الخميس - الموافق 28 مارس 2024م

العنف الأسري والقانون بقلم :- الدكتور عادل عامر

أن الثقافة المجتمعية ترى أن اعتداء الأب على ابنته أمرا عاديا رغم أنه يسبب أذى نفسي غير عادى للبنت وأن الدستور اعترف ضمنيًا بوجود عنف يمارس ضد المرأة في مجتمعنا، ما يتطلب حماية المرأة منه، من خلال إصدار تشريعات تتوافق مع مقتضيات الدستور، وما يتوافق مع المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها مصر في مجال حقوق الإنسان.

وعلى الرغم من خطورة الحوادث المتعلقة بالعنف الأسري الممارس ضد المرأة من جهة والأطفال من جهة أخرى، إلا أن العمل التشريعي يتسم بإجراءات طويلة الأمد تبدأ من فكرة رصد المشكلات المتعلقة بالقضية، وفحص إمكانية آلية تنفيذ القانون، كما أن التشريعات المصرية لا تزال قاصرة في وضع حد للعنف بين الزوجة والزوجة والأبناء، ما يجعل النوايا لإصدار تشريع قائمة بالفعل لكن التنفيذ معطل.

أن قيمة تكلفة العنف ضد المرأة في المجتمع المصري 6 مليارات و150 مليون جنيه، بما يعادل قيمة صادرات مصر من المنسوجات القطنية، ومع ذلك فإن التشريعات الخاصة بهذا الأمر لاتزال حبرًا على ورق وغير مفعلة. أن القضاء يتساهل مع العنف ضد المرأة، خاصة إذا جاء من زوجها، لأن المجتمع مازال ينظر إلى المرأة على أنها كائن يحتاج إلى تقويم.

 أن استمرار غياب قوانين تجرم العنف الأسرى أحد أهم الأزمات التي تساهم انتشار الجرائم في المجتمع، لاسيما أن المجتمع المصري يتساهل مع العنف ويتغاضى عنه تحت شعار “الحفاظ على استقرار البيت”.

العنف الأسري جزء من ظاهرة العنف ضد المرأة، يشمل العنف البدني والجنسي والنفسي والاقتصادي الذي يحدث في إطار الأسرة من بعض أفرادها الذين لهم سلطة أو ولاية أو علاقة بالمجني عليها. والغالب أن تكون المرأة ضحية العنف الذي يمارسه الزوج أو الأب أو الأبناء أو الأقارب.

والعنف الأسري ضد المرأة لا يقتصر على فئة معينة، ولا على طبقة اجتماعية دون سواها، ويشمل العنف الأسري المرأة المتعلمة وغير المتعلمة، العاملة وغير العاملة. كما أن العنف الأسري ضد المرأة لا علاقة له بالدين، فالدين لا يمكن أن يبرر أي صورة من صور العنف.

ويتخذ العنف الأسري أشكالاً مختلفة منها:

أ – إساءة معاملة المرأة ومحاولة السيطرة عليها وتهديدها الدائم بالاعتداء عليها.

ب-الإساءة البدنية بالضرب أو الجرح أو إحداث الإصابات بها بأي صورة مثل ختان الإناث.

ج-الإساءة الجنسية التي تتمثل في المساس بحصانة جسمها عن طريق الاغتصاب وهتك العرض والتحرش الجنسي.

د-الإساءة النفسية أو العنف النفسي الذي يهدف إلى إذلال المرأة وإهانتها وزعزعة ثقتها بنفسها. هـ – الإساءة الاقتصادية بحرمان المرأة من حقوقها المالية عن طريق السيطرة على موارد الأسرة أو حرمان المرأة من الميراث في بعض الأوساط الاجتماعية.

ويعاقب القانون على غالبية صور العنف الأسري في نصوص متفرقة. لكن هناك بعض أشكال العنف الأسري التي لا تشملها نصوص القانون صراحة، مثال ذلك:

أ-حرمان المرأة من الميراث، ويقتضي تدخلاً تشريعياً لتعديل قانون المواريث بإضافة مادة جديدة تعاقب من يحرم أحد الورثة الشرعيين ذكراً كان أو أنثى من حقه الشرعي في الميراث. ب-ضرب الزوجات ضرباً مبرحاً يحدث بهن إصابات شديدة تحت ستار حق التأديب الذي يمارسه الزوج ضد زوجته. وقد رأينا أن القانون المصري لا يخرج ضرب الزوجة من مجال التجريم، لكن الأمر يحتاج إلى توضيح.

3-ضرب الأطفال الذي يدخله البعض في نطاق حق التأديب المقرر للأب، وقد تحدث فيه تجاوزات تصل إلى حد إحداث الوفاة أو إصابات جسيمة.

4-ختان الإناث وقد رأينا أن القانون لا يجرمه بنص صريح ويحتاج إلى تدخل تشريعي قد يكون صعباً في الظروف الراهنة. ويجب أن يشمل التجريم ولي أمر الفتاة الذي يوافق على إجراء الختان باعتباره شريكاً بالإنفاق في هذه الجريمة. كما يشمل العقاب كل من حرض علناً على ختان الأنثى.

5-إجبار الفتيات على الزواج المبكر، وهو سلوك يرتكبه أفراد الأسرة لا يعاقب عليه القانون صراحة.

6-اغتصاب الزوجة، ويدخل في نطاق جناية الاغتصاب في قانون العقوبات المصري، لأن نصوص الاغتصاب تعاقب “من واقع أنثي بغير رضاها” دون تمييز بحسب علاقة الذكر بالأنثى. وبناء عليه يشمل النص في صياغته الراهنة اغتصاب الزوج لزوجته إذا واقعها بغير رضاها الحر، لعدم التفرقة بين المعاشرة الجنسية القسرية التي تقع على الزوجة من زوجها أو الممارسة الجنسية القسرية التي تقع من الرجل على امرأة غير زوجته. وقد يرى البعض أن هناك آراء في الفقه الإسلامي تجيز للزوج مواقعة زوجته من دون رضاها، لكن القانون لم يأخذ بهذه الآراء عندما صاغ المادة 267 من قانون العقوبات.

 ولو أن المشرع أراد تبني هذه الآراء لكان النص قد عكس ذلك بقوله ” من واقع أنثى عدا زوجته بغير رضاها يعاقب …”، لكنه لم يفعل ذلك مما يدل على اتجاه القانون إلى اعتبار إتيان الزوجة كرها عنها جريمة اغتصاب، وهو ما يتفق مع إنسانية المرأة وكرامتها ويحترم حقوقها الإنسانية. أن قضايا العنف الأسري يجرمها قانون العقوبات المصري مثلا في قضايا الضرب والاعتداء البدني في المواد 242 من قانون العقوبات والمواد 302، 306 بالنسبة لجرائم التعدي بالسب والقذف وكذلك المواد 260، 263 في حالة إجهاض الزوجة بخلاف قوانين أخرى

بينما أن القوانين غير رادعة وخصوصا أن هناك نصوص طبقا للمادة 60 التي تنص «لا تسري أحكام قانون العقوبات على كل فعل ارتكب بنية سليمة عملا بحق مقرر بمقتضى الشريعة الإسلامية».

وتجيز للرجل ضرب زوجته بحجة أن الشريعة الإسلامية لا تمانع ذلك، وتطالب جهات عدة بإلغائها لما تؤدي إليه من عنف أسري.

تبيح التعدي على الزوجة والابنة تحت نطاق التأديب باعتباره عملا مقررا بمقتضي الشريعة، ان تطبيق قانون شامل وموحد لقضايا العنف الأسري وضبط الجرائم ومحاسبة مرتكبيها إحدى وسائل الحد من الانتهاكات التي تمارس ضد النساء على أن يضاف إلى نصوص القانون تجريم الاغتصاب الزوجي بشكل صريح والنص على الإجهاض الأمن وفي المسار نفسه على الدولة التزام بالتوعية وتأهيل المقبلين على الزواج بضرورة الاستيعاب وكيفية التعايش.

أن مفهوم العنف حتى بداية التسعينيات في القرن الميلادي الماضي لم يكن يتجاوز التعدي البدني والعقلي على المرأة، كما أنه لم يكن قضية مستقلة تفرد لها المؤتمرات.

 وفي عام 1993م، جعل قضية مستقلة ناتجة عن التمييز بين الجنسين. وبهذا يتحول العنف ضد المرأة من قضية تتفق البشرية على تجريمها، إلى وسيلة من وسائل التغيير الثقافي للمجتمعات، أن أي إصلاح قانوني مهما بلغت درجة تطوره، لن يكون له آثر في معالجة قضية المرأة خاصة إذا كان مصدره توصيات واتفاقيات دولية،

 ولا يرتكز على تشخيص حقيقي لواقع المرأة، وبحث في الأسباب الكامنة وراء الانتكاسة الحقوقية التي تعيشها في جميع المجالات. وإن قضيتها لن تجد حلا إلا في إطار معالجة شمولية ومندمجة لمشاكل الأمة ككل. وإلا فمن شأن الاقتصار على المقاربة القانونية تعميق الهوة ورفع حدة الصراع بين المرأة والرجل، ليبقى الخاسر الأول والأخير هو الأسرة.

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك