الخميس - الموافق 18 أبريل 2024م

المحليات وفسادها وكيفية القضاء علية بقلم :- الدكتور عادل عامر

Spread the love

أن الحديث عن الفساد في قطاع معين لا يعني إغفالنا خطورة الفساد في القطاعات الأخرى ،لكن الفساد في المحليات لا يزال يحتل الصدارة في عدد وحجم قضايا الفساد ،مقارنة بالهيئات والأجهزة الحكومية الأخرى، خاصة في الإدارات الهندسية والإدارات التي تتعامل مع الجماهير وتقوم بمنح تراخيص البناء وتوصيل المرافق.

ان تعرف الفساد بأنه سوء استغلال للسلطة من أجل تحقيق مكاسب شخصية فإن الفساد في المحليات قد تجاوز التربح الشخصي عبر الاستيلاء علي المال العام إلي الفساد المرتبط بإهدار الموارد وسوء استغلال السلطة.

أن أنماط وأشكال الفساد في المحليات متعددة أن سبب كل هذه المخالفات «يرجع لفساد المحليات، وعدم تنفيذها للقانون، وليس مجرد قصور القوانين أو إدخال تعديلات عليها، والدليل على ذلك أن المدن الجديدة تكاد تكون خالية من المخالفات بسبب الرقابة الشديدة عليها من هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة وأجهزة المدن، على عكس المحليات التي تعانى ضعف الكوادر وفساد الضمائر، وسوء الإدارة وعدم امتلاك رؤية واضحة أو استراتيجية أو حل تجاه ملف البناء والعشوائيات، الأمر الذى أدى إلى ما نحن فيه الآن من كثرة انهيار العقارات وارتفاع الأدوار المخالفة، وزيادة المباني المخالفة دون أية رقابة».

ان كثرة المخالفات والتعديات على الأراضي الزراعية إلى « قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 886 لسنة 2006 بشأن توصيل المرافق ( الكهرباء والمياه ) للمباني المخالفة بهدف منع سرقة الكهرباء وسرقة المياه»، واصفا إياه بأنه «خطوة إيجابية من قبل الحكومة لضخ عائد مادى لخزينة الدولة والحفاظ على المال العام من السرقة»،

« لكن هذا القرار تم استغلاله من قبل المواطنين بالخطأ في زيادة التعديات بالمباني على الأراضي الزراعية الآن، وسرعة توصيل المرافق (عدد كهرباء كودى، وعداد مياه) لمبانيهم المخالفة بالزراعة، وهذا ما يتم بالفعل الآن دون أن تتحرك الحكومة، ما سيؤدى إلى القضاء على الرقعة الزراعية تماما».

أن المواطنين الذين تعدوا بالبناء على الأراضي الزراعية «يعتقدون أنه بتوصيلهم المرافق للمباني المخالفة، فإنهم يكونون قد قننوا أوضاعهم المخالفة، وأصبحت مبانيهم على الأراضي الزراعية مؤمنة بتوصيل المرافق وغير مخالفة وغير قابلة للإزالة ولن يقرب منها أحد، على عكس ما نص عليه قرار رئيس مجلس الوزراء»

.اتضح أنها متمثلة في الرشوة مقابل إرساء مناقصات علي شركات معينة غير مسجلة بسجل الموردين للجهات المختصة لطرح أعمال التجميل وإنارة الطرق واختلاس مبالغ مالية وطبع إيصالات نقدية علي ورق أبيض باسم المديرية والرشوة مقابل تنفيذ قرارات بهدم الأسوار أمام مداخل العقارات . وكذلك استيلاء مهندسي الأحياء علي مبالغ مالية كبيرة من أصحاب المحلات بزعم استخراج تراخيص بدون معوقات . والتعدي علي الأراضي الزراعية بالبناء دون الحصول علي ترخيص وتغاضي مسؤولي الجمعيات الزراعية عن ذلك وعدم تحرير مخالفات لهم مقابل رشاوى مالية .

والتغاضي عن تعلية العمارات بصورة مخالفة للقانون مقابل رشاوى مالية وهو ما يهدد أرواح المواطنين ولعل ما حدث مؤخرا في عمارة لوران بالإسكندرية لهو أكبر دليل و تحرير مخالفات للاستيلاء علي أراضي الدولة بوضع اليد مقابل رشاوى مالية ضخمة واستغلال المنصب الوظيفي لإعطاء تسهيلات مقابل رشوة مالية وإهدار الأموال العامة سواء في الإنفاق علي خدمات لا تستخدم أو التغاضي عن تحصيل رسوم مقابل خدمات قدمتها الدولة والتزوير في الدفاتر والتلاعب في كمية الأصناف الموجودة في العهدة واختلاس الأموال.

-تخفيض قيمة أراضي تابعة للدولة لصالح شركات استثمارية مقابل الحصول علي رشوة

-تزوير أوراق رسمية كجوازات السفر وأختام شعار الجمهورية ومصلحة الأحوال المدنية والشهر العقاري مقابل رشاوى مالية .

-ممارسات فساد في عمليات البيع والشراء والتورط في المؤامرات والرشاوى والإتاوة .

-الفساد في أنظمة الدفع.

-البناء بدون ترخيص والتعلية بدون ترخيص والتعدي على أملاك الدولة وتجاوز قيود الارتفاع والبناء على موانع التنظيم.

أن الوجه الآخر لفساد المحليات يتمثل فيبطئ اتخاذ القرارات الحاسمة مما يساعد علي انتشار الفساد ومثال علي ذلك مخالفات المباني فالإدارة المحلية لا تتحرك إلا بعد أن يتم الانتهاء من بناء العقار وتسكينه وفي تلك الحالة تصعب عملية الهدم فالتصرف الفوري في تلك المباني مطلوب للغاية بالإضافة إلي الرقابة الشعبية التي لابد أن تساند الأجهزة الرقابية.

أن الآلاف من قرارات الإزالة لم يتم تنفيذها لقصور في الأجهزة المعنية بهذا الشأن.

إما نتيجة للفساد والرشوة أو للظروف السياسية وإما لعدم توافر القوي الأمنية المنوط بها تنفيذ هذه القرارات وحتي لو تم تنفيذ قرار الهدم فهو يصدر لمرة واحدة علي العقار ومن ثم تتم التعلية مرة أخري بأريحية ودون خوف أو خشية من القانون. ويحكم البناء في مصر قانون البناء الموحد رقم 119 لسنة 2008 الذي وضع عدة اشتراطات للبناء منها: وجود مهندس مشرف علي كل مراحل عملية البناء، وكذلك شروط إصدار التراخيص، إلا أن القانون ضرب به عرض الحائط علي مدي سنوات عديدة.

من وجهة نظر قانونية، ، أن مشكلة مصر تتعلق بالتراخي في تطبيق القانون علي الجميع دون استثناء، فلا أحد يريد أن يطبق القانون ولا يريد أي مسئول ان ينفذه علي الكافة، ومن هنا ينتشر الفساد وتنتشر المحسوبية والتي نتج عنها حالة من اللامبالاة فضلا عن البيروقراطية والتي أصابت الجهاز الإداري للدولة وأصابته بالكسل واللامبالاة وعدم المبادرة في تنفيذ الاختصاصات، ولذا لا تتعجب من رؤية رئيس حي يسير في الشارع ويري القمامة تملأ الشارع دون أخذ أي إجراء، ثم يذهب للجلوس في مكتبه دون القيام بواجبه في محاسبة المقصرين، ومن هنا فدولاب العمل الإداري في مصر خاصة المحليات يحتاج لصدامات كبيرة حتي يتم ضبطه وتحسينه والقضاء علي الفساد المتغلغل.

أنه بالرغم من وجود الأجهزة والهيئات الرقابية إلا أن الفساد موجود ويتعاظم دوره حتي أصبح ظاهرة دون السعي إلي تطوير المنظومة الرقابية وأيضا التشريعية لمكافحة ظاهرة الفساد وتأتي علي رأس هذه الهيئات والأجهزة هيئة النيابة الإدارية، والتي يمكن القول إنها لا تزال تعتنق تقاليد قديمة في مكافحة الفساد الإداري في المحليات والمجالس المحلية علي مستوي الجمهورية، ولذلك لابد من وجود آليات حديثة وعلمية لمكافحة الفساد، مع تكاتف الجهود لأننا في أمس الحاجة لمنظومة شاملة ومتكاملة من سن القوانين والتشريعات وضبط المعاملات النقدية أيضا،

أن منظومة الفساد نتاج تراكمات لسنوات طويلة وأخطارها متواجد في الدوائر الحكومية والتي تضم وكلاء الوزارات وكبار المسئولين الثابتين في أماكنهم والمتغلغلين في مختلف الأجهزة الإدارية ومن الصعب القضاء علي هؤلاء دفعة واحدة حتي لا يصيب الدولة بالشلل.

أن الأسباب التي ادت إلي حدوث الفساد من اهمها

-ازدواجية الإشراف على الأجهزة التنفيذية بالمحليات وصعوبة حصول المواطن على تراخيص من خلال القنوات المشروعة وعدم وجود شرطة متخصصة لمخالفات البناء وكذلك ضعف أجور مهندسي الأحياء والذي فتح الباب أمام الرشوة والمساومات وهجرة الكفاءات الهندسية من العمل بالمحليات هربا من المسئولية الهندسية والتي تجعلهم دائما عرضة للمسألة القانونية وتضارب قوانين وتشريعات البناء وتعددها مما سهل من اختراقها والالتفاف حولها واستغلال ثغراتها وسيطرة البيروقراطية علي المحليات وإنشاء حسابات خاصة لبعض الأنشطة المحلية بعيدا عن الموازنة العامة مما ساعد علي انتشار الفساد وإهدار المال العام فضلا عن غياب الشفافية والمعلومات.

انعدام عدالة توزيع الميزانية والمخصصات بين المحافظات

-القصور التشريعي في القوانين الحالية بشأن ترميم العقارات وإزالتها غير مُلزِمةٍ للمالك ولا للمستأجر، بمعنى السماح لهما بالطعن عليها أمام المحاكم، والتي تستغرق نظر هذه الطعون أمامها سنواتٍ طويلةً قد يسقط العقار خلالها.

-استغلال المسئولين لمناصبهم والتي تسبَّبت في نشر الفوضى، خاصةً الفساد المتفشي في إدارات الأحياء وقلة الرقابة والردع لدرجة أنه تم وضع تسعيرة لكل خدمة بالرشوة.

أننا أمام ظاهرة مركبة من حيث الأسباب تتحمل مسئوليتها الدولة والقانون ومؤسسات الرقابة وثقافة المجتمع وهو تحليل يسهم في تحديد أشكال مواجهة الفساد ومسئولية كل طرف بشكل أكثر دقة فالمجتمع المصري يمتلك تشريعات وقوانين واجبة التطبيق والتي يجب أن تحترم بشكل صارم كما توجد وتتعدد المؤسسات الرقابية مثل الرقابة الإدارية والبرلمان والجهاز المركزي للمحاسبات ومباحث الأموال العامة والتي من سلطتها الإحالة لجهات التحقيق ثم القضاء المصري. معني ذلك أن هناك مجموعة من الآليات التي يمكن تفعيلها لمكافحة الفساد خاصة وأن مصر شاركت بوفد كبير ضم خبراء من وزارات العدل والداخلية والخارجية والرقابة الإدارية في المفاوضات الخاصة باتفاقية مكافحة الفساد والتي تم التصديق عليها وأصبحت جزءا من النظام المصري ومعني ذلك أن مصر تمتلك قدرا من الخبرة في موضوع مكافحة الفساد وهو ما يفرض ضرورة التحلي بأقصى درجات اليقظة و الحذر في التعامل مع هذه الظاهرة بما لا يخالف نصوص الدستور المصري أو بنود اتفاقية مكافحة الفساد .

لذا فإن مكافحة ظاهرة الفساد تستلزم تكاتف واستنفار كل قوي المجتمع والدولة بمؤسساتها الرقابية والقضائية والإعلامية في متابعة تنفيذ القانون وكشف من ينتهكه ويتعين علي منظمات المجتمع المدني القيام بدورها في بناء الرقابة الشعبية وتشجيع المواطنين للمشاركة في الانتخابات المحلية .

 

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك