الجمعة - الموافق 29 مارس 2024م

جرائم رجال الأعمال المالية والتجارية بقلم :- الدكتور عادل عامر

    إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداٌ عبده، ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماُ كثيراً، أما بعد:   

مقدمة:

     لقد أزاحت السنوات الأخيرة السِتار عن إحدى المشكلات التى بدأت تؤرق المهتمين بالمجالين التشريعي والقانوني لما لها من أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية، ألا وهى مشكلة الانحراف المالى من قِبَل القائمين على إدارة المشروعات التجارية والاقتصادية، ويظهر ذلك حليّاً حال اتخاذ الشركة حقلاً ومجالاً لممارسة هذا النشاط حيث إن الشركة بما لها من شخصية اعتبارية وذمة مالية وكيان اعتباري تسمح أن يرتع خلالها كل من له نزعة لتكوين الثروات الطائلة من خلال إدارتهم لهذا الكيان وعبر ممارسات غير أخلاقية وأكل لأموال الناس بالباطل وما يزيد الفاجعة ويُشعِرُ المرء بعدم الأمان واختلال الثقة لديه أن أغلب من ينتهجون هذا النهج الخاطيء هم ممن يُطلَق عليهم اصطلاحاً رجال الأعمال ، ولا يعني ذلك عموم الوصف على كل رجال الأعمال فمنهم شرفاء أمناء وحال يردُ لفظ رجل أو رجال الأعمال في هذا البحث فإنما نعني بها فقط أصحاب التصرّفات المنحرفة عن الطريق القويم ، ولا ينطبق لفظ رجل أو رجال الأعمال في مقامنا هذا على الشرفاء منهم حيث يطول الحديث عنهم حين محاولة إعطائهم حقهم في الإطراء والتقدير ؛

الجريمة سلوك غير مشروع صادر عن إرادة إجرامية يمثل الركن المادي وقد يكون نشاط إيجابى يتمثل في سلوك إداري ينفذه الجاني في العالم الخارجي. تحقيقاً لغرض معين مخالف بذلك قاعدة قانونية وقد يكون نشاط سلبي أي الأمتناع والأحجام عن إتيان نشاط أو فعل كان يتطلبه القانون في واقعة الحال وهذا السلوك سواء كان إيجابي أو إمتناع يمثل أحد عناصر الركن المادي للجريمة فإذا تحققت النتيجة الإجرامية فإن الجريمة تكون قد وقعت ولكن يلزم أن يكون هذا السلوك مخالف للقانون وغير مشروع كما يلزم أن يصدر هذا السلوك غير المشروع عن إراده إجرامية اي صادر من أنسان حر مدرك مايقوم به وأن تتجه  إرادة الأنسان إلى إحداث هذا السلوك ونتيجته الغير مشروعة ويترتب على ذلك جزاء جنائي ويتخذ شكل العقوبة أو التدبير الاحترازي .

 ومن هنا كان من الواجب على العاملين في مجال القانون والمهتمين به إيجاد الوسائل التي تكفل حماية الناس من التغرير بهم أو الاعتداء عليهم في أرزاقهم ومعايشهم ولكي يتم وضع وسن تلك الحماية يتعيّن بداية التطرّق لمفهوم رجال الأعمال ثم نعرُج بعدها لأشكال المخالفات التي يأتونها أو ما يُطلق عليه جرائم رجال الأعمال سواء المالية أو التجارية.

الباب الأول:

أولاً: مفهوم رجل الأعمال:

رجل الأعمال هو الشخص الذي يُدير أعمالاً أو أنشطة تجارية في إطار كيانٍ أو شخصية اعتبارية يمكن أن تكون شركة أو مؤسسة، كان الاعتقاد السائد لدى أرباب المهن ورجال الاعمال هو معارضة تدخل المشرع الجنائي في مجال الاعمال التجارية والاقتصادية بصفة عامة. وان تدخل قانون العقوبات يؤدي الى احجام الافراد عن اظهار رغبتهم في المشاركة في تكوين المنشئات الاقتصادية الامر الذي يؤدي في النهاية الى عرقلة النشاط التجاري والقواعد العامة في القانون المدني المنظمة للمسؤولية المدنية لا تكفي لكي تفرض عليهم احترام التزاماتهم القانونية ولا تتلاءم مع ضرورة العقاب على الجرائم التي تمس بالضرر او تهدد النظام الاقتصادي مما ادى الى تغيير الاتجاه نحو ضرورة تدخل قانون العقوبات في مجال الاقتصاد والاعمال وتكملة الجزاءات المدنية بجزاءات جنائية وبذلك اصبح تدخل العقوبات في مجال الاعمال ضرورة ملحة وتطبيق الجزاءات الجنائية لا يقتصر على الجرائم التي تتعلق بالمنشئة الاقتصادية فحسب بل يتطرق المشرع بالعقاب على محاولات مؤسسي المنشئة ومديرها باستغلال اموال المنشئة “المؤسسة” في تحقيق ارباح او فوائد خاصة بهم او زيادة رؤوس اموالهم وذلك بتوجيه المنشئة وجهة تتعارض مع اغراضها.

– ايضا كلمة اعمال تشمل القانون التجاري المتعلق بالعمل التجاري للتجار فالمشرع يعاقب كل من أصدر شيك بدون رصيد لان الشيك هو وسيلة آدا ووفاء وائتمان يحل محل النقود وبذلك كان المشرع حريصا على توفير الضمانات الكافية للتعامل بالشيك لكونه يقوم بدور بالغ الاهمية في النظام الاقتصادي للدول.   – كلمة اعمال تشمل قانون الجمارك وذلك لكون ادارة الجمارك مهمتها الأساسية هي استيفاء الرسوم المفروضة على البضائع المستوردة او المصدرة فهي أكثر الادوات فعالية في حماية الاقتصاد الوطني والاسهام في زيادة ميزان المدفوعات.

– كلمة اعمال ايضا تشمل القانون المصرفي كالبنوك والمؤسسات المالية ويتعلق اعمال البنكي وذلك يرجع لأهمية البنوك في الحياة الاقتصادية حيث ان افلاس البنك يؤدي الى انهيار جانب من الاقتصاد الوطني وتحدث هزة اقتصادية مثلا موظف يتلاعب في جهاز الكمبيوتر وينقل مبالغ مالية من حساب شخص الى حساب شخص آخر او موظف يختلس اموال البنك.

– كلمة اعمال تشمل قانون المنافسة باعتبار انها هي المحرك الاساسي للنشاط الاقتصادي وبذلك فالمشرع مثلا يمنع البيع بالخسارة وذلك بهدف القضاء على الهيمنة والاحتكار في مجال الاعمال.

وغالباً ما يتمتع رجل الأعمال بصفاتٍ منها:

1ــ لديه القدرة على البدء ثم تطوير المشروعات.

2ــ يُجيد التعامل مع الشخصيات المختلفة ممن يتعاملون معه.

3ــ القدرة على اتخاذ القرارات.

4ــ القدرة النفسية على إدارة العمل وتحمّل متاعبه.

5ــ مهارة التنظيم والتخطيط.

وغير ذلك من الصفات التي ينبغي أن يُسَخِّرها رجل الأعمال في تحقيق الربح الحلال والالتزام بمباديء الثقة المتبادلة بين العاملين في مجال التجارة والاقتصاد، فإذا حاد رجل الأعمال عن ذلك المنهج القويم ورَغِبَ في تحقيق الثروات دون اعتبار لتلك المباديء فسرعان ما سينزلق إلى هاوية الجرائم ومستنقع المخالفات والانحرافات المالية والاقتصاديىة والتي يُطلق عليها جرائم رجال الأعمال تلك الجرائم التي سنتعرّض لها بصورة مختصرة من خلال عرض ماهية تلك الجرائم وصورها وأمثلة لها .

لقد برزت في هذه المرحلة الجرائم الاقتصادية. ولا نقصد بالجريمة الاقتصادية جرائم المال المعروفة كالسرقة والاحتيال فقط بل نقصد الجرائم ذات التأثير في النظام الاقتصادي والتي أدت إلى دخول نفر من الناس ليسوا من الضعفاء إلى مجال الجريمة. واليوم تبدو جرائم الضعفاء قليلة الأهمية بالنسبة إلى جرائم القادرين والكبار والسادة وأصحاب المال وذلك نتيجة تعقيد الحياة الاقتصادية وضخامة الغنيمة والقدرة على التهرب والهرب والفرار من العقاب ونتيجة امتزاج صفة المجرم المعتدي في هذه الجرائم بصفات اجتماعية راقية.

ولا يمكن أن نهمل في هذا المجال جرائم الشركات والمؤسسات الاقتصادية فهي ولا شك أكثر خطورة وأبعد مدى من كل الجرائم الفردية مجتمعة وتؤدي إلى أضعافٍ مضاعفةٍ من الخسائر للأموال العامة والخاصة ولا يكاد يكون هناك حصر لوسائل التلاعب والاحتيال التي تلجأ إليها بعض المؤسسات لاغتيال المال العام أو أموال المدخرين. وتقع هذه الجرائم بصفة عامة من ذوي المكانة الأكثر ارتفاعا وهم رجال الأعمال ممن تخطوا الحدود النظامية والأخلاقية 

لقد بدأت وسائل الإعلام المختلفة ـــ في الآونة الأخيرة ـــ تسليط الأضواء على العديد من رجال الأعمال الذين انحرفوا بسلطتهم وساهموا في تبديد رؤوس أموال العديد من المساهمين واستبان ذلك جليّاً في العديد من المشروعات أو الشركات ومنها ما يُطلق عليه شركات توظيف الأموال بما تُحدِثه ـــ إذا ما انحرفت ـــ من هِزة شديدة في الاقتصاد والحياة لبعض المتعاملين معها.

ثانياً: مدلول جريمة رجل الأعمال:

إن جريمة رجل الأعمال إنما هى الجريمة التى تتصف بالطابع المالى إلى جانب اتصافهابالتعقيد هذا التعقيد يكشف عنه الواقع القائم حاليا فى حياة رجال الأعمال ، فالانحرافاتالمالية يُستخدم فى ارتكابها هياكل وهمية (كالشركات الوهمية) تمثل مجرد واجهة دون أنيكون لها وجود حقيقى ، ويدخل فيها أيضا الجهات الائتمانية والبنوك إلى جانب مشروعاتأخرى مساعدة ،وهذا التعقيد الذى يظهر أيضا فى المهارة التى يتمتع بها الجانى فى مثلهذه الجرائم، والذى يتستر خلف المستوى الاجتماعى المرموق والذى يسمح له بتسيير الصفقات المشبوهة لاجئاً إلى عمليات الرشوة لتمرير أفعاله وصفقاته المشبوهة غير القانونية ، كما أن استيلائه على جزء من رأس مال أحدى الشركات هو جريمة من جرائم رجل الأعمال .

وفى ظل التحولات الاقتصادية فى مصر إلا أن يقول إن صانع السياسة الاقتصادية تبنى بامتياز اقتصاد الطريق الثالث القائم على الجمع بين النهجين الموجه والحر في تنظيم الأنشطة الاقتصادية؛ وهذا اقتضى بالضرورة اتساع وتنوع التجريم الاقتصادي الذي يضطلع بعبء حماية القوانين الاقتصادية الناظمة للنشاط الاقتصادي، فبعد أن سادت الجرائم المرتبطة بالاقتصاد الموجه ظهرت في العقد الأخير عدد من الجرائم المرتبطة باقتصاد السوق، لعل أهمها المذكورة في قانون المنافسة ومنع الاحتكار، قانون حماية الإنتاج الوطني من الآثار الناجمة عن الممارسات الضارة في التجارة الدولية، قانون حماية المستهلك، قانون العلامات الفارقة والمؤشرات الجغرافية والرسوم والنماذج الصناعية والمنافسة غير المشروعة، قانون سوق الأوراق المالية، قانون غسيل الأموال (تبرز الصفة الاقتصادية لجريمة غسيل الأموال من خلال ضررها أو خطرها على المنافسة المشروعة من جهة، وتأثيرها في السير الطبيعي للعرض والطلب من جهة ثانية؛

 فالمشاريع المكونة على أرضية الأموال القذرة تستطيع تخفيض أسعار منتجاتها إلى حد يقوض فرص المشاريع المشروعة في منافستها، وهذا يستتبع بالضرورة انفرادها بالسوق دون أدنى منافسة، وبالتالي القضاء على الاقتصاد الحر، أيضاً هناك التضخم الذي يفتك بالقوة الشرائية للنقود من جراء تهافت الشركات القذرة على الشراء أثناء تكوينها وبعده) قانون التجارة، قانون الشركات.

ستتناول الدراسة الجريمة الاقتصادية economic crime من الوجهة الموضوعية حيث تعرج على مدلولها والركن المادي والركن المعنوي فيها، ومن ثم الجزاء المفروض عليها.

ثالثاً: الطبيعة المهنية لجرائم رجال الأعمال:

وما توصَف هذه الجرائم بجرائم الأعمال إلا لأنها تمثل انتهاكا من قبل مهنيين أوجبت النصوص والقوانين والتشريعات والأعراف التجارية بين المهنيين وما يربطهم من مواثيق شرف تحكم نشاطهم التجارى أوجبت احترام واجب الأمانة فى إبرام الصفقات التجارية وفى تنفيذها

فتلك الصفات هى القاسم المشترك بين جميع الجرائم التى تدخل في إطار جرائم رجال الأعمال، فعلى سبيل المثال مدير الشركة الذي يساهم بقراراته الخاطئة فى إفقار الذمة الماليةللشركة وكذلك المدير الذي يتلاعب بسوق الأوراق المالية لتحقيق أرباح طائلة غيرمشروعة كما الذي يتلاعب بدفاتره التجارية بنية التهرب من الضرائب المستحقة للدولة عن نشاطه أو بالسماسرة والوسطاء، وإبرام بيوع تعسفية مع المستهلكين، ومنيتدخل بأسماء مستعارة لتهيئة عمليات النصب والغش كل ذلك من الجرائم المالية والتجارية لبعض رجال الأعمال

فالأصل أن المدير ما هو إلا وكيل عن بقية الشركاء وأنه تلقى عنهم مهمة إدارة الشركة فيما فيه المصلحة العامة لبقية الشركاء، وحيث أنه لم يكن أمينا حيال ما يقع عليه من التزامات وأنه قد انتهك الوكالة الملقاة علية باختلاسه أموال الشركة فإن يرتكب عندئذ جريمة خيانة الأمانة.

رابعاً: معايير تصنيف جرائم رجال الأعمال:

هناكحقيقة يجب التأكيد عليها وهي أن الانحراف والتعسف فى إدارة أموال وائتمان الشركاتلا يمثل الشكل الوحيد لانحراف رجال الأعمال أو ما يسمى إجرام رجال الأعمالفالتجاوزاتالمرتكبة فى هذا المجال يمكن تقسيمها إلى قسمين:

القسم الأول يتعلقبالعلاقات القانونية خارج أو حول المشروع التجارى أو الشركة

الفسم الثانىيتعلق بالعلاقات القانونية داخل الشركة

فبالنسبةللقسم الأول: تندرج تحته طائفة من الجرائم منها تلك الجرائم التى تمثل اعتداء على مصالح متشعبة منها على سبيل المثال: ما يمثل اعتداء على مصالح الشركاء الاقتصاديين للمشروع كجرائم الإفلاس والمنافسين، وجرائمالمضاربة على الأسعار، وجرائم المنافسة غير المشروعة، والممارسات الماسة بحرية المنافسة، والاتفاقات غير المشروعة، واستغلال المركز الاحتكارى فى السوق، والاستغلالالاقتصادي، كما الجرائم الخاصة بالدعاية الكاذبة أو الخادعة، والبيوع التعسفية،

أما بالنسبة للقسم الثاني فتندرج تحته طائفة من الجرائم  منها تلك الأفعال التى تمثل اعتداء على مصالح القوى القائمة داخل المشروع وهم العمال كتلك المتعلقة بالحقوق  العمالية للعمال من مثل تأخير رواتبهم أو بخسهم حقوقهم أو تكليفهم بما لا يتناسب مع أجورهم أو يشق عليهم أو فصلهم تعسفيا وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ):أعط الأجير أجره قبل أن يجف عرقه ) وما يتعلق بتنظيمالعمل ذاته والمساهمين أو الشركاء داخل المشروع من أصحاب رأس المال كالجرائم الواقعة حال تأسيس الشركة مثل الإعلانات الكاذبة عند تجميع رأس المال،  وما يتعلق بالتدليس فى تقدير الحصص العينية ، أو إصدار وتداول أسهم شركات مخالِفة للقانون ، أو تقديم ونشر ميزانية غير حقيقية كما توزيع أرباح صورية .

الباب الثاني:

أمثلة لجرائم رجال الأعمال:

إن الأمثلة على جرائم ومخالفات وتجاوزات رجال الأعمال كثيرة، غير أننا لا نستهدف بهذا العمل البحثي إجراء توصيف لكل هذه الجرائم أو التجاوزات الممكنة فى حياة رجال الأعمال وفى حياة المشروع التجارى، بل إننا نستهدف استجلاء طائفة معينة من هذه الأفعال، تلك الطائفة التي تشغل بال المهتمين والحريصين على توافر الثقة والاستقرار الاقتصادي على نحو ما سيرد بيانه.

وعلى أي حال فإن الجرائم الاقتصادية قد بلغت اليوم من الخطورة مبلغا يستدعي أن يكون تشريعات خاصة ومحاكم خاصة لما لها من خطورة تفوق غيرها من الجرائم الأخرى.

وهناك جانب معين من جرائم رجال الأعمال شائع وذائع في هذا العصر هو استخدام الرشوة بصورها المختلفة للحصول على امتيازات وعقود لدى بعض الجهات أو الهيئات. إذ قلما ـــ على حد اعتقادهم ـــ تمضي هذه الأعمال الضخمة أو توقع هذه العقود الثمينة بغير نوع من الانحراف والرشوة بل بلغ الأمر برجال الأعمال أحيانا أن أصبحوا يقولون إنهم إذا لم يلجأوا إلى هذه الوسائل فإنهم لن ينجحوا في أي منافسة.  

الباب الثالث: الجرائم الخطيرة:

النوع الأول: جرائم المال العام:

يُعَد الاعتداء على المال العام من أخطر الجرائم التي يرتكبها رجال الأعمال نظراً لمساسها بحقوق كل مواطن في الدولة، وهي جريمة تنم عن غياب روح المواطنة حيث ينتج عنها خسائر تتحملها الدولة كنتيجة لجرائم الغش والتهرب الضريبي.

أسباب ارتكاب بعض رجال الأعمال للجرائم المالية:

1. اختلال الثقة والرغبة في إشباع الطموحات والمصالح الشخصية.

2. غياب الحافز الأخلاقي.

3. ضعف العقوبات الرادعة.

4. عدم القدرة على المنافسة الشريفة والابتكار يؤدي إلى استعجال الثروة وعدم تحري المشروعية.

ومن أمثلة ما يرتكبه رجال الأعمال من أخطاء جسيمة بشأن المال العام:

أولاً: غسيل الأموال:

تعريف:

غسيل الأموال عملية تستهدف إضفاء الشرعية على أموال تم الحصول عليها من مصدر غير مشروع أي أن تكون هناك جريمة سابقة نتجت عنها عائدات أموال ويعمد رجل الأعمال إلى إضفاء الشرعية على تلك الأموال بصرفها وتوظيفها في مجالات تبدو وكأنها مشروعة؛

ويرجع سبب تحريم غسيل الأموال إلى أنه يُلحق الضرر بالاقتصاد الوطني بسبب وجود اقتصاد خفي غير ظاهر، ُويُسبب كذلك عدم استقرار الاقتصاد نتيجة لسرعة انتقال الأموال كما يؤدي إلى التوزيع الغير عادل للثروة ويقضي على روح المنافسة.

المراحل التي تمر بها عملية غسيل الأموال:

المرحلة الأولى:

ويطلق عليهامرحلة التنظيف، حيث يتم استثمار الأموال العائدة من تجارة المخدرات بصورة إيداعات أومشتريات أوليه مبدئية عن طريق بعض الأساليب الشائعة بين مهربي المخدرات مثل القيامبإيداعات بنكيه في أحد البنوك أو شراء ضمانات بنكيه ووحدات نقدية وتحويلها إلى نقدفي مكان آخر، أو شراء مسكوكات القمار الرمزية وصرفها بعد حين كأرباح أو شراءمجوهرات، سيارات، عقارات أو أي كماليات ثمينة وبيعها فيما بعد، أو القيام بشراء مؤسسهمالية أو تجاريه واستعمالها كقناة للسيولة النقدية.

المرحلة الثانية:

حيث يتم في هذه المرحلة تجزئة الأموال من خلال تحويلات الكترونيه متعددة محليه وعالميه، أو عن طريق إساءة استعمال نظام التحويل الأوتوماتيكي بإجراء تحويل أو تحريك الأموال من حساب إلى آخر، أو ربح الحسابات أما لاستعمالها في وقت لاحق أو تحويلها لحسابات أجنبية.

المرحلة الثالثة

وهي مرحلة الدمج حيث تختفي الأموال في حسابات أجنبية وواجهات أعمال شرعيه أو تحت ستار عمل تجاري صوري وتبدو وكأنها تحصلت من أعمال تجاريه مشروعه.

ولخطورة جرائم غسيل الأموال ومردودها السلبي على اقتصاد الدولة وانعكاس ذلك على الاقتصاد الدولي فقد انعقدت اتفاقيات دولية عديدة بغية التصدي لتلك الجرائم، هذه الاتفاقيات إن تم تطبيق والالتزام ببنودها فمن شأن ذلك الحد من استشراء جرائم غسيل الأموال.

وتجدر الإشارة إلى أن من أسباب استشراء ظاهرة غسيل الأموال هو تنامي الاستثمار الأجنبي المباشر، وحرية حركة الأموال بين كافة الدول المتقدمة والنامية،وظاهرة التوسع في المضاربات المالية من خلال البورصات، ليجعل عملية غسيل الأموالتنمو وتتكاثر، ويجعل الكثير من البنوك تتسابق لتأخذ من هذه الظاهرة القذرة ما أمكنبالمراوغات والمخادعات، والالتفاف على القوانين أو أية إجراءات إدارية، وغالباً ماتتستر هذه العمليات وراء أسماء كبيرة لشركات أو مستثمرين. ورجال أعمال، وكثيراً ما تتم مثل هذهالعمليات في إندونيسيا وماليزيا وغيرهما من البلدان.   

ثانياً: الرشوة:

الرشوة، هي دفع المال في مقابل قضاء مصلحة يجب على المسؤول عنها قضاؤها بدونهويشتد التحريم إن كان الغرض من دفع هذا المال إبطال حق أو إحقاق باطل أو ظلما لأحد.

إندفع رشوة معينة ليس عملا أخلاقيا ولا يمكن التساهل نحوه باعتبار ذلك قد يمثل هدما بطيئا لاقتصاد الدولة ذاتها لما فيه من مساس بأسس التنافسالتجارى، وإذا فشت الرشوة في مجتمع من المجتمعات فلا شك أنه مجتمع فاسد، محكوم عليه بالعواقب الوخيمة، وبالهلاك المحقق.

لقد تحمّل الإنسان الأمانة التي عرضت على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها، والواجب على هذا الإنسان أن يؤدي الأمانة على الوجه الأكمل المطلوب منه لينال بذلك رضا الله تعالى وإصلاح المجتمع، أما إذا ضُيِّعت الأمانة ففي ذلك فساد المجتمع واختلال نظامه وتفكك عراه وأواصره.

وإن من حماية الله تعالى لهذه الأمانة أن حرم على عباده كل ما يكون سببًا لضياعها أو نقصها؛ فحرم الله الرشوة وهي: بذل المال للتوصل به إلى باطل، إما بإعطاء الباذل ما ليس من حقه، أو بإعفائه من حق واجب عليه، يقول الله تعالى: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقًا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون} وعدها العلماء من كبائر الذنوب لما ورد في الحديث الذي رواه أبو داوود عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال 🙁 لعن الله الراشي والمرتشي) والرشوة قد تكون صريحة واضحة وقد تكون على سبيل الهدية والتسهيلات والمعاوضات وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه بعث رجلاً ليجمع الزكاة فلما جاء قال هذا لكم وهذا أهدي إلي فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( هلا جلست في بيت أبيك وأمك إن كنت صادقا ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( هدايا العمال غلول )أي الموظفين.

من آثار الرشوة وأضرارها:

إن لجريمة الرشوة آثارًا خطيرة وعواقب وخيمة على الفرد والمجتمع، ويمكن أن نجمل بعضها فيما يلي:

1) توسيد الأمر لغير أهله:

إن الإنسان حين يدفع رشوة للحصول على وظيفة معينة لا تتوافر فيه مقوماتها وشروطها فهو ليس أهلاً لهذه الوظيفة، مما يترتب عليه قصور في العمل والإنتاج، وإهدار للموارد.

2) تدمير المبادئ والأخلاق الكريمة:

إن انتشار ظاهرة الرشوة في مجتمع من المجتمعات يعني تدمير أخلاق أبناء هذا المجتمع وفقدان الثقة بين أبنائه، وانتشار الأخلاقيات السيئة كالتسيب واللامبالاة، وفقدان الشعور بالولاء والانتماء، وسيطرة روح الإحباط.

3) إهدار الأموال وتعريض الأنفس للخطر:

فلو تخيلت أن الرشوة قد سادت في مجتمع ما حتى وصلت إلى قطاع الصحة وإنتاج الدواء، فكيف ستكون أحوال الناس الصحية حين يستعملون أدوية رديئة أُجيز استعمالها عن طريق الرشوة؟

ثم تخيل أنك تسير على جسر من الجسور التي بها عيوب جسيمة تجعل منها خطرًا على أرواح الناس وممتلكاتهم، وقد حصل المقاول على شهادات إتمام العمل والبناء عن طريق الرشوة، كم سيترتب على انهيار هذا الجسر من خسائر في الأرواح والأموال؟

وقِس على ذلك جميع المجالات؛ لهذا كانت الرشوة إهدارًا للأموال وتعريضًا للأنفس للخطر.

ثالثاً: النصب والاحتيال:

لقد تبوأت جرائم النصب والاحتيال موقعاً متقدماً في مصاف الجرائم الخطيرة، والتي يعاني منها المجتمع الآمن على نفسه، وماله، ومقدراته ، وتزداد تلك الخطورة وتبعث على القلق إذا ما ارتكبها رجل من رجال الأعمال حين يحاول الاستيلاء على شي مملوك لغيره بطريقة احتيالية بقصد تملك ذلك الشيء، أو الاستيلاء على مال الغير بطريق الحيلة بنية تملكه ، والشخص الذي يمارس ذلك يسمى النصاب، أو الدجال، أو المحتال ، وتظهر جليّة تلك الجريمة من خلال الأفعال غير الشرعية التي يأتيها رجل الأعمال حال هيمنته أو إدارته لمنشأة تجارية ، وتتعدد تلك الأفعال المكونة لجريمة النصب من خلال تلاعبه بأوراق وميزانية الشركة أو المؤسسة ، وسيظهر ذلك جليّاً حال الحديث عن الجرائم المرتبطة بالشركات . ورجل الأعمال الذي يرتكب تلك المخالفات يمكن أن يُسمّى بالمُحتال ، فالمحتال على أموال الغير ينصب فخه بالمظاهر المزيفة ،والألفاظ العذبة الخادعة، ليقع في شِراكه البسطاء ،والسذّج، وربما الأشخاص العاديون،

ولجريمة النصب أو الاحتيال آثار سلبية تؤدي إلى إزهاقٍ للجانب الاقتصادي من خلال ما يلي :

1. انخفاض قيمة العملة الوطنية.

2. انتشار البطالة، والفقر

3. جذب الاستثمارات الأجنبية، لعدم الثقة بالاستثمارات الداخلية.

4. عرقلة النمو الاقتصادي، من خلال الاستيلاء على السيولة النقدية

5. عدم استقرار المناخ الاقتصادي للدولة، وكثرة تكاليف الضمان، والتأمين فيها

6. تشويه التعامل التجاري في العلاقات الاقتصادية.

7. تحجيم النشاط التجاري، ووضع القيود المعقدة عليه، حتى على الأسوياء.

رابعاً: جرائم النفوذ وذلك حين يكون رجل الأعمال قريباً من السلطة الفاسدة فيطوع القوانين لمصلحته ويستأثر بالمشروعات التنموية والسلع الاحتكارية وقد رأينا ذلك جليا في بعض الدول التي سقطت بما يسمى الربيع العربي فسقط منها مجموعات من رجال الأعمال الذين كانوا يحصلون على الكعكة ولا يتركون لغيرهم سوى الفتات هذا إن تركوه وهؤلاء في الغالب لا رقابة عليهم وهم يضربون بسوط السلطة ويصيحون بصوتها ويعيثون في الأرض الفساد.

خامساً: الاحتكار: وله معنيان الأول تفرد التاجر بسلعة معنية لا يبيعها سواه فيكون الناس مرتهنين لديه ويتحكم في السعر لعدم وجود المنافس وهذه الجريمة في الغالب تتحمل السلطة العبء الأكبر منها. الثاني حبس السلع وتخزينها والانتظار حتى يرتفع ثمنها ويشتد إقبال الناس عليها لإخراجها إلى السوق وقد روى مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يحتكر إلا خاطيء ) أي عاصِ آثم . ومن أسالبيه السعي إلى إخراج صغار المنافسين والتفرد بالسوق ومن المعلوم أن التفرد وسيلة ناجحة للاحتكار إذ لا يتمكن التاجر من الاحتكار مع وجود منافسة حادة والتنسيق مع تجار آخرين لاحتكار السوق ويشمل هذا كل ما يحتاجه الناس من غذاء ودواء وسكن ومركب ونحوها .

سادساً: النجش وهو المزايدة على السلعة ممن لا يريد شراءها وإنما يفعل ذلك بالتواطؤ مع البائع لرفع سعرها وهذا يحصل في بيع العقارات والمزادات في المعدات وغيرها وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النجش لما ورد في الصحيحين وقال أيضا ( لا تناجشوا ) ومن معانيه في اللغة إثارة الطائر ليقع في الفخ فكأنهم يطيرون بالمشتري حتى يقع في فخهم ويشتري السلعة بما يزيد عن سعرها في الواقع ويلحق به البيع الصوري ومن أمثلة اتفاق بعض رجال الأعمال على شراء بعضهم من بعض أسهم شركة معينة بسعر معين شراء صوريا ورفع سعر الأسهم ليوهموا الناس بالدخول فيها وغير ذلك من الصور  

الباب الرابع:

جرائم رجال الأعمال المتعلقة بالشركات:

    يدخل في هذا النطاق الشركات الوهمية التي تخدع المدخرين والمساهمين وجرائم الإعلان المزيف وغش المنتجات والمستهلكات والتهرب من الضرائب والحصول على العقود بطرق احتيالية وغير مشروعة، ومنها: تلك المتعلقة بالتأسيس، المخالفات المتعلقة بالإدارة، المخالفات المتعلقة بالقيم المنقولة التي تصدرها الشركة

وننتقل للحديث عن أمثلة من تلك المخالفات والجرائم:

أولاً: اختلاس وتبديد أموال الشركة:

    إن إساءة رجل الأعمال استغلال وإدارة ما تحت يده من أموال هو شكل من أشكال خيانة الأمانة يتوائم مع طبيعة ونمط حياة الشركة ومنها التصرفات التى تقرر السحب من خزانة الشركة لصالح الدائنين الشخصيين للمدير ذاته أو لصالح أحد أفراد أسرته أولصالح شركة أخرى. ومن ذلك أيضا التصرفات التى تهدف إلى تحميل الشركة نفقات شخصيةللمدير أو تقرير مكافأة شخصية له أو تقديم ما يثبت تعهد الشركةبضمان التزامات لشخص رجل الأعمال أو أحد أقاربه أو أصدقائه وفي ذلك تبديد لأموال الشركة.

   إن بعض مدراء الشركات لا يفرقون بين أموالهم الشخصية وأموال الشركة ذاتها فيتصرفون وكأن أموال الشركة هي ملك لهمفيوجهونها لأغراضٍ شخصية دون اعتبار لأصحاب الحقوق من المساهمين أو المستثمرين أو الشركاء أو المتعاملين مع الشركة، كما تعدجرائم الغش التجارى من الجرائم التجارية الاقتصادية ذات الخطر على سلامة وحياة المستهلك

ثانياً: التدليس في تقدير الحصص العينية:

يجوز أن تكون حصة الشريك نقدية أو عينية. وإذا ما كان ما قدمه الشريك حصة عينية، وجب أن تُقَدَّر بمعرفة أهل الخبرة من أصحاب المهن المنظمة بقانون وذلك بحسب طبيعة كل حصة. ويتضمن تقرير أهل الخبرة فى هذا الشأن وصفاً دقيقياً للحصة العينية، وما عساه يلحق بها من ضمانات أو يرد عليها من قيود أو حقوق للغير وأسس حساب قيمتها، وبيان هذه القيمة بحسب ما يجرى فى التعامل بشأنها. وجدير بالذكر أنه “على الخبير مراعاة ملكية الشريك للحصة المقدمة منه وأنه لم يتصرف فيها قبل دخوله الشركة حيث تعد الحصة غير موجودة فى مثل هذه الحالات وكذلك الشأن إذا كانت محملة برهون تفوق قيمتها.

ويكون مقدم الحصة العينية مسئولاً قبل الغير عن قيمتها المقدرة لها فى عقد الشركة. فإذا ثبت وجود زيادة فى هذا التقدير وجب أن يؤدى الفرق نقداً إلى الشركة، وجدير بالذكر أن العبرة فى تقدير الحصة العينية المبالغ فيها بوقت تقويمها دون أثر لما يطرأ عليها من إرتفاع أو إنخفاض… وتظل مسئولية الشريك منعقدة عن الفرق فى قيمة الحصة ولو كان تنازل عنها للغير أو لأحد الشركاء.

ثالثاً: الدعاية الكاذبة:

يومياً تمر علينا مشاهد كثيرة في الغش المحترف لأنواع الأساليب في التسويق، فنراها حتى في وسائل الإعلام المختلفة تخرج بصور توحي للمتلقي أنها ذات مصداقية ومسندة إلى أسس علمية ونظامية. فيما هي مجرد «فبركات» للكلمات وادعاءات كاذبة تؤدي بدورها إلى غش المتلقي، والذي دائماً هو الضحية. فالادعاء بأن منتجا ما به خصائص معينة أو لا يسبب ما يخشاه المستخدم، يجب أن يستند إلى إثبات علمي رسمي مُستند على معايير متعارف عليها، بما فيها الدعاية والتسويق. وتلك المعايير يجب أن تكون معتمدة من جهات رسمية تشرف على تطبيقها مثلما هو في مهن كثيرة مثل المحاسبة والهندسة وغيرها. إلا أن الواقع المؤسف في كثير من الأسواق غير ذلك، ومن أمثلة بعض تلك الادعاءات الكاذبة أو المبالغ فيها أن يقول الإعلان أو الكتالوج أو النشرة الموجودة داخل العلبة أو عليها، إن المنتج كذا يُنمي الشعر أو يُوقف تساقطه أو يُساعد على نمو الشعر وتنشيط البصيلات أو أن يقول الادعاء الكاذب (خال من….)، ولم يقل لا يسبب… إلى آخر تلك الادعاءات بدون إثبات علمي موثق ومعتمد من الجهات الرسمية في البلد الذي تبث فيه تلك الدعاية. لكم أن تتخيلوا أن تخرج دعاية نوع من السجائر وتقول (خال من السرطان) هل نعتبرها مقبولة وقانونية لأنها لم تقل لا يسبب السرطان؟! مثال آخر، أن يكتب «تم اختباره في مختبرات عالمية وأثبت نجاحه وفاعليته»، ولم يكتب من هي تلك المختبرات للتحقق من مصداقيتها واعتمادها. حتى إنه يخرج في بعض الدعايات أو الإعلانات شخص يلبس بالطو أبيض مكتوباً عليه اسم الدكتور… أو المهندس… ويتحدث عن المنتج والنتائج المبهرة له بينما هذا الشخص لا يتعدى كونه أحد الممثلين في «كليبات» الدعاية.

ومثال آخر أن يكتب على العبوة «عبوة 20 كيلوغراما أو لترا»، بينما لم يكتب الوزن أو المكيال الصافي لمحتويات العبوة مما يعني أن العبوة تتحمل أن يوضع بها المدعى به ولا تعني أن المحتويات مطابقة لما أدعي به. إلى ذلك من الاحترافات اللغوية في التلاعب بالكلمات والنصوص، التي وللأسف يشترك فيها بعض مستشاريهم لكي يبعدوهم عن الملاحقات القانونية. ومن ذلك أن إحدى وكالات السيارات أرسلت رسائل نصية لعشرات الآلاف بهذا اللفظ ( لقد حالفك الحظ وفزت معنا بمبلغ يصل إلى أربعة آلاف ريال راجع أقرب فرع إليك ) وكل من جاءهم قالوا إن هذا مشروط بشراء سيارة ولما رفعت الدعوى عليهم أجابوا بأن جملة ( يصل إلى أربعة آلاف ريال ) يشمل مدلولها ( من ريال إلى أربعة آلاف ريال ) الحل يبقى في إيجاد معايير للدعاية ونظم مسؤولية المصنع ومحاسبة الكاذب والمبالغ لأنه غشاش ومدلس ، وعلى رجال الأعمال الابتعاد عن تلك التصرفات التي تؤدي إلى اختلال الثقة وزعزعة أُسُس الاقتصاد الذي يهم كل مواطن وفرد في المجتمع .

رابعاً: إشهار الإفلاس الصوري:

الأصل أن التوقف عن سداد الديون كما الوفاء بمستحقات الآخرين هو الذي ينبئ عن مركز مالى مضطرب وضائقة مستحكمة يتزعزع معها ائتمان رجل الأعمال وتتعرض بها حقوق دائنيه لخطر محقق او كبير الاحتمال ولئن كان امتناعه عن الدفع دون أن تكون لديه أسباب مشروعة يعتبر قرينة فى غير مصلحته الا انه قد لا يعتبر توقفا على الدفع وقد يكون لمنازعته في الدين من حيث صحته او مقداره او حلول أجل استحقاقه او انقضائه لسبب من اسباب الانقضاء وقد يكون لمجرد مماطلته أو عناده مع قدرته على الدفع.

خامساً: المنافسة غير المشروعة:

تعد المنافسة روح التجارة بل هي محك الحريات الاقتصادية للأفراد والجماعات لأنها كما تكون بين التجار والمنتجين في ميدان التجارة والصناعة وميادين الاستغلال الأخرى من زراعة وغير ذلك فقد تكون أيضا بين الشعوب والأمم.  فهي من ناحية تعتبر طبيعية لما تخلقه من أساليب تؤدي إلى التقدم الاقتصادي ووفرة الإنتاج وتنوعه، ومن ناحية أخرى ضرورية لتقدم الإنتاج في ميادينه المختلفة ولنمو التجارة الداخلية والخارجية وإن مبدأ حرية المنافسة يخول لكل رجل أعمال الحق في استعمال كل الوسائل التي يراها مناسبة لاستقطاب الزبائن. وذلك ببحثه المتواصل لإيجاد أحسن الطرق لتحسين منتجاته. ولا يخفى على أحد ما لهذه المنافسة من آثار حسنة تتجلى في تقدم التجارة وازدهارها، وفي تعميم الرخاء وتحسين الإنتاج، لأنها تقوم على الأخلاق والشرف والاستقامة والخلق والإبداع.

إلا أن المنافسة كعمل مشروع ، قد تتعدى حدودها الطبيعية لتتحول إلى عمل غير مشروع نتيجة لجوء البعض إلى وسائل تتنافى وأعراف وعادات التجارة ، وتنافي الشرف المهني ، وتلك الأعمال غير المشروعة هي التي تتحقق باستخدام التاجر لوسائل منافية للعادات والأعراف والقوانين التجارية والمضرة بمصالح المنافسين والتي من شأنها التشويش على السمعة التجارية وإثارة الشك حول جودة منتجاته لنزع الثقة من منشآته أو وضع بيانات غير صحيحة على السلع بهدف تضليل الجمهور ، كما تتجسّد تلك المخالفات والجرائم من خلال ما يقوم به رجل الأعمال من الادعاءات المخالفة للحقيقة في مزاولة التجارة والتي من طبيعتها نزع الثقة عن منشأة أحد المنافسين أو منتجاته أو نشاطه الصناعي أو التجاري.البيانات أو الادعاءات التي يكون استعمالها في التجارة من شأنه تضليل الجمهور بالنسبة لطبيعة السلع أو طريقة تصنيعها أو خصائصها أو صلاحيتها للاستعمال أو كميتها .

سادساً: البيوع التعسفية:

تتحقق تلك البيوع غير الشرعية بإساءة رجل الأعمال استغلال حالة تبعية اقتصادية معينة يوجد فيها زبون أو ممول وليس لديه من خيار آخر، لكن تحقق هذه التبعية الاقتصادية يتوقف على مقدار الحصة التي تستحوذ عليها المقاولة أو المجموعة داخل السوق، وما إذا كان بالإمكان الحصول على الخدمة أو السلعة من مصدر آخر،وكذلك طبيعة التبعية الاقتصادية لعلاقة الموزع بالمورد وعلاقة المورد بالموزع .وهناك تمييز بين نماذج أساسية للتبعية الاقتصادية ومنها: التبعية بسبب الملائمة : ويتعلق الأمر بمنتجات تحمل علامة مميزة أكسبتها شهرة يستحيل استبدالها بمنتجات أخرى، وهذا ما يؤدي إلى حالة التبعية التي يوجد فيها التاجر الموزع لهذه المنتجات التبعية بسبب قلة المنتوجات : وذلك في حالة وجود أزمة إنتاج أو توريد فالمقاولة التي لا تعد عضوا في المجموعة المحتكرة لهذه المواد تعتبر تابعة اقتصاديا. التبعية الناتجة عن علاقات أعمال: تفترض هذه الحالة ارتباط مقاولة بأخرى أو مجموعة من المقاولات بواسطة عقود طويلة الأمد أو استثمارات، لكن قطع هذه الروابط يؤدي إلى صعوبة إرجاع أنشطة المقاولة إلى حالتها الأولى قبل إبرام العقود التبعية الناتجة عن القوة الشرائية: كحالة المورد الذي يكون في علاقة يفرض فيها عليه الطرف الآخر شروطه مثلا كموزع المنتجات الرياضية الذي لا يستطيع ممارسة نشاطه دون أن يقترح على زبنائه منتجات ذات علامة متميزة وذات جودة.

سابعاً: إثبات بيانات كاذبة: كأن يذكر الشركاء وقت التقديم للشركة في السجل التجاري أن حصص الشركاء قد تم دفعها بالكامل في الوقت الذي لم يسددوها كاملة. أو يذكر المؤسسون نفقات كاذبة في تكاليف تأسيس الشركة. أو يعلن في نشرات الاكتتاب عن ضمانات وهمية لرد أموال المساهمين لزرع الاطمئنان في نفوسهم.

ثامناً: توزيع الأرباح الصورية:

      يتمثل ذلك في قيام الشركة بالإعلان عن تحقق أرباح أو نمو في الأرباح أو الاستقرار على نقطة التساوي بين الارباح والخسائر مما يعطي الانطباع بسير الشركة في طريق النجاح والنمو الذي سينعكس إيجابياً على مساهميها وعلى العاملين فيها بلا شك، ويدل على نجاح قيادتها وحسن التصرف لدى مسؤوليها فيما يعود على الشركة والمساهمين بالنفع وإضافة لبنات أكثر في بناء الاقتصاد الوطني، وحالات النجاح لا حصر لها ولله الحمد. ولكن يحدث أن تعلن الشركة عن أرباح وجودها فقط على الورق وتقوم أيضاً بتوزيعها، وهو ما يسمى قانوناُ بالأرباح الصورية: فالإجراءات تبدو مستوفية للشروط النظامية ولكنها مقتطعة من رأسمال الشركة أو موزعة بغير جبر للخسائر السابقة، في حين أن الأرباح الحقيقية: مستوفية لإجراءات الإصدار النظامي ولكنها غير مقتطعة من رأس المال وتم توزيعها بعد جبر الخسائر. والأرباح عموماً صورية أم حقيقية هي توزيعات نقدية أو عينيه يوصي بها مجلس إدارة الشركة وتقررها جميعة المساهمين العادية، وتشكل نسبة من القيمة الاسمية لرأس المال. وتحسب الأرباح على أساس نسبة مئوية معينة من القيمة الاسمية للسهم، وليست من أية قيمة أخرى (سواء قيمة حقيقية أو قيمة إصدار أو قيمة تجارية).

ويحدث من جراء ما تقدم أن يتلاعب رجل الأعمال الذي يدير هذه الشركة بمقدراتها ورؤوس أموالها وأن يخالف أهداف الشركة ناحياً جهة أهدافه الخاصة ومصالحه الذاتية، أو رغبة منه في زيادة دخل الشركة وأرباحها بطريقة غير شرعية أو غير نظامية

   والجدير بالذكر أن من الأمور التي تُصَعِّب الرقابة والتصدي للانحرافات المالية لرجال الأعمال ما يقومون به من التعقيدات المالية والأسلوب المالى الملتوى الذي يتبعه المشروع التجارى أو الشركة عند مباشرة نشاطه، ومن قبيل ذلك قيام الشركة بشراء أسهم أو حصص شركة أخرى ثم بيعها إلىشركة ثالثه والقيام بعمليات الاندماج والتخارج أو إنشاء شركات وليدة يكون هدفها امتصاص الأرباح التى تحققها الشركة الأم.

ومن قبيل ذلك أيضا القيام بالعمليات المالية خارج إقليم الدولة وفى مناطق تمنحمزايا كبيرة لتأسيس الشركات ومزاولة أنشطتها مع رقابة ضعيفة واهية.

الباب الخامس: جرائم الشيكات:

    إذا ارتكب الشخص العادي من سواد الناس جريمة إصدار شيك لا يقابله رصيد قائم وقابل للسحب فربما التمسنا له شيئاً من الأعذار ــــ مع عدم جوازيتها ـــــ بأنه لا يعلم خطورة تلك الفِعلة النكراء، أو أن ظروفه المادية خانته فلم يعُد قادراًعلى توفير الرصيد لدى المسحوب عليه، وأياً ما كان أمره فتلك مصيبة، أمّا إذا كان هذا الفعل وتلك المخالفة قد جاءت من رجل الأعمال صاحب النفوذ المالي والمكانة الاجتماعية الراقية وصاحب التأثير في الاقتصاد فالمصيبة أعظم؛

لقد أصبح مخالفة أحكام الشيك تشكل خطراً محدقاً على حرية الأشخاص وعلى الاقتصاد الوطني حيث إن غالبية المتعاملين أخرجوه عن وظيفته الأساسية المخصص لها وهي أنه أداة وفاء وليست أداة ائتمان. وفى هذا الإطار تدخلت الحكومات بسن أنظمة وقوانين من شأنها تجريم عددً من الأفعال نجملها فيما يلي: –

1-سحب شيك مع عدم كفاية رصيده أو انتفاء الرصيد كليّةً.

2-إصدار شيك ثم إعطاء المسحوب عليه أمراً بعدم الصرف.

3-التحايل على ضمانات الشيك باعتباره أداة وفاء تقوم مقام النقود.

4-إصدار شيك دون تعييين تاريخ ومكان إصداره أو تاريخ غير حقيقي.

5-قبول أو تظهير شيك على سبيل الضمان

الباب السادس: أهمية الردع:

المعلوم أن في هذا المجال – مجال الأعمال – يتمتع القائمون على هذا الحقل بالسلطةوالنفوذ الذى يؤهل البعض منهم إلى الانحراف … لذا لزم التدخل بقوة لوضع الحدودوالقيود اللازمة لكبح جماح هذا النفوذ والانحراف ، وبات لزاماً التدخل لممارسة سياسة الردع والعقاب ضد الاستعمال السيئ أو المنحرف للأموال والمشروعات والشركات التجارية ، ومن هنا كان لابد من سرعة تحرك السلطات التشريعية والقضائية لمواجهة الانحرافات المالية إيمانا منها بالدور الهام الذى تسهم به الشركاتويلعبه رجل الأعمال فى بناء المجتمع ورسم إطار الاقتصاد ،

وإيمانا بضرورة توفير المناخ الملائم لتلك المنشآت لأداء دورها الاقتصادى المنشود. لذا كان حرص المسؤولين على اللجوء للردع حال الانحراف بإدارة الشركات مع ضرورة زيادة سلطة المساهمين وأحقيتهم في المشاركة الفعلية في توجيه وإدارة الشركة والاطلاع الدائم على مجريات الأمور داخلها ليكون لهم سلطة الرقابة على كل ما يفعله أو ينوي فعله رجل الأعمال القائم على إدارتها.

الباب السابع: حتمية التدخل الرادع والهدف منه:

قد يصدق وصف الوباء على انتشار جرائم رجال الأعمال. والواقع أن وباء تلك الجريمة قد انتشر انتشارا سريعاً في العصر الحديث وتلونت ملامحه أكثر من أي وقت مضى وتضاعف أعداد المجني عليهم حتى أصبحوا يزيدون عن ضحايا أوبئة أخرى ، وهو ما يعرّض المجتمع كله كيانه وسعادته ومصيره للخطر والتدهور بحسبان أن الاستقرار المالي والاطمئنان على المستقبل ، فالحفاظ على الأموال والثروات هو من دعائم السعادة والاطمئنان لدى البشر ، فيجب حماية المساهمين من عسف الانحراف بالسلطة من قبل القائمين على الإدارة من خلال ردع الإساءة في إدارة أموال وائتمان الشركة كما الحد من عدم توازن السلطة داخل الشركات ،

أيا ما كان الأمر فإن التدخل الجنائى فى محيط الشركات التجارية أصبح ضرورة مُلِحّة، ولنا أن نقرر بأن هذا التدخل إنما تبرره ثلاثة أمور:

1ــ الحاجة لإعادة التوازن بين السلطات داخل الشركة:

إن تنظيم إدارةالشركات يجب أن يتصف بالطابع الديمقراطى الذي يظهر فيه المساهمين وكأن لهم اليد العليا داخل الشركة. فمن خلال تجمعهم فى إطار الجمعيةالعمومية فإن لهم حق اتخاذ القرارات الهامة فى حياة الشركة، ومنها تعيين وعزلالقائمين على الإدارة ورقابة الأداء والتصديق والأذن ببعض التصرفات بحيث لا ينفرد المدير أو رجل الأعمال باتخاذ كافة القرارات أو التصديق بمفردة على كافة التصرفات أو التعاقدات.

2ــ حماية المصلحة العامة ضد احتمالات الانحراف من قبل القائمين على الإدارة:

وهو حماية المصلحة العامة أو بمعنى أخر الادخار العام فى الدولة أو المجتمع والادخار العام ينصرف إلى الأشخاص الذين أصبحوا من حملة الأسهم أو السندات وذلك بتوفير عدة عناصر أولها عنصر نفسي جماعى نحو الاستهلاك الحذر أو الإنفاق المحسوب مما يؤدى فى النهاية إلى تراكم فى رأس المال من قبل الأفراد،

وثانيها أن يتوافر عنصر إيجابى يتمثل فى أن يجد المدخرينبعض المصالح أو الأهداف التى ينون تحقيقها عن طريق الاستثمار بمدخراتهم لدى الغير،

والعنصر الثالث والأخير هو أن يتوافر عنصر الثقة والأمان خاصة على الجانب القانوني الذي يحمي مصالحهم المالية.

3ــ حماية روح المبادأة اللازمة لنجاح الإدارة داخل الشركة:

حينما يتدخل المشرع الجنائى فى مجال الشركات فإن عليه أن يأخذ فى اعتباره أمرين هامين أولهما أن يضمن مناخا من الأمن لتشجيع الادخار العام،

وثانيها ألا يعطى انطباعا بأنه استهدف بالنصوص الرادعة إخافة القائمين من رجال الأعمال على الإدارة وحتى لا يشعرون أنهم تحت رقابة دائمة تمنعهم من المخاطرة التجارية المطلوبة من أجل النهوض بالمشروع التجارى.

وأيّاً ما كانت المُعوّقات التي يُقابلها الردع وتُعاني منها الرقابة فلا يجب أن تكون تلك المُعوّقات سبباً أو تكئة لترك تلك القوانين والتشريعات حبراً على ورق، فمصلحة الوطن فوق الجميع، والحِفاظ على الاقتصاد يعلو، واطمئنان المواطن على مستقبله ومستقبل أولاده يسمو.

وفي إطار قانون العقوبات الإقتصادي، اتّجه المشرّع إلى ملائمة النظام الإجرائي وتمييزه ليساير الميدان الاقتصادي، ولهذا التمييز مبرراته، فهو باعث على الإسراع وتفادي البطء الذي يلازم الإجراءات العادية، ولا يكون ذلك إلا بإعداد متخصصين في البحث عن الجرائم الاقتصادية184 ومن هذا المنطلق فإنّ أكثر نصوص قانون العقوبات الإقتصادي قد نصّت على هذه الإجراءات، فكان للدعوى العمومية خصوصيتها حيث أن النيابة العمومية لم تعد تحتكر الدعوى العمومية، فتداخلت معها جهات أخرى وتشعّبت سلطة إثارة الدعوى الجزائية.

النيابة العمومية تثير الدعوى العمومية، بوصفها نائبة عن المجتمع وأمينة على مصالح دعواه، ويبقى لها تقدير مصلحة المجتمع في الإثارة من عدمها، التي تهم النظام العام فإذا أثيرت فإنه لا يمكن للنيابة أن توقفها أو تتراجع فيها. كما لا يمكن التنازل عن حق تتبع إجراءاتها وعن حق الطعن في الأحكام185، لكن في القانون الجزائي الاقتصادي لم يتقيد بهذه المبادئ. إذ انه استحدث إجراءات خاصة تستجيب لخصوصيات الميدان الاقتصادي وتمكن السلطة الإدارية من صلاحيات واسعة تحد من سلطات النيابة العمومية في مباشرة اختصاصاتها186. وهو ما يدعم خصوصية الجريمة الاقتصادية التي تبز خاصة من خلال أحكام قيام الدعوى العمومية ومن خلال أحكام انقضائها.

الخاتمة: –

وعلى هذا الأساس فإن تركيز المشرّع والإدارة في طلباتها على العقوبات المالية كالخطية والمصادرة التي غالبا ما تكون قيمتها باهضة، فيه تغيّر لوظيفة العقوبة ومحاولة لإرساء سياسة عقابية مستحدثة لا تهتمّ بالمجرم بقدر ما تهتمّ بالجريمة ومفاعيلها في السياسة الاقتصادية وتذهب إلى النيل من الذمة المالية للمخالف التي انتفعت من الفعل الإجرامي المقترف 244. أنّ العقوبات المالية “… لا تتضمّن أي عمل فعال للإصلاح، فالمبلغ يدفع أو يجب، وإذا كان الدرس ينفع المحكوم عليه فهذا لا يمكن أن يكون إلا نتيجة الغمّ الذي يشعر به وبالخوف من أن يتحمّل أمثاله في المستقبل“.

فالخطيّة مثلا أصبحت وسيلة لإثراء خزينة الدولة وتم نزع صفة العقوبة عنها ونعتها بأنها تمثّل تعويضا عمّا أصاب الدولة من ضرر، خاصة وأن المشرع ينص صراحة في عديد الجرائم الاقتصادية على أن الخطية تستخلص بمثابة ديون للدولة كما هو الحال في بعض القوانين التونسية مثل المجلّة الديوانية ومجلة الحقوق والإجراءات الجبائية الجديدة وقانون المنافسة والأسعار.

فالعقوبات المالية لا تهدف إلى ردع المخالف وإنّما إلى تعويض الإدارة عما لحقها من أضرار تصيب السياسة الاقتصادية ومقتضيان النّظام العام الاقتصادي.

وعلى هذا الأساس فقد تكون العقوبة ناجعة بالنسبة للإدارة لكونها تهدف إلى دعم أرصدة الدولة المالية في حين أنّه من جهة المخالف قد لا تحقق أي حد أدنى من الردع فقد يجازف أو يغامر بارتكابه للجريمة عسى أن يحقق ربحا وفيرا. لكن مهما يكن من أمر فإن هذا التوسّع والتنوّع في العقوبات فيه إخلال بحقوق المخالفات وضماناته الأمر الذي أفرز ضرورة بخصوص توحيد نظام الزجر.

لذا فلا بدّ من توحيد النّظام القانوني للزجر في الجريمة الاقتصادية وذلك ببعث نظام جزائي مختصّ كما هو الحال لمحاكم الأمن الاقتصادي في القانون الجزائي الاقتصادي السوري استكمالا للمنظومة الجزئية الزجرية في الجرائم الاقتصادية الأمر الذي يتحقق معه وحدة النظام وتجاوز مسألتي التعقد والتشتّت لجزاءات القانون الجنائي الاقتصادي والأجهزة المكلّفة بتقريرها وتسليطها.

ان سياسات الانفتاح واستمرار الاختلالات الهيكلية والعلاقات المفتوحة على الاسواق المالية العالمية هي الاســــــاس في نمو هذه الظاهره حـــيث تؤدي الاسواق العالميه قدراً من نمو ظاهرة غسيل الاموال وبنسبة 25% من حـــــجم العمليات، وما يفعل ذالك وينمي الظاهره هوالمناخ الذي افرزته العولمة التي انشئت اسواق جديدة ليست لها موقع جغرافي ويصعب السيطرة عليها، وتزايد حجم الجريمة الاقتصادية، واعـــلان بحق الدول قبولها الاموال غير المشروعة وتقدم لها تسهيلات مقابل فوائد. فضـــلاً عن دور المصارف العالمية في تسهيل عملية تحويل الاموال مقابل الحصــول على معدلات ربحية من دون رقابة او تمييز ضمانات من مصـــرف التجاره والائتمان العالمي، وقد سماه البعض ((مصرف المحتالين والمجرمين العالمي)).

 

 

 

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك