الخميس - الموافق 28 مارس 2024م

تطرف الخطاب السياسي واثرة الاعلامي بقلم :- الدكتور عادل عامر

أن الانتشار الواسع لوسائل الإعلام والاتصال كفضاء مفتوح، صار ملاذا لممارسة شتى أشكال التمييز وإنتاج خطاب الكراهية والتطرف الديني، ما يستثمره الفاعل السياسي بالدرجة الأولى سواء الداخلي أو الخارجي، وهو ما نلاحظه في واقع سوريا ومصر والعراق أيضا. كما أن لوسائل التواصل الاجتماعي الدور الكبير في نشر ودعم مثل هذه الرسائل العنيفة.

لا جدال أن خطاب الكراهية في مختلف وسائل الإعلام العربية تَشعّب أكثر، وأصبح يهدد السلم والأمان وسط المجتمع العربي، بل صار أداة للتحريض في غياب للضوابط القانونية والإعلامية، الأمر الذي يطرح أكثر من علامة استفهام حول الوظائف الحقيقية للإعلام باعتباره سلطة رابعة وصوت الشعب الذي لا يخفت.

ساهمت وسائل الإعلام في ترسيخ مبادئ الربيع العربي الديمقراطي ودعمت الحريات العامة وحاربت من اجل حرية المعتقلين المناضلين، لكن هذه الأدوار قد اختلفت بعد ذلك؛ حيث أضحت أداة تحريض سياسي وديني وطائفي في يد القوى سواء كانت سياسية أو اقتصادية، لها أغراض مطمعيه في ثروات المنطقة العربية.

أيضا على المستوى السياسي، فإن تطرف الخطاب السياسي الرسمي أحيانا يولد خطابا سياسيا مقابلا أشد تطرفا، وخاصة عندما يتم احتكار الخطاب السياسي الرسمي في أوساط فكرية وعقائدية معينة دون غيرها، وحرمان الآخرين من المشاركة والحضور، فإن هذا يولد توترات نرى صخبها كثيرا في منابر الفضائيات المهتمة بالشأن السياسي، وليس من شك في أن مسألة غياب الحريات بشكل عام والتضييق عليها تعتبر بابا سحريا للغلو السياسي والإعلامي، لأن التجربة في الشرق والغرب سواء، أكدت على أنه كلما كان لدى المتحدث إدراك بأن الطرف الآخر يسمعه جيدا ويقدر ما يقوله حتى وإن اختلف معه فإن صوته ونبراته وتوتراته ستكون أكثر اتزانا وهدوءا وإحساسا بالمسؤولية،

وبالمقابل كلما وجد أنه يصرخ في واد، ولا أحد يسمعه أو يتيح له الفرصة للتعبير الكامل عن وجهة نظره فإن الصراخ لديه سيتزايد مع الوقت وتوتراته ستصل إلى درجات من “الزعيق” البعيد عن أي منطق أو حكمة أو إحساس بالمسؤولية، وهذا ما نشاهده في الحقيقة في ساحة الإعلام السياسي.

ومن ثم فمسألة تحقيق رسالة “الوسطية” في المجال الإعلامي مسألة معقدة، لأنها مرتبطة بأكثر من بعد سياسي وأخلاقي واجتماعي وفني وديني، ولكن بالمقابل فإن هذه الحقيقة تجعلنا نحن الإعلاميين أمام مسؤولية جسيمة للغاية، لأنه إذا كان الإعلام متأثرا بالمناخ المحيط به، إلا أنه هو ذاته أيضا يصنع مناخا أو يؤجج من فعالياته أو يزيد من اندفاع موجاته وكذلك يمكنه من تحجيم اندفاعاته وتهذيب توجهاته وطرح البدائل العقلانية الرشيدة، وبالتالي فلا بد من العمل على إيجاد ميثاق أخلاقي للعمل الإعلامي خاصة في هذه الأوقات التي تتسارع فيها الأحداث والتحولات في بلادنا

أن الخطاب الإعلامي للحركة الإسلامية “لا يؤيد التطرف ولا يدافع عنه، لكنه لا يقاومه ولا يحذر منه بقوة”، في اغلبية الدول العربية لان هذا الخطاب، “يقدم تبريرات مناوئة للكثير من الوقائع والقيم التي يعدها الخطاب الإعلامي العالمي أعمالا إرهابية مرفوضة”.

وبخاصة من بعد التطور الذي حصل في خطاب الحركة الإسلامية بعد وثيقة الإصلاح، ومقررات العديد من المؤتمرات، بحيث أصبحت تتشارك مفاهيم ومقاربات جديدة مع المكونات الوطنية الأخرى”، مع ذلك إلى “وجود مساحة رمادية في خطاب الحركة بما في ذلك تجاه مفاهيم التطرف والإرهاب أن ذلك يقود إلى “تأكيد حجم الحذر من الانحياز والميل نحو الحياد في الحالات المحدودة التي أطلقت فيه أوصاف الإرهاب على أحداث قامت بها تنظيمات وحركات إسلامية، مقابل غياب هذا الحذر في حالتي مصر وسورية”.

 أن “مفهوم التطرف يرد في الخطاب الصحفي على أساس أنه صناعة خارجية قصدت تشويه صورة الإسلام عامة، والإسلام السياسي بشكل خاص، وهذه الدلالة عامة ومركزية، يرد إلى جانبها دلالات أخرى، لكن من النادر أن تجد اعترافاً واضحاً بأن التطرف يحدث في المجتمع بفعل ديناميات ذاتية من خلال اختلالات في تفسير الإسلام، وبالتالي فإن الخطاب الصحافي لا يقر بوجود أسباب ذاتية ترتبط بالغلو في تفسير النصوص الدينية، أو الانحراف في توظيف الدين بالسياسة على سبيل المثال، بينما يذهب إلى ربطها بالسياق الخارجي وبفكرتين مركزتين هما المؤامرة والاستبداد”.

أما مفهوم الإرهاب فهو أكثر وضوحاً وأقل التباساً في هذا الخطاب من مفهومي التطرف والاعتدال، وهو وفق الخطاب، مفهوم سياسي تضليلي اخترعه الغرب وحلفاؤه في المنطقة، الإرهاب أداة من أدوات الصراع الدولي، وإدارة المصالح والإرهاب مفهوم غامض وملتبس ومتناقض وهو حمال أوجه، والإرهاب صناعة الأنظمة الاستبدادية في المنطقة المتحالفة مع الغرب والقوى الكبرى”. في ضوء ذلك، وصلت قراءة الخطاب الفكري والسياسي في مسألة التطرف والإرهاب إلى تحديد أربع أطروحات أساسية ينطلق منها الخطاب الإعلامي،

وهي: المؤامرة في تفسير التطرف والإرهاب، وأهم المقولات التي تستند إليها هذه الأطروحة هي أن التحالف بين القوى الاستبدادية الحاكمة في العالم العربي مع القوى الدولية والغربية هو الذي قاد إلى شيطنة الإسلام السياسي وربطه بالإرهاب، وأن التحالف بين القوى الدولية والصهيونية وإسرائيل يعمل على تشويه صورة أي قوة قادرة على المقاومة والتحرير وربطها بالإرهاب والتطرف”.

 إن الغرب ما يزال يخوض حروبا دينية ضد المسلمين، بين الصراع الدولي حول المصالح، أن “الخطاب الصحافي لم يعكس كما يبدو في مواد الرأي تنوعا وتعددية، كما هو الحال في التغطية الاخبارية، بل أفاد تحليل الخطاب تشابه الأحكام ونظام تفسير الأحداث، وهذا لا يعني وجود بعض الآراء التي تخرج أحيانا عن إطار السياسة التحريرية ولكنها محدودة جدا”. وبينت أن “المرجعية الفكرية الإسلامية

وتشير الدلائل إلى أن هناك العديد من الإشكاليات التي تتطلب تجديد الخطاب الديني منها أن أسلوب الخطاب الديني الحالي قد يتسم بكونه خطابا إنشائيا تقليديا جامدا يركز على جانب على حساب جوانب أخرى.

كما أن الخطاب الحالي قد يسفر مضمونه عن تأجيج الخلافات والصدامات مع أتباع الديانات الأخرى أو بين الطوائف والتيارات المختلفة، هذا فضلا عن عدم إحاطة الدعاة بأساليب التكنولوجيا الحديثة وعدم اطلاعهم على العديد من المستجدات في المجتمع في الآونة الأخيرة، كما تتزايد الحاجة لربط مبادئ العقيدة الدينية بواقع الحياة المعاصرة وتعزيز الحوار بين الأديان والثقافات المختلفة، هذا فضلا عن بروز إشكالية التداخل بين الشأنين السياسي والديني، وتصاعد الجدل حول العلاقة بين الدين والسياسة.

ويقصد بالخطاب الديني ذلك الخطاب الذي يعتمد على مرجعية دينية إسلامية في مخاطبته وأحكامه وبياناته، ويعني ما يطرحه العلماء والدعاة والمنتمون إلى المؤسسات الإسلامية في بيان الإسلام والشريعة، سواء كان ذلك من خلال الخطب والمحاضرات أو الكتب وغير ذلك.

ويعنى مفهوم الخطاب الديني الأقوال والنصوص المكتوبة التي تصدر عن المؤسسات الدينية أو عن رجال الدين أو التي تصدر عن موقف أيديولوجي ذي صبغة دينية أو عقائدية، والذي يعبر عن وجهة نظر محددة إزاء قضايا دينية أو دنيوية أو الذي يدافع عن عقيدة معينة ويعمل على نشر هذه العقيدة.

ثمة إشكالية تتعلق بقضية تجديد الخطاب الديني تتمثل في ضرورة التمييز بين الخطاب الديني والنصوص المقدسة الثابتة، حيث إن ذلك الخطاب يعتمد على النصوص المقدسة ولكنه يظل في حدود العمل العقلي البشري والاجتهادي الذي يرتبط بإمكانات وقدرات منتجيه. ويرى البعض أن مفهوم تجديد الخطاب الديني يتنازعه طرفان: الأول: فئة تتحدث عن تجديد الخطاب الديني، وهي تصدر عن منطلقات غير دينية، الثاني: بعض القوى الإسلامية الخائفة التي اشتد بها الخوف خشية المساس بالثوابت الدينية.

ومن أبرز المقومات الأساسية للخطاب الديني، أن يكون مواكبًا للأحداث ومراعيًا لأحوال الناس، وأن يكون قائمًا على الاعتدال والتوسط وأن يراعي أحوال المخاطبين، وأن يخاطب المتلقين بخطاب يتناسب مع ثقافتهم وعلمهم.

 وأنه ينبغي أن يراعي خطابنا الديني اليوم فقه الواقع ومعرفة الأمور ومآلاتها، وأن يركز جل جهده على القضايا التي تتصل بواقع الناس، ولا ينبغي أن يجافي الواقع باعتماده خطابا دعويا مجردا دون الربط بواقع المجتمع ودون التعرض لمشكلاته ومتطلباته. ويؤكد فضيلة مفتي الجمهورية أن تجديد الخطاب الديني يعني أن نأخذ من المصادر الأصيلة للتشريع الإسلامي، ما يوافق كل عصر باختلاف جهاته الأربع الزمان والمكان والأشخاص والأحوال بما يحقق مصلحة الإنسان في زمانه وفي إطار منظومة القيم والأخلاق التي دعا إليها ورسخها الإسلام.

 

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك