الخميس - الموافق 28 مارس 2024م

تغيير خلق الله ومخاطر الهندسة الوراثية على البشرية: بقلم: هند درويش

الله سبحانه وتعالى خلق الكون وفطر المخلوقات جميعا وفق نظام دقيق متوازن محكم ” وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ ” (الحجر: 19). ” إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ” (القمر:49). فعندما يأتي الإنسان ويريد أن يتحدى الإله ويغير خلق الله فهذا سوف ينعكس على البشرية إنعكاساً سلبياً، ولقد حذر الله من تغيير خلقه وبين أن ذلك من وسوسة الشيطان ” وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ ……وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذْ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُبِيناً ” (النساء: 119). وفي الحديث القدسي ” خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإن الشياطين أتتهم فاجتالتهم عن دينهم .. إلى قوله : – وأمرتهم أن يغيروا خلقي ” (رواه القرطبي). فالإنسان مابين إلهام الملائكة ووسوسة الشيطان ” إِنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةً بِابْنِ آدَمَ وَلِلْمَلَكِ لَمَّةً ” (رواه الترمذي). فالاختراعات والاكتشافات العلمية المفيدة للبشرية ما هي إلا نتاج وحي إلهام من الله عن طريق الملائكة، فلا يستطيع أحد على وجه الأرض أن يصل لمعلومة إلا بإذن الله ” وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ” والله هو الذى علم الإنسان مالا يعلم فنحن خرجنا من بطون أمهاتنا ليس لدينا علم بأي شيء ” وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا ” (النحل:87).

وبعد أن علم الله الإنسان وأوحى له بما ينفعه في حياته الدنيا وما ييسر له سبل الحياة، وبعد أن مكنه الله من العلم بأن عرفه أسرار العلوم استغنى عن ربه وانكر وجوده ” عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ * كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى ” (العلق: 5-7). وأعلى من قيمة عقله بل تعدى كل ذلك وأراد أن يتحدى ربه الذى خلقه من عدم ولم يكن شيئاً ” هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا ” (الإنسان:1). فظهرت دعاوي تنادي باستنساخ البشر والنباتات والحيوانات وهو ما يعرف بالهندسة الوراثية، والهندسة الوراثية تعني تغيير في المادة الوراثية (DNA) لا تحدث بشكل طبيعي ولكن يقوم بها الإنسان، وتكون إما يجمع الكوروموسومات، أو فصلها، أو إدخال أجزاء من كروموسوم كائن حي لآخر، والكائن الناتج بعد هذه العملية يسمى كائنا معدلاً وراثياً. ومن إيجابيتها أنها تعمل على زيادة إنتاج اللحوم والفاكهة والخضروات بطريقة أسهل وأسرع وأكثرة وفرة وأرخص ثمناً، ولكن أوضحت الدراسات العلمية أن على الرغم من إيجابيتها، إلا أنها لا تخلو من سلبيات وآثار جانبية ضارة على صحة الإنسان لما تحدثه من خلل في التوازن البيئي، فإن استخدام هرمون النمو المعّدل جينياً، وحقنه في الأبقار يزيد من احتمالية الإصابة بسرطانات الثدي، القولون، والبروستات، وتسبب فقدان التنوع البيولوجي في الغذاء مما يؤدي إلى زيادة احتمالية الإصابة بالحساسية، ومن سلبيتها أيضاً نقصان القيمة الغذائية حيث تفتقر الأغذية المعدلة وراثياً إلي العناصر الغذائية المهمة خاصة ” فايتواستروجين ” التي تعمل على حماية الجسم من أمراض القلب، والسرطان…وعلى صعيد آخر أعربت صحيفة خليجية في العدد 11 لعام 1999م بعنوان ” أخطار جديدة تهدد عملية الاستنساخ من جذورها ” وكان الحديث عن النعجة دولي أول حيوان يستنسخ في اسكتلندا عن طريق خلية من الثدي لا عن طريق النظام الإلهي نظام الذكر والأنثى، هذا المخلوق الجديد ليس نسخة طبق الأصل، لأن بييضة الأم المنزوعة النواة تظل مشتملة على بقايا نووية في الجزء الذي يحيط بالنواة المنزوعة. ولهذه البقايا أثر ملحوظ في تحوير الصفات التي ورثت من الخلية الجسدية مما أدى إلي ظهور أعراض وأمراض الشيخوخة عليها بعد 6 سنوات مما عجل بوفاتها.

وقال ” جان-لوي بيرو ” الباحث في المعهد الفرنسي للبحث الزراعي (إنرا) أن نسبة النجاح تبقى متدنية، و وأشار ” بيرو” إلي أن حالات وفاة الاجنة كثيرة فبعض الحيوانات تولد بوزن زائد او انها تعاني من امراض كبيرة ذاكرا ولادة عجلين بثلاث قوائم او حيوانات برأسين، وفي سبتمبر عام 2016 طالب البرلمان الاوروبي بغالبية كبرى بمنع الحيوانات المستنسخة في اوروبا فضلا عن الحيوانات المولودة منها ومنتجاتها.

وهذا يبين لنا الحكمة من نهي الله سبحانه وتعالى من تغيير خلقه أي العبث بالجينات الوراثية، وبين لنا أن من يفعل ذلك ينساق لوسوسة الشيطان الذي يهدف إلي إضلال العباد عن الصراط المستقيم وإغوائهم بمعصية الله ” وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ ……وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذْ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُبِيناً ” (النساء: 119). فإن هذا العلم يعد من العلوم الغير نافعة لأن ضرره أكثر من نفعه بل وبه أضرار ومخاطر على البشرية، فالإسلام يحث على البحث العلمي والكشف والنظر في كل ما يحقق نفع للبشرية، لذلك كان يستعيذ النبي صلى الله عليه وسلم من العلم غير النافع ” اللهم أني أعوذ بك من علم لا ينفع ” ولذلك حرم الله الخمر والميسر لأن ضررهما أكثر من نفعهما “” يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ” (البقرة: 219). وهناك دراسات صينية أثبتت أن الأغذية المعدلة وراثياً تسبب الإصابة بالسرطان والعقم وتشوه الأجنة والشيخوخة المبكرة، مما حدا ببريطانيا وفرنسا وكثير من الدول الأوربية أن تحظر استيراد هذه المحاصيل إلى أراضيها (BBC News , 2005)، ويقول الخبراء أنه من الغير الأخلاقي إنتاج أنواع جديدة أو نقل الجينات الوراثية بين الأنواع المختلفة، خاصة إذا كان هذا يسبب ضراراً (*).

فلعلنا نعلم أن الله سبحانه وتعالى له حكمة في ذلك، يرخي الحبل للعباد بحكمته حتى يعلموا أنهم عندما يحيدون عن الفطرة التي فطر الله بها الكون والمخلوقات أى كلما ” غيروا خلق الله ” دفعوا الثمن باهظاً. لذلك فكلما تقدم الإنسان في العلم، علم بالدليل القطعي أن العودة للطبيعة هي أفضل علاج لمشكلات البيئة، فعندما ظهرت الأثار الضارة الناجمة من تسميد النباتات بالمواد الكيماوية اتجه العالم للعودة إلي السماد الطبيعي، فإن الله سبحانه وتعالى يخبرنا أن ما من فساد في الكون إلا بسبب التناقض مع القوانين الكونية مما أدي إلي حدوث خلل في التوازن البيئي وما يترتب عليه من آثار ضارة بصحة البشر ” ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ” (الروم: 41). فيبين لنا الله أن هنالك إمكانية للرجوع إلى الوضع الطبيعي المتوازن للأرض، شرط العودة إلي الطبيعة المتوازنة التي فطر الله عليها الكون والمخلوقات وهذا ما يقوله العلماء اليوم في الؤتمرات العالمية المتعلقة بقضية الإحتباس الحراري …..” وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ ” (الرعد:8).

ولا يخفى على أحد أن عملية الاستنساخ تعد تحدي لخالق الكون في المقام الأول فالله سبحانه وتعالى أحسن الخالقين ” فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ” (المؤمنون: 14). فالعلم الآن أصبح علم نفعي يهدف إلي جمع الأموال حتى لو تعارض مع القيم الأخلاقية وتسبب في أضرار جثيمة للبشرية، ولذلك حذرنا الله من اتباع أهواء القوم الذين ليس لديهم هدف إلا إضلال البشر عن سبيل الله ” وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ” (المائدة: 77). ومهما بلغ الإنسان من العلم فإنه لا يسطيع أن يخلق ذبابة، لأن كلمة الخلق تعني إيجاد الشيء من عدم ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ” ( الحج: 37). تفسير الشعراوي: فلو اجتمع الخلق المشركون أو المتجبرون وسألوا أصنامهم أن يخلقوا لهم ذبابة، أو حتى لو حاولوا هم خَلْق ذبابة لما استطاعوا، وفي الحقيقة أن هذه العمليات لا تمثل خلقاً أو بعض خلق ولقد استنكر الله أن يستطيع أحد أن يخلق مثل خلقه وهذا الاستفهام الاستنكاري لتعجيز ” أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ” (الرعد: 16)…… ” هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ” (لقمان: 11).

المصادر:
(*) http://www.bbc.co.uk/…/ad…/living_growing/newgenesrev2.shtml

بقلم: هند درويش
ماجستير في التفكر في القرآن الكريم وعلاقته بالتفكير الإبداعي

 

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك