الخميس - الموافق 18 أبريل 2024م

العوامل الدولية ودورها في الفساد بقلم :- الدكتور عادل عامر

Spread the love

تعد هذه العوامل سبباَ آخر من أسباب الفساد، رغم أنه لم تنل هذه القوى حظاً وافراً من البحث الدقيق كمحددات أساسية له حتى عهد قريب، ورغم أهمية الدور الذي تلعبه المساعدات الخارجية والاستثمار الأجنبي والتجارة الخارجية كوسيلة من الوسائل التي يمكن من خلالها جني الريع من قبل الموظفين الفاسدين.

وفي الآونة الأخيرة ووفقاً للمحللين المحافظين حظي البعد القومي للفساد باهتمام ملموس من صانعي السياسة وعلت أصوات تدعو إلى توجيه الجهود في سبيل محاربة الفساد الدولي، والذي قد يأخذ أشكالاً مختلفة، فقد يكون في صورة رشاوي ومدفوعات غير مشروعة في إطار التجارة والمساعدات الأجنبية وتدفقات الاستثماريين الدول، أوفي صورة مزايا تفضيلية في فرص التجارة أو التحيز لصالح اقتراحات استثمارية معينة، أو استبعاد بعض العملات من نطاق المعاملات الدولية بالخداع ونحو ذلك.

أما البحوث الكمية التي كان قصب السبق فيها لـ Johan Lambs drove فترى أن درجة الفساد في الدولة المستوردة يؤثر على هيكل التجارة للدول المصدرة، وهذا يتضح في ميل المصدرين الأجانب إلى تقديم رشاوي للموظفين الرسميين في الدول المستوردة.

وعليه فإن الشركات الرائشة تطرد الشركات الأمينة من نطاق التجارة، لكن إذا كانت الشركات غير الأمينة تخضع لرقابة تنظيمية جيدة، فإن هذه الشركات ستنال النصيب الأكبر من التجارة.

وهنا يأتي دور وجهود منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية “O. E.C. D” في مقاومة الرشوة الدولية غير الشرعية.

ويرى بعض المحللين أن للفساد الدولي دوراً هاماً في انتشار بعض أشكال الفساد في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، فكثيراً ما يقال إن الفساد في أمريكا اللاتينية هو أحد ملامح التوطن الاستعماري للقارة منذ زمن بعيد حتى وقتنا الحالي، كما أنه يعكس عمق التقاليد الثقافية والاجتماعية الموروثة التي كانت ضد التغيير.

ويرى آخرون بأن جذور الفساد تعود إلى السيطرة التاريخية للدولة على الشئون الاقتصادية والسياسية، مما خلق فرصاً لجني الريع والبحث عنه من جهة. ومن جهة أخرى أضعفت هذه السيطرة من قدرة المواطنين على محاسبة السياسيين والرسميين على تصرفــــاتهم الفاســدة (Little, 1996 ) وفي أفريقيا فإن الفســــــــاد الممتد هو أحد ملامح الدول التي مرت بتجربة استعمارية ، لكن هذا لا يمنع من وجود دول أخرى في هذه القارة تعاني من الفساد رغم أنها لم تستعمر كأثيوبيا وليبيريا . وعليه يمكن القول بأن حالات الفساد المعاصرة في أفريقيا لا يمكن تفسيرها كلية بالاستعمار، كل ما في الأمر أن النظم الاستعمارية في هذه القارة تركت دماراً مؤسسياً، تمثل في الاعتماد الكبير على المساعدات الخارجية، التي يمكن اعتبارها متغيراً مفسراً للفساد في هذه الدول.

وطبقاً لتحليــــــل Khan فإن شكل وانتشــــــــار الفساد في آسيا يمكن تفسيره بعملية تراكم رؤوس الأموال وتطور حقوق الملكية عبر الزمن ، فنمط العلاقات الزبائنية التي استقرت بين طبقات الرأسماليين والسياسيين وفئة البيروقراطيين تعكس كلها عوامل اجتماعية – اقتصادية تعتبر المحددات الرئيسية للأشكال المفترضة للفساد وأثره على النمو الاقتصادي، فبدلاً من الحد من الفساد فإن التحرر الاقتصادي والسياسي في كوريا الجنوبية أدى إلى زيادة القدرة على المساومة لقطاع الأعمال بالنسبة للحكومة ، مما أفضى إلى ترسيخ الجذور المؤسسية للفساد ، ولكن هذا الأمر قد يعوض عن طريق المطالبة بمزيد من الديمقراطية والحرية، وبالتالي إمكانية المحاسبة للمسئولين العموميين في نطاق نمو الأزمات الاقتصادية

(Khan 1996) وخلاصة القول إن سبب الفساد هو الحصول على الريع، وفي الدول النامية فإن هناك أسباباً أخرى للفساد، بعضها يعود لعوامل داخلية، والبعض الآخر منها يعود لعوامل خارجية. أما العوامل الداخلية فتتمثل في ضعف المنافسة السياسية والمجتمع المدني بصفة عامة، هذا إلى جانب قلة الفرص الاقتصادية المتاحة للأفراد لتحسين مستوى دخلهم، وكذا غياب الآليات المؤسسية التي تتعامل مع الفساد.

وأما العوامل الخارجية فكا لاستعمار والقوى الدولية الأخرى كالاستثمار الأجنبي والمساعدات الخارجية ونحو ذلك.

رغم أن أعمال الفساد تتسم بالسرية ويقترن بها محاولة التمويه والتحايل لإخفائها، إلا أن ما يتداول بشأن ما ظهر منها وأمكن كشفه يدل على مدى اتساعها وزيادتها، ويمكن التدليل على ذلك ببعض الاشارات منها:

أ -على المستوى الدولي: نجد أن الفساد الاقتصادي ينتشر في جميع دول العالم سواء المتقدمة أو النامية وخاصة الفساد الكبير مما يصعب معه حصره ونكتفي بالإشارة إلى ما ورد في بعض الدراسات والتي وردت في مجلد ندوة الفساد والتنمية وتقرير البنك الدولي وبعض الكتب الأخرى ومنها يظهر ما يلي:

1-اشتهار الشركات الأمريكية بتقديم رشاوي إلى المسئولين في دول الجنوب للفوز بصفقات السلاح وغيرها.

2-ثبت تقاضى كبار الوزراء في حكومات بلجيكا وايطاليا وفرنسا عمولات أو قروض ميسرة أو هدايا ثمينة لتمرير صفقات مشبوهة.

3- وجدت في ألمانيا قبل الوحدة وبعدها عدة قضايا فساد سياسي منها قضية فساد متعلقة بإعادة التسليح، وحصول جميع الأحزاب في بون على مبالغ ضخمة في صورة تبرعات مقابل تهرب الشركات الدافعة من مستحقاتها الضريبية، وقيام رئيس الوزراء عام 1991م برحلات خارجية هو وأسرته على حساب أحدى الشركات، وقيام وزير الاقتصاد باستغلال منصبه لفتح جريدة محاباة لأحد أقاربه عام 1993م، واستغلال وزيرة شئون المرأة باستغلال المال العام لتجديد ديكورات منزلها وغير هذا كثير عام 1993م، وقيام أخر وزير خارجية في ألمانيا الشرقية قبل الوحدة بمنح تسهيلات بنكية لواحد وأربعين مطعماً.

4-أما في روسيا بعد انهيارها فإن قضايا الفساد التي ارتكبها كبار المسئولين أكثر من أن تحصى والتي يأتي في قمتها الفساد الرئاسي في ما نشر عن تورط رئيس الدولة يلستين نفسه وكبار المسئولين معه في قضايا فساد وغسيل أموال بلغت المليارات من الدولارات.

5-وفي الصين يمثل الفساد مشكلة حقيقية أظهرتها احدى الدراسات بأن متوسط عدد قضايا الفساد المقدمة للمحاكمة عام 1982م تقدر بحوالي 20000 قضية قفزت في عام 1990م إلى حوالي 51000 قضية.

6-في كوريا وتايوان تعددت مظاهر وصور الفساد وتراوحت ما بين تقديم منح سياسية غير شرعية للأحزاب إلى استغلال النفوذ وخلق علاقات مشبوهة بين رجال المال والسياسة، ونفس الحال في إندونيسيا.

7-ومن مظاهر انتشار مشكلة الفساد في العالم ما تبذله حكومات عديدة والمنظمات الدولية لمكافحة الفساد ومنها سنغافورة وأوغندا، وكذا ما تبذله كل من منظمة الشفافية الدولية وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي والأمم المتحدة.

ب-أما على المستوى المحلى، فلقد أظهرت عدة دراسات تعدد حالات الفساد الاقتصادي في مصر، إضافة إلى ذلك فإن ما نشر عن جرائم الفساد في الأشهر القليلة الماضية منذ بداية هذا القرن كثير مثل الحالات المتعلقة بنواب القروض ومحافظ الجيزة السابق، وسكرتير وزير الثقافة، وعضو مجلس الشعب عن إحدى مراكز الجيز، وشركة حديد أسوان، وأصحاب شركة الشروق، وهي كلها من الفساد الكبير إضافة إلى عشرات الآلاف من قضايا الرشوة والاختلاس في حالة الفساد الصغير.

كل ذلك يدل على أنه لا تستني دولة من ظهور مشكلة الفساد الاقتصادي مما يجب معه العمل على تكثيف الجهود ولمكافحة لما له من آثار سلبية على مجمل الحياة وهو ما سنوضحه في الفقرة التالية.

آثار الفساد

يؤدى الفساد إلى أضرار عديدة يمكن تلخيصها فيما يلي:

أ -الآثار الاقتصادية: ومن أهمها ما يلي:

1-يضعف الفساد التنمية الاقتصادية والاستثمار حيث أن انتشار الرشوة المطلوبة من رجال الأعمال بواسطة المسئولين الحكوميين يقلل من حوافز الاستثمار، ويسمح بإرساء الأعمال على الأقل كفاءة.

2-يؤثر الفساد على المالية العامة سواء من حيث سوء تخصيص الموارد العامة حينما يوجه الجزء الأكبر منها إلى الانفاق على احتياجات ذات مبالغ كبيرة مثل التسليح والمستودعات الاستثمارية الكبيرة حتى يضمن المسئولون الحصول على رشاوي كبيرة بدلاً من الانفاق على احتياجات ضرورية ذات مبلغ أقل، كما أن انتشار الرشوة للحصول على الخدمات العامة مثل الصحة والتعليم يؤدى إلى الخلل في تقديم هذه الخدمات للمحتاجين، هذا فضلاً على زيادة الانفاق الحكومي بدون مبرر في حالة ترسيه المشروعات على مقاولين وموردين بأثمان مرتفعة.

3-على المستوى الخاص فإن انتشار الفساد الاقتصادي يؤثر على حماية حقوق الملكية الخاصة ويؤدى إلى أكل أموال الناس بالباطل.

ب- الآثار السياسية: إن انتشار الفساد الاقتصادي خاصة الفساد الكبير منه والذى ينخرط فيه كبار المسئولين في الدولة سوف يؤدى إلى أن تكون القرارات الاقتصادية تتخذ ليس على أساس ما يدفع بالنمو الاقتصادي إلى تحقيق رفاهية المواطنين وإنما تتخذ القرارات على أساس المكاسب التي تعود على كبار المسئولين أنفسهم وعلى عائلاتهم وحلفائهم من السياسيين ورجال الأعمال مما سيؤدى إلى فقدان النظام السياسي للشرعية، أي القبول الاختياري من جانب المواطنين لمؤسساته وقيادته ويشعر المواطنون بالاغتراب عنه والعزوف عن المشاركة في منظماته وأنشطته ومع أول شراره سخط يتهاوى النظام مثلما حدث في رومانيا وإندونيسيا والبرازيل والكونغو.

جـ-الآثار الاجتماعية: يؤدى الفساد الاقتصادي إلى عدة آثار اجتماعية منها:

1-العمل على غرس الحقد والحسد والتباغض بين أفراد المجتمع وإثاره استيائهم من نظام اجتماعي واقتصادي وسياسي يعمل على إتاحة الفرصة للمفسدين لكي يغتنوا بطرق غير مشروعة مما يؤدى إلى تفكك المجتمع وقيام بنيانه ليس على أساس علاقة المودة والتكافل وإنما على أساس المصلحة الذاتية والكراهية للآخرين.

2-يؤدى الفساد إلى انتشار القيم غير الأخلاقية حيث يغذى الفساد نفسه بنفسه ويتسع نطاقه إن لم يواجه بحزم، لأن ترك المفسدين ينعمون بثرواتهم المنهوبة من المال العام والمال الخاص يجعل أفراد الجمهور غير الفاسدين يرون أنه لا جدوى من الالتزام بالقيم الأخلاقية والتمسك بأحكام القوانين ويحاولون الاقتداء بالمفسدين فتتزايد رقعة الفساد ونطاقه في المجتمع.

وإلى هذا الحد نكون قد تعرفنا على الفساد الاقتصادي بالشكل الذي يؤكد ضرورة مكافحته وييسر بيان كيفية هذه المكافحة التي تبدأ بالإجراءات الوقائية لمنع حدوث الفساد ثم الإجراءات العلاجية لما يظهر من حالات الفساد.

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك