السبت - الموافق 20 أبريل 2024م

الفرق بين نظرة المؤمنين وغير المؤمنين للحياة الدنيا….بقلم: هند درويش (ماجستير في التفكر في القرآن الكريم وعلاقته بالتفكير الإبداعي)

Spread the love

أن المؤمنين بالله يعلموا أن الدنيا دار اختبار والآخرة دار جزاء، المؤمن يدعو الله أن يرزقه في الدنيا حسنة ” المال والأولاد والصحة والعافية والزوجة الصالحة أو الزوج الصالح، وفي الآخرة حسنة ” الجنة ” قال تعالى: ” وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ” (البقرة: 203) أي المؤمن يسأل الله الحياة الطيبة في رضا الله، المؤمن يعبد الله أي يتقيد بمنهج إلهي يحل ما أحل الله ويحرم ما حرم الله، أما الكافر يعبد هواه ينظر إلي الدنيا أنها كل شيء لا يؤمن بالدار الآخرة أو البعث بعد الموت استكبارا ” مِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ” (البقرة:200).أي ليس له نصيب أو حظ من نعيم الآخرة، يخبرنا الله سبحانه وتعالى عن قناعتهم الكاذبة بأن لا بعث بعد الموت في قوله تعالى: ” وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ ” (الأنعام: 29). لذلك يرى الكافر أن من حقه الاستمتاع بالدنيا كما يروق له، فالكافر يعبد هوى نفسه أي يعيش حياته لإشباع الهوى وشهوات النفس دون مراعاة للقيم والأخلاق ” أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ” (الجاثية: 23). ويخاطب الله هؤلاء المنكرين للبعث بعد الموت بزعهم كيف يمكن أن نبعث من جديد بعدما بليت اجسادنا وتلاشت…وهذا استفهام استنكاري ” قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ” (يس: 78-79). ويخاطب الله هؤلاء المنكرين بالبعث بأن خلق السموات والأرض أكبر من خلق البشر، وأنه سبحانه وتعالى قادر على فعل كل شيء قال تعالى: ” لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ” (غافر: 57). تفسير السعدي: فالذي خلق الأجرام العظيمة وأتقنها، قادر على إعادة الناس بعد موتهم من باب أولى وأحرى. وهذا أحد الأدلة العقلية الدالة على البعث، دلالة قاطعة.

وذم الله سبحانه وتعالى الذي يسعى للحصول على حظوظ الدنيا دون طلب الآخرة وهو العبد الذي لا يسير حياته وفق منهج الله ويرى أن الدنيا غاية في ذاتها، فهو يطلب الدنيا وما يحقق اشباع لشهواته حتى لو تعارض ما أمرنا الله به وما نهانا عنه، وعده الله بأن يعطيه الدنيا ولكن ليس له ثواب في الآخرة وسيدخله نار جهنم جزاء إعراضه عن منهج الله ” ” مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا ” (الإسراء: 18) العاجلة: الدنيا. وأما العبد المؤمن الذي يريد الآخرة فهو لا ينسى نصيبه من الدنيا ولكن يرى أن الدنيا ” وسيلة ” لغاية أكبر وهي جنة الفردوس، وعده الله بأن يعطيه الدنيا والآخرة معاً قال تعالى: ” وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا ” ( الإسراء: 19) ويخبرنا الله سبحانه وتعالى أنه عطائه للمؤمن والكافر في الدنيا ” كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورً * انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا” (الإسراء: 20-22) ” ولكن الله فضل المؤمن على الكافر، لأن الكافر وعده الله بأن يعطيه الدنيا بالرغم من انكاره لوجوده…..أو العبد العاصي كثير الكبائر الذي رفض أن يتقيد بمنهجه، أما المؤمن سيعطيه الله الجائزة الكبرى وهي ” جنات عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين قال تعالى: ” أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ” ( القصص: 61). ويخاطبنا الله سبحانه وتعالى في الآية السابقة أنه ليس هناك أي وجه للمقارنة بين المؤمن بالله الذي وعده الله بأن يعطيه حياة خالدة في الجنة، وبين الكافر الذي متعه الله في الدنيا بالرغم من كفره وصده عن سبيل الله ولكن هذا المتاع قليل، ثم يأتي يوم القيامة من المحضرين لجنهم.. فهما بلغ الإنسان من مال أو جاه أو شهرة فينتهي كل ذلك المتاع بموت الإنسان ولا يأخذ شيء إلا عمله ” يتبع الميت ثلاثة: أهله وماله وعمله، فيرجع اثنان ويبقى واحد، يرجع أهله وماله ويبقى عمله ” (رواه البخاري). فالدنيا تمتلكها بمالك أم الجنة تمتلكها بعملك وكل درجة من درجات الجنة تتوقف على عملنا ” وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ” (الأحقاف: 19).

ويخبرنا الله سبحانه وتعالى بأن الكافر أذهب طيباته في الحياة الدنيا أي أن الكافر جنته هي الدنيا فقط في قوله تعالى: ” وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُون ” (الأحقاف: 20). وبالرغم من تمتع وترف الكافرين في الدنيا إلا أنهم لا يسقيهم الله في الآخرة شربة ماء ” وَنَادَىٰ أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ ” ( الأعراف: 50). لذلك سيشهد الكافرين على أنفسهم يوم القيامة أنهم كفروا بالله بسبب غرورهم بمتاع الدنيا والرغبة في الاستمتاع بها دون تقيد بمنهج إلهي ” قَالُوا شَهِدْنَا عَلَىٰ أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ ” (الأنعام: 130).وأمرنا الله سبحانه وتعالى أن نعرض عن من تولى عن طاعة الله وعبادته وانشغل باشباع شهواته وملذاته، فسعيهم مقصور على طلب الدنيا، وهذا منتهى علمهم وغايتهم: ” فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّىٰ عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * ذَٰلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ ” (النجم: 29). فاللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا.

بقلم: هند السيد درويش

ماجستير في التفكر في القرآن الكريم وعلاقته بالتفكير الإبداعي

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك