن هذه نصوص تفرض إرادتها علينا بقدر ما تدعونا إلى قراءتها قراءة حديثة معاصرة . والنص القوى هو النص الذى يحجب بقدر ما يكشف ، لأنه نص ملتبس حمال اوجه .
وإذا كان للحجب فى النص معنى سلبى من الناحية المعرفية ، كونه نقيض الكشف والتنوير ، فإن له معنى إيجابي عظيم ، إذ يجعل النص جديرا بأن تعاد قراءته ، ويعاد اكتشافه ، ويجعل منه امكانا للتأويل وموضوعا للكشف من جديد وكشف لغطاء ما يستبعده النص او يتستر عليه الخطاب او يسكت عنه الكلام . ومن هنا رأى بعض المفكرين أن قوة وسلطة كل نص تكمن فى حجبه ومخاتلته لا فى كشفه وافصاحه وبيانه ، فيما يسكت عنه لا فيما يصرح به ويعلنه ، لأنه بذلك الحجب تتنوع احتمالات تفسيره وتتجدد طرق قراءته وتتولى معان وأفكار جديدة . وهكذا فليس النص بما انكشف منه بل بما لم ينكشف ، لأنه لو كانت المسألة مجرد كشف لقرىء النص مرة واحدة ، وأصبح مجرد أثر له قيمته التعليمية لا غير .

– الاستاذ الدكتور حسن عبدالعال كلية التربية جامعة طنطا.

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك